تحركت ببطء، اخترقت السقف الزجاجي العملاق الذي كان يعلو المدينه المائيه ، لكن بطريقة لم تكسره، لم تدمره… بل كأنها قد فُتحت لها ممرات خاصة.

"ماذا…؟" تمتم رافاييل، عينيه اتسعتا للحظة، وهو ينظر إلى ما يحدث.

لكنني كنتُ أعرف من هو المسؤول عن هذا.

لأنني رأيته…

رأيته يقف هناك، في مقدمة الأسطول، بكامل فخامته.

رأيته وهو يقف بشموخ، مرتديًا زيه العسكري الأسود الداكن، المطرّز بخيوط فضية، والذي كان يلمع تحت الأضواء المائية.

الجنرال الفولاذي… كايلب.

كان يبدو كما لم أره من قبل.

كقائد. كقوة لا يمكن إيقافها. كإعصار من الفولاذ والحسابات الباردة.

لكن أكثر ما لفت انتباهي…

كان السلاح الذي كان يحمله بين يديه.

لم يكن مجرد سلاح ناري متطور، لم يكن مجرد قطعة معدنية أخرى من ترسانة أسلحته.

كان شيئًا… صُمّم خصيصًا لهذا المكان.

لأنني شعرتُ به.

شعرتُ كيف اهتزّ الماء لحظة أن حمله.

رأيتُ كيف نظر رافاييل إلى السلاح، كيف تغيرت ملامحه للحظة، كيف انعكست عليه لمحة من…القلق؟

ابتسم كايلب، لكن الابتسامة لم تكن تحمل أي أثر للمرح هذه المرة.

بل كانت… ابتسامة قاتل محترف.

"معذرةً على التأخير،" قال بصوت هادئ، لكنه حمل من السلطة ما جعل الجميع يصمتون.

"لكنني أعتقد أن هذا الحفل قد طال أكثر من اللازم."

ثم، ببساطة، رفع سلاحه…

ووجّهه مباشرة إلى رأس رافاييل.

كان المكان ساكنًا تمامًا.

هدوء قاتل، ثقيل، كأن العالم كله قد توقف للحظة.

لكنني كنتُ أعرف أن هذا لم يكن هدوءًا حقيقيًا.

بل كان… العاصفة التي تسبق الدمار.

كايلب لم يتحرك.

لم يرف له جفن حتى وهو يوجه السلاح إلى رأس رافاييل.

لكن رافاييل…

هو من تغيّر تمامًا.

لم يعد يبتسم.

لم يعد يضحك.

لم يعد ذلك الرجل الدرامي المدلل الذي يتلذذ باستفزاز الجميع.

بل أصبح شخصًا آخر.

شخصًا… خطرًا.

رأيته يرفع بصره قليلًا، ينظر إلى كايلب نظرة لم أفهمها بالكامل، لكنني شعرتُ بها.

كانت… بلا رحمة.

"أنزل سلاحك، كايلب."

كان صوته هادئًا، لكنه حمل شيئًا أكثر ظلامًا مما توقعت.

"وإلا…"

أمال رأسه قليلًا، وعيناه كانتا تلمعان بضوء غريب.

"ستندم على هذا القرار."

لم يتحرك كايلب.

لم يرد حتى.

لكنني رأيتُ كيف اشتدّ فكه قليلًا، كيف ضاقت عيناه وهو يحدق برافاييل كما لو كان يدرسه.

ثم، فجأة…

"حقًا؟"

كانت كلمته الوحيدة… لكنها كانت كافية.

لأنني رأيتُ كيف رفّ جفن رافاييل للحظة، وكأنها لم تعجبه.

لكنه استعاد سيطرته فورًا، ابتسامة صغيرة خطرت على شفتيه، لكنه لم يكن سعيدًا.

"أتعلم، جنرالنا الفولاذي؟" تمتم بصوت منخفض، وهو يخطو خطوة إلى الأمام، غير مبالٍ بالسلاح الذي لا يزال مصوبًا نحو رأسه.

"لا مانع لديّ بتحويل البحار كلها إلى اللون الأحمر اليوم… إن كنتَ ترغب في ذلك."

كان التهديد واضحًا، لا غموض فيه هذه المرة.

ثم، ببطء، التفت نحوي.

"لن أترككِ، قُدِّيستي."

كلماته خرجت ناعمة، لكنها كانت تملؤها القسَم.

"أنتِ تخصّينني… أنتِ تنتمين إلى البحار."

لكن قبل أن أفتح فمي…

قبل أن أتمكن حتى من الرد…

ضحك سايلوس بصوت منخفض.

ضحكة قصيرة، جافة… لكنها حملت شيئًا كاد يجمّد الدم في عروقي.

"هل هذا ما تعتقده، رافاييل؟"

التفتُ بسرعة إليه، ورأيتُ كيف كان يقف بثبات بجانبي، كيف كانت طاقته السوداء تتدفق من حوله كما لو كانت تنتظر اللحظة المناسبة للانفجار.

كان جسده هادئًا… لكن عينيه؟

كانتا تحترقان غضبًا.

"أتعلم ما هو المضحك حقًا؟" تابع سايلوس، وهو يميل رأسه قليلًا، وكأنه كان يسخر من كل هذا الوضع.

"أنك تعتقد أنني سأسمح لك بأخذها."

لم تكن كلماته مجرّد تهديد.

كانت حكمًا بالإعدام.

رفعتُ بصري إلى رافاييل، رأيته يرمقه بصمت، ثم فجأة…

ابتسم.

"حسنًا، حسنًا…" تمتم، ثم زفر ببطء وهو يضع يده على خاصرته. "إذن هذا هو الوضع الآن؟"

حرك يده ببطء، أشار نحوي بإصبع واحد، ثم نحو كايلب، ثم نحو سايلوس…

ثم، بابتسامة ماكرة، قال:

"كلاكما… لن تتخلا عنها، أليس كذلك؟"

كان السؤال بلا داعٍ.

لأن الإجابة كانت واضحة جدًا.

رأيتُ كيف تبادل كايلب وسايلوس نظرة قصيرة جدًا، نظرة مليئة بالتفاهم الذي لم يحتاج إلى كلمات.

ثم، معًا…

ثبتا أقدامهما في الأرض.

كايلب، الجنرال الفولاذي، قائد أسطول لا يُقهر…

وسايلوس، سيد الظلال، والرجل الذي جعل العوالم السفلى تركع تحت قدميه.

كلاهما كانا مستعدين للحرب من أجلي.

وكأنني كنتُ… الكنز الذي لا يمكن التخلي عنه.

كان كل شيء يحدث بسرعة.

كايلب لم يُخفض سلاحه.

سايلوس لم يُهدئ طاقته.

رافاييل لم يتراجع.

والتوتر؟

كان يخنق المكان بأكمله.

رأيتُ كيف كانت عيونهم تتواجه، كيف كان كل منهم مستعدًا للقتال حتى النهاية، كيف كان كل شيء على وشك الانفجار.

لكنني لم أكن قادرة على تحمل هذا أكثر.

"توقفوا!"

خرجت صرختي أعلى مما توقعت.

أعلى مما كان يجب أن تكون.

لكنني لم أكن أهتم.

لأنني كنتُ على حافة الانهيار.

رأيتُ كيف التفتت كل العيون إليّ، كيف شعر الجميع بتلك الطاقة التي اندفعت مني بلا تحكم، كيف تماوج الماء حولنا بعنف، كأنه كان يستجيب لمشاعري المنفلتة.

"ما الذي تفعلونه؟!" صرختُ، أتنفس بصعوبة، أشعر بأن كل خلية في جسدي مشحونة بالتوتر والانفعال.

لم يرد أحد.

لكنني لم أكن بحاجة إلى إجاباتهم.

لأنني كنتُ أراهم.

أراهم مستعدين للحرب.

"هل هذا هو ما كنتُ أحاول تجنبه؟" همستُ، لكن صوتي كان يحمل غضبًا، ألمًا، شيئًا أعمق من مجرد سؤال.

رأيتُ كيف توترت ملامح كايلب، كيف ضاقت عينا سايلوس قليلًا، كيف ظلّ رافاييل يحدّق بي وكأنه كان ينتظر ما سأقوله.

."لقد فقدتُ مشاعري." قلتُ، وصوتي كان ثابتًا رغم العاصفة داخلي. "لقد تحولتُ إلى شيء لم أكن أريده… كل هذا، فقط لكي أتجنب الحرب."

شعرتُ بأنفاسي تهتز.

"لكنني أراها الآن أمامي."

رفعتُ يدي، أشرتُ إليهم، إلى هذا الجنون الذي كنتُ غارقة فيه.

"أراكم تستعدون للقتال، وكأن كل ما فعلته لم يكن له معنى."

بللتُ شفتيّ الجافتين، ثم أضفتُ بصوت أكثر حدة:

"أخبروني إذًا، ما كان الهدف من كل هذا؟!"

مرّت لحظة من الصمت.

لكنني كنتُ أعرف أنني قد ضربتُ في العمق.

كايلب كان أول من حرك رأسه قليلًا، عيناه كانتا تحملان شيئًا لم أفهمه، لكنه لم يقل شيئًا.

أما سايلوس…

فقط حدق بي، ثم زفر ببطء، كأنه كان يحاول كبح شيء بداخله.

لكن رافاييل؟

كان الوحيد الذي لم يتأثر.

بل فقط ابتسم، ابتسامة كانت تحمل شيئًا خطرًا جدًا.

ثم، بصوت ناعم، لكنه مليء باليقين، قال:

"لأن الحرب… لم يكن بإمكانكِ تجنبها أبدًا، قُدِّيسَتي."

كانت كلماته كالسيف الذي مزق كل شيء حاولتُ بناءه.

لكن....

لم يكن أحد مستعدًا لما حدث بعد ذلك.

ارتجاج ....

الارتجاج الأول كان خفيفًا… بالكاد ملحوظًا.

الارتجاج الثاني؟

كان كابوسًا حيًا.

شعرتُ بالأرض تحت قدمي ترتجف بعنف، كما لو أن البحر نفسه قد بدأ ينهار من الداخل.

سمعتُ هديرًا… ليس مجرد اهتزاز طبيعي، بل نبض ضخم، وكأن العالم بأكمله كان على وشك الانهيار.

رفعتُ بصري إلى الأعلى…

ورأيتُ الفوضى الحقيقية.

المخلوقات البحرية التي كانت تسبح بانسيابية قبل لحظات، تحولت إلى أسراب مذعورة، تتحرك بشكل عشوائي، وكأنها تحاول الفرار من شيء غير مرئي.

رأيتُ أسماكًا عملاقة تصطدم بالمباني، كائنات مائية نادرة تطلق أصواتًا مرعبة، المياه نفسها كانت تغلي، كما لو أن شيئًا ما كان يسحبها إلى الجنون.

ثم…

بدأت المباني تنهار.

تصدعت الأعمدة الضخمة، الزجاج المقاوم للضغط تشقق، الأنوار النيونية انطفأت واحدة تلو الأخرى…

كان هذا أكثر من مجرد خلل بسيط…

كان هذا انهيارًا كاملًا.

لكنني لم أكن الوحيدة التي لاحظت ذلك.

"مستحيل…"

همس رافاييل، منخفضًا، لكنه حمل رعبًا لم أسمعه من قبل.

التفتُ ببطء، ورأيتُه.

رافاييل.

لأول مرة منذ أن قابلته… لم يكن مغرورًا. لم يكن مستمتعًا. لم يكن ساخرًا.

بل كان… خائفًا.

___

مرحبا 🍀🍀

ارائكم واقتراحاتكم للفصل .. شنو تتوقع ن للاحداث القادمه .... اتمنى تنشرون روايتي بحساباتكم الشخصيه 🫶🏻🙈 💋 🫶🏻

2025/06/26 · 3 مشاهدة · 1147 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025