كان المشهد مروعًا بحق؛ أريس يقف فوق رأس «سين» المغمى عليه، والدماء تسيل من فمه وأنفه ببطء، تلطخ بلاط الساحة اللامع وتفوح منها رائحة الحديد الثقيلة. كان المشهد قاسيًا لدرجةٍ لن يستطيع أحد ممن شاهده نسيانه أبدًا، بل انطبع في أعماق أرواحهم كندبة لا تُمحى.
في مكتب المدير، جلس «ألان» يراقب القتال عبر شاشة الهولوغرام، وقد ارتسمت على وجهه علامات الدهشة والجدية.
همس لنفسه بصوت مبحوح:
"هذا الفتى حقًا في مستوى مختلف..."
تذكّر حركات أريس في القتال — سرعة تفوق العين، قوة بدنية هائلة، ودقة لا تصدّق — كل ذلك جعله يتفوق على أي طالب في سنه.
أردف ألان، وهو يضيق عينيه متأملاً:
"كما أن تحكمه في عنصره مرتفع جدًا، يشبه تحكم ساحر متمرس في عناصره... هذا غريب حقًا."
لو كان أريس يسمع هذه الكلمات، لرفع إبهامه بابتسامة ساخرة.
ففي النهاية، هو فارس سحري، وبفضل بنية جسده المولودة من الفوضى، يمتلك تحكمًا عالياً في العناصر.
أما عنصر الظلام، فقد درّب نفسه عليه لسنوات طويلة حتى صار كأنه جزء من أنفاسه.
في قصر فاخرٍ غارقٍ في الأضواء والسكينة، كان «آرثر» يشاهد القتال على شاشة ضخمة، وملامحه متجمدة في صدمة نادرة.
"كيف يمكن أن يصل إلى هذا المستوى؟"
تسلل الخوف الخافت إلى صوته، خوف من وجود متغيرٍ لم يحسب له حسابًا، متغير قادر على قلب خططه رأسًا على عقب.
تنفس ببطء ليستعيد هدوءه وقال بصوت حاد:
"هل جمعتم معلومات عن أريس؟"
خرج صوت منخفض من الظل خلفه، خشن يحمل لمحة من الخضوع:
"لا شيء مميز يا سموّك، كل شيء حوله عادي جدًا."
التفت آرثر نحوه ببطء، نظراته تخترق الظلام كالسيف:
"هل هذا ما توصلتم إليه؟ حتى كلب شارع يمكن معرفته أكثر من ذلك."
ارتجف الصوت من الخوف وهو يجيب:
"آسف يا سموّك، لقد بذل الجميع جهدهم، لكن كل شيء عنه... عادي لدرجة غريبة."
ضاق بصر آرثر، وقال وهو يهمس وكأنه يفكر بصوت مرتفع:
"غريب... ماذا تعني بذلك؟"
"أعني يا سموّك، كيف لشخص بمثل قوته أن يظل مجهولاً بهذا الشكل؟ لم يُرصد من قبل أبدًا..."
توقف الصوت، لكن آرثر فهم المعنى جيدًا.
"إما أنه يُخفي قوته... أو أن هناك شخصًا يقف خلفه."
"نعم، يا سموّك."
أسند آرثر مرفقه على المكتب، ووضع ذقنه على يده وهو يغوص في التفكير العميق. من الذي يمكن أن يمتلك القوة لتدريب وحماية شخصٍ مثل أريس؟
لكنه لم يجد جوابًا. في إمبراطورية الشمس، لا أحد يجرؤ على ذلك... إلا إن كان أقوى منها، وذلك شبه مستحيل.
في زاوية مظلمة من ساحة التدريب، وقف شخص يراقب بصمت، عيناه تلمعان كأنهما تعكسان لهبًا خافتًا.
همس مبتسمًا:
"حقًا، هذا الفتى مذهل... في كل مرة يصدمني أكثر."
أما «مي»، التي كانت تتابع القتال بصدمة، فقد أفلتت من ذهولها أخيرًا وركضت مسرعة نحو «سين» الملقى على الأرض. ركعت بجانبه، وجهها مملوء بالغضب والقلق.
صرخت وهي تنظر إلى أريس:
"أريس! لقد خالفت قواعد النزال!"
رفع أريس رأسه قليلًا، حاجباه منحنِيان باستغراب.
"أستاذة مي، كيف خالفت القواعد؟"
ردت بعصبية، وصوتها يرتجف من الغضب:
"ألم يكن واضحًا أنه ممنوع إصابة الخصم بجروح خطيرة؟!"
أمال أريس رأسه أكثر، وصوته هادئ كنسمة باردة وسط صراخها:
"حقًا؟ لكنه ما زال يتنفس... ولم أسبب له أي ضرر خطير."
اشتعل الغضب في عيني مي.
"هل تمزح معي؟!"
أجابها أريس بابتسامة باهتة، وعيناه خاليتان من أي ندم:
"لا، لا أمزح. إن كان ضعيفًا، فليبقَ في منزله يشرب الحليب من صدر أمه. وإلا... كيف سيصمد في ساحة حرب حقيقية؟"
"لكن..."
قاطَعها أريس بنبرةٍ حادةٍ منخفضةٍ تقطع الهواء كحد السيف:
"أستاذة مي، يجب أن تفهمي... هم من اختاروا طريقة النزال هذه، وليس أنا. لذلك، قبل أن تتحدثي، وزّني كلماتك جيدًا."
صمتت مي، قبضتاها ترتجفان لكنها لم تجد ما ترد به. في النهاية، لم يضع الآخرون أي قواعد واضحة، وكان هو محقًا من الناحية التقنية.
وفجأة، اندفع شخصان نحو سين بسرعة، وجهيهما مشتعِلان بالغضب — كانا التوأمين «سام» و«شين».
"سين! هل أنت بخير؟!"
ثم صرخ أحدهما في وجه أريس:
"أريس! سأقتلك على ما فعلت!"
تقدموا نحوه بعنفوان، لكن مي أطلقت هالتها السحرية في المكان، فاشتد الهواء من حولهم حتى اضطروا للتوقف.
"يكفي! سين بخير، سيصل الطاقم الطبي الآن لنقله إلى مستشفى الأكاديمية!"
بعد لحظات، وصل الطاقم الطبي بسرعة، يتصاعد بخار دواءٍ منعشٍ من أدواتهم بينما يفحصون «سين».
قال الطبيب وهو يتفقد نبضه:
"إصاباته ليست خطيرة. طالما تلقى العلاج وارتاح، فسيكون بخير غدًا."
بدأوا بحمله على نقالة، لكن صوت أريس البارد قطع الهدوء:
"انتظروا لحظة."
توقف الجميع، واستدار الطبيب نحوه.
"هل هناك إصابة أخرى؟"
هز أريس رأسه وقال بهدوء:
"لا، أردت فقط أن يُجهّز جزء من الطاقم أسِرّة في المستشفى لبقية المشاركين."
نظر الطبيب إليه نظرة إعجاب خفي، وأجابه بابتسامة قصيرة:
"لا تقلق، لقد جُهّز كل شيء بالفعل. سيأتي طاقم آخر قريبًا."
بعد رحيلهم، حدّق أريس بأحد التوأمين وأشار إليه بإصبعه بثقة:
"أنت، أيها الصغير... هل تعرف آخر شخص قال إنه سيقتلني؟ أين هو الآن؟"
رد «شين» بعصبية:
"لا أعرف!"
ابتسم أريس بسخرية قاتلة، عينيه تتوهجان ببرودٍ كأنهما ظلامٌ يبتلع الضوء:
"هل أنت غبي؟ إنه أخوك... قالها قبل أن أجعله يرقد تحت قدمي يُقبّل الأرض."
احمرّ وجها «شين» و«سام»، وبرزت عروق الغضب في جبينهما.
صرخ أحدهما:
"سوف تندم!"
لكن أريس، الذي كان يمتلك كل ما يحتاجه من معلومات عبر «عين الملك»، لم يفهم من أين تأتي ثقتهما الفارغة.
صعد «شين» إلى الساحة بخطواتٍ متهورة، بينما تنفست مي بعمق محاولة تهدئة الوضع، ثم أعلنت بداية النزال.
في اللحظة نفسها، اختفى أريس من مكانه، وظهر خلفه كطيفٍ من الظلام.
همس في أذنه بصوت باردٍ كأنما الشيطان يتحدث:
"هيا... أرِني كيف ستجعلني أندم."
قبل أن يتمكن «شين» من إطلاق مهارته، انفجرت لكمة أريس عليه كصاعقة.
توالت اللكمات دون توقف، أصواتها تُدوّي في الساحة كالرعد، وجسده يتلوى مع كل ضربة.
لمدة دقيقة كاملة، لم يكن سوى لعبة بين قبضات أريس.
سقط على الأرض منهكًا، وجهه متورم ويداه ترتجفان.
وقف أريس فوقه وضغط بقدمه على كفه بقوة، حتى سُمعت صرخة تمزق الصمت:
"آآآآآآآآآآآآآه!"
ارتجف الجميع من شدة المشهد، حتى أولئك الذين كانوا يشاهدون من بعيد شعروا بقشعريرةٍ تزحف على جلودهم.
قال أريس بنبرة هادئة، لكنها حملت بردًا يشبه الموت:
"التالي."
تقدم «سام» بخطواتٍ غاضبة يريد الانتقام، لكن مصيره لم يكن مختلفًا.
تحول إلى كيس ملاكمة آخر بين قبضتي أريس.
بعد ثلاث جولات من قتال لم يجبره احد على سحب سيفه حيث انه لك يستحق أحد مهرجان ثلاثة احترامًا .
"التالي."
كان صوته مثل هدير طبولٍ تقرع في قلوبهم، يزلزل المكان بثقلٍ لا يُوصف.
ضحك كاي بحماسٍ، وعيناه تتوهّجان بإعجابٍ صادق:
"ههههههه، كما هو متوقع من الزعيم!"
رمقه إديسون بنظرةٍ باردة كالجليد وقال بازدراءٍ واضح:
"ولماذا تضحك أيها الأحمق؟"
ابتسمت كيرا بخفة وسخرت من إديسون بصوتٍ لاذعٍ وهي تميل برأسها نحوه:
"ماذا هناك يا صاحب الأربع عيون؟ هل قلتَ شيئًا؟"
تجمّدت ملامح إديسون، وغضبُه اشتعل في عينيه؛ فقد ضربت كيرا نقطة ضعفه تمامًا.
" أيتها ..."
لكن قبل أن يتكلم، امتدت يدٌ قوية والتفت حول رقبته من الخلف كالأفعى.
صوت كاي خرج منخفضًا، مبحوحًا بالغضب:
"هيا يا دودة الكتب، قد تسخر مني كما تشاء... لكن إن سخرت من أختي مرة أخرى، سأجعلك ترى كتبك الثمينة وهي تحترق أمامك، وأستخدم رمادها لإشعال نار شواءٍ احتفالًا بفوز الزعيم."
تجمّد إديسون في مكانه، ونظر إلى كاي ليجد في عينيه وهجًا أحمر قاتمًا، باردًا كالجمر المطفأ، لا يحمل رحمة.
نفض يد كاي عن كتفهو وابتعد، قائلاً ببرودٍ خافتٍ:
"اللعنة على بربرية..."
وقفت كيرا إلى جانبه، تبتسم بخفةٍ وهي تنظر إليه.
قالت: "كنت أستطيع الرد عليه بنفسي، كما تعلم."
ضحك كاي بهدوءٍ وقال: "هذا لأنك أختي، كيرا."
تبادل الاثنان ابتسامةً قصيرة قبل أن يتحول نظر الجميع إلى الخصم التالي لأريس — قزمٌ قصير القامة، عريض الكتفين، يُدعى بوفو.
وقف بوفو بثباتٍ في منتصف الساحة، وصوته خرج عميقًا كأن الجبل نفسه يتحدث:
"أريس، أنت قوي، أعترف بذلك. لم أقبل مثل هذا من قبل... لذلك، لنخض قتالًا مقدّسًا."
لم يفهم أغلب الطلاب معنى كلماته، لكن مي كانت تعرف تمامًا ما تعنيه.
ففي ثقافة الأقزام، هناك ثلاث أشياء تُعدّ مقدسة: صقل الأسلحة، شرب النبذ، والقتال المقدّس — وهو أعلى درجات الاحترام بين المقاتلين.
كان أريس يعرف هذا أيضًا، ورفع رأسه بهدوءٍ وهو يقول:
"إذن، لنخض قتالًا مقدسًا... وبعد انتهائه، سأدعوك لشرب نبذ."
ابتسم بوفو بخفة، والاحترام يلوح في عينيه:
"آمل أن يكون النبذ جيدًا."
ابتسم أريس هو الآخر، ثم سحب سيفه ببطءٍ، فارتفع صوته المعدني كهمسٍ قاتل يخترق الهواء.
تغيّر أسلوبه تمامًا عمّا كان عليه قبل قليل، لكن أحدًا لم يعرف السبب — إلا أريس نفسه، الذي رأى شيئًا مذهلًا عبر عين الملك.
كانت رائحة الحديد والعرق تختلط في الساحة، والهواء يعبق بحرارةٍ خانقة ممزوجة بترقبٍ صامت.
الجميع حدّق نحو الساحة بقلوبٍ ترتجف، بينما بدأت ملامح القتال المقدّس ترتسم...
وأريس، بابتسامةٍ خفيفة .
_____
هذا الفصل هو طلب من أهم متابعٍ لي في الرواية، فهو منذ بداية النشر كان دائمًا من أوائل من يقرؤون ويتركون تعليقًا.
بصراحة، عندما أرى تعليقًا — وحتى قبل أن أدخل — أعرف صاحبه فورًا.
من هنا، أريد أن أشكرك على دعمك المستمر، (Aimad)
.