" عليك أن تعيش، مهما كلف الأمر و مهما كانت الحياة قاسية فعليك أن تتحمل ، لأنه يوما ما ستتحسن الأمور و ستحصل على أصدقاء ، ستخوض مغامرات مثل القصص، و تزور أجمل بقاع الأرض و تتذوق أشهى الأطعمة و ستقابل من سينبض قلبها بجنون فقط لرؤيتك.....اذا استسلمت فلن تعرف يوما طعم السعادة"

نفس الحلم ثانية، كل يوم أفتح عيناي على نفس الحلم ، تلك السيدة نصائحها مزروعة في عقلي و أنا عاجز تماما عن نسيان كلماتها.

"لا أزال حيا، لكني نسيت كيف أعيش..... و نسيت العمل بنصائحك؟.... أنا نسيت حتى من تكونين؟"

التقطت أقرب فاكهة إلى يدي و أخذ قضمة لكني لم أتكن من إستصغائها

"يبدوا أن هناك أشياء أخرى قد نسيتها أيضا"

اسمي هو ، حسنا الأيتام لا يمتلكون أباءا ليمنحوهم إسما و لذلك فأنا لا أمتلك واحدا لكني حصلت على لقب، أو بالأحرى رقم.

لقد خضعت لتدريب خاص و مكثف لأصبح قاتلا محترفا، عشت طيلة السنوات الماضية في القلعة السوداء، هي قلعة منحونة بداخل الجبل الواقع على حدود جزيرة الأسلاف، و تعتبر هذه القلعة محمية طبيعية بسبب موقعها، و قد اختارها الوباء لتكون مسكنه و مركز تدريب أتباعه و حتى سجنا لأعداءه.

اتبع الوباء أسلوبا ملتويا للتجنيد، و إحداها هو إختطاف الأيتام الذين عصفت الحرب بموطنهم و رميهم في زنزانة تاركا إياهم مع الجوع و البرد و الخوف يعزف بهم و يحطم عقولهم قبل أجسادهم

و عندما يوشكون على الفناء، يبدأ الإختبار الأخير إما الموت جوعا أو يقتلوا بعضهم البعض من أجل قطعة خبز يابسة.

و أنا كنت أحد هؤلاء المختطفين، بالطبع هم لم يخبروني أن كل ما حدث كان من تخطيطهم، أنا اكتشفت ذلك لاحقا.

لكن ماذا سيغير ذلك في الوضع،من سيقبل بشخص شرب الدماء في طفولته بدل الحليب، و عموما أنا أطمح للقوة و هو سبيلي إليها.

بالعودة إلى تلك الأيام فيبدوا أن نتائج الإختبار جاءت مخالفة لكل ما عهدوه حتى أن الطاغية الذي ذاع صيته أيام الحرب الكبرى و الملقب بالوباء ، قد جاء شخصيا لرؤيتي

" أيها الصغير، سمعت أنك طيلة فترة أسرك كنت تقتات على الفئران فهل تخبرني لماذا؟"

" لقد كنت جائعا سيدي، و كان يجب أن أحتفظ بقوتي للتخلص من المختطف"

" أستطيع تفهم هذا، لكنك و بعد قتل المختطف قمت بتمزيق ذراع المختطف و أكلتها، أكنت جائعا لتلك الدرجة"

" لا الأمر ليس كذلك، بقية الأطفال كانت عيونهم مليئة بالخوف مني ، و كان علي تعزيز ذلك الخوف و جعله ينموا أكثر و أكثر و إلا فإنهم سيغدرون بي في أول فرصة تتاح لهم "

كنت أستطيع رؤية عيون الوباء و هي تلمع بشدة، يبدوا أن كلامي قد راق له، الجميع يقول أن أقوالي أكبر من سني

"يا له من تفكير، يا لها من غريزة بقاء، أنت تستحق أن تكون تابعي و تحمل رقما في فرقتي الخاصة"

*ها ها ها*

" أخيرا اكتمل عددكم أيها الأول ، فلتحسن تدريبه"

لحد الساعة لا تزال تلك الضحكة الشيطانية تصدع في أذني، يا له من مجنون

مرت السنوات سريعا و اشتهرت فرقة الإغتيال و صار اسمها يدب الرعب في قلوب سامعيها و بفضلها تمكن مؤسسها من توسيع نفوذه على كامل جزيرة الأسلاف و يصبح الملك الوباء.

قد يبدوا ما أقوله مفاخرة لكني أشهر شخص في الفرقة، ليس ذلك لأنني الأقوى لكن لأن بعض المهمات التي قمت بتنفيذها كانت تعتبر مستحيلة.

الإغتيال لس فقط قتل شخص ما، بل قتله بطريقة يجعل الخوف يدب في قلوب أعدائك، و تجعلهم يشكون في أن هناك خائنا بين صفوفهم فتتفرق وحدتهم ، أو جعل موته رسالة للآخرين ليدركوا أنه و مهما كانت قوتهم فإنهم ليسوا منيعين.

أجل لدي موهبة في إغتيال الآخرين، على ذكر الموهبة فبالرغم من أنه يطلق علينا لقب المغتالين لكننا نمتلك تخصصات مختلفة

الأول و الثاني تخصصهما القتال المباشر، هذا منطقي نظرا لقوتهما، لقد كنت أشهرهم لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنني الأقوى، قد أتمكن من الوقوف في وجه الثاني لكن هيهات أن أهزم الأول

الثالث،أكثرنا وفاءا للوباء و حافظ أسراره هو من رشحني لأحمل الرقم ستة، هذا الأشقر دائما ما يغطي وجهه بلثام أعتقد أنه في عمر الأول ، إختصاصه التجسس و جلب المعلومات، هو بارع في عمله.

الرابع، مجنونة سادية متخصصة في التعذيب و استخلاص المعلومات، في الماضي كانت لا تنظر في وجهي لكن بعد أن أجريت عملية تعديل البنية الجسدية صارت تطاردني كالمهووسة في كل مكان.

أتتساءلون عن السبب إنه ليس ما تعتقدون إنها لا تمتلك قلبا لتعرف معنى الإعجاب أو الحب، كل ما في الأمر أن العملية الجراحية مؤلمة كالجحيم و لأنها لم تسمع صراخي تحرك بداخلها هوسها المرضي في إيذاء الآخرين و صار لديها رغبة في جعلي أصرخ ألما ، ثم تحول هذا الهوس إلى شيء آخر.... لا أعرف ما هو.

الخامس، العبقري البدين و الوحيد الذي أعرف اسمه الحقيقي ايرل مينغ، إنه مقاتل ضعيف لكن مواهبه العقلية أهلته لهذه الرتبة، إنه يهتم بكل شيء له علاقة بالمال.

هذه هي حياتي و هؤلاء هم أخوتي... لا نحن لسنا أخوة نحن زملاء عمل، شباب عديمي الإنسانية يعملون لدى سفاح مجنون، و لو لا أن الطاغية يحتاج لشعب كي يتسلط عليه لكان قد أفناهم جميعا.

أتعرفون أشعر أنني لم أخرج يوما من تلك الزنزانة، تماما كما كانت عيون الأطفال تتربص الفرصة لقتلي خوفا مني، فإن عيون زملائي و زعيمنا تتربص خلف أي ضعف أظهره لإستبدالي

و لذلك كان علي البقاء حذرا و ألا أجعلهم يكتشفون نقطة ضعفي،و هكذا استمريت في التمثيل عليهم مخفيا سري

يقولون أن استمريت في الكذبة طويلا فسينتهي بك الأمر مصدقا لها، و هذا ما حدث معي، بطريقة ما قبلت بهذه الحياة و رضيت أن أعيشها، إلا أن قابلتها..... المرأة التي غيرت مصيري

-----------

" ألا تشعر بالألم؟"

التفت إلى صاحبة الصوت الجميل، لأجد امرأة ترتدي لباسا و قناعا أبيض يغطي وجهها.

كان سؤالها منطقيا، فملامح وجهي الهادئة لا تتناسب مع الجرح الغائر في صدري.

و دون أن تنتظر جوابي قامت بتطهير إصابتي و تضميدها و هي تخاطبني بلهجة معاتبة

"كيف تترك جرحا كهذا بلا علاج،هل أنت أحمق؟"

الحقيقة لقد استغربت تصرفاتها، هذا زمن صعب و لا أحد يساعد الغرباء خوفا من التورط في المشاكل أو الوقوع في أحد فخاخ قطاع الطرق الذين يتظاهرون بطلب المساعدة لإصطياد ضحاياهم.

"ذلك الحريش العملاق ظهر من العدم"

في الحقيقة لم يكن وحشا، لقد كان سيفا صنع من فك الحريش، من كان يصدق أن ذلك الطبيب اللعين لن يموت و سكيني في قلبه

"خذ تناول، هذا؟"

'و تمنحني دواءا أيضا،يبدوا غاليا سيكون وقاحة إن لم أقبله '

فكرت في ذلك و أنا أشرب الجرعة دفعة واحدة، لكن في اللحظة التي سمعت تعليقها كدت أختنق به

"فك الحريش يحوي حمضا و لذلك لا تندمل جروحه بسهولة، ربما يجدرك بك تعلم المزيد عن سحر العلاج بدل الوهم"

'اللعنة إنها ترى من خلال سحري"

غادرت السيدة عائدة لعربتها، و كلي حيرة كيف تمكنت من الرؤية خلال تنكري

'من تكون يا ترى؟'

أحسست بأن جسدي مليء بالطاقة، يبدوا أن الدواء الذي شربته أعطى مفعوله، لا زلت واهنا لكن على الأقل أستطيع التحرك و الإبتعاد عن الوحوش الذي شمت رائحة الدم.

" أنت، إلى متى ستبقى مستلقيا هناك؟ اتبعني"

رفعت جسدي المنهك منفذا كلامها، لم نبتعد كثيرا حتىوصلنا إلى قرية مهجورة من مخلفات الحرب و ما أكثرها

"سنبيت هنا"

سرعان ما اختارت مكانا مناسبا و أشعلت النيران لتبدأ في شوي لحم وحش يبدوا أنه اصطادته قبل لقاءنا، قطع اللحم الدسمة بدت شهية و تسيل اللعاب.

" شكرا سيدتي"

تناولت قطعتي بسرعة و أنا أهز رأسي تلذذا بطعمه

"كف عن تمثيلك، أعرف أنك عاجز عن التذوق ..... و الشم..... و الألم "

حديثها نزل كالصاعقة علي، السر الذي من أجل أن أخفيه بقيت سنوات و أنا أمثل على الجميع تم كشفه في لحظة

"الدواء الذي قدمته لك له رائحة فضيعة حتى أنك ستشعر و كأن شوكة تخز أنفك، و طعمه أسوء بكثير حتى أنك سترغب في التقيء، أما بالنسبة للألم ففاقد الإحساس فقط من لن يصرخ و يتحمل الحمض الذي تسرب عبر الجرح"

أمام صمتي أضافت سائلة

" هل أصابك تلف في الأعصاب نتيجة التسمم، سمعت أن سم الوباء قضى على الكثيرين هنا؟"

" اجل"

حسنا، لقد منحتني جوابا في الوقت الذي لم أعرف بماذا أرد

"فتى من الأوريس في أرض البشر و فاقد للإحساس، أنت حقا سيء الحظ، يجب أن تجد علاجا و إلا لن تعرف طعم الحياة"

'طعم الحياة، هذه نفسها وصية تلك السيدة'

2019/08/29 · 1,024 مشاهدة · 1298 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024