بداية الأبراج:

لم يكن أحد مستعدًا لما حدث في ذلك اليوم. كانت السماء صافية، والشمس تلقي بأشعتها الدافئة على ناطحات السحاب، بينما تسير الحياة في المدن الكبرى بوتيرتها المعتادة. لا أحد توقع أن هذه ستكون آخر لحظات الهدوء قبل أن يجتاح العالم كابوس لم يسبق له مثيل.

في تمام الساعة السابعة صباحًا، اهتزت الأرض تحت أقدام البشر، ليس بفعل زلزال، بل بسبب شيء أكبر، شيء حي. في لحظات، تصدعت الشوارع، واندلعت صواعق غامضة من باطن الأرض، قبل أن ترتفع أبراج عملاقة من العدم، كما لو أن الأرض لفظتها من أعماقها.

الأبراج كانت ضخمة، قاتمة اللون، تتلألأ عليها نقوش متوهجة بلون أزرق باهت، وكأنها تنبض بالحياة. لم تكن مجرد مبانٍ، بل كيانات مجهولة، تحمل في أعماقها أسرارًا مرعبة. لم يكن هناك وقت للتساؤل، لأن الأبواب انفتحت فجأة، مطلقة مخلوقات جهنمية إلى الشوارع.

وحوش بشعة، بعضها بأجساد بشرية ولكن بوجوه مشوهة، وأخرى أشبه بوحوش الأساطير، بأنياب تلمع تحت ضوء النهار، وأذرع ضخمة تمزق كل ما يعترض طريقها. صرخات الناس ملأت الأجواء، وهربت الجموع في كل اتجاه، بينما غطت الدماء الطرقات.

في غضون دقائق، تحولت المدن إلى ساحات قتال. رجال الشرطة أطلقوا النار، لكن الرصاص العادي لم يفلح في إيقاف تلك الوحوش. انفجارات، صرخات، وأصوات تحطم المباني اجتمعت في سيمفونية من الفوضى المطلقة.

لكن وسط هذه الفوضى، بدأ شيء آخر يحدث. بعض البشر لم يكونوا ضحايا، بل كانوا يتحولون. أجسادهم أضاءتها شرارات غامضة، وأصبحت حركاتهم أسرع، وأقوى، وكأنهم اكتسبوا قدرات خارقة من العدم.

رجل يقفز فوق أحد الوحوش، يوجه ضربة خاطفة بسيف مشع ليقطع رأسه بضربة واحدة. امرأة ترفع يدها، فتتجمع جزيئات الهواء حولها قبل أن تنطلق على شكل رمح جليدي يخترق صدر وحش ضخم. هؤلاء لم يكونوا بشرًا عاديين، لقد كانوا أولى علامات التغير الذي جلبته الأبراج.

الحكومات لم تقف مكتوفة الأيدي. خلال ساعات، أطلقت جيوشها للهجوم، لكن الأبراج كانت أشبه بمغناطيس للطاقة المظلمة، مما جعل الوحوش تزداد شراسة كلما اقترب منها البشر العاديون. كانت الحاجة إلى أبطال تتعاظم.

ومع الوقت، بدأت مغامرات البشر داخل الأبراج. كانت الطوابق الأولى تعج بالوحوش العنيفة، أفخاخ قاتلة وأجواء خانقة. صرخات المقاتلين ترددت داخلها، بينما انطلقت أصوات المعارك التي اهتزت لها الجدران. في كل مستوى صعده المحاربون، أصبح الخطر أكبر، وكأن الأبراج كانت تختبرهم.

في أحد الأبراج، مجموعة من المحاربين تقاتل بعنف. زئير الوحوش يملأ الأجواء، ورائحة الدم والعرق تمتزج في الهواء. رجل ضخم الجثة يمسك بمطرقة عملاقة، يهوي بها على وحش بجلد صخري، محطماً جمجمته بفرقعة مدوية. بجانبه، مقاتل آخر ينزلق بين الوحوش، يستخدم خنجرين ليقطع أوتارهم بسرعة خاطفة.

لكن الخطر لم يكن فقط في الوحوش، بل في الأبراج نفسها. كانت تتغير، تتحرك، تبني مسارات جديدة، وكأنها متاهة حية تحاول حبس من دخلها للأبد. لم يكن الأمر مجرد قتال من أجل البقاء، بل كان سباقًا مع الموت.

وفي أحد أعمق الطوابق، وقف محارب شاب أمام باب ضخم، تزينه رموز قديمة. فتحه ببطء، ليجد نفسه أمام كيان ضخم، لم يكن وحشًا عاديًا، بل كان أحد الحكام الحقيقيين للأبراج. عيونه المتوهجة التقت بعيني المحارب، وكأنهما تحديا بعضهما بصمت.

وفي اللحظة التالية، انفجرت المعركة.

الكيان الضخم رفع يده، فتشكلت دوامة من الظلام، تدور بسرعة جنونية قبل أن تنطلق على شكل سهم مظلم نحو المحارب. بحركة خاطفة، قفز المحارب إلى الجانب، يتفادى الهجوم بصعوبة، لكن الجدار خلفه انفجر إلى شظايا متناثرة.

بسرعة البرق، اندفع المحارب نحو الحاكم، وسيفه يتوهج بطاقة نارية متأججة. وجّه ضربة قوية نحو صدره، لكن الحاكم اختفى في اللحظة الأخيرة ليظهر خلفه مباشرة، ممسكًا بعنقه بقوة وحشية، رافعًا إياه عن الأرض.

المحارب شعَر بأن الهواء يُسحب من رئتيه، قبل أن يتمكن بصعوبة من توجيه ركلة خاطفة نحو وجه الحاكم، مما أجبره على التراجع للحظة. لم تكن سوى لحظة، لكنها كانت كافية للمحارب ليعيد توازنه، يتراجع قليلاً، ويرفع سيفه عاليًا.

"إن كنتُ سأموت اليوم، فلن أرحل وحدي!" صرخ المحارب، قبل أن ينطلق للأمام بكل سرعته، سيفه مشع بطاقة غير مسبوقة.

وفي لحظة اصطدامهما، اهتزت جدران البرج، وانطلق وميض مبهر غطى كل شيء.

2025/02/19 · 39 مشاهدة · 615 كلمة
Aymen
نادي الروايات - 2025