أشرقت شمس باريس بخجل، ترسل خيوطها الأولى على سطوح الأبنية العتيقة. في ذلك الصباح الصامت، وقف نوا على حافة سطحٍ مرتفع، يرقب المدينة التي لا تعلم شيئًا عمّا يدور في الخفاء.
تفكيره كان مشوشًا، كأن شيئًا عالقًا بداخله منذ الليلة الماضية. نظرات فنيتاس، كلماته، علاقته الغامضة بكتاب القمر الأزرق... كل ذلك كان يثير الريبة والفضول معًا.
فجأة، قُطع شروده بصوتٍ مألوف.
– "صباح الخير، أيها المصاص الفضولي." قالها فنيتاس وهو يقف خلفه، وكأنه خرج من الهواء نفسه.
التفت نوا ببطء، عينيه تحدقان فيه.
– "ما الذي تخفيه؟ ولماذا هذا الكتاب بالتحديد؟"
فنيتاس ابتسم، جلس على سور السطح وكأن لا شيء في الدنيا يقلقه، ثم قال بهدوء:
– "أنا لا أخفي شيئًا... بل أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن اللعبة أكبر منكما ومني."
نهاية الفصل الخامس
---
الفصل السادس – "ظل يبتسم"
في أحد أزقة باريس الضيقة، حيث تختلط رائحة الرطوبة بعطر الورود الذابلة، سارت فتاة صغيرة وحيدة، ملامحها مرهقة، وعيناها تطلبان النجدة. لم تكن فتاة عادية... بل مصاصة دماء فقدت اسمها الحقيقي.
كانت في حالةٍ شديدة من الاضطراب، تمتمت بكلمات مبعثرة، وسقطت على الأرض.
في تلك اللحظة، كان نوا قد لمحها من بعيد، فركض نحوها، وسرعان ما تبعه فنيتاس، الذي أمسك بكتاب القمر الأزرق دون تردد.
قال نوا وهو يرفع الفتاة بلطف:
– "علينا إنقاذها... بسرعة."
فنيتاس أومأ بصمت، وبدأ الطقوس ذاتها… لكن شيئًا ما لم يكن على ما يرام.
الفتاة بدأت تهذي بكلمات غير مفهومة، والسماء فوقهم بدأت تغيم فجأة، وكأن المدينة تتنفس رعبًا.
– "فنيتاس!" صاح نوا، لكن فنيتاس لم يرد. عيناه كانتا معلقتين بكلمات الفتاة.
– "اسم… فاوست… المعمل… الساعة المكسورة…"
توقّف فنيتاس، تراجع خطوة.
– "من أين سمعتِ هذا الاسم؟!"
لكن الفتاة كانت قد فقدت وعيها.
أغلق فنيتاس الكتاب بسرعة، وكأن قلبه انكمش، وصوته أصبح أقرب إلى الهمس:
– "الأمر أخطر مما ظننت… المعمل لم يُمحَ كما ظننا."
نظر إليه نوا، ووجد في عينيه شيئًا جديدًا هذه المرة… خوفًا حقيقيًا.
نهاية الفصل السادس