الفتى الذي لا يذكر شيئا عن حياته، تجمد في مكانه و قد أصبح عقله فارغا، لا يستطيع إنكار الشبه الكبير بينه و بين السيدة الضريرة و رغم أنه لا يعرف ما إذا كانت تعني له شيئا أم لا، إلا أنه شعر أن الفراغ الذي بداخله إمتلئ فقط بلمسة من يدها على وجنته.
مسحت السيدة دموعها و أخذت خطوة إلى الخلف
" أرجوا أن تعذر هذه السيدة،لقد تذكرت إبني المتوفي عندما ناديتني بأمي، للحظة أنا......"
اختنقت باقي الكلمات مع صوت بكائها، بينما راح الفتى المرتبك يواسيها
" لا عليك، أنا من عليه الإعتذار على التطفل"
"لو عاش لكان في مثل عمرك الآن، كان إسمه..... كان إسمه......، أنا لا أتذكر"
فجأة تغيرت ملامح السيدة و أمسكت برأسها كأنها تعاني من الصداع، مباشرة بعدها حدث أمر غريب
"مي، صغيرتي مي أين أنت؟"
"أنا هنا "
إقتربت الصغيرة من والدتها و أمسكت ببدها
" لماذا تأخرتي في العودة، و من هذا الذي كنت تتحدثين معه؟"
لم يستوعب جين ما يحدث و كأن الدقائق الأخيرة قد حذفت من ذكريات السيدة ،في الوقت ذاته رن صوت الصغيرة في عقله من خلال سحر التخاطر
//آسفة، أمي تعاني أحيانا من نوبات تجعلها تتصرف بغرابة و تذكر أشياءا غير موجودة//
//فهمت, هل ستكون بخير//
//لا تقلق، النوبات تمر سريعا وتعود لطبيعتها//
"قد أكون كفيفة لكني أستشعر حضورك، أليس من الوقاحة أن تبقى صامتا"
حديث الأم الحازم أخرج جين من الحوار التخاطري مع الساحرة الصغيرة، ليجيب مع نبرة محرجة
" آسف، لم أقصد أن أكون فظا، إسمي جين مجرد عابر سبيل"
قبل ان ترد السيدة ، سمعوا صوت بكاء رضيع قادم من داخل المنزل
"صغيري أنا قادمة، و أنت لا تتبتعدي فعمتك تبحث عنك"
أسرعت الأم عائدة لطفلها، بينما لم يخفي جين دهشته
" سي مار لديه ولد آخر!، تهانيا الخالصة"
*تاب*
يد ناعمة سقطت على كتفه و صوت جميل و مغري رن في أذنه، إلا أن نية القتل الممزوجة به جعلت شعر جسده ينتصب.
"شكرا على التهنئة، لكن كيف عرفت بمكان سي مار، رغم حرصنا على إبقائه سرا"
على عكس السيدة إيلين زوجة سي مار و والدة مي، ذات الجمال الهادئ و المظهر النبيل،السيدة التي تقف أمامه تهدده تمتلك جمال الإغراء و الفتنة و يستحيل على أي رجل أن يراه و لا يحدق بهذه المنحنيات.
" لماذا لا تجيب؟"
مع قوتها من عالم الإنصهار و قانون الأرض خاصتها، تصلبت يدها الناعمة و تضاعف وزنها حتى أصبح ثقلا قادرا على خلع كتف الفتى و لما ضغطت أقوى قليلا كان ذلك كفيلا ليسمع صوت الطقطقة لكن بدلا عن سماع صوت التأوه رأت عيونا تذبح كالخناجر
"يا إمرأة، أبعدي يدك إن كنت مازلت بحاجة إليها"
"إمرأة!!، كنت سأتساهل معك كونك شاب وسيم، لكن الآن.."
موجات مرعبة منهالة السيدة جعلت شعرها الأسود يرتفع في الهواء، و اجتاحت مجال جين الروحي الذي شعر كأن جبلا يكثم على صدره
"عمتي إذا أذيت ضيفنا فأنا......أنا........"
الساحرة الصغيرة شدت قبضتها و صرخت بأعلى صوتها
"أنا سأكرهك و لن أسمح لك بمعانقتي بعد اليوم"
و كأن أحدهم ألقى بدلو من الماء البارد عليها، فأطفأ نيرانها و خمد ثورانها لتتحول النمرة الشرسة إلى جرو وديع ينظر لصاحبه بعيون واسعة تلمع بالدموع و بلهجة تفيض بالود و المحبة
"صغيرتي اللطيفة، لا تقولي هذه الكلمة قلب عمتك لن يتحمل أن تصبحي مثل إبنتي باردة المشاعر التي ترفض عناقي و قبلاتي، أنا فقط كنت أتحقق من أمر هذا الشاب إن كان يضمر شرا"
في اللحظة التي التفت فيها إلى جين، عادت موجات الهالة تضرب بعنف مع نية قتل لا هوادة فيها و أكملت قائلة
"انت لا تزالين صغيرة، هناك الكثير من المحتالين الذين يدعون البراءة و يخفون نواياهم الدنيئة، عليك أن تحذري يا ساحرتي اللطيفة"
بعد أن ذكرت السيدة الفاتنة إبنتها،إنتبه جين للشبه الكبير بينها و بين الفتاة زرقاء الشعر المتذمرة هان سول ليسأل مستفسرا
"هل أنت والدة سول؟"
"من أين لك أن تعرف إبنتي؟"
"هاه، الإبنة سر أمها فهمت الآن السبب خلف عجرفتها و طباعها النزقة"
جين لم يختر كلماته بحكمة هذه المرة، و المرأة التي كانت تنعت ابنتها بالباردة عازمة على أخذ روحه، و قد تغيرت نية القتل خاصتها من التهديد إلى التنفيذ، لحسن الحظ لسانه كان أسرع و عرف كيف يتجنب رصاصة الموت
"أي فتاة هذه التي لا تشكر الشخص الذي أنقذها من الموت"
" ماذا أصاب صغيرتي، هل هي بخير؟"
بعد أن كانت تهدده بالقتل، أصبحت ممسكة بيده و في عيونها مزيج من الإمتنان لصنيعه و القلق لمصاب إبنتها، ذلك هو قلب الأم الذي يحمل عاطفة لا نقاش أمامها.
ابتسم جين عاجزا و أجابها مطمئنا
"حصلت بعض الأحداث المعقدة، المهم أنها بتمام العافية حتى أنها شتمتني و توعدت بتلقيني درسا".
تنفست والدة سول الصعداء، حتى و إن لم يخبرها التفاصيل فلا بأس بذلك مادام إبنتها الغالية بخير.
"أنا أشكرك، لكن ذلك لا يرفع عنك الشبهات كيف عرفت بمكان سي مار و ماذا تريد منه ؟"
لم تخفض دفاعها و لا تزال تشكك في نواياه، لكن جين لم يكن مظطرا لتبرير نفسه ففي صفه الساحرة الصغيرة سي مي، و التي نادت على عمتها مع ملامح وجه حزينة و عيون دامعة و قد أمسكت بثوبها لتتحدث بحزن
"لكن عمتي.... يومي قالت انه ليس شخصا سيئا، إن تركته يبقى سألبس القبعة التي أهديتني إياها"
أخرجت الفتاة قبعة مدببة من المكعب الفضائي و ارتدها، ثم استدعت هيئتها الروحية لتقف بجانبها
"أنا و هيئتي أصبحنا..........توأم ، ما رأيك؟"
هذه الحركة لم تجعل لي تشان تطلق رقبة جين و حسب، بل تناسته بالكامل بعد أن أصبح كل تركيزها على التوأم
' الماكرة الصغيرة، إنها تتلاعب بها'
جين لم يصدق ما تراه عيناه هذه الفتاة التي تتصرف كطفلة صغيرة و تتصنع الظرافة،هي أذكى و أنضج بكثير من سنها.
بالنسبة لعمتها المتشككة و أمام هجوم التوأم الظريف ، حسنا يمكن القول أن قلبها قد ذاب تماما فقد كانت تصيح بالتراهات
"يومي اللطيفة، مي الظريفة، كلاكما أجمل من الأخرى.......إنها العدالة، اللطافة هي العدالة"
بينما العمة المجنونة تلف حولها و حول هيئتها مشغولة بتصويرهما من خلال قرص الإسقاط السحري، ألقت مي بغمزة و تحدثت مع جين تخاطريا
//ما رأيك، أتود البقاء معي حتى يعود أبي؟//
// لماذا تريدين مني البقاء ؟//
//لونا اللئيمة كانت تفتخر دائما بأخيها الأكبر ، أنت أكثر وسامة و قوة منه ولذلك أريدك أن تصبح أخي فما رأيك؟//
" شكرا على العرض، لكني مجرد عابر سبيل"
دون تردد، رفض طلبها و التفت مغادرا و هو يلوح بيده.
عبست الساحرة الصغيرة إلا انها لم تنبت ببنت شفة، فقط صوت لين تشان والدة هان سول الذي لا زال ينشد بظرافة مي يسمع في الأرجاء.
" يا عابر السبيل، إنه وقت الغداء انظم إلينا"
سألت السيدة ايلين التي عادت و هي ترتدي مئزر الطبخ
"أنا....."
"هذا ليس طلبا"
لسبب مجهول ارتعش جسد جين أمام نبرة السيدة الغاضبة و قد أدرك أن هناك قوى في الوجود لا يمكن العبث معها،رعب العمة لين تشان، ليس سوى فيض من غيض أمام السيدة الأم.
"أمرك سيدتي"