الفصل 59 -الموت القرمزي
"الجولة الثانية ستكون حاسمة... لا مجال للأخطاء،" همس سيمان لنفسه، ويداه تنقبضان بجانبيه.
أمامه، وقف والده بصمت، وذراعاه معقودتان.
"هل تؤمن بهما؟" سأله.
أجاب سيمان: "أؤمن."
—
بدأت الجولة الثانية.
تملّك التوتر الأجواء كما يفعل الدخان قبل اشتعال النار. الجميع شعر به. لم يجرؤ أحد في الساحة على تحويل نظره ليس الآن.
كانت طاقة الجمهور عالية، أما داخل الحلبة؟
فكان السكون قاتلًا.
سارت دارلين وحدها عبر القوس الضخم، وخطت إلى ساحة المعركة المصنوعة من بلاط السبج المتلألئ وخطوط القتال الحمراء المتوهّجة.
وقفت في المنتصف، ولا زال صدى دم المعركة السابقة يدوي في ذهنها. لقد أيقظ فيها شيئًا شيئًا باردًا، مركزًا، وقاسيًا حدَّ الحساب.
وعلى الجانب الآخر، وقف خصمها بابتسامة ملتوية تعلو شفتيه. اسمه "فارك"، الثالث في تصنيف نخبة مقاتلي ريغا. جسده مغطى بحراشف مصفحة تلمع كالصخر المنصهر، تتراقص حول أطرافه شرارات كهربائية صغيرة.
مستخدم اندماج حممٌ كهربائية.
مزيج مرعب.
قال بصوت يعلو الساحة وهو يبتسم ساخرًا: "أنتِ أصغر مما تخيّلت. آمل أن تصرخي أعلى من التي قبلك."
لم يتغيّر تعبير دارلين. لا بنظرة، ولا بإيماءة.
ومض الضوء إشارةً للبداية.
ابدأوا.
انفجرت الأرض تحتها.
انفجرت الحمم كنافورة من النار المنصهرة، وانطلقت صاعقتان عبر الدخان كأفاعٍ توأم، تتجهان نحو مركز جسدها.
تحركت دارلين في اللحظة ذاتها. قدماها لامستا بلاط الساحة المتشقق بخفة، تتفادى الضربات بدقة ولدت من غريزة مدروسة وحساب عقلي صارم. وفي اللحظة ذاتها، حرّكت يديها إلى الأمام
سم الوحش
نسجت "الشِباك القرمزية" كحرير ملطخ بالدم عبر ساحة المعركة، متشبثة بالأرض. لم تكن تنوي كسر قوته في مواجهة مباشرة ليس بعد. لكنها ستمسك بنبض المعركة.
صرخ فارك وهو يقذف مجددًا تيارًا من الحمم الكهربائية على شكل قوس: "انظري إليكِ، تركضين كطفلة. توقعتُ المزيد من نخبة تيان!"
اختفى جسد دارلين نحو اليسار وظهر إلى اليمين. لمست قدمها حافة بلاطة متشققة، وفي اللحظة التالية، أطلقت الأرض تحت فارك صوت فحيح. لقد تسرب السم إلى الشقوق.
ومع ذلك، ظل يبتسم.
"الحِيَل لا تنجح. تظنين أن هذا السم قادر على إيقافي؟"
لكنه كان مخطئًا. لم يكن الهدف إيقافه.
بل تشويشه.
كانت ضربته التالية أبطأ. لحظة تردد ضئيلة بالكاد تُلاحظ لكن دارلين رصدتها. دائمًا ما ترصدها. عقلها التقط الإشارة، يحلل كل لحظة بإطار دقيق. كان السم يعبث بالتيار داخل دمه. بدأت قواه الكهربائية تخونه.
أجابت أخيرًا، بصوت بارد كالصقيع: "تتكلم كثيرًا... وتنزف بسهولة."
زأر فارك وضرب قبضتيه بالأرض انفجرت الحمم حوله لتشكل دائرة دفاع، وانطلقت موجة من الكهرباء بعنف وهمجية.
انخفضت دارلين، تدور وسط النيران، وفي اللحظة ذاتها فعّلت
دم السيادة
توهجت عروقها بالقرمزي.
اشتعلت الشِباك القرمزية.
لم تعد خيوطًا بعد الآن بل كانت شفرات حيّة، موجَّهة بالإرادة.
انقضّت على حاجز فارك كالأفاعي.
صرخ فارك بينما مزّقت الخيوط درعه الناري. لم تكن مجرد أضرار بل كانت قمعًا. الطاقة السُلالية في الخيوط كانت تعطل توازن عناصره.
ورغم ذلك، قاتل. قاوم.
اندفع بكامل طاقته، تتفجر شرارات من جسده، يهدف إلى الحسم.
لكنها كانت قد وصلت إليه قبله.
لمست يدها عنقه وهو في منتصف الهجوم.
اتسعت عيناه.
طعنة.
سقط جسده على الأرض كتمثال مرمي.
صمت.
ساد السكون أرجاء الحلبة لثانيتين.
ثم اندفعت موجة الصوت.
مئة ألف صوت صرخوا معًا في صدمة لا تُصدّق.
ولم تلتفت دارلين للجمهور.
استدارت وغادرت، وخيوط الدم تتراجع خلفها كظلال مطيعة.
في غرفة الانتظار، كان لوكاس يراقبها عبر الشاشة، ويداه معقودتان، وعيناه بلا ملامح واضحة. من حوله، الجنون يسود منهم من يحتفل، ومنهم من يرتجف.
"ذلك كان سريعًا،" تمتم سيمان من خلفه.
أجاب لوكاس: "لم تضيّع وقتًا."
قال سيمان بصوت أخفض: "ولم تتردد."
لم يرد لوكاس، لكن تعبيره تغيّر قليلًا ربما فخر. أو شيء أبرد.
—
في جناح العلاج، كان فريق فارك يكافح لإنقاذ جسده. نبض قلبه متوحش، ومسارات المانا داخله مضطربة.
أحد مدربي ريغا نظر إلى نتائج الفحص بذهول.
"إنها... لم تفز فحسب. لقد فككت هيكل نواته الداخلية."