بعد السير لفترة طويلة, بدأت الغابة تصبح أكثر ظلاما مما كانت عليه من قبل, بسبب كثافة الأشجار. على الرغم من أن الشمس كانت في ذروتها، شعر فيراك وكأنها قد بدأت تغرب.

لم يكن فيراك يعرف ما إذا كان الطريق الذي سلكه هو الصحيح أم لا. ولكنه استمر في السير. مازال يتذكر كيف كان مظهر تلك الكائنات البيضاء، وكما كان خائف من يجدهم مرة أخرى .

بدأت الأشجار تنمو بشكل أكثر كثافة وكبرًا مع كل خطوة يخطوها، كانت هناك شائعات كثيرة حول غابة القمر الشمالي، ناهيك عن أسطورة عرق القمر الفضي، كانت هناك العديد من الأساطير سواء رواها المسافرون الذين يدعون أنهم صادقون أو مجرد حكايات لتخويف الأطفال. أشهر أسطورة كانت تتحدث عن نبات سحري لا يوجد إلا في هذه الغابة، قال المسافرون إنه نبات سحري سام للغاية يمكنه قتل أي شخص يقترب منه وكما انه كان لديه القدرة على التحرك.

كانت هناك جذور كثيفة تمتد بقدر ما يستطيع فيراك أن يرى متشابكة حول الأشجار ومرتقية عالياً في قممها. الأشجار من حوله كانت الآن أكبر بكثير من المعتاد, كثيفة وقمتها غير مرئية. بدأ فيراك في الندم على الذهاب للصيد هذا اليوم . كانت الغابة تعطيه شعور غريب، سواء كان الخوف أو أمر آخر لم يستطع تفسيره ولكنه بالتأكيد لم يكن جيد.

بعد فترة غير معروفة, وصل إلى ساحة كبيرة مغطاة بالعديد من الفروع، وفي وسطها كان هناك شيء يشبه صخرة كبيرة, مغطاة بالعشب الأخضر كما لو أن الأبدية قد مرت عليها، مشي ببطء نحو الصخرة: في الوهلة الأولى بدت وكأنها صخرة عادية, لكن فيراك لاحظ أن هناك فتحات في الصخرة كانت تخرج منها سائل أخضر لزج.

لم يكن غبياً لدرجة أنه يلمس هذا السائل الغريب أو حتى يقترب منه كثيراً، نظر حوله والتقط غصنًا من شجرة، مد فيراك غصن الشجرة نحو السائل الغريب ملامسا المادة اللزجة، بدأ الغصن في الذوبان على الفور، عندما حدث ذلك رمى فيراك الغصن بسرعة.

ذاب في غضون خمس ثوان، واتسعت أعين فيراك عندما حدث ذلك.

نظر فيراك مرة أخرى إلى الصخرة والسائل اللزج الذي يتسرب منها، بدأ يتعرق عند التفكير فيما سيحدث إذا لمس تلك المادة اللزجة. جمع أفكاره المتناثرة وبدأ يفكر في الاتجاه الذي يجب أن يسلكه، الخيار الأول كان، بالطبع، الطريق الذي جاء منه، بينما الاتجاه الآخر يؤدي إلى عمق الغابة. لم يستطع فيراك رؤية ما يكمن في الأمام بسبب كثافة الأشجار، كما لو أن ضوء الشمس يتجنب هذا المكان.

فرقعة

سمع فيراك صوت تكسير الفروع، نظر خلفه، ورأى مجموعة ضخمة من الكائنات البيضاء الصغيرة.

تسارع قلبه عندما رأى هذا المشهد أمامه. شعر بضعف ساقيه عندما رأى الابتسامات الكبيرة على وجوههم الصغيرة, وعيونهم السوداء الفارغة التي لم يستطع رؤيتها نهايتها. على الرغم من حجمها الصغير، شعر بخوف عميق أكثر من أي وقت مضى.

فجأة، شعر بألم حاد في قدمه اليمنى. نظر إلى الأسفل ورأى مخلوقا أبيض صغيرًا يدفع قدمه كما لو كان يحاول الدخول فيها. لاحظ أن قدمه بدأت تنزف، وشعر وكأن هناك أشياء تتحرك داخلها.

اتسعت عيناه في صدمة وهو يركل المخلوق الصغير بعيدًا. عندما فعل ذلك، لاحظ أن بقية المخلوقات البيضاء بدأت تقترب منه. حاول فيراك الابتعاد عندما رأى هذا، لكنه فجأة شعر بألم فظيع في قدمه اليمنى، كما لو أن سيفًا حادًا جدًا يحاول قطعها. نظر إلى قدمه ورأى الدم يتدفق منها، وبدأ سائل أخضر يتسرب منها ايضا. حاول فيراك بكل قوته أن يقف على قدميه، ونجح في ان يفعل ذلك. لو لم يكن الخوف الذي استولى عليه والأدرينالين الذي يجري في جسده، لكان يتلوى من الألم على الأرض.

بدأ يجري عميقًا في الغابة دون ان يعرف أين يذهب. توقف فيراك ليلتقط أنفاسه بعد الجري بأقصى سرعة, لكن لحظة الراحة تلك انقطعت عندما رأى الكائنات البيضاء تقف خلفه من بعيد، وهي ترتدي نفس الابتسامة الكبيرة على وجوهها. اتسعت عينيه بدهشة من كيف يمكن لهذه الكائنات الصغيرة أن تلحق به بهذه السرعة. عندما بدأ بالجري، كانت الكائنات البيضاء تسير نحوه، فكيف انتهى بهم المطاف خلفه بهذه الطريقة؟

نظر فيراك حوله ورأى أنهم يحيطون به من جميع الجهات، عندما أعاد نظره إلى الأمام لاحظ أن معظمهم قد اختفوا وأصبحوا الآن أقرب إليه بكثير. فاجأه ذلك لأنّه لم يبعد نظره سوى بضع ثوان، والآن هم على بعد بضعة أمتار منه. لم يفكر كثيرًا في الأمر وعاد إلى الجري بأقصى سرعة ممكنة، حتى أنه داس على بعض تلك المخلوقات البيضاء. عندما نظر إلى الوراء رأى أنهم قد وقفوا مرة آخرى، كما لو لم يحدث شيء.

لم يستطع فيراك رؤية ما كان أمامه بوضوح، بسبب الظلام الدامس للغابة الكثيفة أمامه، الذي أصبح أكثر ظلامًا كلما تعمق فيها. لم يجرؤ على النظر إلى الوراء ولا فكر في التوقف لالتقاط أنفاسه؛ لم يرغب في أن ينتهي به المطاف مثل ذلك الخنزير المسكين.

بسبب الظلام، لم ينتبه لاين يخطو، لذلك تعثر في غصن شجرة سميك وسقط في تجويف شجرة ضخمة أمامه. لم يستطع رؤية هذا التجويف في الشجرة لأن جميع الأشجار كانت تبدو متشابهة في هذا الظلام الدامس. تدحرج كما لو كان في مدينة ملاهي حتى وصل إلى أرض باردة وصخرية كالجليد. بدأ يفقد وعيه, لا يزال يفكر في تلك المخلوقات البيضاء حتى لا تلحق به.

بدأ وعي فيراك يتلاشى عندما رأى ضوءًا يشبه النفق. كان جسده مرهقًا من الجري والخوف الذي شعر به، وكل ما كان يريده الآن هو العودة إلى المنزل وتناول العشاء الذي كان والده يحضره دائمًا. بعد ذلك، كان يذهب إلى سريره الدافئ لينام. كانت هذه هي أمنيته في تلك اللحظة، إلى درجة أنه شعر أن هذه الأرض الباردة، التي لا يمكن وصفها إلا بالجليد القارص، كانت سريرًا دافئًا ينتظر شخصًا ليستلقي عليه.

أغمض عينيه، متمنيًا بعض الراحة، وأخيرًا غط في النوم على هذه الأرض الباردة والصخرية.

_______

رأيكم في الفصل

2024/11/02 · 44 مشاهدة · 886 كلمة
Ashura
نادي الروايات - 2025