وجدتُ نفسي في قاعة ضخمة، سقفها الشفاف كان يعكس العالم البحري الذي يحيط بالمكان، المياه تسبح من فوقي، ضخمة، غير محدودة.

لكن لم يكن لدي وقت للاستمتاع بالمنظر.

لأنني سمعتُ الصوت خلفي.

ضحكة عالية…

مألوفة جدًا.

"أوه، قديستي، كم أنتِ متوحشة."

التفتُ ببطء، رأيتُ رافاييل يدخل القاعة، بخطواته الهادئة، وكأنه لم يكن في معركة للتو.

كان مبتسمًا، كان مستمتعًا…

كما لو أن كل هذا لم يكن سوى لعبة بالنسبة له.

"توقف عن مناداتي بذلك." قلتُ بصوت حاد.

"لكنها تناسبكِ جدًا." قال وهو يميل رأسه قليلًا، ابتسامته لم تتراجع.

بدأ في السير نحوي، بخطوات بطيئة، كأنه يريد أن يجعل هذه اللحظة تدوم أكثر.

"أنتِ لا تفهمين، تونه." قال بنبرة خفيفة، لكنها حملت وزن البحر بأكمله.

"هذه ليست معركة يمكنكِ الفوز بها."

"سأخرج من هنا، رافاييل." قلتُ، ورفعتُ يدي مجددًا، مستعدة لإطلاق العنان لما تبقى من قوتي.

لكنه فقط…

ضحك مرة أخرى.

"لا، قديستي العزيزة…" قال، وهو يرفع يده أيضًا.

"أنتِ ستبقين هنا، وستتقبلين واقعكِ الجديد."

"انت مختل!" قلت له بصدمه

وفي لحظة…

انفجر البحر من حولنا، وبدأت المعركة الحقيقية.

بعد فتره من القتال .. ابتعد . كانت أنفاسي تتسارع، صدري يعلو ويهبط، ويدي ترتجف رغم أنني لم أكن أريد لها ذلك.

وقفتُ هناك، لاهثة، أراقب رافاييل وهو لا يزال واقفًا أمامي، بابتسامته المستمتعة التي لم تختفِ للحظة.

كان جسدي مغطى بالجروح، ملابسي ممزقة، قطرات من دمي اختلطت بالمياه التي تحيط بي، لكنني لم أسقط بعد.

أما هو؟

كان أفضل حالًا.

لكنه لم يكن بلا إصابات.

كان شعره الأرجواني مبعثرًا قليلاً، رداؤه الملكي ممزقًا عند الكتف، وبعض الجروح الطفيفة كانت واضحة على ذراعيه.

لكنه… كان يبتسم.

"أوه، تونه…" تمتم بصوته الناعم، وهو يميل رأسه قليلًا.

"ألم تتعبي بعد؟"

قبضتُ على يديّ بقوة، وحاولتُ أن أجد أنفاسي مجددًا.

لكن قبل أن أتمكن من الرد، سمعتُ شيئًا آخر.

أصوات.

نظرتُ من حولي…

حشد من المواطنين كان قد تجمّع حولنا، يشاهدون المعركة بعيون واسعة، بعضهم بصدمة، وبعضهم بانبهار، وبعضهم بخوف.

شعرتُ بشيء ثقيل في صدري.

أنا لا أريد أن يتأذى أحد.

لم أكن أقاتل من أجلهم، لكنني لم أكن أريد أن أجعلهم ضحايا أيضًا.

كان عليّ أن أتحرك.

وقبل أن يتمكن رافاييل من قول شيء آخر، ركضتُ.

تحركتُ بسرعة، خرجتُ من القاعة، عبَرتُ ممرًا طويلاً، دفعتُ الأبواب الكبيرة، ووجدتُ نفسي في حديقة ضخمة تمتد أمامي، مليئة بالأشجار المضيئة، وبحيرات صغيرة تتلألأ كأنها تعكس سماء غير موجودة.

لكن ما جعلني أتجمد للحظة، هو ما رأيته خلف الحديقة…

شوارع. بنايات. جسور تمتد عبر المياه.

كأنني كنتُ… في مدينة حقيقية.

لكننا لا نزال في أعماق البحر.

لكن.....

قبل أن أتمكن من استيعاب المشهد بالكامل…

حدث الانفجار.

كان بعيدًا، لكنه كان ضخمًا.

الانفجار مزقّ أحد المباني في الأفق، والصدمة الارتدادية منه كانت كافية لتدفعني للخلف بعنف.

سقطتُ، كفيّ اصطدمت بالمياه التي تغطي الأرض، شعرتُ بسعال قوي يخرج من صدري، وعيناي حاولتا التركيز على المشهد أمامي.

كان هناك شخص يقف هناك، وسط الغبار والدخان الناتج عن الانفجار…

عندما بدأتُ أرى بوضوح، أدركتُ من هو.

شعرتُ بشيء غريب في داخلي، شيء لم أكن قادرة على تفسيره.

وخرجت الكلمة من فمي قبل أن أدرك حتى أنني قلتها:

"سايلوس…؟"

كان يقف هناك، مرتديًا نفس القميص الأسود والبنطال، شعره الفضي كان مبعثرًا بطريقة لم أره بها من قبل، وعيناه الحمراوان كانتا…

مليئتين بالدمار.

لكن أكثر ما صدمني…

الهالات السوداء تحت عينيه، ووجهه المتعب الذي أخبرني أنه لم ينم منذ أيام.

لكن كيف؟

كيف يكون هذا…؟

رأيته قبل ساعات فقط عبر المرايا المائية، كان يبدو هادئًا، غير مهتم…

لكن الواقع؟

الواقع كان يخبرني شيئًا آخر تمامًا.

لم يكن لديّ وقت للتفكير أكثر، لأن في اللحظة التالية، قبل حتى أن أتمكن من التحرك، اندفع سايلوس نحوي.

لكنه لم يأتِ من أجلي.

بل مرّ من جانبي مباشرة… وانقضّ على رافاييل.

لم أكن مستعدة لرؤية هذا المشهد.

لم يكن عراكًا بسيطًا.

لم يكن قتالًا عاديًا.

بل كان حربًا بين قوتين لا يجب أن تلتقيا أبدًا.

رأيتُ سايلوس يتحرك كعاصفة نارية، ضرباته كانت سريعة، شرسة، تحمل من الغضب ما يكفي لإشعال البحر بأكمله.

ورأيتُ رافاييل يقابله بابتسامته المستمتعة، يتحرك بخفة، كأن الماء كان جزءًا منه، يتفادى الضربات وكأنه يرقص وسط المعركة.

لكن سايلوس لم يكن في حالة مزاجية للرقص.

"أنتَ لعبتَ بما يكفي، أيها المهرج."

في لحظة، اختفى أمام عيني، ثم ظهر أمام رافاييل، قبضته اشتعلت بطاقة سوداء، ثم…

سدد له ضربة جعلت صدى القوة يرتج في المكان.

رافاييل طار للخلف، اصطدم بجدار زجاجي ضخم، تحطم جزء منه تحت تأثير الضربة، لكنه لم يسقط.

بدلًا من ذلك، مسح الدم عن شفتيه، ثم…

ضحك.

"أوه، كم كنتُ أفتقد هذا الشعور."

في لحظة، رفع يده للأعلى، المياه من حوله بدأت تتحرك، تتحول إلى أعمدة ضخمة، تتشكل على هيئة رماح عملاقة.

ثم أطلقها نحو سايلوس.

لكن سايلوس لم يتحرك.

في اللحظة التي اقتربت فيها الرماح منه، رفع يده، و…

احترق الماء.

رأيتُ كيف اشتعلت الرماح قبل أن تصل إليه، كيف تلاشت إلى بخار تحت حرارة لا يجب أن تكون ممكنة تحت الماء.

لكن سايلوس لم يكن يهتم بالمنطق.

كان يهتم فقط بسحق رافاييل.

وبدأت الجولة الثانية.

رأيتُ كيف استمر القتال بينهما، كيف كان كل ضرب يُدمر جزءًا من المدينة، كيف كانت المعركة تزداد عنفًا كل ثانية.

كانت كفة الفوز لصالح سايلوس..

لكنني لم أكن مستعدة لما حدث بعد ذلك.

للغدر......

بينما كان سايلوس مشغولًا بمواجهة رافاييل، تحرك أحد أتباع رافاييل من الخلف، بسرعة خفية…

وفي اللحظة التي التفتُ فيها لأراه، كان الأوان قد فات.

رأيتُ اللمعان الفضي للرمح المائي قبل أن تنغرس في جسد سايلوس.

تجمدتُ.

شعرتُ بأن الوقت توقف للحظة.

رأيتُ كيف تصلب جسده، كيف نظر للأسفل ببطء نحو الرمح الذي اخترق جانبه، كيف تراجع خطوة للخلف، كيف ابتسم رافاييل…

ثم رأيته يسقط.

ورأيتُ كيف تحولت عينايّ، رغم أنني لا أملك مشاعري بعد، إلى بركة من الرعب والغضب الصامت.

لم يكن مجرد شعور… لم يكن مجرد وهم.

بل كان حقيقيًا.

كل شيء حولي تباطأ، كل الأصوات تلاشت، كل الحركة توقفت.

وكل ما تبقى…

كان سقوط سايلوس أمام عينيّ.

رأيته يترنح، جسده يميل للجانب، الدماء تسيل ببطء من الجرح الذي اخترق جسده، شفتاه تنفرجان قليلًا…

ثم…

سقط.

وكأن قلبي سقط معه.

شيء بداخلي تحطم.

لم أكن أعرف كيف أصفه… لم أكن أعرف كيف أتعامل معه.

لكنني كنتُ أشعر به بكل خلية في جسدي.

كان الألم.

ألم لم أشعر به منذ أن فقدتُ مشاعري… لكنه الآن عاد إليّ.

كله عاد.

في لحظة واحدة…

كأن الجدران التي كانت تحميني تحطمت فجأة، كأن الفيضان الذي كنتُ أتجنبه اندفع نحوي بكل قوته، كأن كل شيء حاولتُ الهروب منه لسنوات عاد ليسحقني دفعة واحدة.

الضعف، الألم، ا

لحزن، الخوف، الذعر…

كلها ضربتني في نفس اللحظة.

والوحيد الذي كنتُ أستطيع رؤيته وسط هذه الفوضى…

كان سايلوس.

"سايلوس!!!"

____

مرحبا 🍀🍀

أدري، أدري… سايلوس انطعن، تونه انفجرت، ورافاييل يضحك.

بس صدقوني، القادم أسوأ.

بصراحة؟ ما كنت مخططة سايلوس ينطعن بهاللحظة… بس القلم سبقني.

خلونا نشوف وين راح تودينا تونه بعد اللي صار.

اللي صار نهاية الفصل؟ ، حتى أنا تأذيت وأنا أكتبها.

بس كل شيء له ثمن، صح؟

كان المفروض تونه تهرب بسلاسة… بس رافاييل قرر يكون ثقيل دم كعادته.

وش رايكم؟ كان يستحق الضربة؟

2025/06/23 · 1 مشاهدة · 1106 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025