سار فينسينت على الأرض الموحلة، تتسلل أشعة الشمس بين الأغصان المتفرقة وتلقي بظلال طويلة على الأرض. كان الهواء ثقيلًا برائحة الطين الرطب، وكان العرق يتصبب من جبينه كلما تقدمت الشمس في كبد السماء. أخرج زجاجة ماء صغيرة من حقيبته وارتشف منها ببطء، محاولًا الحفاظ على ما تبقى لديه من موارد.

كانت الأشجار تتباعد أكثر مع كل خطوة يخطوها، وكأن الطريق يفتح ذراعيه للفراغ. كان الهدوء هنا مختلفًا عن هدوء الكوخ، بدا كأنه يراقبه، كأن العيون الخفية تحدق به من بعيد.

رفع رأسه لينظر إلى السماء. لم يكن هناك سوى السحب البيضاء التي تسبح ببطء فوقه. لكن الشعور بعدم الارتياح ظل يلازمه.

"ابقَ متيقظًا، يا فينسينت... هذا النوع من الهدوء لا ينذر بخير." همس لنفسه بصوت منخفض.

مرَّت ساعات من السير المتواصل، وبدأت أقدام فينسينت تؤلمه. توقف للحظة عند جذع شجرة عريض وجلس مستندًا إليه. أخرج قطعة خبز جافة من حقيبته وبدأ يأكلها ببطء. كان طعمها مرًّا، لكن معدته الخاوية لم تكن لتشكو.

بينما كان يمضغ بصمت، سمع صوتًا غريبًا من بعيد. حفيف أوراق، صوت خطوات سريعة لكنها خفيفة. تجمد في مكانه للحظات، عيناه تبحثان عن مصدر الصوت.

"مجرد حيوان صغير... لا شيء يدعو للقلق." حاول أن يقنع نفسه، لكن قبضته ضاقت حول سكين صغيرة كان قد احتفظ بها.

فجأة، ظهر مخلوق صغير من خلف الشجيرات. كان يبدو كأرنب، لكن أذنيه كانتا أطول، وفراؤه بلون أزرق باهت. نظر المخلوق إليه للحظات، ثم قفز بعيدًا بسرعة.

تنهد فينسينت بارتياح وأعاد السكين إلى مكانها. "لقد أصبحت متوترًا أكثر من اللازم."

مع اقتراب الغروب، تغير لون السماء إلى خليط من البرتقالي والأرجواني، ورائحة المساء الباردة بدأت تحل محل حرارة النهار. واصل فينسينت سيره حتى رأى أمامه تغييرًا واضحًا في التضاريس.

مر من ما يشبه النفق الصغير. ولكن في الحقيقة كان مجرد بضعة أشجار ملتوية ومائلة على نفسها. بعدما خرج واجهه مشهد جعله يفتح فمه متفاجئا.

كان امامه سهل طويل، هضاب صغيرة متجمعة وأزهار صفراء وبيضاء مجتمعة مع لون الغروب في السماء، كان المكان اشبه بحلم، كما ان فينسينت رغب في البقاء هنا، والتأمل في المشهد امامه. ولكنه اكمل سيره على اي حال.

' اشعر وكأنني رحال يبحث عن تلميذه.'

سخر فينسينت من نفسه قليلا، كانت الشمس قد بدأت تختفي، عندما اشتد الهواء البرد. ارتجف جسد فينسينت قليلا، وشد من وتيرته في السير.

بينما كان يسير لمدة لم يعلمها، سمع صوت غزيرا، نظر حوله ورأى جرف ضخم، ركض إلى هناك، وقابله مشهد القرية التي قد يقال عنها مدينة صغيرة.

كان الطريق المؤدي إلى القرية عبارة عن منحدر ومليء بالأشجار المتلوية على شكل بوابة. اشتد حماس فينسينت وبدأ يركض نحوها. ولكنه تذكر كلمات راندولف بأنه يجب ان لا يراه احد.

لم يكن يعلم لماذا، ولكن علم انه يجب ان يفعل هذا بما ان راندولف حذره.

من حسن حظه، انه لم يكن يوجد الكثير من الاشخاص في القرية، بسبب الوقت المتأخر. في الحقيقة، رأى بعض الاشخاص في الطريق، يرتدون أردية بيضاء وذهبية وكأنهم نوعٌ من النبلاء ولكنهم لم يكونوا كذلك.

لانه رأى ان الجميع يرتدي هذا النوع من الملابس. كانت آذانهم مدببة قليلا، بنفس حجم أذن الإنسان ولكن مدببة مثل السكين عند الطرف.

تفاجئ قليلا من هذا المنظر، وشعر انه يعلم لماذا قال له راندولف ان يختبئ ولا يجعل احد يراه.

بشكله هذا، من المستحيل ان لا يراه احدا، في الحقيقة، كان يتوقع انهم يمكن ان يطردوه او يحبسونه.

لم يكن يعلمهم او تقاليدهم، ولكنه لم يكن يعمل شيئا عن هذا العالم. خارج الكوخ والمنطقة التي كان يتدرب بها.

لم يكن يعلم شيئا عن هذا العالم، لذلك كان عليه ان يتوخى الحذر.

بدأ يسير ببطئ. ويختبئ خلف اي شيء يمكن ان يختبئ خلفه. صناديق، حائط، منزل بأكمله.

نظر حوله بحثا عن اللافتة التي قال عنها راندولف. ذلك عندما وجدها. لم يكن يعلم هل هو محظوظ ام القرية صغيرة كفاية حتى يجد المبنى بشكل سريع، ولم يهتم في الحقيقة.

سار بسرعة نحوها، ولكن سمع صوت أشخاص من خلفه. ركض على الفور خلف احد الصناديق وجلس هناك.

" هل رأيت تصويبه يا رجل، أراهن انه تدرب عليها طيلة الشهر الماضي".

" اجل، ولكن لا تظن انني سوف اخسر امامه فقط لانه جيد في الرماية".

تلعثم الشخص الآخر وقال: " ب-بالطبع يا اخي، لا يوجد احد في القرية يضاهيك".

نظر فينسينت من فوق الصناديق ورأى شخصان يقفان امام اللافتة المرسوم عليها سندان، بمعنى انهم امامه ولكن على مسافة.

كان واحد منهم قصير قليلا، بنفس طوله، ولماذا قصير؟ بسبب الشخص الذي بجانبه.

كان الشخص الذي بجانبه شاب طويل نسبيا، لديه شعر اشقر طويل يصل لظهره تقريبا، عيناه ذهبية مائلة للأصفر الغامق، وكأنه نوعا من المعادن الأسطورية، كانت ملامحه حادة، واستطاع فينسينت بسهولة ان يقول انه شخص مغرور.

' كم هذا نموذجي. أتمنى ان لا يراني ويبدأ في استعراض عضلاته علي".

تحولت نظرة الشاب نحو الصناديق، عندما رأى ظل يختفي خلفهم، تحول تعبيره إلى مظلم، عندما اسكت الشخص الذي بجانبه وبدأ في التحرك نحوهم.

تعرق فينسينت جدا عندما حدث هذا، ولم يرى اي مخرج له. ولكن عندما نظر إلى اليمين، رأى باب المبنى الخلفي مفتوح قليلا. ركض فينسينت نحوه واقفل الباب خلفه.

في الداخل، كان كل شيء مظلم، مع بعض الشموع المضيئة، شعر بحرارة غريبة، ولكن لم تكن تأتي من هذه الغرفة.

" من انت ايها الفتى".

ظهر صوت من خلفه، وقفز فينسينت من الخوف وصرخ. نظره خلفه ورأى قزم ببشرة رمادية وأنف معقوف.

عندما صرخ فينسينت، صرخ ايضا هذا القزم بتفاجؤ وكأنه لم يتوقع ردة الفعل هذه.

" من انت!". قال فينسينت ذلك وهو يتراجع للخلف ويستل نصله الفضي.

فتحت أعين القزم بتفاجئ وقال:" واو اهدئ يا فتى. اول مرة ارى شخص يستل سيفه امام قزم، كم هذا مفاجئ".

" ايضا، من المفترض أنا من يسألك. لقد دخلت ورشتي من دون إذن، وتقول لي من انت. ابعد هذا السيف بعيدا وإلا حطمته على رأسك".

انفجر القزم بشكل مفاجئ، وكان شكله اشبه ببركان صغير على وشك الثوران.

شعر فينسينت ببعض المنطق من هذا، وارجع نصله لمكانه. لم يكن يستطيع ان يشعر بأي تهديد يأتي من هذا القزم.

" حسنا، هل يمكنك ان تقول لي من انت ايها المخترق". قال القزم ذلك وهو يشبك يديه اسفل صدره.

" أنا اسف جدا على هذا، ولكن كنت اريد مكان اختبئ به بسرعة، ورأيت بابك مفتوح لذلك دخلت. اوه... اسمي فينسينت بالمناسبة". قال فينسينت ذلك، على أمل ان يطفئ نار الغضب الخاصة بالقزم.

" باه كم هذا حظ حاثر، كم كنت اود ان تكون لص، لدي مجموعة أسلحة اريد تجربتها ولكن لا يهم... بما انك تبدو شخص عادي... يمكنك ان تناديني كالديرون، او القزم العجوز لا يهم في الحقيقة ولكن من ماذا تختبئ".

" مهلا.. كالديرون! انت من قال لي راندولف ان اتي اليه". تفاجئ فينسينت قليلا، على الرغم من انه كان لديه شكوك انه كالديرون، بحكم انه قزم رمادي، ولكن لم يكن يريد ان يقفز إلى استنتاج.

" راندولف... مهلا انت فينسينت!.." قال كالديرون ذلك بتفاجؤ." اجل قلت ذلك ذ..." كان فينسينت يريد ان يكمل ولكن القزم أسكته." انت فينسينت الذي تحدث عنه ذلك العجوز المخبول هيهيهي كم هذا مضحك، لقد تحدث عنك قبل بضعة أيام من الان بالمناسبة".

قال كالديرون ذلك وهو يضحك. ولكن توقف عن ذلك فجأة" مهلا... إذا كنت هنا.. هذا يعني ان راندولف..." غمق تعبير القزم عندما فكر في هذا وتوقف عن الحديث.

"... لقد رحل بالفعل.." قال فينسينت ذلك وهو يكبح الحزن الذي بداخله، ايضا عمق تعبيره بدوره.

بقى كالديرون صامت لبعض الوقت، وكأنه غير مدرك لهذه الحقيقة، وكأنه لا يريد تصديقها ولكنه ادرك نفسه سريعا. " حسنا لا يهم.. لقد كان يعرف مصيره بالفعل".

رفع فينسينت حاجبه وقال." مهلا ماذا تعني بها-" فجأ، سمع صوت طرق على الباب الأمامي للمبنى، وتلاها صوت صراخ. " ايها القزم العجوز.. افتح الباب بسرعة".

" لماذا اشعر وكأن هذا هو سبب اختبائك.. حسنا أبقى هنا ولا تتحرك او تخرج".

أومئ فينسينت برأسه واحكم قبضته على مقدمة نصله. ضحك كالديرون قليلا بينما ذهب للواجهة الأمامية للورشة، وفتح الباب.

هناك، رأى شاب ذو ذهبية غامقة وشعر اشقر نسبيا، خلفه وقف شاب آخر أقصر منه قليلا ومع مظهر اقل منه ايضا.

" مرحبا، إلى ماذا تدين لي بهذه الزيارة، ايها الشاب كيليون".

_________

رأيكم في الفصل

ايضا سيتوقف التنزيل اليومي لانه لا أملك المزيد من الفصول. بعد ان اكتب مجموعة من الفصول سوف أعاود النشر

2025/01/06 · 23 مشاهدة · 1289 كلمة
Ashura
نادي الروايات - 2025