كان الظلام قد بدأ يغمر الغرفة، وتسلل نور خافت من نافذة المستشفى الصغيرة التي كانت تطل على شارع هادئ. الساعة كانت تشير إلى السابعة مساءً، وعمر كان مستلقيًا على سريره، عيناه لا تفارقان الجدران البيضاء التي تحيط به. كانت الصمت يعم المكان، باستثناء أصوات الأجهزة التي تصدر نبضات متسارعة تراقب حالته الصحية.
دخلت غرفة المستشفى بهدوء، خطوات خفيفة تتناغم مع همسات قلبه. لم يشعر عمر بحركة المكان، ولا حتى بنبضات قلبه التي كانت تختلط بأفكار متشابكة. لكنه شعر بشيء غير عادي، شيء دافئ يدخل الغرفة ويملأ المكان بعطر قديم، عطر كان يذكره بطفولته، بمدرسته، بأحلامه.
ليلى.
رأى وجهها وهو يبتسم، كما في الأيام الخوالي عندما كان صغيرا . كانت ليلى تقف عند الباب، تنظر إليه، و عيناها تحملان الكثير من الحزن و كانت ترتدي ملابس بسيطة، لكنها كانت أجمل من أي شيء آخر في هذا العالم بالنسبة له.
شعر قلبه ينبض بقوة، ولكنه لا يستطيع تحريك شفتيه. كان اللسان عالقًا في حلقه، والأصابع لا تستطيع أن تكتب حتى كلمة واحدة.
كان عمر يريد أن يتكلم، يريد أن يخبرها بكل شيء، يريد أن يصرخ في وجهها بأن كل ما حدث كان خطأه، وأنه لم يكن قادرًا على الاعتراف بحبه لها في الوقت المناسب. كان يريد أن يقول لها كم يندم، كيف كانت كل تلك اللحظات التي حلم بها طوال أيامه مجرد أوهام ضائعة.
لكن لم يصدر منه أي صوت. كان لسانه ثابتًا، والجسد الذي كان يتألم لم يساعده. لا شيء سوى نظراته العميقة، المليئة بالندم والحزن، كانت تروي لها ما كان في قلبه.
كان عمر يريد أن يصرخ، أن يخبرها أن هذا ليس عادلاً، أن الحياة لا تمنحه فرصة ثانية ليغير ما حدث. لكنه كان عالقًا في جسمه، في جسدٍ لا يطيع أوامره، وفي عقلٍ يود لو يصرخ في وجهها بكل ما في قلبه.
ليلى مدت يدها ووضعتها على قلبه، ثم قالت، "أريدك أن تعرف، عمر، أنك كنت دائمًا في قلبي، في كل لحظة. أنت فقط كنت تخشى أن تُظهر ضعفك، ولكن الحب لا يتطلب الشجاعة لظهوره، بل يتطلب فقط أن يُعاش."
ثم نهضت بهدوء، وغسلت عينيها بالدموع، وكأنها تودع جزءًا من حياتها كان قد ضاع. وقفت هناك لفترة، تنظر إليه للمرة الأخيرة. كان بإمكانه أن يرى في عينيها عذرًا، لكن أيضًا كان هناك شيء من الرحيل.
وكانت تلك اللحظة الختامية، اللحظة التي أدرك فيها عمر أنه فات الأوان. فجأة، شعر بنوع من الاستسلام، وكأن حياته قد وضعت أمامه ككتاب مفتوح، والصفحات التي مرّت لا يمكن العودة إليها.
كانت ليلى قد غادرت، لكن عمر بقي هناك، في غرفة المستشفى، عالقًا بين الماضي والمستقبل، بين الأمل واليأس، بين حلمٍ غير محقق وحقيقة قاسية.
.
.
.
النهاية