"سايلوس!!!"
لم أسمع صوتي… لكنني شعرتُ به يمزق حنجرتي.
ركضتُ.
لم أفكر، لم أتردد، لم أهتم بأي شيء آخر.
فقط ركضتُ نحوه، كما لو أن حياتي كلها تعتمد على ذلك.
سقطتُ على ركبتيّ بجانبه، يداي أمسكتا وجهه، وعيناي لم تستطع رؤية شيء غيره.
"سايلوس… سايلوس، لا، لا، لا…"كانت دموعي تسقط…
ولأول مرة منذ وقت طويل، شعرتُ بحرارتها وهي تنساب على وجهي.
لم أستطع السيطرة على الانهيار الذي كان يحدث بداخلي.
"سايلوس، من فضلك… لا تفعل هذا بي…"
كانت يداي ترتجفان، كانت دموعي تسقط على وجهه، كانت أنفاسي متقطعة، وكان كل شيء حولي ينهار.
لكن وسط هذا كله… رأيته يفتح عينيه ببطء.
كانت عيناه الحمراوان باهتتين قليلًا، لكنهما كانتا لا تزالان تحملان نفس الشيء الذي اعتدتُ عليه دائمًا.
"أوه، أميرتي…" تمتم بصوت ضعيف، لكن نبرته حملت نفس السخرية الناعمة التي لم يتخلَّ عنها أبدًا.
حاول أن يرفع يده، لكنني أمسكتُها قبل أن يتمكن من ذلك، ضغطتُ عليها بقوة، وكأنني كنتُ أحاول أن أبقيه معي فقط من خلال لمستي.
"لا تحاول التحدث." قلتُ، لكن صوتي كان مهتزًا للغاية.
"أنا بخير…" همس، لكنني لم أصدقه للحظة واحدة.
"أنتَ تنزف، سايلوس، لا تكذب عليّ الآن!"
لكن حتى مع ألمه، حتى مع الجرح في جسده، رأيتُ تلك الابتسامة الصغيرة تتشكل على شفتيه.
"على الأقل… أنتِ تشعرين الآن، أليس كذلك؟"
شعرتُ بأن قلبي توقف للحظة.
لكنني لم أقل شيئًا…فقط بكيتُ أكثر.
ضغطتُ على يده بقوة، بينما كانت دموعي تسقط بلا توقف، بينما كنتُ أشعر بالعجز الذي لم أشعر به من قبل.
لأنني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا…لا يمكنني تحمل خسارته.
"تمسّك بي، سايلوس…" همستُ، يدي لم تترك يده، عينيّ لم تترك وجهه.
"من فضلك… لا تتركني."
لكنه لم يرد.كل ما فعله…
هو أن يبتسم لي مرة أخيرة.
ثم… أغلق عينيه......
كل شيء عاد إليّ دفعة واحدة.
الألم، الحزن، الخوف، الغضب، الذعر، وحتى الحب.
كل المشاعر التي كنتُ قد فقدتها في الأيام السابقة عادت لتحرقني الآن.
وكأنني كنتُ ميتة، والآن أُجبرتُ على الشعور بالحياة مجددًا… بطريقة لا تطاق.
رأسي كان يدور، أنفاسي كانت مضطربة، كل شيء من حولي أصبح ضبابيًا…
لكني كنتُ أراه.
كنتُ أرى رافاييل.
كان واقفًا هناك، يراقبني… يبتسم.
كيف يبتسم الآن؟
كيف يستطيع الابتسام بينما أنا أعيش أسوأ لحظاتي؟
كيف يمكنه الوقوف هناك، والاستمتاع بالفوضى التي خلقها؟
شعرتُ بالغضب يشتعل في داخلي… لكنه كان مختلطًا بالحزن، بالخوف، بالضعف الذي لم أكن مستعدة له.
ثم… تحرك.
رأيته يسير نحوي، خطواته هادئة، لكنه كان يبدو… كشبح وسط الدمار.
تجمدتُ مكاني، بينما رأيته ينحني أمامي، يركع على ركبتيه، وكأنه كان يقدّم لي احترامًا كاذبًا.
لكن عيناه…
عيناه الأرجوانيتان كانتا مشعتين بالهوس.
لم ينظر إليّ أولًا.
بل نظر إلى سايلوس… المغمى عليه بين ذراعيّ.
ثم… ابتسم أكثر.
"كم هو مثير للاهتمام." تمتم بصوت ناعم، وكأنه كان يهمس لنفسه.
ثم، وبهدوء مريب، رفع يدي المرتجفة إلى شفتيه…
وقبّلها.
شعرتُ ببرودة بشرته، بشيء غريب في لمسته، بشيء لم أستطع تفسيره تمامًا…
لكني لم أستطع حتى التحرك.
كل شيء كان يسير بسرعة تفوق قدرتي على الاستيعاب.
"لا تبكي." همس، صوته كان كالمخدر، ناعمًا، لكن بطريقة خطيرة.
"إنه يؤلمني… أن أراكِ تبكين من أجل رجل آخر."
لم أستطع الرد.
لم أستطع حتى التنفس بشكل طبيعي.
لأنني كنتُ أرى عينيه.
كانتا…....تشع بالجنون.
شعرتُ بأنني محاصرة تحت نظرته، بأنني أصبحتُ فريسته، بأنني كنتُ مجرد تحفة مكسورة بين يديه.
ثم، فجأة…رفع يده نحو وجهي.
مرر أصابعه الباردة على خدي، ثم على شفتيّ، وعيناه كانتا تلمعان بشيء لم أكن مستعدة لمواجهته.
هوس.
كان يحدق بي كما لو كنتُ معجزة مسجونة داخل جسد إنسانة.
"كم أنتِ جميلة وأنتِ محطمة، تونه."
همس كلماته الأخيرة، ثم ابتسم…
كالمجنون.
لم أكن أفكر.
لم أكن أتحكم بما أفعله.
كل ما كنتُ أعرفه هو أنني رفعتُ يدي… وصفعته.
الصوت ارتدّ في القاعة، صدى الضربة تردد بين الجدران المائية، وشعرتُ بوخز في كفي من شدّة الصفعة.
رافاييل لم يتحرك على الفور.
لم يرفع رأسه حتى.
لكن الصمت الذي ساد المكان… كان قاتلًا.
ثم، فجأة، حدث الانفجار الحقيقي.
الحراس تحركوا.
رأيتهم يندفعون من جميع الاتجاهات، أسلحتهم ارتفعت نحوي، عيونهم كانت باردة، قاسية، مستعدة لقتلي في لحظة واحدة.
لكن قبل أن يتمكن أي منهم من التصرف…
"توقفوا!!!"
صرخة رافاييل مزقت الهواء.
رأيته يرفع يده فجأة، وعيناه الأرجوانيتان كانتا تشتعلان بنيران غضب لم أرها فيه من قبل.
"أنتم ترفعون سلاحكم على من؟"
كان صوته حادًا، غاضبًا، لا يحمل أي أثر للهوس الذي كان يملأه قبل لحظات.
رأيتُ الحراس يتجمدون، أيديهم ترتجف قليلاً، وكأنهم لم يكونوا مستعدين لهذا النوع من الغضب منه.
ثم، بصوت منخفض لكنه مليء بالتهديد، أكمل:
"أنتم ترفعون سلاحكم على قدّيستكم؟"
رأيته ينظر إليهم ببرود قاتل، وكأن مجرد وجودهم كان يزعجه.
"أنتم تجرؤون… على تهديدها؟"
رأيتُ أحد الحراس يبتلع ريقه بصعوبة، ثم خفض سلاحه فورًا، والبقية تبعوه بسرعة.
لكنني لم أكن مهتمة بذلك.
كنتُ فقط أنظر إلى رافاييل.
كان لا يزال راكعًا أمامي، لكن رأسه كان مائلًا قليلًا للجانب، كأنه كان يدرس ملامحي.
وعلى شفتيه…
كانت هناك ابتسامة صغيرة.
"كم أنتِ رائعة، تونه." همس بصوت ناعم، لكنني شعرتُ بشيء خطير خلف كلماته.
ثم، ببطء، لمس مكان الصفعة على وجهه، وكأنها كانت علامة مقدسة، وليست إهانة.
"أتعلمين…؟"
رفع نظره لي مباشرة، ابتسامته الصغيرة تحولت إلى ابتسامة أوسع…
وأخطر.
"هذا يجعلني أرغب بكِ أكثر."
لم أهتم به.
لم أهتم بنظراته، بكلماته، بابتسامته التي تحمل هوسًا أكثر مما تحمل أي شيء آخر.
لم أهتم بأي شيء.
كل ما كان يهمني…
هو سايلوس.
خفضتُ نظري إليه، إلى وجهه الشاحب، إلى الدماء التي تلطّخت بها ملابسه، إلى صدره الذي بالكاد يرتفع وينخفض بأنفاس ضعيفة.
"سايلوس…؟"
"سايلوس، استيقظ… من فضلك، لا تفعل هذا بي."
كان صوتي متحطمًا، هشًّا، مليئًا برعب لم أكن أعرف كيف أتعامل معه.
"أرجوك… افتح عينيك…"
لكن لا شيء.
فقط الصمت.
ثم، فجأة…
شعرتُ به.
الماء تحتنا… نبض.
لم يكن مجرد تموج، لم يكن مجرد حركة خفيفة…
بل كان كأنه كائن حيّ بدأ بالتحرك.
ثم…
تحرّك بعنف.
شعرتُ بالطاقة تنفجر تحتي، دفعة قوية من الماء ارتفعت فجأة، اندفعت نحو الجميع، جعلت كل من كان حولي يطير للخلف بقوة غير مرئية.
حتى رافاييل نفسه.
سمعته يطلق شهقة مفاجئة وهو يتراجع، لم يكن يتوقع أن يتم دفعه بهذا الشكل…
لكن الغريب لم يكن ذلك.
الغريب كان تعبيره.
كان مصدومًا… لكن… كان سعيدًا؟
رأيتُ عينيه تلمعان بإثارة غريبة، وكأن شيئًا كان ينتظر حدوثه منذ وقت طويل… قد حدث أخيرًا.
لكنني لم أكن مهتمة به.
لأنني كنتُ أرى شيئًا آخر.
كنتُ أرى الماء يتحرك حولي.
ليس كالمعتاد، ليس كما كنتُ أتحكم به سابقًا…
بل كان يتحرك من تلقاء نفسه.
كان الماء يتجمع، يحيط بي وبسايلوس مثل قبة شفافة، تفصلنا عن كل شيء حولنا.
ثم، أمام عينيّ…
بدأ الماء يلتف حول جسد سايلوس.
كنتُ أراه… كيف كانت قطرات الماء تلتصق بجلده، كيف كانت تتغلغل في جرحه، كيف كانت تسحب الدماء بلطف، كأنها تعيد تشكيله من جديد.
شعرتُ بأنفاسي تتسارع.
ما الذي يحدث؟
كيف…؟
رفعتُ نظري ببطء، التفتُ إلى رافاييل، رأيته لا يزال واقفًا هناك، لا يتحرك، لا يتدخل…
فقط يراقب.
كان يحدق بي كما لو أنني قد تحولت إلى أعجوبة نادرة، كما لو أنني لم أكن مجرّد كائن عادي بعد الآن.
لكنني لم أهتم بنظراته.
لأنني شعرتُ به.
شعرتُ به يتحرك بين ذراعيّ.
"تونه…؟"
كان الصوت ضعيفًا…
لكنني عرفته على الفور.
"سايلوس؟!"
رأيتُ عينيه الحمراوين تفتحان ببطء، رأيته يرمش مرتين، وكأنه كان يحاول التركيز على وجهي.
ثم، بصوت خافت جدًا، لكنه لا يزال يحمل نبرته المعتادة، همس:
"أميرتي… هل كنتِ تبكين من أجلي؟"
ورغم كل شيء…
رغم الدموع التي لم تتوقف…
رغم كل الفوضى التي كنتُ غارقة فيها…
شعرتُ بأن قلبي ينبض بطريقة لم أشعر بها منذ زمن طويل.
لم أستطع الإجابة.
لم أستطع حتى التنفس بشكل صحيح.
كلماته كانت بسيطة، لكنها ضربت شيئًا عميقًا بداخلي.
لكن الأمر لم يكن مجرد كلماته.
بل ما كنتُ أراه أمامي.
حدّقتُ به، بجسده، بملامحه… ولم أصدق ما كان يحدث.
الطعنة… كانت تختفي.
شعرتُ بعيني تتسعان بينما نظرتُ إلى المكان الذي كان الجرح فيه…
لكن لم يكن هناك شيء.
لا دماء… لا تمزق… لا أثر حتى للطعن.
"مستحيل…" تمتمتُ بصوت مرتعش، يدي لا تزال تمسك بوجهه، لكن الآن، لم يكن شاحبًا كما كان قبل لحظات.
بل كان… بصحة جيدة؟
شعرتُ بيدي تتحرك تلقائيًا إلى صدره، حيث كان الجرح العميق قبل لحظات فقط.
لم يكن هناك شيء.
جلده كان سليمًا تمامًا.
"ما الذي…؟"
حتى خدوشه… آثار القتال التي كانت تغطي يديه ووجهه…
كانت تختفي أمام عينيّ.
التعب الذي كان يثقل ملامحه… الهالات التي كانت تحيط بعينيه… حتى الشحوب في بشرته…
كلها كانت تختفي.
ورأيتُه… كيف كان يشعر بذلك أيضًا.
رأيته يرفع يده، ينظر إلى أصابعه، وكأنه كان يحاول استيعاب الأمر.
ثم، ببطء، أغلق يده في قبضة، وشعرتُ بالطاقة تتدفق منه كما كانت دائمًا… قوية، عنيفة، مدمرة.
لم يكن ضعيفًا بعد الآن.
لم يكن حتى مجروحًا.
لقد عاد إلى حالته الطبيعية بالكامل.
وكأنه لم يُطعن أبدًا.
"كيف…؟" تمتمتُ، وقلبي كان يدق بجنون في صدري، عيناي تتنقلان بينه وبين الماء الذي كان يحيط بنا، الذي كان لا يزال نابضًا بالحياة.
لكنني لم أكن الوحيدة التي لاحظت ذلك.
"أوه… هذا مذهل!"
جاء الصوت الذي لم أرغب بسماعه الآن.
التفتُ بسرعة، لأرى رافاييل لا يزال يقف هناك، لكن هذه المرة، لم يكن ساخرًا أو متلاعبًا كعادته.... بل كان… مبهورًا.
"لم أتوقع هذا إطلاقًا!" ضحك، وضع يده على فمه وكأنه كان يحاول احتواء انفعاله، لكن الإثارة كانت واضحة في عينيه اللامعتين.
"لقد توقعتُ منكِ أشياء مذهلة، قدّيستي العزيزة، لكن… هذا؟!" فتح ذراعيه، وأشار نحوي ونحو سايلوس. "هذا شيء خارج عن المألوف تمامًا!"
لم أكن أفهم.
لم أكن أستطيع الفهم.
كل ما كنتُ أعرفه هو أنني كنتُ أجلس هنا، وسط الماء الذي تحرك وحده…
وأمام عينيّ، رجل كان من المفترض أن يكون ميتًا… كان الآن بكامل قوته.
وهذه المرة، لم أكن أنا الوحيدة التي كانت ترتجف.
"لا تقترب!!"
اصرخ عندما اراه يقترب من الحاجز
كان صوتي أعلى مما توقعت، مشحونًا بكل الغضب والتوتر والخوف الذي كنتُ أشعر به.
رأيتُ رافاييل يتوقف في مكانه، رافعًا يديه ببطء وكأنه يريد أن يظهر استسلامه، لكنني لم أكن غبية.
كان مستمتعًا.
"حسنًا، حسنًا، لا داعي للصراخ، قُدِّيستي." قالها بصوت مريح، لكن عينيه كانتا تتوهجان بفضول خطير. "كنتُ فقط أريد الاقتراب لأرى هذه الأعجوبة عن قرب…"
لم أسمح له بإكمال جملته.
"إذا اقتربت خطوة أخرى، فسأُغرق هذا المكان كله." قلتُها ببطء، وأنا أشعر بقوة الماء من حولي تتجاوب مع تهديدي.
رفعتُ يدي قليلًا، فرأيتُ كيف تموجت المياه حولنا بعنف، كيف ارتفعت تياراتها وكأنها تنتظر مني الأمر بالهجوم.
رافاييل لاحظ ذلك أيضًا.
لكنه فقط… ضحك.
"أوه، كم أنا فخور بكِ الآن!" هتف، ثم وضع يده على صدره وكأنه تأثر حقًا. "إنها لحظة جميلة عندما تهددينني بتدمير عالمي، قُدِّيستي العزيزة. يجعلني هذا أشعر بأنني قد أديتُ واجبي على أكمل وجه."
كرهتُ الطريقة التي قالها بها.
كرهتُ الطريقة التي كان يبتسم بها وكأن هذا كله لعبة بالنسبة له.
لكنني لم أكن أملك الوقت لأرد عليه.
لأنني شعرتُ بيد دافئة تمسك بيدي الأخرى.
التفتُ فورًا، لأجد سايلوس قد نهض، كان متوازنًا بالكاد، لكن عينيه كانتا ثابتتين نحوي… ومليئتين بالدهشة.
"تونه…" قال بصوت منخفض، وكأنه كان يحاول فهم شيء لا يمكنه تصديقه.
حدّق بي للحظة طويلة، ثم رفع يده الأخرى ولمس وجهي بلطف، وكأنه كان يحاول أن يتحقق إن كنتُ حقيقية.
شعرتُ بيديه تلامسان وجنتيّ، بأصابعه وهي تمسح…
دموعي.
"أنتِ تبكين؟"
بدوتُ وكأنني لم أسمع سؤاله، لأنني كنتُ لا أزال غارقة في اللحظة، في كل المشاعر التي انفجرت داخلي دفعة واحدة.
لكنني رأيتُ صدمته، رأيتُ كيف كانت عيناه تبحثان عن تفسير…
رأيتُ كيف كان يحاول أن يستوعب أنني… استعدتُ مشاعري.
"كيف…؟" تمتم بصوت خافت، وكأنه لا يستطيع تصديق ذلك. "كيف استعدتِ مشاعركِ؟"
أغلقتُ عينيّ للحظة، شعرتُ بأنني أرتجف، ثم همستُ بصوت بالكاد خرج من فمي:
"لا أعلم… لقد حدث كل شيء بسرعة…"
ابتلعتُ ريقي، ثم نظرتُ إليه مجددًا، إلى الرجل الذي كنتُ أعتقد أنني خسرته، إلى الرجل الذي كان بين الحياة والموت قبل لحظات…
إلى الرجل الذي كنتُ مستعدة أن أفقد كل شيء من أجله.
"لقد اعتقدتُ أنني فقدتك…" همستُ، وصوتي كان مزيجًا من الضعف والألم. "لقد اعتقدتُ أنني لن أراك مجددًا…"
رأيتُ كيف تغيّر تعبيره، كيف تحولت الصدمة إلى شيء آخر، إلى شيء لم أستطع وصفه بالكلمات…
لكنني لم أكن بحاجة إلى الكلمات.
لأنني، وبدون تفكير…
ارتميتُ بين ذراعيه.
شعرتُ بذراعيه تلتفّان حولي فورًا، بقوة، كما لو أنه كان يخشى أن أهرب منه، كما لو أنه كان يريد أن يتأكد أنني لا أزال هنا، معه.
"أنا هنا، أميرتي…" همس لي، بينما دفنتُ وجهي في كتفه، بينما كنتُ أشعر بأنني أعود إلى مكاني الصحيح.
شعرتُ به يأخذ نفسًا عميقًا، ثم يمرر يده في شعري ببطء، وكأنه كان يحاول تهدئتي، أو ربما كان يحاول تهدئة نفسه.
لكنني لم أستطع البقاء هنا أكثر.
"أريد أن أخرج من هنا." همستُ بصوت منخفض، وأنا أشعر أن رأسي لا يزال يدور، أنني لا أزال غير قادرة على استيعاب كل شيء حدث.
"أشعر بأنني لستُ بخير، سايلوس… أخرجني من هنا."
شعرتُ به يضغط ذراعيه حولي بقوة أكبر،
التفتُ للحظة، فرأيتُ رافاييل لا يزال يراقبنا، لا يزال يبتسم، لكن هذه المرة…
كانت ابتسامته أكثر هدوءًا.
وكأنه كان يرى شيئًا لم يكن يتوقعه.
لكنني لم أهتم.
لأن كل ما كنتُ أريده…
هو أن أكون بعيدة عن هذا المكان.
شعرتُ به أولًا قبل أن أراه.
الضغط في الماء تغيّر، كأن هناك شيء عظيم قد دخل إلى هذا المكان، كأن البحر نفسه… قد اختل توازنه.
لكن هذا لم يكن كافيًا لإيقاف ما كان يحدث.
"أمسكوهما."
جاء صوت رافاييل واضحًا، حادًا، لا يحمل أي مجال للنقاش.
في لحظة، تحرك الحراس الذين كانوا يحيطون بنا.
كانوا أسرع مما توقعت.
لكن ليس أسرع منا.
شعرتُ بسايلوس يتحرك، رأيته يضعني خلف ظهره بسرعة، رأيتُ كيف تجمعت طاقة سوداء كثيفة حوله، كيف امتلأت عيناه بتلك النظرة التي رأيتها مرات عديدة من قبل.
نظرة الرجل الذي لا يرحم.
"أنتم تقترفون خطأً فادحًا." قالها بصوت خفيض، لكن الصدى الذي حملته كلماته جعل الغرفة بأكملها تهتز.
لم يكن هذا تهديدًا.
كان وعدًا.
تحركتُ بدوري، جمعتُ طاقتي، شعرتُ بالماء يستجيب لي كما لم يفعل من قبل، كأنه كان ينتظرني، كأنه كان يتوق لأن أستخدمه كما يجب.
لكن… قبل أن نتحرك…
حدث شيء لم يكن في الحسبان.
في لحظة، كأن الظلام قد حلّ فجأة.
لم يكن هذا طبيعيًا.
لم يكن مجرد شعور.
بل كان شيئًا ملموسًا.
رفع الجميع رؤوسهم إلى الأعلى… ليروا ما كان يقترب.
كانت هناك غواصات.
لكنها لم تكن عادية.
لم تكن مجرد مركبات.
بل كانت أسطولًا.
أسطولًا كاملًا.
____
مرحبا 🍀🍀
فصل طويل هل المره اتمنى يعجبكم
اتمنى اشوف ارائكم 🫶🏻