7 - اليوم السابع - الاستفاقة

في غرفة المستشفى التي كانت تبدو باردةً ومكتظةً بالأجهزة التي تومض وتصدر أصواتاً متقطعة، استفاق عمر كانت عيناه تتنقلان بصعوبة بين أرجاء الغرفة، وكان عقله ما يزال مشوشًا، كما لو أنه يطفو بين عالمين، أحدهما حقيقي وآخر لا يصدق.

الضوء الساطع الذي يخترق الستائر جعل كل شيء حوله يبدو ضبابيًا. تحركت يده ببطء، فشعر بثقل غريب في جسمه، وعندما نظر إليها اكتشف أنه لا يستطيع تحريكها بالطريقة التي كان يتحرك بها سابقًا. كانت مشلولة.

داخل الغرفة كان الصمت ثقيلًا، فقط أصوات الأجهزة التي تراقب حالته هي التي كانت تملأ المكان. بدأ عقله في العودة ببطء إلى الوعي الكامل. كانت هذه اللحظات غريبة عليه، كما لو أنه كان يحاول تذكر شيء ضائع أو غير موجود.

لكن قبل أن يُدرك تمامًا ما حدث، بدأت الصور تتدفق إليه. مشاهد حلمه الأخير، الذي قضى فيه سبعة أيام، تتسلل إلى ذاكرته. في البداية، كان كل شيء ضبابيًا، لكنه الآن بدأ يتضح له. كانت كل تلك الأحلام عن ليلى، عن مواقف لم يستطع فيها التعبير عن مشاعره، كانت جزءًا من رحلة لم يلتقط فيها الفرص.

أغمض عينيه، وأعاد تشكيل اللحظات التي عاشها في أحلامه. تذكر كيف ظل صامتًا في كل مرة، كيف لم يجرؤ على قول "أحبك" بينما كانت ليلى تبتعد عنه، في كل مرة كان الوقت يهرب منه. في حلمه الأخير، كانت السيارة قد ابتعدت، وكانت ليلى تلوح له مودعة. لكنه في تلك اللحظة، شعر أنه قد فات الأوان.

"لماذا لم أخبرها؟"

تمتم عمر مع نفسه بصوت خافت. كانت تلك هي الكلمات التي تعذبه الآن، تلك اللحظات التي كان فيها حاضرًا جسديًا، لكن قلبه كان غائبًا.

كان يشعر بالندم، وبمرارة هذا الفقد، لا لأنه فشل في الاعتراف بحبه لها فحسب، ولكن لأنه فقد فرصة أخيرة لربما كانت تملأ حياته كلها. الحلم كان وكأنه محاكاة للواقع، مليئًا بالألم والحزن، لكن في قلبه كان هنالك أيضًا أمل غير مكتمل.

مرت الساعات، وعمر كان عالقًا في حالة من المراقبة الصامتة لحالته. جاء الأطباء والممرضات ليقوموا بفحصه، لكنهم كانوا يبتسمون ابتسامات باردة، لا يشعر بها قلبه. كانوا يتحدثون إليه بلغة طبية، يحاولون أن يطمئنوه، لكن كلماتهم كانت بعيدة جدًا عنه، كما لو كانت في عالم آخر.

كان يريد أن يصرخ، أن يقول لهم شيئًا، لكن جسده لم يساعده. كان كل ما يفعله هو مجرد محاولة خجولة لتحريك أصابعه التي كانت تبدو ثقيلة للغاية.

ومع مرور الوقت، تذكر تلك اللحظات التي كان يحلم بها، تلك اللحظات التي كانت كل واحدة منها تطارده كأنها تميمة حزنه. كيف لم يذهب إلى ليلى في حفلة التخرج؟ كيف لم يقترب منها حين كان بإمكانه أن يفعل ذلك؟ كم من الفرص ضاعت؟ وماذا لو كان قد فعل شيئًا مختلفًا؟ هل كانت الأمور ستتغير؟ هل كانت ستتغير حياتهم؟

كل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهنه مع كل نفس يأخذه، وكل ثانية تمر عليه. كان جزء من عقله يرفض تصديق أنه لم يكن هناك أي شيء يمكنه أن يفعله في تلك اللحظات، لكن قلبه كان يعرف الحقيقة. لقد فشل في الاعتراف، وها هو الآن يواجه العواقب.

في تلك اللحظات التي كان فيها في عالمه الخاص، شعر بشيء غير عادي. أحد الأطباء جاء ليطمئنه، لكنه لم يكن بحاجة إلى أن يسمعه الآن. كان الصوت الذي بحث عنه هو صوت أمه، وصوت والده، وأصدقائه. لم يكونوا هنا بعد.

لكنه في النهاية، شعر بشيء مختلف، شيء ثقيل يعبر عبر الباب. نظر إلى الباب بصعوبة، ورأى والدته التي دخلت أولًا، ثم والده وأصدقاؤه الذين بدأوا بالتجمع حوله. كانت أعينهم مليئة بالدموع، لكنهم كانوا يبتسمون له. كان يبدو أنهم غير قادرين على التصديق أنه قد استفاق بعد هذا الوقت الطويل فقد دخل في غيبوبة مند سبعة ايام.

أثناء الجلسة العائلية التي عقدها الطبيب، بدأت الصورة تتضح لعمر أكثر. كانت والدته تتحدث عن الحادث الذي وقع في اليوم الذي دخل فيه في غيبوبته. لم يكن مجرد حادث، بل كان صدمة شديدة قد تجلت له في تلك اللحظة القاسية.

عندما كان في حفل زفاف ليلى، وهي ترتدي الفستان الأبيض، وتبتسم لشخص آخر. وعندما غادر الحفل، خرج إلى الشارع وهو مغمور بمشاعر من الألم والخوف والحزن، وبينما كان يقف في الشارع، صدمته سيارة، وفقد الوعي.

كانت تلك لحظة الحقيقة التي كشفت له سرّ غيبوبته. كانت هذه لحظة الصدمة التي غيبته عن الوعي طوال هذه الأيام السبع. عاد إلى وعيه، ليس فقط بألمه الجسدي، ولكن مع ثقلٍ هائل من الندم على فرصة ضاعت منه، وعلى حقيقة لا يمكنه تغييرها الآن.

2024/11/21 · 15 مشاهدة · 684 كلمة
yassine
نادي الروايات - 2025