[ظهراً — الجامعة — [ظهور]

صخب الطلاب كان في الخلف، يركضون ويضحكون، لا موسيقى ولا ضوضاء حقيقية، فقط ذلك الصمت المزعج الذي كان يملأ الأماكن الواسعة وكأنه يبتلعها.

الهواء نفسه كان عالقاً، جامداً كأنه لا يريد التحرك، كأن الزمن توقف في هذه البقعة.

كازو كان يجلس وحيداً، كما اعتاد.

عينيه كانتا شاردتين، معلقتين في السماء الرمادية، التي لا تحلق فيها طيور، ولا ترسم الغيوم أشكالاً جميلة.

كانت السماء كما حياته… فراغ صامت لا ينبض.

بينما السماعات مستقرة في أذنيه، همس كازو لنفسه، صوته بالكاد يصل لأذنيه:

“الحياة مملة… لا شيء يحدث، كل شيء يتكرر حتى تذبل الروح.”

كان الطلاب حوله يبتسمون ويتبادلون النكات، يعيشون حيواتهم كأنهم جزء من عالم مختلف تماماً.

لكنه لم يكن يشعر بأنه منهم، بل كان يشعر وكأنه يراقب من وراء زجاج غير مرئي.

كان غريباً، حتى عن نفسه.

رفيقته الوحيدة… كانت الوحدة.

هي التي لم تخنه يوماً، كانت مخلصة، حتى وهي تسحقه ببطء.

لكن… الوحدة كانت على وشك أن تتغير.

[اهتزاز الهاتف]

اهتز الهاتف فجأة بنغمة غريبة، لم تكن من نغماته المعتادة، وكأنها جاءت من عالم آخر.

كازو نظر للشاشة، ظهرت رسالة قصيرة:

“نعلم ما فعلت.”

رفع حاجبه بدهشة، وضحك بخفة ممزوجة بالسخرية:

“ما هذا؟ خطأ في الرقم؟ أم أن أحدهم عبقري في صنع المقالب؟”

أطفأ الشاشة وأعاد الهاتف إلى جيبه، قرر تجاهل الأمر كما يفعل دائماً مع كل شيء لا يريد التعامل معه.

لكن…

في أعماقه، كان هناك شيء غريب، شيء جعل العالم كله يميل قليلاً عن محوره، كما لو أن ظلاً زحف إلى روحه.

[المساء — غرفة كازو — [غروب]

جلس كازو في غرفته المظلمة، الشاشة الزرقاء المنبعثة من الحاسوب كانت المصدر الوحيد للضوء، تنير وجهه الشاحب.

كان يتابع مقاطع فيديو تافهة، يحاول قتل الوقت، أو بالأحرى، قتل ذلك الفراغ داخله.

وفجأة، اهتز الهاتف مجدداً.

“لا تحاول الهرب… اللعبة بدأت.”

توقف كازو لوهلة.

قرأ الرسالة، إحساس بارد انقبض في صدره.

لم يكن هذا مثل التهديدات السخيفة التي يتجاهلها عادة.

“تبا… هذا ليس مضحكاً الآن.”

قالها لنفسه، محاولاً إقناع نفسه بأنها مزحة ثقيلة.

لكنه لم يكن واثقاً.

أطفأ الهاتف، ألقاه بجانبه، وأغمض عينيه محاولاً الهروب للنوم، لكنه كان يعلم… لا هروب من هذا الشعور الذي استيقظ داخله.

[اليوم التالي — الجامعة — [صدمة]

في الصباح، لم تكن الجامعة كما اعتادها.

سيارة إسعاف، سيارة شرطة، وجوه باكية، همسات تملأ الجو بالخوف والارتباك.

كازو شعر بأن الهواء نفسه أصبح أثقل، وكأن العالم كله فقد لونه.

اقترب من زميل له وسأله بصوت مرتجف:

“ماذا حدث؟”

جاء الرد كصفعة:

“ريكا… انتحرت الليلة الماضية.”

تجمد كازو.

الخجولة، الفتاة التي بالكاد كانت تتحدث… كيف؟ لماذا؟

أحدهم قال بأنها انتشرت لها صور وفيديوهات فاضحة تلك الليلة، دمروها أمام الجميع.

كازو بلع ريقه، أخرج هاتفه ببطء، كما لو كان خائفاً مما سيراه.

رسالة جديدة.

“دورك التالي.”

[ليل — غرفة كازو — [المواجهة]

لم يستطع النوم، تقلب في سريره، يحاول إقناع نفسه بأن كل ما يحدث هو مجرد مصادفة سخيفة.

لكنه…

استفاق فجأة، الغرفة كانت مظلمة بشكل غير طبيعي، وكأن الظلام نفسه أصبح كثيفاً وثقيلاً.

“من هناك؟!”

صرخ كازو بصوت مرتعب، لكن لا أحد أجاب.

ثم…

من الزاوية، ظهر ظل طويل، وجهه مظلم، عيناه حمراوان كدماء متجلطة، كان يزحف ببطء وكأنه لا ينتمي لهذا العالم.

بصوت منخفض اخترق أذني كازو كالإبر:

“كلنا نعرف، كازو…”

بدأ جسده يرتجف، أنفاسه أصبحت متقطعة، ودموعه تملأ عينيه.

لم يعد يستطيع التظاهر.

صرخ معترفاً وهو ينهار:

“نعم!!! سرقت مالاً من والدي قبل عامين ولم أخبر أحداً… كنت غبياً وضعيفاً!!!”

صمت تام.

ثم… ابتسم الظل للمرة الأولى:

“الاعتراف… هو البداية.”

واختفى، كما ظهر، تاركاً وراءه برداً معدنياً ورائحة حزينة في الهواء، بينما بقي كازو جالساً هناك، عارياً حتى من كبريائه.

همس لنفسه بصوت مكسور:

“ما هذه اللعبة اللعينة… إلى أين جُررت؟”

[نهاية الفصل الأول]

2025/05/10 · 10 مشاهدة · 584 كلمة
Yazed
نادي الروايات - 2025