في غرفة واسعة مكتظة تجمع العديد من الأشخاص ذوي الملامح القاسية في عدة مجموعات وبدا أن كل مجموعة منغمسة في نقاش جدي لكن بعد إلقاء نظرة فاحصة يمكن ملاحظة التفاف كل مجموعة حول شخص معين ومن الواضح أنه يصدر لهم أوامر من نوع ما بعد تلقي تقاريرهم

" أسرة شياو ترفض تسديد ديونها، شياو نان منغ قد هرب مع زوجته وأبنائه "

" استغل ابنته جيدا وضع البقية في المكان المعتاد "

" عصابة وو تيان تريد الإنضمام لنا "

" إبادة، أمثالهم لا يستحقون الإنضمام إلى عصابتنا "

" لقد انخفضت أرباح المنطقة التاسعة "

" عين رئيسا جديدا وأعدم السابق "

" حسنا سيكون الإعدام بعد يومين "

داخل الغرفة الواسعة وبين العديد من المجموعات كان هناك شاب واحد يجلس على الأرض وحيدا مستندا على الجدار

كان لين يانتيان شابا وسيما وطويلا ملفوفا برداء أبيض ناصع مع شعر أسود قصير وعينان سوداوين كانت نظراته طبيعية للغاية إن لم تكن ساذجة أشبه بالطفل الذي ولد حديثا لكن جميع الحاضرين لم يجرؤا على الإقتراب منه أبدا فبعد كل شيء كان زعيم العصابة الأكبر في المقاطعة كلمة واحدة منه قد تقرر حياتهم أو موتهم

قبل سنة كان لين يانتيان مجرد عضو عادي بينما كانت العصابة عصابة صغيرة لكن ذات يوم ودون سابق إنذار قتل لين يانتيان الزعيم السابق وسيطر على العصابة، طبعا عارضه الكثيرون من الذين أرادوا استغلال الوضع لحصول على السلطة لكنهم جميعا ماتوا على يديه دون استثناء وفي أقل من شهر واحد غزا المقاطعة بالكامل محطما أكثر من 30 عصابة أخرى ليصبح بذلك الطاغية المحلي في المقاطعة

فجأة توقفت كل النقاشات المحتدمة في المكان وعم صمت تام الصوت الوحيد الذي يمكن سماعه هو خطوات أقدام لين يانتيان الذي وقف من مكانه متجها نحو الباب المؤدي إلى خارج البناء تحت نظرات الجميع

شعر الجميع بالعرق البارد في ظهورهم عند رؤية زعيمهم يغادر المكان، كانت هذه الغرفة هي الغرفة المركزية في البناء مع العديد من الأبواب التي تؤدي إلى أماكن مختلفة بما في ذلك الحديقة التي يمضي فيها لين يانتيان أغلب وقته لكن الباب الذي توجه إليه الآن كان الباب الذي يؤدي إلى خارج البناء في هذه اللحظة ظهرت فكرة واحدة في ذهن الجميع

' شخص ما سيموت اليوم '

بالنسبة للين يانتيان الذي يمضي كل وقته في الإسترخاء داخل حديقته أو قراءة الكتب وخارج حضور الإجتماعات واللقاءات فإن السبب الوحيد لخروجه هو التعامل مع شخص ما وتساءل الجميع من هذا الشخص غير المحظوظ

حاول الجميع تخمين من سيموت اليوم لكن لم يستطع أحد التفكير في أي شخص محتمل فجميع أعداء العصابة تم التخلص منهم بالفعل أما البقية فكانوا شخصيات تافهة لا تستحق وقته، أراد الجميع سؤال زعيمهم لكن لم يجرأ أحد على ذلك ولم يكن هناك شخص مقرب منه كفاية لطرح هذا السؤال لذا لم يكن لديهم خيار سوى انتظار سماع أخبار وفاة شخص ما

خرج لين يانتيان من المبنى وسار بخطوات سهلة وبطيئة، كان كل شخص في دائرة قطرها مئة كيلومتر يعرف جيدا من هو لين يانتيان لذا لم يجرأ أحد على السير أمامه خوفا من تعكير مزاجه حيث مهدت الطريق أمامه لأن الجميع على مرأ البصر إما دخل بيته أو اصطف على جانب الطريق

رغم أن لين يانتيان لم يكن طاغية يقتل الأبرياء حيث أن جميع من قتلهم كانوا أشخاصا عارضوه إلا أن البشر بطبيعتهم يخشون من هو أقوى منهم حتى لو كان قديسا فلن يشعروا بالإطمئنان له أبدا طالما امتلك القدرة على قتلهمم متى أراد

تقسم المنطقة التي تحكمها عصابة لين يانتيان إلى منطقة مركزية واثني عشر منطقة ثانوية محيطة بها وكانت وجهة لين يانتيان هذه المرة هي المنطقة الثامنة، فبالنظر إلى التقارير التي سمعها لين يانتيان سابقا هناك شخص مثير للإهتمام هناك رغم أن لين يانتيان لم يرفع أمله إطلاقا بأن يكون هذا الشخص هو ضالته لكن لا ضرر في تفقده فلا شيء ليفعله سوى الإسترخاء على أي حال

" ملايين ومليارات السنين مرت ولم أعثر عليه بعد، متى؟ أين؟ هل هو موجود أصلا؟ لا، هل يمكن أن يوجد حتى شخص كهذا؟ " تنهد لين يانتيان أثناء سيره نحو المنطقة الثامنة

..............................................................................................

اليوم امتلأت المنطقة التاسعة بالناس لدرجة أن السير في الشوارع أصبح صعبا، رغم أن المنطقة التاسعة هي أكبر منطقة من حيث عدد السكان بعد المنطقة المركزية إلا أنها لا تعاني عادة من الزحمة بسبب حجمها الكبير لكن لأن اليوم كان مميزا فقد جاء عدد كبير من الناس من المناطق المجاورة لأن اليوم هو يوم إعدام الرئيس السابق للمنطقة بسبب عدم أهليته

كان موعد الإعدام في وقت الظهيرة تقريبا ورغم ذلك جاء الناس في وقت مبكر فالمنطقة التاسعة هي عبارة عن منطقة تجارية لذلك استغل التجار هذا اليوم بشكل جيد لإقامة سوق كبير اليوم

وطبعا أينما وجدت الأعمال كان هناك حاجة للعمال ولحل هذه المشكلة فإن المنطقة الثامنة المجاورة للتاسعة عبارة عن منطقة للعبيد

المنطقة الثامنة هي أصغر منطقة من بين المناطق الإثني عشر وهي منطقة مخصصة للعبيد فقط، تم إنشاء هذه المنطقة بجانب المنطقة التاسعة لسد الحاجة للعمال فبوجودهم بالقرب من بعضهم يمكن للتجار الحصول على ما يريدون من العبيد أو تغييرهم بأقصى سرعة كما يسهل هذا مراقبتهم لأن الكثير من القوة العسكرية تتمركز في المنطقة التاسعة للحراسة

داخل أحد المنازل المهترئة في المنطقة الثامنة كان هناك عائلة من أربعة أشخاص، كانت الأم جالسة بجوار الأب الذي كان له تعابير معقدة بعد الإستماع إلى كلمات ابنته الصادمة

الأب" زي يو هل أنت جادة فيما تقولينه؟ " لم يصدق زي لونغ ما سمعه للتو من ابنته وكان جسده بالكامل يرتجف كما لو تعرض لضربة برق

الأم" زي يو هذا ليس وقت المزاح عليك العودة فورا إلى العمل " لم تكن حالة سو يا مختلفة عن زي لونغ حيث أن ما سمعته للتو من ابنتها ضرب بكل معرفتها لها عرض الحائط

أمامها مباشرة جلست فتاة بثياب مهترئة، لم يكن هناك شيء مميز حولها فقد كان مظهرها عاديا تماما حتى بين العامة لا يمكن اعتبارها جمالا بل مجرد فتاة عادية ناهيك عن البشرة المتشققة نتيجة الأعمال الشاقة

نظرة الفتاة نحو والديها بتعبير هادئ كانت عيناها ممتلئتين بالقوة والعزم ويصعب تصديق أنها تنتمي إلى فتاة في السابعة عشرة من عمرها

زي يو" أبي، أمي أنا جادة تماما في كل ما قلته قبل قليل وقد قمت بالفعل بكل التحضيرات وسنفعل ذلك اليوم، وإلا فسيموت زي تشنغ "

بعد سماع تأكيد ابنتهما لم يعد لديهما شك في جديتها لكن بعد سماع هذا لا يسعهما سوى التفكير، أي ذهبت تلك الطفلة اللطيفة التي و الخجولة التي لا تستطيع التحدث مع الغرباء بشكل عادي؟ تلك الفتاة التي لا تستطيع قتل نملة تتكلم الآن بهذا الكلام القاسي؟

رغم قسوة ما تخطط له زي يو إلا أنهما لا يستطيعان سوى القبول بذلك فهل يمكنها ترك ابنهما يموت دون فعل شيء؟ طبعا لا، هذه هي طبيعة الوالدين حتى لو عنى ذلك أذية الآخرين طالما نجا إبنهما فسيفعلان أي شيء

زي لونغ وسويا لم يكونا شخصين شريرين على الإطلاق لكن العيش كعبيد علمهما أن السبيل للنجاة هو أن تكون قاسيا، ربما لو حصلا على بعض الوقت للتفكير لترددا في فعل ذلك لكن زي يو أخبرتهم بضع ساعات فقط قبل وقت تنفيذ الخطة لذا لم يجدا وقتا للتردد على الإطلاق فحياة ابنهما على المحك كما أنهما يعرفان جيدا أنه حتى لو رفضا فإن زي يو ستأخذ زي تشنغ وتذهب لوحدها

..........................................................

في الساحة المركزية للمنطقة الثامنة تجميع أكثر من ثلاثة آلاف شخص من مختلف من مختلف المناطق الثلاث عشر من أجل حضور إعدام الرئيس السابق للمنطقة التاسعة بسبب عدم كفاءته

وقفت صفوف من الناس أمام منصة خشبية بارتفاع خمسة أمتار، على قمة المنصة الخشبية وقف أربعة أشخاص أحدهم كان مقيدا وراكعا على قدميه ومن الواضح أنه الرئيس السابق، وقف بجانبه شخصان يحمل كل واحد منهما سيفا وأمام ثلاثتهم وقف شخص يرتدي ملابس فاخرة وبدت عليه ملامح العجرفة

" استمعوا لي جميعا أنا الرئيس الجديد للمنطقة التاسعة تشن لو " صرخ تشن لو بأعلى صوت خوفا من ألا يسمعه أحد، فبعد المنطقة المركزية كانت المنطقة التاسعة هي الأكبر والأهم وكونه أصبح رئيسها كيف لا يشعر بالفخر؟

تابع تشن لو "كما يعرف الجميع فإن اليوم هو يوم إعدام الرئيس السابق للمنطقة التاسعة تشنغ شوي، لقد كان تشنغ شوي رئيسا فاسدا استغل سلطته لمصالحه الشخصية وارتكب العديد من الجرائم وحتى القتل الوحشي للعبيد"

رغم أن سبب إعدام تشنغ شوي هو تقاعسه في العمل إلا أن تشن لو كان بحاجة لتشويه سمعته كي لا يعارضه سكان المنطقة فقتل العبيد أمر طبيعي للغاية لأنهم لا يعتبرون بشرا ويتم قتلهم يوميا، لكنه وضع اللوم كله على تشنغ شوي وبهذا سيحصل على دعم السكان المحليين

"أفعاله شريرة وحقيرة ولا يمكن التسامح معها على الإطلاق لذلك سيتلقى عقوبته اليوم ! "

رفع تشن لو يده مشيرا إلى الرجلين الواقفين بجانب تشنغ شوي لتنفيذ الحكم

رفع كلاهما سيفيهما في تناغم تام ووجها ضربة نحو مؤخرة عنق تشنغ شوي وفي اللحظة التالية سقط رأسه الدامي على المنصة الخشبية وبدأت الهتافات السعيدة في ملأ الأجواء دلالة على السعادة

أغلب الهتافات كانت من سكان المناطق المجاورة الذين جاؤوا لحضور الإعدام ولأنهم لم يكون من سكان المنطقة لم يعرفوا الوضع الحقيقي للمكان، هذا ينطبق فقط على الناس العاديين الذين جاؤوا للمتعة أما الناس الأذكياء وذووا الخبرة من التجار فقد كانوا يعرفون تماما ما يجري لكن لم يتكلم أحد، من سيكون على استعداد للمخاطرة بحياته دون دليل؟

في وسط الهتافات دوى صوت قوي في الساحة تبعه انهيار العديد من المباني في الساحة لتدفن تحتها المئات من المشاهدين الأبرياء

انفجار، لقد انفجرت المباني !! صدم جميع الناجين بما رأوه ودب الخوف في قلوبهم تماما، أي نوع من القوة يمكن أن تتسبب في انفجار قوي كفاية ليهدم مبنى من طابقين؟ وليس انفجارا واحدا فقط بل العشرات من الإنفجارات

ما لم يعلموه هو أن الساحة المركزية للمنطقة التاسعة ليس المكان الوحيد الذي حدثت فيه هذه الإنفجارات حيث وقعت انفجارات مماثلة في المنطقة السابعة وقع ضحيتها العديد من الرجال المكلفين بالبحث عن العائلة الهاربة مما أدى إلى حدوث هلع وفوضي عارمة في المنطقة السابعة مشابهة لما يحصل في المنطقة التاسعة عدا أن نطاقها أصغر بسبب قلة الأعداد

....................................

في نفس وقت وقوع الإنفجارات في المنطقتين السابعة والتاسعة كانت عائلة زي المؤلفة من أربعة أشخاص ملفوفين بالأوشحة لإخفاء ملامحهم، لقد كان اليوم بالذات هو يوم العطلة الوحيد الذي يحصلون عليه في الشهر لذا لم يكونوا مجبرين على الذهاب للعمل و ليس من الغريب بقائهم في منزلهم لذا هذه هي أفضل فرصة للهرب

رغم المعاملة المزرية للعبيد حيث يعتبرون مجرد أدوات، لكن هذه الأدوات محدودة و من الغباء جعلهم يعملون حتى الموت ثم التخلص منهم و من الواضع أن لين يانتيان و أتباعه الرئيسيين ليسوا أغبياء كما أن الإضطهاد الشديد للعبيد سيؤدي حتما إلى ثورة للعبيد لذا طالما لا يعملون حتى الموت ويحصلون على الطعام و الراحة الكافيين فلن يحصل شيء على المدى القريب أما بشأن الموت اليومي لبعض العبيد فيمكن القول أنه تم بيعهم لتجار من خارج أراضي لين يانتيان فلن تكون هناك أي مشاكل كما أنه من الطبيعي بيع العبيد و لن يوجد أي دليل طالما تم التخلص من الجثث

زي يو "لقد حان الوقت للتحرك، سنغادر هذا المكان عن طريق الأسوار الخلفية" من أجل منع العبيد من الهرب فإن المنطقة الثامنة محاطة بسور عالي له بوابتان فقط، البوابة الأمامية المتصلة بالمنطقة التاسعة والبوابة الخلفية التي تطل على غابة كبيرة، يتم استعمال البوابة الخلفية لجلب العبيد الجدد أو القيام بالصفقات السرية

توجهت زي يو وعائلتها نحو البوابة الخلفية وكان زي لونغ يحمل زي تشنغ النائم على ظهره

يبلغ زي تشنغ عشر سنوات وقد كانت له بنية ضعيفة منذ الصغر لدرجة أنه لم يكن قادرا على القيام بنصبيه الأعمال مما أجبر البقية على القيام بأعمال إضافية للتغطية عليه، لكن مؤخرا ازدادت حالته سوءا وطبعا لن يهتم أحد بما يحصل لعبد لذا لم يكن هناك خيار سوى الهرب بحثا عن وسيلة لعلاجه

تابعت العائلة طريقها نحو البوابة الخلفية مباشرة دون عوائق لم يستغرق الأمر منهم سوى نصف ساعة للوصول إليها وكما كان مخططا له لم يكن هناك أي حراس أمام البوابة على الإطلاق فبسبب الإنفجارات توجه جميع الجنود إما إلى المنطقة السابعة أو الثامنة

قريبا بدأوا في رؤية السور لكن سرعان ما توقفوا لأنهم لمحوا شخصا متكئا بكسل على السور

اتسعت أعين الجميع في صدمة تامة وخوف لأنه لا أحد في هذه المقاطعة لا يعرف هذا الشخص

"لين يانتيان" خرجت هذه الكلمات بصعوبة من فم زي لونغ المرتعش

'انتهينا ! لقد انتهى أمرنا' كان هذا هو كل ما استطاع زي لونغ وسو يا التفكير فيه

تحت نظرات الدهشة من الجميع فتح لين يانتيان عينه ووقف من مكانه ثم نظر إلى الأشخاص أمامه واستقر بصره على زي يو، بعد إلقاء نظرة فاحصة عليها انحت زاوية شفاهه في ابتسامة خفيفة

" يبدوا أن شخصا مثيرا للإهتمام قد أتى "

2019/10/14 · 2,413 مشاهدة · 1980 كلمة
RedNoble
نادي الروايات - 2025