في غرفة النوم، كان التوأم جيسون وجيسيكا يستمتعان بأفعالٍ شاذّة ومنحرفة، بينما كانت الغرفة تمتلئ بعرقٍ خانقٍ ورائحةٍ فاسدةٍ تختلط بحرارة الأجساد.
بين تلك الأصوات الغريبة والرائحة المقززة، ظهرت فجأةً رائحة دماءٍ نفّاذةٍ حادّةٍ كالحديد، سرعان ما انتشرت في أرجاء الغرفة.
ضربت الرائحة أنفيهما كطعنةٍ مفاجئة، فتجمّد جسداهما، وتغيّرت ملامح وجهيهما بشكلٍ واضح، وكأنّ معدتهما التوت من شدّة الاشمئزاز.
قالت جيسيكا وهي تغطي فمها بيدها المرتعشة:
> "أخي... ما هذه الرائحة؟ أشعر أنني... أريد التقيؤ!"
ردّ جيسون بصوتٍ متقطّعٍ بينما يحدّق حوله بقلق:
> "لا أعرف... لم أشمّ شيئًا كهذا من قبل..."
نهض متثاقلًا، ارتدى رداء النوم على عجل، وتقدّم بخطواتٍ متردّدة، والبرد يزحف في أطرافه رغم حرارة الغرفة.
توقفت عيناه عند صندوقٍ خشبيٍّ صغيرٍ في زاوية الغرفة، كان يتسرّب منه سائلٌ أحمر داكن، ينساب ببطءٍ على الأرض.
اقترب منه بخوفٍ، يده ترتجف بشدّة، مدّها نحو الغطاء، أنفاسه متقطّعة وصدره يعلو ويهبط بسرعة.
رفع الغطاء ببطء، ليجد رأسًا بشريًّا مبللًا بالدماء، عيونه ما زالت مفتوحة على اتّساعها، تحمل صدمةً وخوفًا متجمّدًا في لحظة الموت.
من شدّة الصدمة، تراجع جيسون إلى الخلف وسقط على الأرض، وجهه تحوّل إلى أصفر شاحب، وجسده يرتجف بعنفٍ كأنه أصيب بحمّى مفاجئة.
سقط الصندوق من يده، وتدحرج الرأس على الأرض، تاركًا خلفه خطًّا من الدماء الكثيفة حتى ارتطم بأرجل السرير بصوتٍ مبللٍ ثقيلٍ.
عندما رأت جيسيكا ذلك المنظر، شهقت شهقةً طويلة، ثم تجمّد جسدها قبل أن تصرخ بصوتٍ اخترق جدران القصر:
> "آآآآآآآآآآآآآآآه!!"
صرخ جيسون معها، صوته مبحوح ومختنق بالرعب:
> "أيـن الحارس!؟ أيـن الحارس!؟"
بسرعةٍ، امتلأ الممرّ بخطواتٍ متعجّلةٍ، ودُفع الباب بعنفٍ حتى ارتطم بالجدار.
دخل قائد الجنود يتقدّم رجاله، صرخ قائلًا:
> "السيد الشاب! السيدة الشابة! ما الذي يحدث هنا!؟"
لكنّ صوته اختنق في حلقه عندما رأى جيسون على الأرض، يرتجف بشدّةٍ، وبجانبه بقعةٌ صفراء صغيرة تحت جسده، فيما كانت جيسيكا تغطّي نفسها ببطّانيةٍ رقيقةٍ، جسدها يرتعش، وعيناها تسبحان في بحرٍ من الخوف والدموع.
لم يُظهر القائد دهشةً من حالهما، فـالحديث عن علاقتهما كان معروفًا داخل العائلة، لكن ما أثار رعبه حقًّا هو الرأس المتدحرج على الأرض أمام السرير، وعيناه الميتتان تحدّقان فيه بصمتٍ أبديٍّ مرعب.
شعر القائد بصدمةٍ من هذا المشهد، لكنه سرعان ما جمع شتات نفسه، إذ إنه قبل أن يصبح حارسًا لجيسون وجيسيكا، كان يقتل على الحدود ضمن جنود العائلة، لذا فقد رأى الكثير من الموت من قبل.
لكن ما أخافه حقًا هو صاحب هذا الرأس المقطوع، فقد كان المغتال الذي أُرسل من أجل قتل «أريس»، إلا أنّه وبدلًا من العودة من مهمته، عاد رأسه فقط.
عرف القائد فورًا من هو هذا المغتال، فقد خضع لتدريبٍ صارم منذ طفولته داخل العائلة، وكان من النخبة، بل من أفضل ثلاثة مغتالين في العائلة، وتدرّب خصيصًا ليكون ظلّ جيسون نفسه.
لم يفكر القائد كثيرًا، وأصدر أمره بسرعةٍ إلى الجنود الذين كانوا خلفها بالانتشار والبحث عن المتسلل، فهذه مصيبةٌ ستحلّ عليه إن لم يُمسك بالفاعل.
تسلل أحدهم إلى غرفة نوم سيده وسيدته، وهو المسؤول عن حمايتهما، وهذا خطأٌ كفيلٌ بأن يسلبه حياته.
صرخ بغضبٍ عارمٍ، وصوته ارتدّ في أرجاء القصر:
> "بسرعة! انتشروا وابحثوا عن المتسلل! جدوه، ولو حفرتم تحت الأرض!"
ارتفع الغضب في داخله مثل نارٍ تلتهم صدره، بينما يعلم أن مصيره يسير على حبلٍ رفيعٍ بين الحياة والموت.
تقدّم هو وكبيرة الخدم نحو الغرفة لمساعدة جيسون وجيسيكا على النهوض، وارتداء ملابسهما، وتهدئتهما، وتنظيف المكان من الدماء والروائح المقززة التي امتزجت برائحة النبيذ والعرق.
كانت تلك ليلةً بلا نومٍ ولا راحة، لكن دون فائدة؛ فلم يُعثر على أي أثرٍ لتسلّلٍ أو اختراق، كما أن الحاجز السحري وأدوات الإنذار لم تُصدر أي تنبيهٍ أو تحذير.
في غرفةٍ أخرى، كان جيسون يجلس على أريكةٍ فخمة، وقد ارتدى ملابس نومٍ جديدة بعد أن لوّث السابقة في فوضى الخوف والارتباك.
كان يحمل كأسًا من النبيذ الأحمر، تفوح منه رائحة الفاكهة المخمّرة الثقيلة، ويحدّق في السائل القرمزي وكأنه يرى انعكاس غضبه فيه.
أمامه كان القائد راكعًا على الأرض، جسده يرتجف، وقطرات العرق البارد تنزلق على عنقه من شدة الخوف.
قال جيسون بصوتٍ باردٍ كحدّ السكين، وعيناه تشتعلان غضبًا كجمرٍ مشتعل:
> "أخبرني… أين كنت عندما تسلّل أحدهم إلى غرفة نومي؟"
ارتجف القائد أكثر عند سماع نبرته، وأجاب بصوتٍ ضعيفٍ مرتجف:
> "سيدي… كنت أقوم بدوريةٍ في الأروقة."
ارتسمت على وجه جيسون ابتسامةٌ ساخرة، وقال بسخريةٍ ممزوجةٍ بالغضب:
> "حقًا؟ هل دوريتك هذه كانت في غرفة نومك مع الخادمة؟"
"سيدي، هذا—"
قبل أن يُكمل كلمته، شعر القائد بألمٍ حادٍ في رأسه، إذ قام جيسون برمي كأس النبيذ عليه، فتبعثر الزجاج والنبيذ الأحمر على وجهه وجسده، كأنه دُهِنَ بالدماء.
صرخ جيسون بعنفٍ، وصوته ارتجف من الغضب:
> "هل تمزح معي؟! أريد أن أعرف كيف يمكن أن ينتهي رأس المغتال الذي أرسلته لقتل أريس في غرفتي؟!"
ارتجف القائد بشدة، لكنّه استجمع شجاعته المتبقية وتكلم بصعوبةٍ، وصوته يرتجف كالورق في مهبّ الريح:
> "سيدي… لا أعرف، لكن لديّ تخمين بسيط حول الأمر."
رفع جيسون حاجبه ببطء، وعيناه تضيقان بنظرةٍ قاتلة:
> "أوه؟ أخبرني إذًا… لكن إن كان تخمينك غبيًا، فلن تموت بسهولة."
ابتلع القائد ريقه بصعوبةٍ، وشعر بطعم الحديد في فمه من شدة التوتر، ثم قال:
> "أعتقد أن أريس ليس شخصًا عاديًا… ربما هو نبيل، أو وريث لقوةٍ أو سلطةٍ عظيمة. وإلا فكيف له أن يقاتل مغتالًا من النخبة، من فئة ثلاثة نجوم، ويقتله؟ بل ويتسلّل إلى هنا دون أن تكتشفه الحواجز السحرية؟"
عندما سمع جيسون هذا، هدأ قليلًا، وأخذ نفسًا عميقًا، بينما أصابعه تدقّ على ذراع الأريكة بإيقاعٍ بطيءٍ.
بدأ يفكر في الأمر بجديةٍ، فقد كان كلام القائد منطقيًا؛ أريس أظهر قوةً غير طبيعية في معركته الأخيرة، بل تفوّق على كثيرٍ من النبلاء، وهذا يعني أنّ وراءه جهةً خفية أو نسبًا قويًا.
لكن هذا لا يعني أن جيسون سيتخلى عن فكرة قتله — خاصة أن الأوامر جاءت من أعلى.
إلا أن عليه الآن أن يحقق جيدًا في أصل أريس قبل أي تحركٍ جديد.
قال أخيرًا بنبرةٍ حادةٍ لكنها هادئة:
> "أرى أنك تملك وجهة نظرٍ معقولة. سأعفو عن حياتك هذه المرة، لكن عليك أن تجمع كل المعلومات عن أريس، مهما كانت صغيرة أو غير مهمة."
توسّعت عينا القائد، وشعر وكأن حبل المشنقة الذي كان يلتف حول عنقه اختفى فجأةً، واستُبدل بحبل نجاةٍ من الهواء.
انحنى عميقًا، وصوته يختنق بالعاطفة والخوف في آنٍ واحد:
> "أمرك سيدي! سأجمع كل شيء عنه خلال أسبوعٍ واحد!"
في تلك اللحظة، ساد الصمت في الغرفة، ولم يُسمع سوى طقطقة المدفأة ورائحة النبيذ المنسكب التي ملأت المكان بنكهةٍ حامضةٍ حارقة… كأنها تذكيرٌ بدماءٍ لم تُغسل بعد.
في هذا الوقت، كان أريس يجلس في الشرفة، وأمامه طاولة صغيرة، يقرأ في كتاب بعنوان «رحلة في صحراء اليأس». أعاد رفع كأس الشاي بهدوء، مستمتعًا بنكهته الدافئة التي امتزجت برائحة أوراق النعناع المنعشة، بينما كانت أنفاس الليل الباردة تلامس جلده بخفة.
تحت ضوء القمر غير المكتمل، انسكبت أنوار فضية على وجهه، فبدت ملامحه أكثر هدوءًا وغموضًا. كان منغمسًا تمامًا في القراءة، وعيناه تتنقلان بين السطور ببطء كما لو أنه يسافر بين كلماتها. ومع كل نسمة هواء تمرّ، كانت صفحات الكتاب ترتجف بخفة، وتنثر رائحة الورق القديم التي اختلطت برائحة الشاي.
وبرغم البرودة القاتلة التي أحاطت بالمكان، لم تؤثر عليه، بل زادت من سكونه وهيبته، حتى بدا كأنه لوحة فنية حية، تجمع بين الجمال والعزلة والسكينة الغامضة.