انتشرت نسخٌ من «أريس» تحمل خنجر الليل، وكانت عيونها البنفسجية تلمع ببرودةٍ قاتلةٍ تنذر بالموت القادم.
تحركت النسخ بسرعةٍ نحو مصدر نية القتل، وكانت المشاهد تُظهرها كأنها حقيقية وليست مجرد أوهامٍ، نتيجة السرعة والخدعة البصرية المذهلة.
فجأة... توقفت نية القتل المنبعثة، كأنها تلاشت في الهواء، لكن أريس لم يتراجع، بل على العكس، ازداد تقدُّمًا، وشرارة القتال اشتعلت أكثر في عينيه المتوهجتين.
في لحظة خاطفة، انطلق ظلّ من بين الأشجار نحو أريس.
لم تكن النسخ من تصدّى للهجوم، بل أريس نفسه هو من فعل.
تصدّى بخنجر الليل لضربةٍ سريعةٍ من خنجرٍ آخر، فدوّى صوت الحديد وهو يصطدم، واندفع جسده إلى الخلف بقوةٍ جعلته يطير مترين قبل أن يهبط بانزلاقٍ خفيفٍ على الأرض المبتلة بالندى.
كان الطرف الآخر يرتدي ملابس سوداء ضيقة تُشبه ملابس المغتالين، لا يُرى منه سوى عينيه المضيئتين بوميضٍ باردٍ خالٍ من الرحمة.
تأمل أريس خصمه بسرعة، محاولًا تحليل حركاته.
"ما هذه القوة؟ يجب أن يكون مغتالًا من فئة ثلاث نجوم على الأقل ليملك هذه القوة الجسدية الخام... "
لم يُكمل تفكيره حتى تحرّك جسده لا إراديًّا إلى الجانب، فمرّ خنجر بارد أمام وجهه تاركًا أثرًا رفيعًا في الهواء.
في اللحظة التالية، ظهر ظلّ فوقه يهوي بخنجره من الأعلى، ولو تأخر أريس لحظة واحدة، لاخترق السلاح رأسه.
بشقلبةٍ خفيفة، ارتكز أريس على غصن شجرةٍ قريبة، وعيناه تراقبان الظلّ وهو يقطع الأرض بضربةٍ عنيفةٍ أثارت الغبار.
«من يكون هذا الشخص؟» تمتم أريس بصوتٍ خافتٍ وهو يضغط على خنجره.
اندفع ثانيةً مستخدمًا خطوة الشبح، لتختفي صورته وتتحوّل إلى ومضاتٍ خاطفةٍ بين الأشجار.
تحرك المغتال بالمثل، متجنبًا كل حركةٍ بمرونةٍ مذهلة، ثم وجّه لكمةً خاطفةً إلى أضلاع أريس، فصدر صوت تشققٍ مكتومٍ تلاه زفيرٌ خافتٌ من الألم، لكن أريس لم يتراجع.
استغل الزخم، ودار بجسده ليضرب خصمه بركلةٍ قويةٍ على فخذه، غير أنه شعر وكأنه ركل صفيحةً فولاذية.
«ما مدى قوة هذا الرجل؟» فكّر أريس، وعيناه تضيقان بتركيزٍ حادّ.
امتدت يد المغتال نحو وجهه في محاولةٍ للإمساك به، لكن أريس انحرف بجسده بسرعةٍ مذهلة، تاركًا خلفه أثرًا من الظلال المتحركة.
صرخ بغضبٍ مستفز:
«هيّا أيها اللعين! أنا من يُمسك بالرؤوس ويُحطّمها!»
رفع إصبعه الأوسط بسخرية، وفي لحظة، اختفى الظلّ ليظهر خلفه محاولًا الإمساك به.
لكن أريس ابتسم ببرودٍ ساخرٍ قبل أن تتشوش صورته وتختفي.
«...صورة وهمية؟»
خرج الصوت من فم المغتال مصحوبًا بارتباكٍ واضح، قبل أن يسمع صوتًا مروّعًا...
تمزّق.
انفجر صوت تمزق اللحم في الهواء، وتسللت رائحة الدم الحديدية النفّاذة بسرعةٍ عبر الرياح، بينما سقطت قطراتٌ حمراء على الأرض، مكوّنة دوائرَ صغيرة.
شفرةٌ سوداء قاتمة، كأنها خرجت من أعماق الظلام نفسه، اخترقت منتصف صدر المغتال.
التفت الأخير بعينين مرتعشتين، ليرى أريس خلفه، راكعًا قليلًا، نصف قدمه غارق في ظلالٍ سوداء تلتف حوله مثل كائنٍ حيٍّ يزحف من الجحيم.
قطرة دم انزلقت على خده البارد، وجهه جامد لا يحمل أدنى تعبير، كأنه آلة قتلٍ اعتادت رؤية الموت.
قال بصوتٍ منخفضٍ كجليدٍ يذوب ببطء:
«حقًا... النبلاء لا يتأخرون كثيرًا. لكن للأسف، واحدٌ لا يكفي لقتلي.»
كان صوته يحمل برودة اللامبالاة، كأنه يتحدث عن قتل كلبٍ ضالٍّ في الشارع.
حاول المغتال تحريك جسده، لكنه وجد نفسه مقيدًا بأسلاكٍ سوداء رفيعة تشبه خيوط العنكبوت، تلتف حوله وتضغط على لحمه، تنتظر فقط إشارةً واحدةً لتمزقه إربًا.
سحب أريس خنجر الليل ببطء، وانطفأ البريق في عيني المغتال في اللحظة ذاتها.
تدلّت الجثة في الهواء، تتأرجح قليلًا مع هبوب الرياح الباردة، والظلال تتلاعب بها كأنها دمية بلا روح.
وقف أريس في صمت، وجهه قاتمٌ ومشوهٌ بالغضب، بينما خرجت كلماته متقطعة كأنها نُحتت من الحجر:
«اللعنة... لقد كنت مسترخيًا حقًا. نسيتُ مَن هم النبلاء... ونسيتُ ذلك الوغد وتلك العاهرة. أسبوعٌ واحد... وسأريهم ما هو الكابوس الحقيقي.»
كان المغتال تابعًا لهدفٍ من أهداف أريس القادمة، أرسله النبلاء بعد أن سحق كبرياءهم في المعركة الأخيرة.
لم يتوقع أن تصل بهم الجرأة لإرسال مغتالٍ نحوه بهذه السرعة.
مسح الدم من خنجره، ونظر إلى الجثة المعلقة.
«لو لم أتدرّب على خطوة الشبح، ولم أملك قلادة الظلّ... لكان هذا القتال صعبًا حقًا.»
ثم تنفس ببطء، قبل أن يهمس ببرود:
«حسنًا... حان وقت تنظيف هذه الفوضى.»
بحركةٍ بسيطة، رفع تعويذةً سحرية، فاختفت الخيوطُ المضيئة التي كانت تلتفّ حول الجثّة الملقاة على الأرض، قبل أن يُخفيها داخل مستودع النظام.
قال بصوتٍ منخفضٍ خالٍ من الانفعال:
"يمكن أن يهتم عمّال الأكاديمية بتنظيف المكان، فحوادث الاغتيال بين طلاب النبلاء ليست شيئًا جديدًا."
بعد ذلك، أخرج قارورةً صغيرةً تحتوي على سائلٍ أخضر لامع، انبعثت منه رائحةُ أعشابٍ حادّةٍ ممزوجةٍ ببرودةٍ خفيفة. فتحها بحذرٍ، ثم رشّ بضع قطراتٍ على الأرض. بدأ الهواء يهتزّ بخفّة، واختفت رائحة الدم وآثار الهالة تدريجيًّا، وكأنّ شيئًا لم يحدث قط.
تمتم بابتسامةٍ باهتة وهو يُغلق القارورة:
"وهكذا، لن يظنّ أحدٌ أنني من فعلها..."
في الظلام، تلاشى صدى صوته مع نَفَس الريح الباردة، بينما ظلّت رائحةٌ معدنيّةٌ خافتةٌ — بقايا دمٍ لم يمحُها السحر تمامًا — تتسلّل في الأجواء، تُعلن بصمتٍ أن الصيّاد الحقيقي قد استيقظ.
في قصرٍ ضخمٍ يزخرُ بالخدمِ والجنودِ الذين يحرسون أرجاءه، كانت الهالة التي تنبعثُ منهم تُظهرُ بوضوح أنهم من أصحاب القوة والخبرة.
في داخل القصر، وتحديدًا في غرفة نومٍ فاخرةٍ، كان يمكن سماعُ أصواتٍ غريبةٍ تتردّد خلف الجدران، ليست صرخاتِ ألمٍ بل صرخاتٍ ممتزجةٍ بلذةٍ مشبوهةٍ ومشاعرٍ غامضة.
تألّقت الأنوارُ في الغرفة بوهجٍ ذهبيٍّ ناعمٍ، فيما ارتسمت ظلالٌ بشريةٌ على الجدران تتحركُ في وضعياتٍ مخجلةٍ، تتمايلُ ببطءٍ وانسجامٍ شهواني.
حتى الخادماتُ الواقفاتُ في الخارجِ كنّ يتعرّقنَ بغزارةٍ، والارتباكُ بادٍ على وجوههن، لا يجرؤنَ على الاقتراب من الباب ولو خطوةً واحدة.
في الداخل، كان هناك شابٌّ وشابةٌ عاريانِ تمامًا، لا يغطي جسديهما إلا بطانيةُ السرير الحريرية، والعرقُ يتصبّبُ منهما كالمطر. أنفاسُهما الحارّةُ تُحدثُ ضبابًا خفيفًا في الهواء، ورائحةُ العطرِ المختلطِ بالعرقِ تملأُ الغرفة، تثيرُ الغثيان أكثرَ مما تُغري.
كان واضحًا من هيئتهما أنهما نبلانِ في لحظةِ استمتاعٍ شاذةٍ، لكن الغرابة الحقيقية كانت في ملامحهما المتطابقة — شعرٌ بنيّ، نمشٌ خفيفٌ على الوجنتين، نفسُ لونِ العينين، ونفسُ الشكلِ تمامًا... إنهما توأمان.
تحدثت الفتاة بصوتٍ مبحوحٍ:
"أخي... هل أنهى ذلك الكلب مهمته؟"
أجابها الشابُ بابتسامةٍ متغطرسةٍ ونبرةٍ متشبعةٍ بالغرور:
"نعم، لقد درّبته بنفسي، وأنا متأكدٌ أنه سيُنهي المهمة كما يجب."
ضحكت الفتاة بخفةٍ وهي تمرر أصابعها على صدره المبتلّ بالعرق قائلةً:
"إذن، ذلك المسمّى أريس... سيكون دميةً وخادمًا مثاليًا لنا."
ارتسمت على وجه الشاب ابتسامةٌ متعاليةٌ:
"ماذا؟ هل تظنين أنه أفضلُ مني؟"
اقتربت منه أكثر، عيناها تلمعان بخبثٍ:
"لا، أخي... أنت الأفضل دائمًا."
ثم التحم جسداهما مجددًا، وبدأت الغرفةُ تمتلئُ بأصواتٍ أثقل، وصرخاتٍ مكتومة، واحتكاكٍ محمومٍ بين جسدينِ تلطّخا بالحرارةِ والرغبة.
في الخارج، حيث النافذةُ نصف المفتوحة، كان أريس جالسًا على الحافة، يراقبُ المشهدَ بعينينِ بارِدتين، يحملُ وجهُه ملامحَ الاشمئزازِ الصريح.
كان النسيمُ الليليُّ يلامسُ شعره رمادي، بينما تغلّفُ الظلالُ جسده بفضل تعويذةِ «قلادة الظل» التي جعلت تسلله إلى هذا المكان سهلًا كأنّه شبح.
قبض أريس على مقبض خنجره بخفةٍ، رغبةُ القتلِ تتفجرُ في عروقه، لكنّه تمالك نفسه.
كان يعلم أنّ مقتل نبلَينِ داخل الأكاديمية سيستدعي تدخلَ مجلس النبلاء، وحتى لو أخفى كلَّ أثرٍ له، فإن مجرد خطأٍ صغيرٍ في التوقيت قد يُشعلُ الكارثة.
السببُ في زيارته هذه لم يكن التجسس، بل تسليم رأس جثةِ المغتال الذي تم أرسله لقتله، وقد وضعه داخل صندوقٍ صغيرٍ جاء به لتسليمه.
لكنه وصل في التوقيت الأسوأ، ليشهد مشهدًا مقززًا لم يكن يرغب في رؤيته أبدًا.
تمتم أريس لنفسه بصوتٍ خافتٍ مملوءٍ بالاشمئزاز:
"كنتُ أعرفُ بعلاقتِهما الشاذةِ في حياتي السابقة... لكن رؤيتها أمامي بهذا الشكل... مختلفٌ ومقزّز."
نهض من مكانه بهدوءٍ، وترك الصندوق في ركنٍ مظلمٍ أسفل النافذة، قبل أن يميل بجسده نحو الأسفل.
هبّت نسمةٌ باردةٌ ضربت وجهه مع سقوطه الرشيق نحو الأرض، حيث اختفى في الظلام كطيفٍ لا يُرى، بينما حلَّ ظلامٌ آخر داخل الغرفة... ظلامٌ خفيٌّ لم يدرك التوأمان أنه بدأ يبتلع مصيرهما.
هذان التوأمانِ كانا السببَ وراء كثيرٍ من مشاكل أريس في الأكاديمية في حياتها سابقة، وهما من قادا الآخرين للتنمّر عليه، مما جعله يتعرف علي ريان .