الفصل الثامن عشر: غياب النور
.
.
.
بداية الفصل :
.
كان "ساني" يستمتع بحمام ساخن. بعد محادثتهما القصيرة، أرسلته السيد "جيت" ليغسل نفسه، قائلًة إنه "تفوح منه رائحة الكوابيس". كان النوم غير الطبيعي الذي فرضته التعويذة يبطئ عملية الأيض في جسمه، والاجهزة الطبية التي كان مربوطًا بها كانت من المفترض أن تتولى الباقي، لكنه مع ذلك ظل نائمًا لمدة ثلاثة أيام كاملة. حتى وإن كان الأمر نفسيًا فقط، فقد كانت رائحة الدم واليأس لا تزال عالقة حوله.
' آه، أنا في الجنة'
فكر "ساني"، محاولًا أن ينسى مؤقتًا الكارثة المعلقة المرتبطة بالعرض الجانبي
كان وحده في حمامات مركز الشرطة، يسترخي تحت تدفق المياه الساخنة. وبعد مرور بعض الوقت، أوقف الماء على مضض وسار نحو رف المناشف. وبالصدفة، عندها . رأى انعكاسه في المرآة.
كانت التغيرات في بنيته الجسدية دقيقة لكنها ملحوظة. بدت بشرته الشاحبة أكثر صحة، وبرزت عضلاته قليلًا. بدا نحيفًا ورشيقًا بدلًا من الهزال والضعف الذي كان عليه من قبل. كان هناك بريق طفيف في شعره الداكن ولمعان في عينيه.
ومع ذلك، كان لا يزال صغير البنية. لم يكن بالتأكيد صورة للجاذبية الرجولية، على أقل تقدير.
' فتي الزهور، أليس كذلك؟ ' فكر "ساني"، مليئًا بالمرارة.
ثم تجمد فجأة، ملاحظًا أمرًا غريبًا. بينما كان ينظر إلى نفسه في المرآة، بدا وكأن انعكاس ظله يتحرك. كان الأمر كما لو أن الظل خفض رأسه وغطى وجهه بيده في صمت.
استدار "ساني" بسرعة، محدقًا في ظله بنظرة متوترة. لكن كل شيء بدا طبيعيًا. كان الظل يفعل بالضبط ما يجب أن يفعله، يكرر كل حركاته. "لقد رأيتك تتحرك بوضوح"
قال، وهو يشعر بشيء غريب.
"لقد تحركت من تلقاء نفسك، أليس كذلك؟!"
حدق "ساني" في الظل، الذي بدوره حدق فيه بطاعة.
"هل تحركت أم لا؟"
هز الظل رأسه بتوتر نافيا
"ما هذا؟!"
"ماذا تعني بـ 'لا'؟! لقد حركت رأسك للتو! هل تظن أنني أحمق؟"
بدا الظل وكأنه يفكر قليلًا ثم هز كتفيه.
ظل "ساني" فاغرًا فمه.
"ظلك أكثر استقلالية من معظم الناس. إنه مساعد لا يقدر بثمن"، تمتم أخيرًا.
حسنًا. هكذا وصفت التعويذة قدرة جانبه. لكن ما الذي يمكن لظله فعله بالضبط؟
قرر أن يجرب قليلًا.
"هيه، أنت. أخبرني ماذا يمكنك أن تفعل."
لكن الظل ظل صامتًا وغير متحرك.
"حسنًا. ليس لديه حبال صوتية."
وكأن هذا منطقي!
الظلال لا يُفترض أن تكون لديها عضلات أيضًا، ومع ذلك، عرف كيف يتحرك.
"مم... أرني؟"
لا رد.
يبدو أن الظل كان يكتفي بتظاهر كونه بقعة عادية، بلا حياة، من الظلام.
" هااااه "
تنهد "ساني".
"أنا أفعل هذا بالطريقة الخاطئة."
سواء أكان مستقلًا أم لا، لا يزال الظل جزءًا منه. إنه تجلٍّ لقدرة جانبه. لذلك بدلًا من أن يسأل الظل، كان يجب أن يسأل نفسه حقًا.
"لن تتحدث، أليس كذلك؟"
أغمض "ساني" عينيه ووجه إدراكه إلى الداخل، مستكشفًا نفسه لأول مرة منذ عودته إلى العالم الحقيقي. شعر بنبض قلبه، وصعود صدره وهبوطه بهدوء، والبرودة الطفيفة لغرفة الاستحمام. سمع قطرات الماء تسقط على الأرض المبلطة. شعر بحركة الهواء المفلتر على بشرته.
وهناك، على حافة وعيه، شيء جديد. إحساس جديد تمامًا.
ركز "ساني" عليه، وفجأة..
انفتح أمامه عالم آخر بالكامل. كان من الصعب وصفه بالكلمات، تمامًا مثلما يجد المرء صعوبة في شرح كيف يشعر بالسمع أو اللمس.
كان الأمر وكأنه يستطيع التواصل مع أشكال هائلة تحيط به وفهم كلاً من شكلها الخاص والمساحة المحيطة بها، مسترشدًا بدرجات مختلفة من الضغط الذي تمارسه على ذهنه وعلى بعضها البعض.
وصل هذا الفهم إليه بشكل طبيعي وفوري،
كأنه غريزة.
كانت هذه الأشكال ظلالًا. ومن بينها، كان هناك واحد — ليس الأكبر، ولكن الأعمق — لم يكن يبدو ككيان خارجي. بل كان وكأنه جزء من روحه.
ما إن أمسك "ساني" بهذا الشعور،
ختى استطاع أن يحس بظله كما يحس بأطرافه. الفرق الوحيد هو أن أطرافه مصنوعة من اللحم، بينما ظله مصنوع من غياب النور.
فتح "ساني" عينيه ونظر إلى ظله. ثم،
بمجرد فكرة، أمره برفع ذراعه. رفع الظل ذراعه. أمره بالجلوس، الوقوف، الدوران، الركل.
ثم طلب منه تغيير شكله، ليتحول إلى دائرة، ثم خط، ثم وحش. وأخيرًا
عاد إلى صورته الظلية. كان الظل مرنًا وسائلاً، مثل الماء. الشيء الوحيد الثابت كان حجمه.
"ها! ما رأيك في هذا؟"
عبس الظل ثم رفع إبهامه على مضض.
"لكن، كيف تكون مفيدًا؟"
طلب من الظل أن يضرب حامل المناشف عندها .
فتحرك الظل وركل بقوة.
بالطبع، نظرًا لأنه كان مجرد ظل، مرّت ساقه عبر المناشف دون أن تُحدث أي أثر، حتى أنها لم تتأرجح قليلاً.
' هل هذا... كل ما يمكنك فعله؟ '
في ذهنه، تحطمت الصورة التي كان يتخيل فيها خيوط الظل وهي تمزق الطاغية العظيم إلى قطع صغيرة بلا رحمة. بدا أنه لن ينافس إله الظل في أي وقت قريب. كم كان ذلك محبطًا.
نظر إليه الظل باحتقار. ثم رفع كتفيه وتوقف عن الحركة تمامًا، وكأنه شعر بالإهانة.
تنهد "ساني" وأخذ منشفة من الحامل.
" حسنًا. سأستكشف هذا لاحقًا."
بعد بضع دقائق، كان يرتدي بدلة رياضية نظيفة صادرة عن الشرطة ويتجه نحو الكافتيريا. كانت "سيدة جِيت" تنتظره على إحدى الطاولات، مع صينيتين مملوءتين بالطعام الصناعي الساخن أمامها.
"تناول طعامك."
ألقى "ساني" نظرة على الطبق الرخيص، الذي لم يكن مختلفًا كثيرًا عن الطعام الذي كان يستهلكه في المناطق الفقيرة، وتنهد. بطريقة ما، كان يتوقع أن تكون أول وجبة له بعد أن أصبح "نائماً" أكثر فخامة. ولكن . كان الطعام يظل طعامًا
جلس وبدأ في تناول الطعام بنهم. كان جائعًا جدًا.
و لكن أثناء ذلك، بدأ عقله بالتجول في المكان
ألقى "ساني" نظرة خفيفة على "جِت" وبدأ يتساءل. أخبره التعويذة أن يجد سيدًا، وأول شيء عرفه كان وجود امرأة تُطلق على نفسها اسم "ماستر" أمامه مباشرة. حاول أن يتخيل نفسه كعبد مطيع لشخص مثلها.
بدأت أفكار غريبة تظهر في عقله...
' أتعلم، ساني 'فكر بمرارة سوداء.
' مع حظك المعتاد، سيكون هذا هو اللحظة المثالية لها لتسألك...'
"فيما تفكر؟ "
اختنق "ساني" بالطعام. شعر بفمه على وشك النطق، ووضع كل إرادته للبقاء صامتًا. مرت ثانية دون أن يقول شيئًا. ثم ظهر ضغط غريب في عقله، وسرعان ما تحول إلى ألم شديد. تحمل ذلك لبضع ثوانٍ إضافية قبل أن يستسلم.
"كنت أفكر أن هذه ستكون اللحظة المثالية لتسأليني عما أفكر فيه."
قال أخيرًا.
نظرت إليه "جِت" بنظرة غريبة.
"حسنًا. هل انتهيت تقريبًا من طعامك؟"
أومأ "ساني".
"إذن سأبدأ."
" وفقًا للبروتوكول، يجب أن أُعلمك ببعض الأمور. إنها مجرد شكليات في الغالب. أولاً، بشأن كابوسك..."
ألقت نظرة عليه وتنهدت.
"يحق لك الحصول على استشارة نفسية مجانية. بغض النظر عن أي تجربة مريرة قد تكون مررت بها، لا عيب في طلب المساعدة. عقلك مهم تمامًا مثل جسدك — من الطبيعي أن تحافظ على صحته. هل تهتم بذلك؟"
هز "ساني" رأسه. عندها هزت "جِت" كتفيها وأكملت
" انه كما تريد . و يمكنك التحدث معي أيضًا. هل كان الأمر صعبًا للغاية؟"
كيف يمكنه الإجابة؟
"لقد كان أسوأ بكثير مما توقعت وفي الوقت نفسه سيئًا تمامًا كما توقعت."
أومأت برضا عن هذا التفسير.
"هذا موقف جيد. لن أتدخل أكثر. نحن أبناء المناطق الفقيرة أكثر صلابة مما يعتقد الناس."
نظر إليها "ساني" بدهشة.
"ماستر جِت... هل نشأتِ في المناطق الفقيرة؟"
ابتسمت بخبث.
"ماذا؟ ألا يمكنك أن تخمن بسبب أخلاقي الرفيعة ومظهري المصقول؟"
رمش "ساني" بضع مرات، مذهولًا.
"لم أستطع أن أخمن أبدًا."
بعد التفكير قليلاً، أضاف:
"هل يوجد الكثير من الأشخاص مثلنا بين المستيقظين؟"
اختفى الابتسامة من وجه جيت.
"لا، ليس هناك الكثير. في الواقع، يمكن عدّهم على أصابع اليد الواحدة."
كما هو متوقع، كانت الاحتمالات ضد أشخاص مثلهم. مما جعل النجوم الثلاثة على شارة جيت أكثر استثنائية.
' في يوم من الأيام، سأصبح سيدًا أيضًا. '
إذا استطاعت هي فعلها، فلماذا لا أستطيع أنا؟
"إذن... ماذا سيحدث الآن؟ ما الذي يجب أن تخبريني به أيضًا؟"
لم يكن لدى ساني أي فكرة عما يُفترض به فعله بعد مغادرته مركز الشرطة. الانقلاب الشتوي لم يتبقَ عليه سوى عدة أسابيع.
استندت جيت إلى الخلف وأجابت:
"هذا كل ما في الأمر تقريبًا. هناك بعض الإجراءات الإضافية، أغلبها تتعلق بأسرتك، لكن... حسنًا. لقد قرأت ملفك، لذا أعلم أن ذلك لا ينطبق عليك. الشيء الوحيد المتبقي هو أن تقرر كيف ستستعد لرحلتك الأولى إلى عالم الأحلام."
نظرت إلى جهازها وتجهّمت.
"يجب أن أقول، حظك سيئ للغاية. ليس لديك الكثير من الوقت على الإطلاق."
" أولًا: لديك الحرية لتفعل ما تريد. لا أحد يجبرك على اتخاذ قرار معين. بمعنى أنك تستطيع أن تختار أن تستعد بنفسك، أو أن لا تستعد على الإطلاق. احتفل حتى ينطفئ النور."
لم يكن ساني على دراية جيدة بفكرة الاحتفال
. "ولكن، سأوصيك بعدم القيام بذلك. كمستيقظ، لديك الحق في التسجيل في أكاديمية المستيقظين. سيتم توفير الطعام، والسكن، ومجموعة واسعة من الدروس التحضيرية. بهذا الوقت المتأخر من العام، لن تتمكن من تعلم الكثير. لكنه أفضل من لا شيء."
كانت صامتة لبضع ثوانٍ قبل ان تضيف مجددا
"والأهم من ذلك، ستتعرف على معظم الأشخاص الذين سيدخلون عالم الأحلام معك. قد يصبح بعضهم رفاقًا مدى الحياة."
' وقد يحاول البعض الآخر إنهاء تلك الحياة بمجرد دخولنا في التعويذة، '
أضاف ساني في نفسه، قارئًا بين السطور ما قالته المعلمة جيت.
"إذن، ما رأيك؟ هل تريديني أن آخذك إلى الأكاديمية؟"
فكر ساني في الأمر. بشكل غريب، كان عيبه صامتًا، ولم يجبره على الإجابة بطريقة معينة.
' هل لأنه لم أتخذ قراري بعد؟ '
أخيرًا، نظر إلى الأسفل، نحو صينية طعامه الفارغة، واتخذ قراره.
"إقامة وطعام مجاني، تقولين؟ "
"نعم. أريد الذهاب إلى الأكاديمية."
.
.
.