السيدة المقنعة كانت لماحة و سريعة البديهة، لا شك أنها من أواخر عالم الانصهار ما دامت قادرة على استشعار إذا كنت أملك هيئة روحية أم لا، لقد جعلتني أشعر بالفضول لمعرفة هويتها.
ما قالته عني صحيح أنا فاقد لنعمة الإحساس، أول شيء فقدته كان التذوق بعد حادثة الزنزانة و تناولي للحم الفئران و ذلك الحارس النتن، أصبح كل ما أضعه في فمي بلا طعم، رغم ذلك لم أهتم كثيرا.
حسنا ليس و كأني تناولت أشياءا لذيذة في صباي كي أشعر بالفرق، بعدها فقدت حاسة الألم حدث ذلك أثناء جراحة التعديل الجسدي ، هل كان ذلك أثرا جانبيا أو أن عقلي حجب الألم كي لا أجن.
من يدري فالطبيب الذي قام بالجراحة، هو نفسه من زرعت سيفا في صدره الليلة و قد نسيت أن أسأله،أخيرا و قبل شهر فقدت حاسة الشم
زرت سرا أفضل الأطباء و السحرة المعالجين و كلهم عجزوا عن معرفة مصابي، و ما أخشاه أن أفقد سمعي أو بصري و حينها ستكون نهايتي.
" تعال، فلتنزع قميصك و لتقترب مني "
صوت السيدة الآسر فاجأني و أخرجني من بحر أفكاري
"عفوا.."
وسط ارتباكي و تلعثمي، لم تعطني السيدة المقنعة أي فرصة و قد جاءت إلي عندما لم أذهب إليها، و رفعت قميصي كاشفة عن جسدي
تجمدت كأرنب في مواجهة ذئب، و راحت عيوني تحدق بالرقبة الطويلة الجذابة،جانب منها عليه أثار حروق هذا يفسر السر خلف القناع، رغم ذلك سحرتني بشرتها البيضاء كالخزف و صلت عيوني إلى عظمة الترقوة تحت لباسها نزولا عند الجزء المكشوف من صدرها الذي رسم منحنيات مغرية .
وضعت يدها الرقيقة على صدري، لمستها جعلت السخونة تجري بكامل جسدي، و قد تسارعت نبضات قلبي.
' ما الذي أصابني، الرابعة فعلت أكثر من هذا لإغرائي و لم تحرك شعرة برأسي؟'
" لا وجود لطفح جلدي على جسدك، هذا ليس تسمما "
سمعت كلامها لكن عقلي لم يستوعبه، كنت مسحورا بشذى عطر شعرها و هو يتغلغل بأنفي
'أنا..... أنا أشم !؟'
عقلي توقف عن العمل، طيلة سنوات و حواسي تضعف شيئا فشيئا، لا أذكر آخر مرة اشتممت رائحة زكية .
فجأة قفزت السيدة خطوة للخلف و هي تشير إلي بإصبعها
"ما ... ما .... هذه النظرة على وجهك، ما الذي تفكر فيه أيها المنحرف؟"
حسنا ، لا أذكر شيئا بعدها، فقد استيقظت بعد مدة مع خدود منتفخة كالبالون، و عيونها لا تزال ترمقني بإحتقار
" لا تنظري إلي هكذا ، أنت من قمت بالخطوة الأولى"
"لقد كنت أتفحص جرحك أيها المنحرف.... لا أصدق هذا أنا بعمر والدتك "
رحت أتفحصها من أعلى إلى أسفل محاولا تبين سنها و قبل أن أودي بتقيمي عادت تمتم
"الزمن يتدفق بطريقة مختلفة من عالم إلى آخر، و أنا استمريت في الإنتقال بينهم لسنوات لا أعرف عددها بالضبط ، أقراني في هذا العالم تعدوا الخمسين، لكن حتى و لو فقدت الإحساس بالوقت في رحلاتي فأنا لم أتعدى الثلاثين"
" هل ذهبت إلى عوالم أخرى، هذا مذهل..... لكن أعتقد أنك أخطأت الحساب، أنت في الخامسة و العشرين على أعلى تقدير"
"ساحر لعين، هل تجرأت على قراءة أفكاري؟"
أردت مجاملتها و بطريقة ما أغضبها ذلك و قد تغيرت هالتها و راحت تتوعد بقتلي
"آه !!....... أنت من أخبرني برحلاتك و بلسانك"
"أنا!؟"
أشارت لنفسها ثم راحت تتمتم
" اللعنة هل كنت أتحدث بصوت مرتفع ثانية، ليان يا غبية متى ستتخلصين من هذه العادة؟"
"أنت تتحدثين بصوت مسموع ثانية ، بالمناسبة اسمك جميل معناه زهرة اللوتس أليس كذلك"
للمرة الثانية حاولت مجاملتها لأخفف عنها إحراجها، لكن يبدوا أنها ليست ممن يحبون المديح، و أيضا لا يمكن توقع ردة فعلها و هي تشعر بالحرج.
يبدوا أنه أغمي علي ثانية، صحيح أنني مصاب لكني أملك جسدا معدلا و لا يفترض أن أنهار بسهولة، اللعنة ما مدى قوتها.
استيقظت بعد زمن ، و يبدوا أنها تشعر بالذنب لضربها شخصا مصابا فبقيت تهتم بي
"جروحك أفضل حالا، و بالنسبة لفقدانك لحواسك فيعود ذلك لعامل نفسي،يصعب معرفة السبب لكن شفاءك بيديك ".
هكذا كان أول لقاء بيننا، قبل أن يمضي كل منا في طريقه.
------
في القلعة السوداء، مقر الوباء
" أيها اللعين ألا تزال حيا؟"
"عزيزي، لقد سمعت أنك اصبت ، هل تحتاج إلى ممرضة تعتني بك؟"
الأسمر مفتول العضلات هو نصف جان يحمل رقم الثاني سأل عن حالي و كله حزن...... لبقائي حيا،هو فعلا يكرهني و هذا حتى قبل أن تبدأ الرابعة في التودد إلي
"أخي الثاني.... الجميع،سعيد لرؤيتكم"
ألقيت بالتحية و كالعادة الثالث صامت لا يتحدث، و الخامس أجاب و هو يلهو مع ذئبه المروض، بالنسبة لشخص عبقري فهو غبي جدا أن يثق في وحش تولت الرابعة ترويضه، يوما ما سيكون السبب في موته
" الحريش العملاق وحش سام و جرحه هو الأسوء، و لذلك قمت بتحضير بعض الأدوية، لكن على ما يبدوا أنك بخير بل أن معنوياتك عالية، و ابتسامتك مشرقة"
لم يفوت الثاني الفرصة و راح يلقي بالتلميحات
"أيتها الرابعة، يبدوا أن هناك من سبقك في تضميد جراحه و هذا هو سبب انشراحه"
" في هذه الحالة علي زيارتها و شكرها بنفسي"
المجنونة السادية صرت على أسنانها، و هي تشد على السوط، لا حاجة للتخمين عن نوع الشكر الذي تريد إظهاره لها
"هههه، يستحيل أن ينظر السادس لأي امرأة مهما بلغ جمالها، فبسبب مطاردة أحدهم الدائمة له أصبح معقدا كارها للنساء، حتى أنني ظننته شاذا"
سكت دهرا و نطق كفرا، هذا الثالث لا يفتح فمه محاولا المزاح، إلا و قال شيئا غبيا و غير مواتي، على الأرجح هو يدرك عيبه و لذلك اختار الصمت.
*سوااش*
الرابعة عرفت أنها المقصودة، و قررت تمزيقه بسوطها
" أتمنى أن تمتلك خطا جميلا، فبعد أن أقطع لسانك فسيكون عليك تقديم كامل تقاريرك كتابيا"
رفعت يدي و قلت بصوت مسموع
"أموالي على الثالث، من يراهن؟"
نظرات الرابعة المليئة بالغضب تحولت إتجاهي، من يبالي فهكذا سأصطاد عصفورين بحجر واحد أبعد المجنونة عني و أكسب بعض المال، لكن لم يسر الأمر كما توقعت، لا احد تجاوب مع الرهان و الرابعة ...... لا أعرف ماذا أقول، لقد بدأت في تهيئاتها
" كنت أتسائل لماذا تتجاهلني دائما و تعاملني ببرود، هل يعقل أنك تتعمد إغضابي كي....... أعاقبك في وقت لاحق، ميولاتك هذه تجعلني أرغب فيك بشدة"
قد تبدوا للغرباء الطريقة التي تنظر فيها إلي مغرية لكن في الحقيقة هي مرعبة.
إنها مثل طفلة مدللة تعلقت بلعبة و رغبت فيها بشدة فقط لأنها لم تحصل عليها، أتعرفون ماذا يحصل للعب الأطفال المدللين بعد أن يملوا منها سيمزقونها فقط كي لا يحصل آخرين عليها.
"تعاقبينني!، ربما علي أن أفسر الأمر بطريقة أوضح"
مع سحر الإنتقال أصبحت خلفها في لمح البصر، و خنجري راح يحز رقبتها ببطئ، كنت أستشعر تمزق لحمها و قد صنعت الدماء طريقا عبر رقبتها، لقد أصابها الذهول، و أخذ جسدها يرتجف.
" إبتعد عنها أيها اللعين، كيف تجرؤ؟"
صرخ الثاني في وجهي مع عيون حمراء، و قبل أن يقوم بأي خطوة رميتها في حضنه و تراجعت
" لا داعي للغضب أخي الأكبر، يستحيل أن أؤذيها أنا فقط قمت بإيضاح شعوري نحوها"
توقفت عن الكلام علنا لكني أكملت حديثي معه عن طريق التخاطر
//حظا موفقا أخي الأكبر، إنها فرصتك للتقرب منها أعرف أنك معجب بها//
" لا تناديني بالأخ الأكبر ثانية"
" لم يمانع الأول يوما أن أناديه بذلك،بالمناسبة أين هو؟، هذه ثاني مرة يغيب فيها عن الإجتماع هذا ليس من طبعه؟"
"إنه يلزم غرفته"
لا أعرف السبب لكن عيون الثالث أصبحت باردة لحظة سماع اسم الأول
على ذكر العيون، لا أجد الكلمات لوصف نظرات الرابعة الغاضبة نحوي ، أشعر أنه في أي لحظة سينطلق منهما شعاع ليزر.
في هذه اللحظة وصل زعيمنا، المبجل الملك الوباء.
*يحيا الملك*
ألقينا التحية في نفس واحد مع رؤوس منحنية