داخل برج العاج التجاري، عمت الفوضى المكان بعد التصريح بحدوث إنفجار أثناء عملية تكرير الحبوب و إصابة بعض العاملين في محاولة لتغطية ما جرى.
الفرقة المنشقة من وفد الجوهرة السماوية الذي يفترض بها التسلل للبرج لمقابلة جاسوسهم ، وجدوا أنفسهم مثلهم مثل الآخرين يقفون وقفة المتفرجين.
أثناء إخراج المصابين من البرج أوقع أحد المعالجين قدما مبتورة بالخطأ، و رغم أنها كانت لحظات فقط قبل أن يعود و يخبئها إلا أنها كانت كافية ليأخذوا فكرة عن أسلوب المقاتل الذي ذكرته لاو ميني
" القدم لم تبتر بسلاح حاد، بل تم تمزيق اللحم و سحق العظام ….أمتأكدة أن من استشعرت وجوده هو بشري و ليس وحشا ضاريا "
سأل تابو، لكن الفتاة لم تجب فما زال جسدها يرتعش من تعطش الدم الذي أحسته في وقت سابق، فجأة جاء صوت أنثوي لطيف من خلفهم
"هل أنت بخير، هل تؤلمك عينك ؟، اتبعيني و سأمنحك دواءا مفعوله كالسحر، فلا أحد يعرف عن العيون مثلي"
" و من حضرتك طبيبة متجولة، نحن بغنى عن خدماتك"
رد شيرو بجفاء على المتحدثة التي غطت وجهها بحجاب أخفى كامل وجهها باستثناء زوج عيون واسعة زرقاء كالسماء.
إلا أن ذلك جعلها أكثر إصرارا، و قد أشارت إلى عينها و تحدثت بنبرة حادة
"لقد قلت، لا أحد يعرف عن العيون مثلي"
"حسنا سنأتي معك"
على الفور تجاوب تابو و ميني معها ، في حين استلزم من شيرو بعض الوقت ليستوعب أنها هي العين التي عليهم مقابلتها.
" و أنا أيضا سآتي معكم، كيرا........ كيرا أي ذهب هذا الفتى؟"
دون أي أثر اختفى كيرا الذي كان واقفا بجانبه، و لأن جاسوستهم كانت قد غادرت بالفعل ذهب خلفها و كل أمل أن لا يتورط صديقه في المشاكل.
مرورا ببعض الأزقة و الممرات الضيقة وصل الشبان الثلاثة رفقة الفتاة ذات الحجاب إلى مكان منعزل، و دون إطالة دخلت هذه الأخيرة في الموضوع
" حسنا هذا المكان بعيد عن الأنظار، لنبدأ بالشعار السخيف حتى تشرق الشمس"
" و تتبدد الغيوم"
رد تابو رغم تفاجئه بوصفها للشعار بالسخيف، و فكر فيما كان سيحدث لو كان كيرا الذي جاء بالعبارة هنا
"لدي حديث فتيات معك، اتبعيني"
بعدها مباشرة سحبت الجاسوسة لاو ميني من يدها لتتفرد بها
"إذا السيد كال مينغ هنا بالمدينة، أريدك أن تصفيه لي "
صمتت الجاسوسة لبرهة قبل أن تضيف
"أريد وصفا من وجهة نظرك كفتاة"
أصبحت الأجواء فجأة غريبة، السؤال عن رجل من وجهة نظر إمرأة لا يعني سوى شيء واحد، لكن لاو ميني لم تجرؤ على التعليق، فهناك هالة من الأرستقراطية تشع من الفتاة ذات الحجاب تجعل أي شخص يلتزم الصمت في حضرتها، و لا ينطق دون إذنها
" إنه..... إنه....ذكي، لا بل عبقري"
نظرة من العيون الزرقاء التي تقول أنها تعرف عنه ذلك مسبقا، لم يزد سوى في توتر و تلعثم ميني التي راحت تلوح بيدها في اعتذار
" أنت تعرفين هذا مسبقا، حسنا كال هو شخص طيب، عادل و نزيه إنه بمثابة الأخ الأكبر لنا جميعا"
"ماذا عن مظهره ، ألديه حقا وجه دائري كالقمر؟"
اتسعت عيون ميني و لم تعرف بما تجيب، و تساءلت في نفسها ، أهذه طريقة النبلاء لوصف شخص بدين لتجيب في النهاية
" أجل..... على ما أعتقد"
لسبب ما بدت الجاسوسة النبيلة راضية عن الإجابة و قد ضاقت عيناها نتيجة الإبتسام
"هذا متوقع، فهو توصية الكيوبيد في النهاية"
" الكيوبيد !!"
تاركة ميني حائرة من أمرها و في عقلها عشرات الأسئلة، وجهت بحديثها نحو الجميع لتبدأ في شرح المهمة المصيرية
"لقبي هو عين السماء يمكنكم مناداتي به ،مملكتينا عاشتا في نزال دام لأجيال و بمقدوري القول أنهصار من الصعب نسيان ضغائن الماضي، لكن و لأنكم قدمتم هنا بهدف التحقيق في خلفية ولي العهد، فستتجلى لكم حقيقة مملكة الأنهار و ستدركون الخطر الذي يتربص بكلتا المملكتين"
شعر شبان الجوهرة السماوية ببعض التوتر، واضح أن عين السماء كما لقبت نفسها من تصرفاتها و أسلوب حوارها أنها سيدة ذات شأن بالمملكة و رغم إنظمامها تحت لواء مؤسسة العين للجوسسة فلازالت الأولوية لمملكتها.
"نحن نعلم أن تورا تيان رجل جشع يهوى المال، حتى أنه متورط في أعمال مشبوهة، من ضمنها تجارة العبيد و مزادات غير مشروعة، لكن كيف لهذا أن يؤثر على مملكة النجمة السماوية"
دخل تابو مباشرة صلب الموضوع، فهو بطبعه يكره أسلوب التشويق و الغموض، لتجيبه عين السماء بسؤال
" لقد أخذتم جولة في المكان و رأيتم سير الحركة التجارية، أتعتقدون أن ولي العهد تورا، في حاجة للجوء إلى تجارة مشبوهة و حتى إلى بيع العبيد من أنصاف الوحوش من أجل المال؟"
حديثها فيه وجهة نظر، لقد رأو بأعينهم في وقت سابق كيف تهاتف التجار بقواربهم نحو مدينة أكواليا لحظة فتح الطريق النهري.
أما بخصوص تجارة العبيد فنتيجة إستعباد أنصاف الوحوش الذين هم رسميا تحت حكم الأوريس، ليس له سوى نتيجة حتمية واحدة و هي إعلان حرب لا طاقة لمملكة الأنهار بها.
"أنا أيضا فكرت في هذا،لا شك أن تورا به مس من الجنون؟"
سخر شيرو معلقا
"لو كان مجنونا لكان ذلك هينا، تورا تيان......"
صرت عين السماء على أسنانها و هي تكتم شكوكها تحت لسانها، هنا تدخلت ميني سائلة و مذكرة
" التحقيق خلف تورا تيان ليس هدفنا الوحيد،نحن نبحث عن رفيقتنا الساحرة تان سو"
" أتعنين حورية البحر"
" حو........حو.........حورية ماذا؟؟"
"تان سو، حورية البحر الذي كانت تتنكر على شكل بشرية، ألم يخبركم كال مينغ عنها؟"
نزل الخبر على الجميع كالصاعقة، هذا آخر شيء كان يخطر في بالهم فمن الأساس هم لا يصدقون بوجود الحوريات.
لثواني بقيوا يحدقون في بعضهم البعض مع عيون فارغة، قبل أن يكسر شيرو الصمت
"بشرية كانت أم حورية سو هي رفيقتنا، أين هي الآن و كيف أحوالها؟"
تنهدت عين السماء و مع نبرة متحسرة قالت
"هي بخير، منذ اكتشاف حقيقتها تم تخصيص جناح خاص لها في القصر الملكي بالعاصمة، و طيلة فترة إقامتها تم معاملتها كأي أميرة و يتم تلبية جميع طلباتها ، إلا أن الأميرات في مملكتنا هن فقط للزينة، مثل عصفور في قفص ذهبي لا يحق له سوى أن يكون جميلا و يغرد وقت ما يطلب منه"
تحكي الأساطير عن وجود تنين مائي يقطن في أعماق هذه الأرض، و هو مصدر الأنهار و نبعها الذي لا يفنى، إلا و أنه لسبب مجهول حدث أن أصاب التنين مكروه و أوشك على الموت فجفت الأنهار و عم القحط و الجفاف .
مرت مملكة الأنهار بأوقات عصيبة تصحرت فيها الأراضي و تشققت،فذبلت المحاصيل و ماتت المواشي فلم يجد الناس ما يقتاتون به و حصد الموت الأفراد أمواجا، إلا أن ظهر مخلوق جماله يفوق الوصف نصفه بشري و نصفه سمكة، حورية البحر أكواليا .
أكواليا لم تتحمل المنظر البشع للجثث المتكومة، و الصراخ المستميت للأطفال الجائعة، تعاطفها و حزنها جعلها تقابل تنين الماء المحتضر في معزله لمعرفة مصابه و تغوص لأعماق المحيط دون مبالاة بالمخاطر و الأهوال لتجلب إليه لؤلؤة المحيط القادرة على تمديد العمر
بفضل حورية البحر الطيبة عادت الحياة للتنين و نجت المملكة من الفناء، إلا أن القصة لم تنتهي هنا فللأسف ثمن تمديد عمر التنين كان غاليا جدا، اللؤلؤة أخذت حياة الحورية أكواليا في المقابل.
رغم أن لا أحد يصدق هذه الأسطورة، و يعتبرونها مجرد قصة عن الإيثار تروى للأطفال، فإن ظهور حورية بحر في هذا العصر سيثير ضجة كبيرة، و قد يستغله النبلاء لمصالحهم الشخصية و بأسلوب لا يمكن أن يخطر على بال أحد.
قد يبدوا ما يفعله تورا تيان بتبجيل جنس غير بشري و استعباد آخر غير منطقي، لكن التبجيل هنا مجرد نوع آخر من الإستغلال.
" هذه فرصتكم الوحيدة لإنقاذها، أثناء زيارة تورا لمملكتكم، قام المبعوث الملكي و لسبب مجهول بجعل إحدى الساحرات تتنكر على هيئتها في حين جلب حورية البحر معه إلى هنا سرا،لحد الساعة لم يكتشف أحد غيري ذلك"
الجميع فرح بسماع هذا الخبر، يستحيل عليهم إخراجها من القصر الملكي مع كل حراسه، لكن هنا فعليهم فقط مواجهة المبعوث.
"نحن سننقذها، و سنكسر رأس أي وغد سيفكر في إيقافنا"
شد شيرو قبضته و عيونه تفيض بالحزم، أمام عين السماء التي ابتسمت تحت الحجاب الذي يغطي وجهها قبل أن تحذرهم
"عليكم العثور على مكان حورية البحر دون اللجوء إلى القتال، ففي اللحظة التي ستواجهون فيها الحارس الشخصي للمبعوث الملكي فلن يكون أمامكم خيار غير الإنسحاب،رغم أنه لا يمتلك هيئة روحية فهو قوي بشكل جنوني و ما فعله بالكيميائيين هو مجرد فيض من غيض"
"حارس المبعوث هو من هاجم البرج!!، لماذا سيفعل ذلك؟"
سأل تابو على لسان رفاقه الذين استغربوا أن الوحش الذي ذكرته ميني سابقا، ليس سوى حارس المبعوث الشخصي.
"إنه مجرد تخمين.... الكيميائيون معروفون بوقاحتهم، و هو معروف بطبعه النزق و سرعة غضبه،و النتيجة كما رأيتم"
شحب وجه لاو ميني و هي تتذكر منظر الأرجل المبتورة، بل الممزقة تمزيقا، حتى بين الأوريس و أنصاف الوحوش لا يوجد الكثيرين بهذا القدر من القوة.
" لا تقلقي، حتى و لو كان قويا بعض الشيء، لا زال بمقدورنا تولي أمر حارس شخصي بلا هيئة روحية"
سخر فنغ شيرو إلا أنه سرعان ما غير رأيه عند سماع جواب السيدة
" حقا!!، هل سبق لك و أن شققت صدر مقاتل من عالم الإنصهار و إنتزعت قلبه بيديك العاريتين"
و هي تتحدث كانت صوتها يرتجف، من الواضح أنها شهدت الأمر بعينيها، أما جسد ميني فقد ارتجف لا إراديا و هي تتذكر كيف ذلك التعطش للدم الذي سحق روحها.
في هذه اللحظة خطر في بال شيرو و تابو معا فكرة جعلت العرق يتصبب من جبينهم .
كيرا الذي اختفى فجأة لديه ثأر شخصي مع المبعوث، ماذا لو ذهب خلفه؟
قبل أن توشك الجاسوسة النبيلة على المغادرة اقتربت من ميني لتهمس في أذنها
" أبلغي تحياتي للسيد كال، و أخبريه أن يأتي و يراني حين تتاح له الفرصة"
و بصوت مسموع أضافت
"علي المغادرة، فإذا عاد زوجي و لم يجدني سأقع في ورطة"
'هييييه....... مت.....مت.....متزوجة ، أنت إمرأة متزوجة !!'
اتسعت عيون ميني و سقط فمها تقريبا غير مصدقة ما تسمعه، بينما حدق الجميع فيها مستغربين ردة فعلها و وجوههم تسأل ما الغريب في ذلك.