عندما إلتقت عيناي بها حولت تلك النظرات الى شفاه تتكلم فإن حدقت بها ستجد ان السكون قد اغلق ثغرها وها هي تتحدث إلي رغم عدم تحريك فمها ؛شدتني تلك الاستغاثات التي تعانق بؤرتها بل إمارات قد علت وجهها وكأن زلزالا وقع بداخلها علمت كل ذلك من خلال لغة العيون وإنه ابلغ من تحدث الثغور فقلت باندفاع :

" سوف اشتري تلك الفتاة"

للان لم أعلم ما السبب الذي جعلني اقول ذلك وبقوة دون ان يتداخل التردد الى كلماتي هل هو بسبب تلك الصرخات التي سمعتها من بين اضلعها أم انني اتخيل ! امسكت بيدها ولكن البرودة قد باغت الدفئ التي كانت يداي تنعم به اوقفتها لى جنب وتلك الملابس المهترئة التي تغطي جسدها جمعت كفيها بين قبضتي الكبيرة ونفخت فيهما الهواء ليتحول الى الدفئ شاهدت ملامح الامبالاة تعانق وجهها ولكن ارتجاف يديها قد دل على خوفها الشديد مني وضعت كفي على كتفها وقلت بإطمئان :

" لا تقلقي عندما نخرج الان من هذا المستنقع ستعودين لحياة البشر الطبيعية "

رغم رعبها القابع بين اضلعها إلا انها ابتسمت بسخرية وقالت :

" بشر! طبيعية ؟ وهل تلك الكائنات تحمل بين اضلعها بل اقصد سلهة القمامة اي إنسانية !"

تلك الكلمات كانت كفيلة بافقال فمي بل وربطته بشدة ، هل تلك الاحرف قد خرجت من فم طفلة لا تتجاوز الخامسة عشر من العمر لم يكلف وجهي حتى بالابتسامة لها بل ضغطت على يديها وتابعت مسيرتي ولكن ما إن خرجنا حتى اعلمني ذلك الثلج المتساقط ببرودة الطقس ازلت المعطف الذي اتحمت به اكتافي ووضعته على جسدها الهزيل وتلك الاغلال مازالت تعيق قدميها لم يسعني سوى ان حملتها بين ذراعي ولكن لسبب عجيب بل لنقل ان امواج الذكريات قد اغرقتني ببعض سراب ذكرى لتعطي لذلك الطيف سهولة القدوم لاراه مجددا يمثل امامي؛تجاهلت تلك النظرات وتابعت سيري الى سيارتي المركونة امام الجسر لم تبدي اي تفاعل بين اذرعي بل كنت احمل بيدي شيء خفيف الوزن وهذا ما سهل مهمة الطيف لإثارة الفوضى بداخلي وإحداث اعصار يقوم بتخريب ما نظمته بإتقان منذ سنوات ، صرخت قد هزت اركاني :

" لــــوكـــــــاس"

إلتفتُ للوراء ليحضر ذلك المشهد امامي ؛ اردت الهرب ولكن تجمدت اوصالي وكأن جذورها تقيدني ولم استطع ان اعيد نظري الى مكانه بل كانه بين كفيّ صاحب تلك العين المليئة بالسواد والعين الاخرى التي قد خطف بصرها بسبب ندبة ؛ابتسامته الصفراء نطق لتنطلق رائحة فمه النتنة :

" الان ستكون شاباً مطيعاً وتنصرف من هنا "

اردت النطق والرد على تلك الكلمات ظنا مني اني ساغير الماضي ولكن امساكها لقميصي وتراكم الثلج على فروة راسي وكتافي قد اعادتني للحاضر ارتبكت قليلاً وتكلمت :

" سيدي !"

التقت عيناي مجددا بها قلت بعصبية :

" لا تطلقي علي ذلك اللقب لاني امقته حد الجحيم ! ناديني ب لوكاس "

اومئت راسها ، اردفت قائلا :

" وانتِ ما اسمكِ!"

نطقت بإشمئزار:

"باتريس "

ابتسمت لها وقلت بمرح :

" اسم جميل لطفلة تحمل هذه الخصل الرمادية ولكن هذا لون شعرك !"

نطقت بلا اهتمام :

" لا بل احد اسيادي قد صبغه لي "

قلت باستغراب :

" اسيادك !"

قالت بحقد تلون بين بؤرتيها :

" اجل فانا لم اكن اعيش سوى اسبوع عند الذي يبتاعني "

سئلت بتعجب :

" ولما ؟"

لم تجب بل اكتفت بالصمت ، وانا لم الح عليها فلا اريدها ان تصارع تلك الذكريات كمان حدث قبل قليل معي لا بل كما يحدث معي منذ سنين : فما اصعب ان تدافع عن هدوء قد جلبته الان لعقلك فما إن يستقر السكون بين ثنايا دماغي لتبدأ زلازل الذكريات بالاندفاع والحمم بالخروج من بين ثقوب راسي فما إن تسدل ستائر الليل حتى تخرج الاطياف والاشباح من حجورها والإلتفاف حول صاحب العلاقة ، ألقيت بتلك الكلمات خارج قوقعة افكاري ووضعت باتريس في السيارة بالمقعد الخلفي واخذتها الى المنزل

.....باتريس.......

عندما سمعت تلك الكلمات قد انطلقت من ثغره لم ابدي اي اهتمام فلقد اعتدت على هذه الوجوه المقيتة وضحكاتهم الغثيثة ؛ فأنا لم اكن امضي الا اسبوعاً ولاعود الى تلك السوق السوداء ليست هي السوداء بل قلوبهم كالثقب المظلم يبتلع كل ما حوله من انسانية وضمير ولم يغلق بذلك فقط بل زودوه بالنقود ليصمتوا ذلك الشجع الكريه؛عيون باردة خالية من الحياة ولما اقول ذلك عنهم وانا قد استعمرت البرودة عيناي وتملكني السكون و الامبالاة، امسكني من يدي وقد تسرب إلي ذلك الدفئ ولكن لم يتجاوز روحي فقد تجمدت منذ زمن ؛بعد ان دخلنا ذلك المنزل الخشبي المكون من طابقين قال بهدوء:

" اتبعيني "

تبعته بصمت مطبق فلا حاجة لي للكلام فلقد سئمت من تحريك فمي في شيء لا فائدة ترجى منه ؛صعدت برفقته على الدرجات إلى ان وصلنا لباب غرفة من البلوط وقد زخرف ببعض النقوش فتح لي الباب وقال بابتسامة :

" أدخلي "

لم اسئله ان كانت هذه غرفتي ام غرفته! ولم اهتم دخلت ولكنه لم يتبعني توقفت ونظرت له قال ونظره يجول في الغرفة :

" من الان وصاعداً هذه الغرفةُ لكِ والان ساجلب لك بعض الملابس النظيفة "

تركني في صدمة وذهب ولكن لم تستغرق الثوان حتى صفعت افكاري عقلي وقلت لنفسي :

" هذا اللطف لا يخبئ وراه سوى الظلام إياكِ والانخداع ببعض الملابس وهذه الغرفة"

تجولت في الغرفة الكبيرة سرير قد قبع بجانب تلك النافذة المطلة على الاشجار ونهر يجري ولم تكن مجرد نافذة بل هي شرفة صغيرة بكبر بابها ؛ وخزانة الملابس قد خرقت الحائط وذلك الحمام الموضوع باخر الغرفة دخلته بل هو غرفة باكمله ؛كان كل شيء يجذب انظاري وانظار وحدتي خرجت للشرفة لاسمح بدخول نسيم هواء بارد قليلاً ولكن أجمل من الاختناق برائحة الذكرى ؛اصوات تتعالى ووجوه تظهر اسمي يتردد في الانحاء إلى ان اعادني صوته للحياة :

" باتريس"

ذهبت اليه مسرعة واردت النطق :

" سي..."

قاطعني قائلا بتذمر :

" ماذا قلت لكِ"

تذكرت ما تفوه به عندما اخرجني من ذلك الوحل قلت بخوف وارتجاف :

" لوكاس"

ليضيء وجهه بابتسامة مشرقة لم اشهد لها مثيل قال وهو يبعثر خصلات شعري بيديه :

" هذا جيد والان استحمي وارتدي هذا الفستان وعند انتهاءك انزلي للغداء"

اومئت براسي ومازالت شمس ابتسامته تشرق بين عيناي ؛هل يوجد احد مازال يحتفظ بإنسانيته ! وبدأت وحدتي بالثوران علي شاهدت الغضب بين عينيها وكأنها تأنبني لمجرد تفكيري بذلك امسكت الفستان منه وخرج لادخل الى الحمام ؛نظرت الى نفسي في المرآة القذارة قد طغت علا ملامحي وذلك الثوب بل قطعة القماش القبيحة والمهترئة المليئة بالثقوب ؛ عندما انتهيت خرجت بذلك الفستان الخمري اللون وقد انسدلت خصلات شعري الرمادية على كتافي لتصل الى نهاية خصري جففته قليلاً ثم اعدته كما كان مبعثر رغم ان جسدي اصبح نظيف ولك القمامة الذي بداخلي مازالت تحمل بين ثناياها اقبح الذكريات والوجوه اكتفيت بإبتسامة سخرية وضعت على ثغري ثم احتلها الجمود وذهبت الى غرفة الطعام في الطابق السفلي لارى مائدة صغيرة لاربعة اشخاص ؛ لم انبه السيد لوكاس بوجودي بل جعلت من السكون سيدي وعندما رفع راسه ليقول اسمي تفاجئ بي بل اتسعت عينيه قال بفرح :

" لقد علمت اللون الخمري سوف يناسب تلك الخصلات من شعرك بل تبدين كدمية "

سمعت هذا الاطراء قبل ذلك ولكن يتبعه سخرية انتظرتها ولكن كان ما تفوه به غير ذلك :

" هيا الطعام سيبرد وايضا سوف اعيد تنظيم شعرك فهو بغاية الجمال ولكن يجب اضافة بعض الاشياء "

تلقيت صدمة مرة اخرى ولكن سرعان ما كانت وحدتي تغلق باب بوجه تلك الافكار التي ارغب بقولها ؛ بعد الانتهاء من الغداء ولم يفرغ لوكاس من التحدث عن مواقف مضحكة في الثانوية التي درس فيها بل تابعه وهو يسرح لي شعري اخذ خصلتين من جانب اذناي وارجعهما للوراء ووضع مشبكاً صغيراً ليضيف بعض الحركة في هذا الشعر الرمادي اللون الذي اكرهه قال وهو ينظر الي :

" جميلة ك..."

لم يكمل جملته بسبب سكون استحل عليه تركني بمفردي مرة اخرى وصعد الى غرفته ؛ اعدت الصحون الى المطبخ وتظفتيه جيداً وذهبت الى غرفتي ؛مر ست اعوام ولم استلقي على السرير المريح ؛القيت بجسدي عليه لاغوص فيه بكل راحة ولكن ها هي تلك الاطياف تتسلل الي

ل.أميرة حوران(وفاء)

2017/09/26 · 331 مشاهدة · 1252 كلمة
wafaamahmoud
نادي الروايات - 2024