نزل يوسكي من السيارة امام بوابة المقبرة الفضية الضخمة و المفتوحة و مع كل خطوة يخطوها يشعر بنبضات قلبه تتسارع بجنون مزيج معقد من المشاعر ينتابه يجعل يديه ترتعيشان بدون وعي و مع ذلك ما يزال يتقدم نحو الأمام يتبعه نيلسون بهدوء و هو يعرف جيدا كم يعاني صديقه الآن

اثناء المرور بين كل تلك القبور لم تتوقف عينى يوسكي عن الإلتفات في فوضى ينظر يمين ثم يسار خشية ان يفوت شاخصة قبر معين

أخذ نيلسون نفس عميق وهو يراقب تصرفات صديقه العصبية و وضع يده على كتفه ليستدير الآخير نحوه بسرعة

قال نيلسون برفق

" دعني أرشدك ما لا يزال بعيدا "

لم يرد يوسكي لكنه أعطى إمائة للموافقة من ما سمح لنيلسون بالتقدم أمامه و بعد السير لمدة نصف ساعة و على جانب مرتفع من أرض المقبرة توقف نيلسون أمام قبر بواجهة رخامية رمادية كبيرة و قد توقف يوسكي على بعد عشر خطوات منه

أخذ نفس عميق و تقدم الى حيث يقف نيل بخطوات ثقيلة و قد زالت الإبتسامة المشرقة التي تزين وجهه في العادة و أختفى بريق الحياة من عينيه كانت هالته قاتمة

أفسح نيلسون له المجال مبتعد و شاهد يوسكي يقف أما القبر و يتأمله و قد أرتسم الآلم جلي في عينيه ثم ركع أمام القبر و بدا أن قواه قد خارت

مد يوسكي يده المرتعشة نحو واجهة القبر و مسح الغبار القليل المتراكم عليها يبدو أن شخص كان قد نظفها قبل وقت ليس بطويل ..تجولت أصابعه على حروف الكلمات المنحوتة على الشاخصة

" هنا يرقد أوساري هيروارد "

" أوساري " همس يوسكي بحنين ثم أغمض عينيه و تابع بحسرة و ندم

" أنا أسف يا صديقي أنا أسف لكوني جبانا لم أجرؤ على توديعك"

" لديك الحق لتسخر مني لكن في ذلك الوقت لم اكن قادرا على مواجهة الواقع "

صمت قليلا كان يتألم لم يقوى على متابعة الكلام انه مؤلم مؤلم حقا لم يعد يستطيع السيطرة على مشاعره و أصبحت رؤيته ضبابية بسبب الدموع العالقة في عينيه و التي رفضت أن تسقط ليس أمامه ليس أمام شخص يعشق الإبتسام حتى في أصعب لحظات حياته لقد واجه حياة و الموت بإبتسامة لا يستطيع أن يبكي أمام من علمه الإبتسام

أخذ يوسكي نفس عميق و بدت ذكريات سوداء لطالما حاول دفنها تتدفق الى عقله هز رأسه بخفة و حاول طردها بعيدا ثم نظر الى واجهة القبر كما لو كان يواجه ذلك الشخص المبتسم و تابع كلامه بنبرة ضعيفة هامسة

" لابد انك تعرف لابد انهم اخبروك عن الجريمة الفظيعة التي إرتكبتها أنا خجل من مقابلتك الأن لقد أذيت أكثر شخص أحببته و جعلته عالقا في الماضي المظلم لا يستطيع الخروج منه لقد أردت مساعدتها صدقني لكن في ذلك الوقت كنت محطم ايضا كنت يائسا أردت الهرب لقد كان مؤلما جدا و لا أزال أتألم لكنك رحلت لقد هربت ايضا و تركتني أعاني من هذا وحدي "

قال الكلمات الأخير بقليل من الإنفعال ثم بداء بالضحك بسخرية من نفسه لقد اتى ليعتذر لكنه الأن يلومه أنه يتصرف حقا كطفل

" انا أسف لم أقصد لومك كل ما حدث في ذلك الوقت كان بسببي لكنني جاحدا جدا لدرجة لومك لقد هبرت إنها الحقيقة لأنني كنت عاجزا و لم أستطع فعل شيء بعد أن خسرت كلتا يدي لقد كان شعورا مخيفا لقد كنت وحيدا فقدت كل شيء في لحظة "

صمت قليلا و بدا انه لم يعد يعرف ماذا يقول تلك الذكريات عادت تهاجمه أصوات البكاء و العويل تدفقت الى ذهنه وبدا انه يغرق بها لكن نسمة خفيفة داعبت شعره أخرجته من تلك الذكريات و أثارة وهم في عقله أن أوساري ربما يواسيه ربما لو كان حي لسخر منه لجبنه لكنه بالتأكيد لن يلومه أبدا ..أستجمع يوسكي شتات نفسه و أظهر نظرة حازمة و قال بنبرة واضحة و واثقة

" لقد ولى وقت الإنتحاب و انتهيت من الهرب و الإختباء كل ما قدمته لك الأن هو أعذار و الأسف لن يعيد الماضي و لن يصلح أي شي لكن أعدك أعدك بأنني سأصلح الأمور الان و لن أهرب مجددا سأعمل على تحقيق حلمك و أيضا قد لا تحب ذلك لكن أنا أنوي الانتقام ...فقط راقبني في المرة القادمة التي أتي بها إلى هنا سأحمل لك أخبار سارة و ربما نشرب نخب النصر معا ذلك النخب الذي رحلت قبل أن تتذوقه "

وقف يوسكي و تأمل القبر قليلا كما لو كان يتأمل الشخص الحقيقي أمامه وقد غمرته العديد من المشاعر لكنه يعلم

' مهما بلغ ندمه لن يستطيع تغيير الواقع عليه الإستمرار بالكفاح و المضي قدما ' أستدار نحو نيلسون اللذي يقف بعيد و قال

" هيا بنا "

قترب نيلسون دون ان ينبس بأي كلمة و تأمل حالة يوسكي قليلا على الرغم من أن الحزن ما لايزال مرتسم في عينيه الا ان هناك تصميم قوي ينبعث منهما ايضا 'يبدو ان يوسكي سيتخطى الماضي أخيرا ' عندما هما بالسير لاحظ يوسكي شيء جعله يعود و يركع قرب القبر مجددا

في أسفل القبر نقشت بعض الكلمات لكنها لم تنقش بذات الأداة التي نقش بها الأسم و تاريخ الميلاد و الوافاة تبدو كما لو أضيفت لاحقا بشيء حاد و بما انها في مكان منخض غطاه الغبار لم ينتبه لها يوسكي من قبل

مسح يوسكي الغبار بكم ملابسه و قراء العبارة و مقلتا عينيه تهتزان بعنف

" إن كانت هناك حياة أخرى سأختار حماية ظهرك مجددا "

ردد يوسكي العبارة همسا بعدم تصديق

" هذا...هذا ..

" إليور قام بنقشيها قال انك قد ترغب برؤيته يوما ما و ستبكي كطفل و تلوم نفسك لكن كلمات أوساري الأخيرة تثبت انه كان إختياره بالكامل لقد أراد تذكيرك فقط "

قال نيلسون بهدوء و هو يراقب يوسكي المرتبك

وقف يوسكي

" فهمت "

ثم ابتعد بهدوء محكما قبضته بشدة 'انه لا يحتاج الى تذكيره في الواقع لا يحتاج احدا لتذكيره هذه الكلمات ظلت تطارده في أعمق و أحلك كوابيسه عندما خسر القدرة على النوم قد تراها كحبل نجاة لكنها بالنسبة له عذابه المستمر '

سار نيلسون أمام يوسكي نحو البوابة لكن شعر بتوقف يوسكي فجأة فإلتفت إليه

" ما الأمر "

كان يوسكي ينظر نحو البوابة البيضاء التي كانت تفصل هذه المقبرة عن مقبرة نبلاء الوردة البيضاء بدا كأنه غارق في تفكير عميق ثم تحرك للسير نحوها دون وعي

حاول نيلسون ايقافه بسرعة

" ماذا تفعل لما تريد الذهاب الى هناك "

ظهر شبح ابتسامة مذنبة على وجه يوسكي وهو يجيب متجنبا عيني نيل

" مادمت امتلكت الشجاعة للذهاب الى هنا فيجب ان اذهب لرؤيته ايضا بعد كل شيء كان أخي و صديقي و ضحيتي "

" يوسكي هذا .."

" لا بأس انها الحقيقة ..و لا بأس اذا لم ترغب في القدوم نيلسون صحيح اني لا أعرف أين هو لكني سأجده في النهاية لقد كان هذا اختصاصي في الماضي كما تعلم " قال يوسكي الجملة الأخيرة بنبرة تحن للماضي ثم نظر الى نيلسون بثبات

لم يعد نيلسون يحاول ايقافه نظر الى عيني يوسكي العازمة و يديه المرتعشة انه يحاول اخفاء خوفه و ألمه برغم من صعوبة الأمر عليه

تنهد

عودته الى الوطن هي اكبر دليل على انه قرر مصالحة نفسه و بصفته صديقه المقرب يجب ان يدعمه كما ينبغي

"سأذهب معك سأقود الطريق و لكن لعلمك ان كان هناك اي شخص من نبلاء الوردة البيضاء فستحدث مشكلة انهم لا يرحبون بالوردة السوداء في مقابرهم سنزعج الأموات "

" لا تقلق نحن لسنا ذاهبين لإثارة مشكلة نحن ذاهبون لزيارة صديق فقط "

تبع يوسكي نيلسون نظرا لان هذه المقبرة هي أرض ملكية سمحت العائلة المالكة الاولى بجعلها مقبرة لنبلاء الوردة البيضاء و الوردة السوداء تكريما لموتاهم و لجعل المسافة تتقلص بينهم و محاولة يأسة لتبديد العداء لم يفصل بين المقبرتين سوء جدار رمادي قصير نوعا ما و بوابة بيضاء عملاقة لا تكون مفتوحة أغلب الأوقات و يبدو أن هذا الوقت هو أحد تلك الأوقات

نظر نيلسون الى يوسكي

" البوابة مغلقة ماذا نفعل الآن اذا ذهبت لأحصل على المفتاح سنلفت الانتباه مالذي يفعله نبيل أسود في مقبرة الوردة البيضاء و لا نستطيع المخاطرة بكشف هويتك هل نعود في يوم أخر ؟"

" هل تمزح معي "

" اذا ماذا سن.." أوقف نيلسون سؤاله وهو يرى النظرة الهادفة في عيني يوسكي و سرعان ما هدد بذعر

" لا لا مستحيل ان لا تفكر في القفز فوق الجدار هذا غير أخلاقي ألا تخشى أن يلعنك الموتى "

" لو كنت مكانك لخفت ان يلعنني الأشخاص الذين قتلتهم .....مرتزق زينون يخاف الأشباح يال العار "

" هذا و ذاك مختلف مهلا يوسكي "

لم يرد يوسكي نظر نحو الجدار قليلا انه قصير و لا يصعب عليه مع لياقته الحالية فقد تسلق جدران اطولا منه حتى انه جرب جدران السجون العالم الأول هذا الجدار هو كعكة صغيرة

سخن يديه قليلا ثم بدا بتسلقه بينما أصاب نيلسون في الأسفل ذعر شديد

" أيها المختل ماذا تفعل ماذا لو رأك أحد ستحصل كارثة عد إلا هنا انت تقلل من إحترام الموتى "

رد يوسكي عليه بمرح من أعلى الجدار

" لا تقلق سوف نعتذر بصدق "

جعلت هذه العبارة نيلسون يتذكر الأيام التي كانوا يهربون فيها من الأكاديمية و أصبح من الصعب عليه الا يظهر ابتسامته

جلس يوسكي على حافة الجدار العريضة قليلا و من حسن حظه عدم وجود أحد في هذا الوقت من الصباح نظر الى ارض مقبرة الوردة البيضاء و اختار بقعة نظيفة بعيدة نسبيا عن القبور و هبط عليها تبعه نيلسون المذعور بعد مدة و هبط بقربه إلتفت يوسكي نحو القبور و انحنى قليلا ثم قال بنبرة صادقة

" انا أسف لم أقصد ازعاج راحتك اردت فقط زيارة صديق عزيز ارجوا ان لا تمانعوا ذلك "

ثم عاد للنظر نحو نيلسون الغاضب و قال بمرح

" رأيت لقد إعتذرت "

ثم خفض نبرت صوته وهو يقول

" و الان خذني اليه "

تولى نيلسون قيادة الطريق و على عكس المرة السابقة حين شعر بالكثير من المشاعر المعقدة ما يشعر به الأن هو ألم الذنب و تأنيب الضمير لقد ملئ تأميب الضمير كيانه بشكل قاتل و مع ذلك الوعد الذي قطعه قبل قليل هو ما يمده بالشجاعة ليتقدم الان حافظ على رباطة جأشه وهو يرى نيلسون يقف أمام أحد القبور بواجهة رخامية ناصعة البياض

ركع يوسكي امامها بهدوء و لم يستطع إخفاء الرعشة في أصابعه وهو يلمس الواجهة و يضبط مشاعره

هذه المرة الواجهة كانت نظيفة جدا و هناك بعض ورود البيضاء لا تزال نظرة قد وضعت بعناية في أكليل إستند على شاخصة القبر من الواضح ان شخص ما يأتي الى هنا يوميا حرك يوسكي إصبعه على الإسم على شاخصة القبر و ملئ ذلك المشهد عينيه مجددا تسارعت انفاسه ووضع يده على صدره لضبط نفسه تلك الصيحات لا تزال تتردد في ذهنه تلك الإبتسامة اليائسة تلك العيون الميتة لن تزول ابدا من ذاكرته لاحظ يوسكي العبارة اللعينة نفسها

" ان كانت هنالك حياة اخرى سأختار حماية ظهرك "

هذه العبارة هي الذنب الذي سيحمله يوسكي للأبد هذه العبارة هي كابوسه اللذي لا ينتهي

همس يوسكي بهدوء وقد عادة أصابعه للمس الإسم

" هنا يرقد راون ميلر "

" كيف حالك يا صديقي انا بخير لكن الأمور بعد رحيلك لم تكن بخير ليس بالنسبة الى سيلينا و ليس بالنسبة الي أيضا بعد أن تركت انت و أوساري ذلك الحمل الثقيل علي و أخذتما إجازتكما أولا كنت خائفا و قررت الرحيل حسنا الهرب انه رد فعل طفولي و عديم المسؤولية في الواقع لست اندم على ذلك ربما كاد يأكلني الندم قبل وقت قصير ولكني خضت محادثة صريحة مع اوساري قبل قليل لم يحتج الامر الى ان يوبخني لقد اصبحت ناضجا الان فعشر سنوات لم تكن فترة قصيرة"

صمت قليلا ثم تابع بثقة

" اريد الإعتذار ايضا لكني اعلم ان ذلك لن يفيد لذلك عوضا عن ذلك دعني اعدك ايضا بأنني سأنقذ سيلينا و سأحافظ على الأشياء المهمة بالنسبة لك و التي ضحيت من أجلها

صمت قليلا ثم تابع هامسا

أخيرا دعني أخبرك بشيء أعامني الغضب و الحزن و هول الموقف عن قوله لك في ذلك الوقت "

أخذ نفس عميق ثم تابع بإبتسامة حزينة

" شكرا لك"" في ذلك الوقت اردت حقا ان اقولها لقد اصلحت خطئي و دفعتما معا ثمنه لولا ما فعلته لنهار كل شيء بالمناسبة انا واثق انه لا يلومك ايضا واظن انك تعلم ذلك لذلك يمكنك ان ترتاح حيث انت الان "

وقف يوسكي يتأمل القبر ثم وضع يده على كتف نيلسون و قال

" لنعد لا اعتقد ان موتى الوردة البيضاء يحبذون وجودنا "

هتف نيلسون بإرتباك

" لن نستخدم الجدار مجددا صحيح "

" مع ان الجدار سيكون اكثر امان الا اني اخشى ان تطاردك اشباح هؤلاء الموتى اثناء نومك "ضحك يوسكي و تابع

"بأي حال لنجرب حظنا مع البوابة الأمامية إن كنا محظوظين ستكون مفتوحة و ان كان يوم حظنا لن يرانا اي شخص و نحن نخرج من مقبرة الوردة البيضاء مع ان هذا سيكون بعيدا قليلا عن مكان ركن السيارة "

ردد نيلسون بحماس

" البوابة الأمامية لنجرب البوابة الأمامية ما المانع في نصف دورة للوصول الى السيارة المهم هو عدم التسبب في مشاكل مع الأموات "

ضحك يوسكي و لم يقل شيء تبع نيلسون نحو البوابة الأمامية و من حسن حظهم انها مفتوحة و الشارع الجانبي خالي تحركى بسرعة نحو الخارج و لم ينتبها للشخص الذي كان يراقبهما من بعيد عن كثب

تابعت عيناه البندقيتين ظهر يوسكي وهو يغادر وقد امتلأ بالكراهية و الغضب مما أدى الى سحق الزهور البيضاء بين يديه همس لنفسه بسخرية

" حسنا اذا ..انت تملك الجرأه للعودة بالفعل ايها القتال اللعين "

.............................................................

2022/01/07 · 209 مشاهدة · 2105 كلمة
Queen
نادي الروايات - 2025