أخيرا انتهى يوم العطلة الذي فرضته علينا المؤسسة . أمضيت ما تبقى منه , بعد تركي للمبدع 18 , في غرفتي أجوبها ذهابا و إيابا أحاول التفكير في كل ما وقع و ما أخبرني به المبدع 18 دون أن أستطيع التركيز على فكرة لأكثر من ثانية .
شغلتني أشياء كثيرة , منها غياب المؤسس , ظهور المؤسسة و الراصد معها , نفي المبدع 1 , الثغرة التي اكتشفها المبدع 18 ... كلها أشياء كافية لتقلب النظام في المركز .
في اليوم الموالي التقيت في حصة الرياضة بالمبدع 18 , من حركات يديه عندما أشار لي أدركت بأنهما ما زالتا تؤلمانه , و ربما أكثر من الأمس , و من تعابير وجهه استنتجت بأنه مازال هناك أمر يقلقه .
بدأ الحديث كالسابق بأشياء لا معنى لها , بالنسبة لي على الأقل , ثم انتقل فجأة لما كان يشغله . أخبرني بأنه أمضى الليل بطوله يفكر في بديل للبطاريات لكن بلا فائدة لذلك فكر في مشروع لن يأخذ منا الكثير من الوقت ريثما يفكر في مشروع آخر , أخبرني بأنه أسمى مشروعه الجديد بأسلاك التوصيل الضوئية , و قال و هو يشرح لي آلية عملها :
- أسميتها الضوئية لأنها تعمل بنفس مبدأ انتقال الضوء بتناوب المجالات الكهربائية و المغناطيسية , عندما يمر تيار من سلك مصنوع من مواد فائقة التوصيل فإنه يولد مجالا مغناطيسيا الذي سيولد بدوره تيارا ينتقل في سلك آخر ملفوف حول السلك الأول بطريقة معينة و هذا التيار الثاني سيولد هو الآخر مجالا مغناطيسيا و هكذا من تيار يمر في سلك واحد نستطيع أن نضاعفه مرات و مرات بهذه التقنية .
كانت فكرته تعارض العديد من المبادئ العلمية , لكني لم أعترض عليها و لم يعترض الآخرون كذلك , ربما لشعورهم بالامتنان للمبدع 18 أو ربما لاعتقادنا بأنه قادر على تحقيق كل نزواته , حتى خرق قوانين الكون , فبدأنا العمل عليها .
اشتغلنا معظم الوقت بدون المبدع 18 الذي اكتفى بتوجيهنا من وقت لآخر , أما هو فقد كان يشتغل على مشروع آخر لوحده دون أن يخبر أحدا بماهيته أو يطلب المساعدة و كان حريصا على إخفائه عنا , أما أنا فقد كنت متأكدة بأنه مازال يعمل على البطاريات .
استبدل الجميع بطارياتهم بعد أيام , كنت خائفة في الساعات الأولى , بل تملكني الرعب لدرجة الوسواس من أن تنفجر فينسكب دماغي على الأرض .
ثم تخلينا عن مشروع الأسلاك الضوئية بعد أن تأكد بأنه لا فائدة منه .
في الأيام التالية أعلن الفريق السابع انتهائهم من مشروعهم , الذي أطلق عليه المبدع 7 اسم حاسوب الحمض النووي . كنت أعلم بالصداقة بين المبدعين 18 و 7 , لكن فاجأني حماس المبدع 18 الزائد لمشروع المبدع 7 الذي قالت عنه المؤسسة أنه
- "ثراء فكري خال من أية تطبيقات عملية " .
في اليوم الموالي لتقديمه جلس المبدع 18 لنصف ساعة يحدثني عنه , قال بأنه أعظم مشروع حتى الآن تم إنشائه في المركز و أضاف يشرح آلية عمله :
- فقط بالحصول على عينة حمض نووي لمخلوق من العصر الطباشيري يستطيع الحاسوب تكوين صورة ثلاثية الأبعاد بكل التفاصيل : العظام , العضلات , باقي الأعضاء و حتى الجهاز العصبي بأكمله .
استغربت من حماسه , ما أثار اندهاشه لتلك الدرجة لم يكن إلا خاصية اكتشف بالصدفة بأن الحاسوب قادر على تنفيذها , فقد كان الهدف من الجهاز هو صنع حاسوبه يجري الحسابات بالاعتماد على القواعد الآزوتية الأربع المكونة للحمض النووي و تسجيل البيانات على لولب مضاعف , كما أن هذا الجهاز يواجه مشكلة أن الحمض النووي يتحلل في مدة قصيرة كما أنه يعتمد على آليات جد معقدة للقيام بالحسابات .
أخبرني المبدع 18 بأنه لننافس هذا المشروع نحتاج لشيء أكبر , نحتاج لفكرة مبتكرة و مجنونة لم يكن أحد ليفكر فيها . لذلك جاء بفكرة حاسوب النظام الثلاثي الذي يعتمد بالأساس على المادة التي اكتشفناها , ميدينيزيوم , باستعمالها كترانزستورات لخلق معالجات ذات ثلاث أطوار : صفر , واحد و سالب واحد .