االأسنانلأول: تشوانغ يوان مملكة تشو الجنوبية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في السنة السادسة عشرة من حكم شيان دي، غادر سو يون جيانج شيا إلى جيان يي (1) لتقديم الامتحانات الإمبراطورية.

— سجلات سلالة تشو الجنوبية ، سيرة جيانغ سو يون

ــــــــــــــــــــــــــ

في السنة السادسة عشرة من عهد شيان دي في مملكة تشو الجنوبية، ظلّ العالم في حالة اضطراب، رغم أن الوضع أصبح واضحًا.

احتلّت مملكة تشو الجنوبية معظم الأراضي الواقعة جنوب نهر اليانغتسي، بينما سيطرت سلالة يونغ العظمى على الأراضي الواقعة شمال النهر (2)، كانت مدينة جيانغ شيا المحور الاستراتيجي لدفاعات مملكة تشو الجنوبية ضد سلالة يونغ العظمى كان مقرّ إقامة قائد الحامية، الماركيز الذي يقمع الأراضي البعيدة، لو شين، مركز هذه الدفاعات، و كان محروسًا بكثافة طوال الوقت.

مع أن منصبي كمعلمٍ لعائلة الماركيز لم يكن منخفضًا، إلا أنني كنتُ مضطرًا للامتثال للأوامر العسكرية، و البقاء داخل غرفة الدراسة لتجنب أي مشكلة، و بينما كنتُ أقلب صفحات كتاب، حسبتُ الوقت المتبقي حتى موعد الغداء.

بصفته قائدًا عسكريًا رفيع المستوى، لم يكن أمام الماركيز لو خيار سوى ترك عائلته في العاصمة جيان يي للعمل كرهائن، و لم يُسمح إلا لابن الماركيز البالغ من العمر خمسة عشر عامًا، لو زان، من قِبل البلاط الإمبراطوري بمرافقة والده كحارس شخصي.

و على الرغم من أن لو زان كان تلميذي، إلا أنه كابن لعائلة عسكرية، فقد تلقى تعليمه في الحرب، بطبيعة الحال.

و اليوم، دعا الماركيز إلى مؤتمر عسكري و أحضر لو زان للاستماع و التعلم، لم يكن لديّ أيّ خيار سوى البقاء في غرفة الدراسة في انتظار عودته بعد أن اتفقنا على تناول الطعام معًا بمجرد انتهاء المؤتمر.

و على الرغم من أن الوقت كان ظهرًا، لم يأكل أي من الحاضرين في المؤتمر بعد، و إذا تناولت أنا كمعلم عائلي متواضع، الطعام مسبقًا، فمن المحتمل أن يثير لو زان عاصفة و يستخدم الفرصة للتآمر ضدي، كان من الأفضل انتظاره.

بالتفكير في هذه النقطة، فركتُ معدتي و تنهدتُ في عجز، كيف يُمكن لأبٍ و ابنه أن يختلفا إلى هذا الحد؟ بينما كان لو شين كريمًا و رحيمًا، كان لو زان يُثير المشاكل في أمورٍ ثانوية، في المرة الأخيرة التي عوقب فيها لو زان من قِبل الماركيز، ضبطني أضحك..

في اليوم التالي، خدعني لو زان و أدخلني إلى بيت دعارة بحجة الاسترخاء و إتمام فترة الحداد التقليدية لمدة ثلاث سنوات على والدي، لو لم أهرب في أول فرصة، لفقدتُ عذريتي!

مللت، فتصفحت الكتاب، و أطلقت العنان لخيالي، مع أن مكتب الماركيز لم يكن سيئًا، إلا أنني كنت قد اطلعت على جميع الكتب خلال السنوات الثلاث الماضية. للأسف، و لأن العائلة عسكرية، لم تكن تحتوي إلا على كتب يسهل الحصول عليها، خمنت أنهم ربما طلبوا من المكتبة إحضار نسخة من كل شيء، و إلّا فلماذا يمتلكون تقاويم و لا يملكون كتبًا قيّمة؟

كنت أحسب الوقت بحجم الظلال عندما وصل لو تشونغ، مساعد لو زان، ليُبلغني باختتام المؤتمر.

كان لو شين قد دعا مرؤوسيه إلى وليمة، و بما أنه سُمح للو زان بالانضمام، لم أضطر لانتظاره.

وافقتُ بسرور. لم أُبالِ ببرود الطعام، بل بدأتُ بالتهام غذائي بسرعة.

بينما كنت أستمتع بوجبتي، اندلع ضجيج في القاعة المجاورة، لم أُعر الأمر اهتمامًا كبيرًا في البداية، لكن الضجيج ازداد علوًا،

فجأة! سمعت صوتًا ينادي:

" اقبضوا على القاتل، اقبضوا على القاتل!"

خفق قلبي بشدة، يا للهول! كان القاتل يستهدف الماركيز بلا شك، الماركيز هو راعيَّ حاليًا؛ لا يمكن قتله!

و لأنني أعلم أنني لا أملك القدرة على حماية الماركيز، قررتُ أنه من الأفضل البقاء مختبئًا، مع ذلك، ظل قلبي قلقًا، فالتقطتُ قوسًا مصنوعًا بإتقان من رف الكتب، صُمم هذا القوس من قِبل وزارة الأشغال (3) في جنوب تشو، و لم يكن مداه مئة خطوة فحسب، بل كان قادرًا أيضًا على إطلاق خمسة سهام متتالية، كان في الأصل هدية من الماركيز إلى لو زان، لكن لو زان لم يُعجبه استخدام القوس، و اعتبره سلاحًا غير سهل الاستخدام، فأهداه لي بدلًا منه، لأني لم أكن أعرف أيّ فنون قتالية، لم أستطع استخدام القوس، كان هذا القوس والنشاب هو المفضل لديّ بلا شك.

بعد أن حمّلتُ البراغي، فتحتُ النافذة قليلاً، لم تكن غرفة الدراسة بعيدة عن القاعة المجاورة، في الخارج، امتلأت الساحة بالسيوف و الرماح، حاصرت مجموعة كبيرة من الجنود ذوي الرداء الأحمر رجلين يرتديان زيّ خادم، بعد قليل، وصل الماركيز لو مع مرؤوسيه، ملفوفًا بقطعة قماش ملطخة بالدماء حول ذراعه اليمنى، و وجهه شاحب،

لم يكن لو بينغ، حارس الماركيز الشخصي، موجودًا في أي مكان، ساند لو زان الماركيز من اليسار، و بدا عليه الغضب من الموقف، استنتجتُ أن قاتلين متنكرين في زيّ خادمين يحضران الوليمة حاولا تنفيذ مهمتهما، من المرجح أن لو بينغ قد أدى واجبه و ضحّى بنفسه.

كنتُ أُركز على المشهد عندما تبادل القاتلان النظرات، فجأةً، أخرجا خرزتين سوداوين وألقيا بهما على الأرض، فغمر الدخان الأبيض المكان، في تلك اللحظة، لاحظتُ تعبيرًا قاتلًا على وجه نائب جنرال يقف بالقرب من الماركيز لو، انزلق خنجر من كمه إلى يده، أدركتُ الخطر، فصرختُ:

" يا صاحب السعادة، كن حذرًا! "

و في الوقت نفسه الذي صرختُ فيه بالتحذير، أطلقتُ قوسي، تبع ذلك صرخة، بعد أن تبدد الدخان، رأى الجميع أن القاتلين لا يزالان مُحاصرين، كان نائب الجنرال مُنهارًا على الأرض على بُعد نصف خطوة خلف الماركيز، اخترق سهمٌ قلبه، كان مُمسكًا بخنجر ذي حافة زرقاء اللون - سم - حتى الأعمى يستطيع أن يُدرك ما كان نائب الجنرال يُخطط له.

لم يكن بإمكان القاتلين النجاة من الحصار، تحت أنظار الماركيز، قاتلا حتى الموت، بعد أن أمر مرؤوسيه بالتعامل مع الجثث، أحضرني إلى قاعة النمر الأبيض.

لقد نظر إليّ بنظرة معقدة، و قال:

" شكرًا لك، سو يون، لإنقاذ حياة هذا الماركيز (4) "

أجبتُ بتواضع:

" أنت محظوظ بفضائلك، و لذلك نجوت من الأذى، لقد أصابه هذ الشاب (5) بالصدفة "

" كيف عرف سو يون أن ذلك الرجل سيحاول اغتيالي ؟ " سأل ماركيز لو بريبة، كان هذا شيئًا لم يستطع فهمه.

كيف؟ بالطبع، لأنني رأيته! لكن لم أستطع قول هذا، كانت هذه آلية دفاعي السرية، كانت حواسي الست أكثر حدة من حواس الناس العاديين، ببساطة، كنت أسمع سقوط الأوراق على بُعد مئة خطوة؛ كنت أرى تفاصيل واضحة على بُعد عدة لي (6)؛ كنت أستطيع تمييز أي طعم بعينة صغيرة؛ كنت أستطيع تتبع شخص ما على بُعد ثمانية إلى عشرة لي بحاسة الشم، أحيانًا، كنت أتساءل إن كنت إنسانًا، كنت أعلم أيضًا أن هذه الحواس الحادة قد تُثير الغيرة و الكراهية لدى الآخرين، لا أحد يرغب في أن يستمع أحد إلى محادثاته الخاصة.

لحماية نفسي، لم أُخبر أحدًا بحواسي الحادة سوى والدي الراحل.

لذلك، كذبتُ،

" كانت مصادفة، أمسكتُ بالقوس و النشاب لحماية نفسي، عندما رأيتُ القاتلين يُطلقان الدخان، أدركتُ أن هناك خطبًا ما، بغض النظر عن قدرتهم، لم يكن هناك سبيلٌ للهرب، إطلاق الدخان كان بلا شك لإعطاء شخصٍ آخر فرصةً لتنفيذ الاغتيال، ظننتُ أن هناك قاتلًا آخر بالقرب من سيادتك، فصرختُ مذعورًا، أدركتُ أنه لم يكن هناك أحدٌ خلف سيادتك في ذلك الوقت، مما أتاح للقاتل فرصةً لإتمام مهمته، لذلك أطلقتُ القوس والنشاب. لحسن الحظ، سيادتك كنتَ من أهل الفضيلة، و تمكنتُ من قتل القاتل "

رغم تشككه، أومأ الماركيز برأسه و سمح لي بالمغادرة.

علمتُ لاحقًا أن القتلة أرسلتهم سلالة يونغ العظمى، تم رشوة نائب القائد، و أرادوا اغتيال الماركيز، بموت الماركيز، كانت جيانغ شيا ستفقد قيادتها.

كانوا سينتهزون الفرصة للهجوم، من كان ليتوقع أن هذا الاغتيال المُدبّر بدقة سيفشل؟ لم يكن أمام جيش يونغ سوى التراجع.

بعد أن رأى لو شين ذكائي، طلب مني البقاء و العمل كأحد مستشاريه، بعد تفكير عميق، رفضت.

كانت جيانغ شيا على بُعد نهر واحد فقط من الأراضي الخاضعة لسيطرة يونغ، كانت المعارك متكررة، إذا خسروا معركة لسوء الحظ، فماذا كنت سأفعل؟ علاوة على ذلك، إذا علمت يونغ العظمى أنني من أنقذ الماركيز، فسيتم اغتيالي، ماذا يمكنني أن أفعل حينها؟ بالطبع، لم أستطع ذكر هذه الأسباب.

بدلاً من ذلك، تحدثت عن ندم والدي على عدم حصوله على مرتبة الشرف العلمية (7) و عن قراري بالتقدم للامتحانات الإمبراطورية، باستخدام هذا السبب الرنان و المحترم (8)، لم يستطع أحد أن يعيق قراري.

لذلك، لم يكتفِ لو شين بإرسال أشخاص إلى محافظتي جيا شينغ للحصول على مؤهل لدخول الامتحان، بل دفع لي أيضًا نفقات السفر إلى جيان يي،

قبل شهرين، من أجل سلامتي، سمح لي حتى بالسفر مع أفراد الإمدادات، مع عدم وجود بديل، لم يكن بإمكاني سوى اللحاق بهم شرقًا، في الطريق، تظاهرتُ بالإصابة بنزلة برد، قلتُ إنني أريد الراحة و التعافي ليومين، و لأنه لا يزال لديّ متسع من الوقت، انتهزتُ الفرصة لاستعادة حريتي.

لم أكن غبيًا، في السنة التاسعة من حكم شيان دي، خضعت تشو الجنوبية لإمبراطور يونغ العظمى، و نزعت لقب "الإمبراطور" و استخدمت لقب "الملك" بدلاً منه.

كانت هناك شائعات في ذلك الوقت بأن الملك يرغب في استعادة صلاحياته الإمبراطورية، من المؤكد أن هذا القرار من شأنه أن يثير غضب إمبراطور يونغ العظمى و يشعل فتيل الحرب، على الرغم من أنني لم أرغب في خوض الحرب، إلا أنني كنت أفهم الكثير من فنون الحرب، كان جيش إمبراطور يونغ قويًا، بينما انغمست تشو الجنوبية من الملك إلى مسؤوليه في الكحول و الأوهام (9)، 9 كان الجنرالات والضباط يخشون الموت، حتى الجنرال الشهير، ماركيز لو، كان لديه العديد من المرؤوسين الجبناء، أراد ماركيز لو الغاضب عدة مرات إعدام هؤلاء الأفراد، لكنه لم يستطع فعل ذلك بسبب تأثير عائلاتهم و عشائرهم، ولم يكن بإمكانه سوى الاستمرار في السماح لهم بالخدمة، إجراء الامتحان الإمبراطوري في هذا الوقت؟ بفت، لم أكن أرغب في العمل كوزير لدولة خاضعة.

جلستُ على سطح قاربٍ واضعًا ذراعيّ حول ساقيّ، مستمتعًا بنسيم النهر المسائيّ العليل براحة، على متن هذا النوع من القوارب متوسطة الحجم، كانت الطوابق السفلية مليئةً بالبضائع، بينما كانت الطوابق العليا مقسمةً إلى كبائن للركاب، كانت بالتأكيد أكثر راحةً من قوارب الركاب المتخصصة، و إن كانت أغلى ثمنًا.

لكن مع وجود مئات التايل (10) في جيبي، و هو مبلغٌ أكثر من كافٍ، سمحتُ لنفسي بالإسراف لمرةٍ واحدة، و بينما كنتُ أتأمل القمر الصافي الساطع والسماء المرصعة بالنجوم، استلهمتُ إلهامًا شعريًا و قلتُ:

ــــــــ

" ينساب عشبُ الساحلِ في مهبِّ النسيم،

و الساريةُ شامخةٌ، تحرسُ ليلَ العتيم،

تهوي النجومُ على الحقولِ بسكون،

و يشرقُ بدرٌ من مجرى النهرِ الحزين

أما نقشتُ بالأدبِ يومًا سطور؟

و هل يُطالُ العُلا من به سُقمٌ وكُسور؟

و ما قيمةُ المرءِ إن خلا من رجاء؟

كنورسٍ ضائعٍ بين أرضٍ و سماء " (11)

ــــــــ

بينما انتهيت من تلاوة القصيدة، سمعت تصفيقًا عاليًا من خلفي، التفتُّ لأنظر، فرأيت شابًا واقفًا هناك، على الرغم من ضوء القمر الخافت، استطعتُ أن أرى بوضوح من خلال نظري المُكثَّف أنه شاب وسيم و مهيب، على الرغم من أنه كان يرتدي ملابس غير رسمية، إلا أن هالته لم تكن عادية،

لم يسعني إلا أن أشعر بأنه كان أكثر مهابة من الماركيز لو، علاوة على ذلك، كان يتمتع بكاريزما مذهلة تجعل المرء يشعر و كأنه يُطهر بنسيم الربيع، جعلني أشعر بالخجل من نفسي، كان يمتلك بنية جسدية عادية يمكن أن تهبها الرياح، بملامح رقيقة و وسيم، مهما حاولتُ تأمله، بدا و كأنه مجرد عالم هش، كان هذا وقت حرب وفوضى، ما جذب الفتيات أكثر هم السادة الشباب الوسيمين (12) الماهرين في كل من الفرشاة و السيف، حتى المحارب بالكاد كان أكثر جاذبية مقارنةً بي طالما بدا مهذبًا بعض الشيء، كيف عرفت؟ بالطبع، لأن خادمات قصر الماركيز لم ينظرن إليّ و لو للحظة.

وقفت و اعتذرت،

" أعتذر عن مقاطعة راحتك "

هزّ الشاب رأسه و قال:

" لا تقل هذا، كنت سأفوّت قصيدة الأستاذ الشاب الرائعة، هل هذا عمل الأستاذ الشاب؟ "

وبينما كنت مسرورًا في قلبي، أجبت بتواضع:

" هذا العمل الأخرق غير متقن (13)، لقد أحرجت نفسي أمام ذاتك المتميزة "

راقبني الشاب طويلاً قبل أن يقول:

" موهبتك الأدبية استثنائية لشخصٍ في مثل سنك، لك كل الاحترام، اسمي لي تيان شيانغ، تاجر من مملكة شو (14)، جئتُ إلى جيان يي في مهمة عمل، هل لي أن أسأل عن اسم السيد الشاب و سبب مجيئه إلى جيان يي؟ "

مع أن الرجل تحدث بلهجة شو، إلا أن كلامه بدا غريبًا بعض الشيء، لكن ما شأني بأعمال الآخرين؟ فأجبتُ بأدب:

" اسمي جيانغ تشي، و لقبي سو يون، سأسافر إلى جيان يي لحضور الامتحان الإمبراطوري "

قال لي تيان شيانغ مبتسمًا:

" مع موهبة السيد الشاب التي لا مثيل لها، سيكون الامتحان الإمبراطوري سهلاً بالنسبة لك بالتأكيد "

ابتسمتُ بخجل، لولا كذبة، لما رغبتُ حتى في التقدم للامتحان الإمبراطوري، لكن كانت لديّ طرقٌ لتجنب اجتياز الامتحان دون شكوى من أحد.

عندما رأى لي تيان شيانغ انزعاجي، غيّر الموضوع، تنهد و قال:

" هذه المرة، قادمًا من شو، رأيتُ الوضع المتوتر في تشونغ يوان (15)، و كدتُ أتورط في معركة في جيانغ شيا، هذه الأيام، تزداد التجارة صعوبةً يومًا بعد يوم، قبل فترة، أصدر ملك تشو الجنوبية مرسومًا بزيادة الرسوم الجمركية، و لحسن الحظ، أرسل ملك شو مبعوثًا إلى تشو الجنوبية للتفاوض، و إلا، لكانت سفن الشحن لدينا قد خسرت الكثير من المال "

أجبتُ بلا مبالاة:

" لا داعي لقلق ملك شو، مصير تشو الجنوبية و شو مرتبطان ارتباطًا وثيقًا (16)، ما دامت هذه العلاقة واضحة، فسيُخفّض سموّه الرسوم الجمركية حتمًا، و ربما يُقدّم حوافز تجارية أيضًا "

" لماذا؟ "

سأل لي تيان شيانغ مبتسمًا

" لا أفهم "

نادرًا ما صادفتُ أحدًا يسألني رأيي، فأجبتُ بفخر:

" علينا أن نبدأ بالوضع الراهن للعالم، حاليًا، تواجه تشو الجنوبية و يونغ العظمى حالة جمود بين الشمال و الجنوب، و مع ذلك، هذا ظاهريًا فقط، سواءً من حيث القوة العسكرية أو الشعور الشعبي، لا تُقارن تشو الجنوبية بيونغ العظمى، لذلك، لا تملك تشو الجنوبية سوى الدفاع و لا تملك أي وسيلة للهجوم، لا تدوم التكتيكات الصارمة طويلًا مع ضعف الجنود و البلاد، في الوقت نفسه، غالبًا ما تُلحق التكتيكات الناعمة الضرر بالنتائج النهائية، يعلم الجميع أن المملكة ستنهار إذا استمر هذا الوضع، لهذا السبب لجأ سموه إلى السلام و خفض لقبه، ساعيًا إلى استراحة من الصراع، و مع ذلك، فقد تغير الوضع، تمتلك سيتشوان (17) تحت حكم شو قوات مُجهزة جيدًا (18)، رغم أن القيود الجغرافية لمملكة شو تحدّ من سيطرتها على جزء صغير من العالم، إلا أنها مقارنةً بتشو الجنوبية، تُعدّ في موقف قوة، فإذا تحالفت شو مع يونغ العظمى، فستشنّ يونغ هجومًا عبر نهر اليانغتسي، بينما تنحدر قوات شو من أعالي مجرى النهر، حينها، ستسقط تشو الجنوبية لا محالة.

أما إذا تمسكت شو بحدودها بدقة، فبإمكان تشو الجنوبية أن تتحالف مع هان الشمالية الواقعة شمال يونغ، و عندما يتقدّم جيش يونغ جنوبًا، ستتمكن تشو الجنوبية من الاحتماء بالحاجز الطبيعي لنهر اليانغتسي، في حين تتقدم قوات هان الشمالية نحو يونغ من الشمال، و خلال ثلاثة أشهر، سينسحب جيش يونغ "

ارتسمت على وجه لي تيان شيانغ ملامح الاحترام، و مضى بعض الوقت قبل أن يُجيب:

" إذا كان الأمر كذلك، ألن يتوحد العالم أبدًا؟ هذا لن يُسبب لنا، نحن عامة الناس، سوى المعاناة "

عزّيتُهم قائلًا:

" ما قلتُه هو الوضع الأمثل، حاليًا، أصبح حاكم تشو الجنوبية و وزراؤها متغطرسين، معتمدين على الحاجز الطبيعي لنهر اليانغتسي، بينما في الواقع، في حين أن الخطر يختبئ في الظلال (19)، ما دام لدى يونغ العظمى وزير عاقل و حكيم، فلديهم القدرة على توحيد العالم "

بفضول، سأل لي تيان شيانغ:

" ألم يقل السيد الشاب سابقًا إن يونغ العظمى ستجد صعوبة في توحيد العالم؟ لماذا يُصرّح الآن بإمكانية ذلك؟"

وبعد أن رتبت أفكاري، أجبت:

" رغم أن يونغ العظمى محاطة بالمخاطر، إلا أن لها العديد من المزايا: إمبراطور حكيم، و مسؤولون أكفاء، و جيش قوامه مليون رجل، فإن اختاروا الاستراتيجيات الصائبة، فبإمكانهم توحيد العالم خلال عشرين عامًا، في الظروف الراهنة، تُعدّ سيتشوان ذات أهمية قصوى؛ فهي حصن منيع و صعب الاختراق، و إذا أرادت يونغ العظمى بسط نفوذها، فعليها أولًا أن تعقد اتفاقًا مع هان الشمالية لتأمين ظهرها، ثم تزرع الفتنة بين تشو الجنوبية و مملكة شو "

غير مقتنع، سأل لي تيان شيانغ،

" التوصل إلى تفاهم مع هان الشمالية ليس بالأمر الصعب، و لكن كيف من الممكن زرع الخلاف في العلاقة بين تشو الجنوبية و شو عندما تكون مصائرهم متشابكة إلى هذا الحد؟ "

" و أيّ صعوبة في ذلك؟ لقد سمعت مؤخرًا أن بلاط تشو الجنوبية يعتزم إعادة إحياء لقب الإمبراطور، إذا تظاهرت يونغ العظمى بالعجز و عدم الرغبة في خوض الحرب، فسوف تنخدع قيادة تشو الجنوبية، و بمجرد أن تُرسل يونغ جواسيسها إلى الجنوب و تقوم برشوة مسؤولي تشو لإحياء الإمبراطورية، فستتوتر العلاقة بين تشو و شو، و في ذلك الحين، حتى هان الشمالية ستتحفظ على تشو الجنوبية، كل ما على يونغ فعله هو الاعتراف بلقب إمبراطور تشو و تقسيم العالم باستخدام نهر اليانغتسي كحد فاصل، و من ثم التحالف مع تشو لمهاجمة شو، وبما أن حاكم تشو و مسؤوليها محدودو البصيرة، فسوف يُخدَعون بسهولة، و على الرغم من صعوبة اقتحام سيتشوان، فإن شو لن تصمد أمام قوة متحالفة من تشو الجنوبية و يونغ العظمى، وعندها، ستمقت شو تشو الجنوبية بشدة، و مع الاستراتيجية المناسبة، ستسيطر يونغ العظمى على معظم سيتشوان، و من ثم سيكون عليها الهجوم من جبهتين لتسقط تشو، و بعدها، لن يتبقى أمامها سوى تجهيز الجيوش للهجوم الأخير على هان الشمالية، و حينها، لماذا تقلق يونغ بشأن توحيد العالم؟ "

ردّ لي تيان شيانغ بحماس:

" يبدو أنه بمجرد تحالف سيتشوان و جنوب تشو، لن تتمكن يونغ العظمى من فعل أيّ شيء، من حسن الحظ أن الأخ جيانغ ليس من مواطني يونغ العظمى، لو كنتَ موظفًا لدى يونغ العظمى، لكانت مملكتي شو في وضع حرج "

قلتُ بتكاسل:

" لن أذهب إلى يونغ العظمى أبدًا، سمعتُ أنهم يُقدّرون الإنجازات العسكرية أكثر من أي شيء آخر، و أنا مجرد عالم هشّ، يصعب عليّ البقاء هناك، ما إن تمر بضع سنوات و أجمع ما يكفي من المال، سأشتري قطعة أرض في الريف و أتزوج امرأة فاضلة، هذا هو معنى الحياة بالنسبة لي "

ضحك لي تيان شيانغ،

" أرجو أن تتحقق أمنية سيدي (20)، مع ذلك، أنا فضولي، وفقًا لخطتك، لن تحتاج يونغ العظمى إلى عشرين عامًا "

أجبتُ بنعاسٍ طفيف:

" في البداية، لا ينبغي أن يستغرق الأمر كل هذا الوقت، إذا غزت يونغ العظمى تشو الجنوبية، فلن يستغرق الغزو سوى خمس إلى ست سنوات، مع ذلك، سمعتُ أن إمبراطور يونغ العظمى كبير في السن، و رغم أن ولي العهد، لي آن، هو الوريث الشرعي للعرش، إلا أن إنجازاته العسكرية و مكانته لا تُذكر مقارنةً بالأمير الثاني، أمير يونغ، لي تشي،

في وقت تأسيسها، أقرّ إمبراطور يونغ، لي يوان، بإنجازات ابنه الثاني و منحه لقب أمير يونغ، مستخدمًا نفس طابع الإمبراطورية، و مع ذلك، عندما تعلق الأمر باختيار الوريث الشرعي، اتبع لي يوان المبدأ العريق المتمثل في تنصيب الابن الأكبر للزوجة الأولى وليًا شرعيًا للعهد، سيؤدي هذا القرار حتمًا إلى أزمة خلافة، قد تنقسم يونغ العظمى إلى قسمين، و أنا لم أقل عشرين عامًا إلا بافتراض أن تلك الفتنة لن تتفاقم كثيرًا "

خفض رأسه قليلاً للتفكير، و استغرق لي تيان شيانغ بعض الوقت قبل أن يصيح،

" أنت على حق! "

لم أفهم معنى كلامه، و كنتُ كسولًا جدًا للتفكير فيه بعمق، ودّعتُ المكان، و عدتُ إلى مقصورتي، في اليوم التالي، عندما سمعتُ أن لي تيان شيانغ قد نزل من القارب مُسبقًا، وجدتُ الأمر غريبًا للغاية.

لم تكن خططي الأولية سيئة، لكن من كان يعلم أن مشيئة السماء غير متوقعة؟ يوم وصولي إلى جيان يي، أصبحتُ فقيرًا.

عندما أتذكر تلك الأيام، كانت تلك أول مرة أزور فيها جيان يي، و قد أذهلني روعة و جمال العاصمة، بعد أن وجدت نُزُلًا، انطلقتُ في جولة حول المدينة. في معبد كونفوشيوس (21) على ضفاف نهر يونغ هواي، وجدتُ حظي السعيد، مع أنني كنتُ أعتقد حينها أنني قد لاقيتُ لعنة وجودي.

بينما كنت أسير في الشوارع، رأيت حشدًا متجمعًا، بدافع الفضول، تقدمتُ فوجدتُ صبيًا يبيع نفسه للعبودية لدفع تكاليف جنازة والده، ذكّرني ذلك بوفاة والدي عندما كنتُ أفتقر إلى المال، لو لم تُتح لي فرصة العمل لدى الماركيز، لربما انتهى بي الأمر ببيع نفسي أيضًا، بدافع اندفاعي، أخرجتُ مئة تايل من الفضة و أعطيتها للصبي.

بدا ممتنًا، و سأل باحترام:

" سيدي الشاب، بعد أن أدفن والدي، سأخدمك فورًا، أين يقيم سيدي الشاب حاليًا؟ "

ابتسمتُ ابتسامةً محرجةً، إذ لاحظتُ نظرات الغيرة على الحشد، و لأنني خالفتُ بالفعل قاعدة إظهار النقود في العلن، لم أكن أنوي إخبار أحدٍ بمكان سكنِي، و دون أن أرد، غادرتُ مسرعًا، و للعودة سريعًا إلى نُزُلي، أبقيتُ رأسي منخفضًا. مررتُ بزقاق، فشعرتُ بشخصٍ يقترب مني من الخلف، و بينما كنتُ على وشك الالتفاف، ضغط جسمٌ صلبٌ على خصري، دخلتُ الزقاق بطاعة، ثم تلقيتُ ضربةً سريعةً على مؤخرة رأسي، و عندما استيقظتُ، كنتُ مُستلقيًا على الأرض دون أي نقود.

عدتُ إلى النزل بحزنٍ مُمتنًا لإيداعي عشرة تايلات من الفضة سابقًا، كان هذا المبلغ كافيًا لي لشهر، ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ تقلبتُ في فراشِي طوال الليل، و أدركتُ أن الحل الوحيد هو أخذ الامتحان الإمبراطوري على محمل الجد للحصول على الأوسمة العلمية و أن أصبح مسؤولًا براتب و إقامة من الدولة، ربما لن تنهار تشو الجنوبية بهذه السرعة، حالما أجمع ما يكفي من المال، سأستقيل، بحلول ذلك الوقت، بالتأكيد لن يُزعج أحدٌ شخصًا لا يشغل منصبًا رسميًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملحوظة :

اللقبٌ يُطلق على الشخص عند بلوغه سن الرشد (عادةً خلال احتفالات بلوغ العشرين) بالإضافة إلى اسمه.

يُناديه أقرانه بلقبه بدلاً من اسمه الحقيقي، تعبيرًا عن الاحترام، و لا يحق لأحد مناداته باسمه الحقيقي إلا كبار السن و الرؤساء، مع أنه يجوز لهم أيضًا استخدام لقبه لإظهار المودة و الاحترام، أو ببساطة إظهار الرقي و المجاملة من جانبهم، لا يجوز أن يُنادى الشخص بلقبه من قِبل والده أو جده.

ــــــــــــ

هوامش - المصطلحات الصينية:

(1)

建业 - نان جينغ في العصر الحديث

(2)

大雍 – يونغ العظمى، إمبراطورية (إمبراطور)

(3)

وزارة الأشغال العامة - إحدى الوزارات الست في البيروقراطية الصينية، و هي مسؤولة عن مشاريع البناء الحكومية، وتوظيف الحرفيين والعمال للخدمة المؤقتة، و تصنيع المعدات الحكومية (بما في ذلك الأسلحة)، و صيانة الطرق و القنوات، و توحيد الأوزان و القياسات، و جمع الموارد من الريف.

(4)

本侯 – هذا الماركيز (إشارة إلى نفسه للتعظيم)

(5)

晚生 – حرفيًا هذا الشاب، أنا (سخرية من الذات، أمام كبار السن)

(6)

里 – وحدة قياس، يبلغ ارتفاع لي حوالي 540 مترًا (خلال هذه الفترة الزمنية)

(7)

功名 - حرفيًا، شرف علمي؛ يعني الألقاب الممنوحة للأفراد الذين اجتازوا مراحل الامتحان الإمبراطوري

(8)

冠冕堂皇، guan mian tang huang - مصطلح صيني يعني لغة، عالية الصوت، كريمة، أبهى

(9)

醉生梦死، zui sheng meng si - المصطلح كما لو كان في حالة سكر أو مفتون، في ذهول مخمور

(10)

يبلغ وزن التيل الفضي حوالي 40 جرامًا.

(11)

هذه قصيدة بعنوان "تأملات ليلية في السفر" (旅夜书怀) للشاعر الشهير دو فو، من أسرة تانغ. يُطلق عليه النقاد الصينيون لقب "الشاعر المؤرخ" أو "الشاعر الحكيم"، و يُقارن بفيرجيل، و هوراس، و أوفيد، و شكسبير، و ميلتون، و بيرنز، و وردزورث، و غيرهم.

(12)

公子 – المصطلح Gōng zǐ و تعني السيد الشاب و هي تكريم للشاب النبيل

(13)

不登大雅之堂 – عبارة اصطلاحية، حرفيًا، أن العمل (فن، قصيدة، إلخ) غير مناسب لقاعة أنيقة؛ أي أن العمل خشن، و غير متقن، و غير قابل للعرض

(14)

蜀国, المصطلح شو غو - شو (اسم) غو (دولة أو مملكة) - مملكة شو

(15)

تشونغ يوان، السهول الوسطى، تشير إلى مهد الحضارة الصينية على طول الروافد السفلى للنهر الأصفر

(16)

唇齿相依 - مصطلح، حرفيًا، قريب مثل الشفاه و الأسنان؛ وثيق الصلة، مترابط

(17)

蜀中 – اسم قديم لمقاطعة سيتشوان

(18)

جنود النخبة - مصطلح، حرفيًا جنود النخبة، مؤن وفيرة؛ قوات مُجهزة جيدًا / مُجهزة للحرب

(19)

危机隐伏 - المصطلح، الخطر يكمن من كل جانب

(20)

阁下 - طريقة مهذبة للإشارة إلى شخص آخر

(21)

معبد فو زي مياو، معبد المعلم؛ يشير إلى معبد مُخصص لعبادة كونفوشيوس (أو كونغ فو زي، أي المعلم كونغ) و فلاسفة كونفوشيوسية آخرين.

2025/05/16 · 23 مشاهدة · 3722 كلمة
Serena
نادي الروايات - 2025