"عليك أن تدفع تعويضًا عن الأضرار التي تسببت بها."
ساد الصمت للحظة.
ثم، فجأة، ضحك سايلوس.
"آه، كايلب، كايلب… أنت تقتلني."
لكن كايلب لم يكن يمزح.
"أنا جاد."
سايلوس أطلق زفرة مسرحية، ثم نظر إليه بملل واضح.
"أوه، هيا، المبنى لا يزال قائمًا، أليس كذلك؟"
"نعم، لكنه بالكاد صامد."
"إذن، هذا جيد، لا يزال يعمل."
كايلب بدا وكأنه يحاول جاهدًا ألا يقفز عبر الطاولة لخنقه.
أما أنا؟
فقط وضعتُ يدي على جبهتي، وأخذتُ نفسًا عميقًا، محاولةً كبح الضحكة التي كانت تهدد بالهروب.
لأن، بصدق؟
هذا كان متوقعًا من سايلوس تمامًا.
"سايلوس، هذا ليس مضحكًا." قال كايلب، صوته كان حادًا هذه المرة. "المنظمة خسرت ملايين بسبب تلك الفوضى التي سببتها."
"أوه، أرجوك." قال سايلوس، ملوحًا بيده بلا مبالاة. "أنتم تمتلكون ميزانية ضخمة، لن تلاحظوا الفرق حتى."
كايلب حدّق به، ثم أطلق زفرة طويلة جدًا، وكأنه كان يحاول تهدئة نفسه حتى لا يفقد أعصابه.
"سأضيفها إلى قائمتك الطويلة من الديون." تمتم في النهاية.
"أوه، كايلب، لا تكن تافهًا." قال سايلوس وهو يبتسم بخبث. "تعلم أنني لا أدفع فواتير. انها ليست اول مره كما تعلم "
"سأجعلك تدفع هذه المرة."
"حظًا موفقًا."
كايلب زفر مجددًا، لكنه لم يعلق أكثر.
"لقد كان غاضبًا."
"رافاييل..."
نظرتُ إلى كايلب عندما قالها، نبرته كانت محايدة، لكنني شعرتُ بشيء خفي تحتها… حذر؟ قلق؟ لا أعلم.
لكني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا.
رافاييل لا يغضب بسهولة.
"غاضبًا؟" كرر سايلوس، مستلقيًا في مقعده وكأنه لا يهتم، لكنني رأيتُ كيف ضاقت عيناه قليلا
"لا، لا، ليس مجرد غاضب." قال كايلب، وهو يمرر يده على وجهه، وكأنه لا يزال يشعر بتوتر ما حدث. "كان مستعدًا لإنهاء كل شيء."
شعرتُ بقلبي ينبض بسرعة غريبة، رغم أنني لم أشعر بالخوف.
"ماذا فعل؟" سألتُ بهدوء.
كايلب نظر إليّ للحظة، ثم قال ببطء:
"عندما احتجزه والدكِ… لم يكن سعيدًا بذلك، كما تتوقعين."
شعرتُ بشيء غريب في صدري عندما سمعتُ كلمة "والدكِ"، لكنني تجاهلته.
"لقد حاول أن يكمل ما بدأه." تابع كايلب، وهو ينظر إليّ مباشرة. "أراد أن يدمر المبنى بالكامل، أن يجعل الجميع يدفعون
ثمن ما حدث لكِ.لانه لم يتوقع أن تكون نتائج الجوهره هكذا"
"كم هذا لطيف منه." تمتم سايلوس بسخرية، لكنه لم يكن يبتسم هذه المرة.
"لكن…" قلتُ، وأنا أحاول فهم القصة بالكامل. "لماذا لم يفعل؟"
كايلب زفر، ثم أشار نحونا برأسه.
"لأنه رأى كيف هربتما."
تجمدتُ للحظة.
"رآنا؟"
"أجل." أومأ كايلب ببطء. "لقد بحث عنكما، وحين أدرك أنكِ لم تكوني في أي مكان داخل المبنى، خرج بسرعة ليرى ما يحدث…"
توقّف لثانية، ثم تابع:
"ورآكِ بين يدي سايلوس، بينما كان يقفز بكِ فوق أسطح المباني."
نظرتُ لا إراديًا نحو سايلوس، الذي لم يبدُ عليه أي اهتمام بالأمر، لكنه كان يضغط على أصابعه معًا، كما لو أنه كان يحاول
تحليل المعلومات بهدوء.
"لماذا لم يلحق بنا؟" سأل أخيرًا، نبرته كانت هادئة، لكنها حادة.
"لأنه كان بعيدًا عن البحر لفترة طويلة." قال كايلب، صوته كان يحمل شيئًا يشبه التردد. "رافاييل أقوى عندما يكون قريبًا من الماء… لكن كلما ابتعد عنه، كلما ضعفت قوته."
شعرتُ بقشعريرة خفيفة تسري في ظهري، لكنني لم أعلّق.
"إذن، عاد إلى موطنه." قال سايلوس، وكأنه كان يتوقع ذلك.
"نعم."
ساد الصمت للحظة، ثم نظر كايلب إليّ بجدية، وقال بصوت هادئ:
"لكنه قال إنه سيعود لياخذك."
شعرتُ بنبضة غريبة في رأسي، شيء يشبه الصوت البعيد، أو الذكرى المفقودة.
لكنني أبقيتُ ملامحي متماسكة.
"لماذا؟"
كايلب لم يشيح بنظره عني.
"لأنه يعتقد أن مكانكِ ليس هنا."
شعرتُ بأنفاسي تصبح أثقل قليلًا.
"إذن، أين يعتقد أنه مكاني؟"
كايلب مرر لسانه على أسنانه، كما لو أنه لم يكن يريد قول ذلك بصوت عالٍ.
لكنه قاله على أي حال.
"في الغرفة المقدسة."
شعرتُ بكل شيء حولي يصبح أبطأ.
"…ماذا؟"
"قال إنه سيأخذكِ." تابع كايلب، صوته أصبح أكثر جدية. "وأنه سيعيدكِ إلى الغرفة المقدسة، حيث تنتمين."
سايلوس أصدر صوتًا ساخرًا، لكنه لم يكن ساخرًا حقًا.
"آه، كم هو متوهم."
كايلب لم يضحك.
وأنا لم أفعل أيضًا.
"وماذا قال أيضًا؟" سألتُ، صوتي خرج أكثر هدوءًا مما توقعت.
كايلب لم يرد فورًا، لكنه نظر إليّ مباشرة، وقال أخيرًا:
"قال إنه سيجعلكِ قديسة."شعرتُ بشيء ثقيل في صدري.
لم تكن صدمة، لم يكن خوفًا…
كان شيئًا آخر.
شيء لم أفهمه بالكامل بعد.
"قديسة؟" كررتُ الكلمة، وكأنني كنتُ أحاول استيعابها.
"نعم." أومأ كايلب، ثم أضاف ببطء، وكأنه كان يريد أن يجعلني أدرك مدى خطورة هذا الأمر
"قديسة… إلى الأبد."
لم أتحرك.
لم أتنفس حتى.
لكن سايلوس فعل.
ببطء، أمال رأسه إلى الجانب، ثم قال بصوت منخفض، لكنه مليء بشيء مظلم تمامًا:
"أريد أن أرى كيف سيحاول فعل ذلك عندما يكون جسده ممزقًا إلى ألف قطعة."
كان الصمت لا يزال يخيّم على الغرفة، بعد التهديد الواضح الذي أطلقه سايلوس.
لكن كايلب؟
لم يهتم.
"نحن لا نملك وقتًا لهذه التهديدات، سايلوس." قال أخيرًا، نبرته كانت هادئة لكنها حادة بما يكفي لإظهار أنه لم يكن متأثرًا
بموجة الغضب التي صدرت من الآخر.
ثم، دون أن ينتظر ردًا، أضاف ببساطة:
"هناك شخص يمكنه مساعدتنا."
رفعتُ عينيّ إليه فورًا.
"ماذا تعني؟"
كايلب شبك أصابعه ببطء، ملامحه لم تتغير وهو يتحدث.
أعرف طبيبًا… عالمًا، بالأحرى. شخص خبرته تتجاوز العوالم، شخص لا يوجد نظير له عندما يتعلق الأمر بالبيولوجيا المعقدة للكائنات الهجينة."
شعرتُ بانتباهي يزداد فورًا.
"هل تقصد أنه… قد تعامل مع حالات مشابهة لحالتي؟"
"ليس مشابهة بالضبط." قال كايلب، وهو يميل للأمام قليلاً. "لكن هذا الرجل… مرت عليه جميع أنواع الكائنات، من تلك التي تعيش في الفضاء إلى تلك التي تعيش في أعماق العوالم السفلية. إذا كان هناك أي شخص يمكنه أن يفهم حالتكِ، فهو هذا الرجل."
"وهل تثق به؟" كان هذا صوت سايلوس، الذي كان لا يزال جالسًا بنفس الهدوء المثير للريبة، لكنه كان يراقب كايلب بعينين ضيقتين.
"ليس تمامًا." قال كايلب بوضوح.
"أوه، رائع." قال سايلوس بابتسامة ساخرة. "إذن، ما تقترحه علينا هو أن نذهب إلى شخص غير موثوق به ونسلمه تونه، على أمل أن يكون لطيفًا بما يكفي ليعيد مشاعرها بدلًا من أن يقوم بتشريحها وتجربة بعض أفكاره المجنونة عليها؟"
كايلب لم يبدُ متأثرًا.
"إن كنتَ تملك خيارًا أفضل، فأرجوك، أخبرنا به."
ساد الصمت.
ثم، أخيرًا، نظرتُ إلى كايلب، وقلتُ بصوت هادئ لكنه ثابت:
"أنا موافقة."
رأيتُ كيف تحولت نظرة سايلوس إليّ فورًا، كيف تحركت عضلات فكّه قليلاً وكأنه لم يكن سعيدًا بهذا القرار.
"أنتِ موافقة؟"
"نعم." أومأتُ دون تردد. "أنا أريد أن أعود إلى طبيعتي، سايلوس. أريد أن أشعر بكل شيء مجددًا. إذا كان هناك شخص
يمكنه مساعدتي، فلا أمانع مقابلته."
كان يمكنني رؤية التردد في عينيه، الصراع الذي لم يقله بصوت عالٍ.
لكنه لم يحاول إيقافي.
على الأقل، ليس الآن.
"أين نجد هذا الرجل؟" سأل أخيرًا، وهو يعيد عينيه إلى كايلب.
كايلب ابتسم قليلًا، كما لو أنه كان ينتظر هذا السؤال.
"لديه مختبر متنقل." قال ببساطة. "لا يبقى في مكان واحد لفترة طويلة، لكنه يملك نظامًا خاصًا للتواصل معه. سأحدد
موعدًا معه، ولكن سيكون علينا أن نذهب إليه دون أن يلاحظنا أحد."
شعرتُ بشيء يشبه القلق يتسلل إلى صدري.
"لماذا دون أن يلاحظنا أحد؟"
كايلب تردد للحظة، ثم قال ببطء:"لأن هذا الرجل… ليس بالضبط شخصًا محبوبًا في بعض العوالم."
"أوه، هذا يزداد روعة." قال سايلوس بنبرة درامية."هذا يعني فقط أننا بحاجة للحذر." قال كايلب ببساطة. "إذا أرادت تونه استعادة مشاعرها، فعلينا أن نأخذ بعض المخاطر."
شعرتُ بأن أنفاسي تصبح أثقل قليلًا، لكنني لم أتراجع.
إذا كان هذا هو السبيل لاستعادة نفسي، فسأخوضه.
"إذن، متى نذهب؟"
كايلب نظر إليّ، ثم قال بابتسامة صغيرة، لكنها كانت جادة تمامًا:
"الليلة."
"ليس الليلة."نظرتُ إلى سايلوس عندما قالها، كلماته خرجت بوضوح، بلا تردد، وكأنه قرار نهائي.
لكني لم أكن مستعدة لقبول ذلك.
"لماذا؟" سألتُ، نبرتي كانت هادئة، لكنها تحمل تحديًا واضحًا.
"لأن لديّ أعمالًا لا يمكنني تأجيلها." قال وهو يميل للخلف، كأنه غير مهتم بالمناقشة أصلًا. "سنغيّر الموعد ليوم آخر."
كايلب أطلق زفرة ثقيلة، وكأنه كان يتوقع هذا منه تمامًا.
"هذا مستحيل." قال بجفاف. "إذا لم نذهب الليلة، سنضطر إلى الانتظار لشهور أخرى حتى نستطيع تحديد موعد جديد
معه."
رأيتُ كيف توتر فكّ سايلوس للحظة، لكنه لم يعلّق.
لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك، لأنني كنتُ قد اتخذت قراري بالفعل.
"إذن، سأذهب وحدي."
تجمّد الجو من حولي.
سايلوس أدار رأسه نحوي فورًا، عيناه الحمراوان تضيئان بتحذير واضح.
"ماذا؟"
"إذا كنتَ لا تستطيع المجيء، فلا بأس." قلتُ، متمسكة بهدوئي رغم أنني كنتُ أشعر بالطاقة المتوترة تتصاعد في الغرفة."سأذهب مع كايلب."
"أو وحدي، لا مشكلة لديّ."
كان يمكنني سماع كيف اشتد تنفسه للحظة.
"أنتِ لن تذهبي وحدكِ."
"ولمَ لا؟" سألته ببساطة، رافعة حاجبي قليلًا.
"لأن هذا انتحار." قال بحدة، وقد تغيّر جلوسه من الاسترخاء إلى التوتر الواضح.
ابتسمتُ نصف ابتسامة، لكن لم تكن سخرية، بل كانت أقرب إلى تذكير.
"هل نسيتَ من أكون؟"
"لا، لم أنسَ." قال فورًا، نبرته مشدودة أكثر من اللازم. "لكن هذا لا يعني أنكِ لا تحتاجين إلى الحماية."
"حماية؟" ضحكتُ بخفة، وهززتُ رأسي. "سايلوس، لقد كنتُ أخوض المهام القتالية قبل حتى أن ألتقي بك. هزمتُ أعداءً أقوى منك وأنت تعلم ذلك."
"وهذا لا يهم الآن." قال بصوت منخفض، لكنني شعرتُ باللهب الكامن خلف كلماته.
"بل يهم." قلتُ، وأنا أنظر إليه مباشرة. "أنا لا أحتاج إلى أحد ليحميني."
شعرتُ بمدى التوتر في الهواء، بكيف أصبح الجو أكثر ثقلاً مما ينبغي.
لكن سايلوس لم يكن مستعدًا للتراجع.
"إذن، تريدين أن تذهبي وحدكِ؟" قال ببطء، عيناه أصبحت أكثر ظلمة.
"إن كان هذا هو الحل الوحيد، فلمَ لا؟"
كايلب، الذي كان صامتًا حتى الآن، قرر أخيرًا التدخل قبل أن تتحول هذه المحادثة إلى شيء أكثر خطورة.
"سايلوس، هذا ليس وقت الجدال." قال بصوت هادئ لكنه قاطع. "الأمر ليس كما لو أنها ستدخل معركة، نحن فقط سنقابل طبيبًا."
سايلوس زفر بقوة، نظراته تحولت نحو كايلب، الذي لم يتراجع، بل بقي ينظر إليه بثبات.
مرت لحظات من الصمت، قبل أن ينطق أخيرًا.
"حسنًا."
رأيته يشدّ فكّه للحظة، قبل أن يقول بصوت أكثر هدوءًا، لكنه لا يزال يحمل نبرة التحدي:
"اذهبي مع كايلب إذن."
رفعتُ حاجبي قليلًا، متفاجئة بأنه استسلم بهذه السهولة.
لكن كلماته التالية أوضحت الأمر.
"أنا لا أثق به، لكنني أثق به لحمايتكِ."
كايلب لم يعلّق، لكنه اكتفى بإلقاء نظرة سريعة عليه، وكأن تلك الكلمات كانت كافية لتوضيح موقفه.
وقف كايلب، متمددًا قليلًا كأن المحادثة السابقة قد أرهقته أكثر مما ينبغي.
"سأذهب لإنهاء بعض الأعمال." قال، وهو ينظر إليّ ثم إلى سايلوس بنظرة تحذيرية غير مباشرة. "التقي بي بعد ساعة في نقطة اللقاء."
أومأتُ ببساطة. "حسنًا."
أما سايلوس؟ فقط أدار وجهه بملل، ورفع يده ملوحًا له بلا اهتمام.
"لا تتأخر، أيها الفارس النبيل."كايلب لم يعلّق، لكنه اكتفى بزفرة قصيرة قبل أن يستدير ويغادر، تاركًا إيّانا خلفه.
عندما اختفى، نهض سايلوس ببطء
، ثم التفت إليّ، يمد يده ليأخذ بيدي، كما لو أن ذلك أمر طبيعي تمامًا.
لكنني لم أمسك بها.
رأيتُ كيف توقفت يده في الهواء لثانية، قبل أن يسحبها ببطء، وكأنه لم يكن يهتم أصلًا.
لكني كنتُ أعرف أنه لاحظ.
"لنذهب." قال بصوت منخفض، دون أن يعلّق على رفضي لحركته تلك.
.....
مرحبا🍀
ما أكثر جملة أو موقف في هذا المشهد جذب انتباهك ولماذا؟
شاركونا ارائكم 🫶🏻