حصن حرس الحدود، تماما كما يوضح الإسم هو مقر الجنود الذين يحمون الحدود، أغلبية هؤلاء الجنود جاؤوا من البوابة الشمسية بعد قرار الإنسحاب.
و تنفيذا لأوامر ولي العهد تورا تيان، لم يعودوا إلى العاصمة و استقروا هنا للدفاع عن الحصن، مع أسواره العالية و جنوده المدربين و قادته من أواخر عالم الإنصهار، أعتبر أكثر الحصون مناعة
قبيل الغروب ارتفع صوت الأجراس محذرة من الهجوم المفاجئ، الجنود الذين كانوا يتحضرون لمناوبتهم الليلية استلوا أسلحتهم و أخذوا مواقعهم
"من يهاجمنا، و من أي إتجاه؟"
سأل أحد الجنود في إستغراب، فرغم أنه مد رقبته من فوق السور و فعل مهارة تضاعف مجال رؤيته على مد بصره لم يرى أي مخلوق و لم يستشعر أي هالة.
الجواب على سؤاله كان الصمت التام، كل الفوضى التي كانت تعم المكان قبل ثواني قد تلاشت، حدسه جعله يدرك أن السبب في عدم رؤيته للعدو عندما أطل من السور هو أن الحصن قد تم إختراقه بالفعل
ببطئ شديد استدار الحارس ليغرق قلبه في الخوف للمنظر الذي شاهدته عيونه.
عشرات الجنود في كامل دروعهم و تجهيزاتهم فرشوا الأرض بأجسادهم مغشى عليهم ، الجميع سقط في لحظة دون أي مقاومة تذكر
" مـ.....مـ.... ما الذي يحدث هنا، ما الذي أصابكم؟"
صرخ الحارس من تحت أسنانه التي تصطك بلا توقف، قبل أن يصيبه الشلل و تتجمد الدماء في عروقه ليس مجازيا بل حرفيا.
ببطئ و بالتدريج طبقة من الجليد أخذت ترتفع من ساقيه وصولا إلى خصره، ليرن في أذنه صوت أجش عميق مع أنفاس باردة هي الأخرى سائلا
"إن لم ترد أن تصبح تمثالا جليديا فأجب عن سؤالي، من يمتلك مفاتيح القبو ؟"
" القائد تايلر "
أجاب الحارس و قد شل الخوف أي مبادرة للمقاومة في داخله
" لدي سؤال آخر...... لحظة واحدة من فضلك؟"
"آآه....."
أطلق الحارس تأوها مسموعا، ليس لأن الغازي لديه سؤالا آخر، بل لأن نبرته قد تغيرت و أصبحت بسيطة و غير مخيفة و أيضا لشاب حديث السن.
دون أن يلتف نظر الحارس بطرف عينه ليجد شابا أسمر لم يبلغ العشرين من عمره يحاول التنكر بأن ربط شريطا قماشيا به فتحتان على عينيه، و يتمتم بصوت مسموع و هو يقلب صفحات دفتر ملاحظات الذي يستخدمه طلاب المعاهد عادة
قرأ غازي الحصن ما جاء في الدفتر بصوت هامس لكنه مسموع
"كيف تهيمن على أعدائك و تصل إلى هدفك في ثلاث خطوات
واحد، دب الرعب في صفوف العدو من خلال هجوم ساحق و غير متوقع، أجل فعلت هذا.
ثانيا، الحديث بصوت عميق مع نبرة مهددة لإخافة الضحية و جعله عاجزا، فعلت هذا أيضا ، نتائج التدريب على التحدث بصوت أجش عميق أعطت مفعولها و بإمتياز.
ثالثا، اطرح سؤالا يتعلق بالمهمة،و سؤالا عن قوة الأعداء و تمركزهم و .... الخ ،الخ"
تمتم دو باي بآخر ملاحظة قبل أن ينتبه إلى نظرات الحارس المقيد بجليده تحدق به في استغراب و تعجب
" يبدوا أنك سمعت السؤال فلما لا تجيب....؟"
انتبه دو باي لنفسه أنه يتحدث بصوته الحقيقي فراح يتنحنح ليتحدث بصوت أجش عميق
" أعني..... لماذا لا تجيب؟"
الرد كان ملامح إستصغار ارتسمت على وجه الحارس تقول كيف يعقل أني ارتعبت من طفل ساذج كهذا
" يا دودة الكتب، أنت لا تخيف أحدا بصوتك هذا، و ما هذا الشيء الأسود على عينيك تبدوا كالراكون"
"هذا قناع لإخفاء هويتي!!، و ما الذي تعنيه بدودة كتب؟!"
"أولا قطعة القماش تلك لا تخفي شيئا، و ثانيا ألست تحاول تطبيق ما قرأته للتو علي ، هذا ما يفعله الحمقى المهووسون بالدراسة، تلامذة المعلمين المدللين الذين لا يعرفون سوى الإجتهاد في الدراسة"
بنبرة غاضبة رد دوباي على الإتهامات الباطلة و هو يشير بإبهامه إلى صدره
"اوو......كيف تجرؤ...... كيف تجرؤ و تقول أني مجتهد و تلميذ المعلمين المدلل، لعلمك أنا واحد من أضعف الطلاب و أسوءهم درجة، و هذا الدفتر يعود للطالب النجيب كيرا و ليس لي"
' أيفتخر بأنه فاشل في الدراسة!! '
" خرجنا عن الموضوع، أين أجد القائد تايلر ؟"
بالطبع لم يجب الحارس و كذلك لم يزل ملامح السخرية و نظرة الإستصغار، و قد صار مقتنعا بأنه مجرد طفل أحمق لا يشكل خطرا، لكن يد دو باي التي امتدت على سيف الحارس جعلته يغير رأيه سريعا.
في ثانية اكتسح الجليد سيفه الفولاذي، و مع صوت كراك انتشرت التشققات على النصل المعدني قبل أن يتحطم إلى فتات
" المرة القادمة ستمتد يدي إلى........"
عيون دو حدقت إلى أثمن ما يمتلكه الرجل و تحديدا ما بين ساقيه، و يبدوا أن التهديد كان أكثر من ناجح لأن الحارس راح يغرد بلا توقف بكل شيء يعرفه أو رآه أو حتى سمع به
" القائد تايلر، رجل في منتصف العمر بلغ المستوى السادس من عالم الإنصهار هيئته مقاتل ناري و تعتبر الأقوى في مجاله،طاعته عمياء لولي العهد أما نائبه فيمتلك هيئة الأسماك الشفافة، و هي هيئة مائية نادرة.
بما أنهم سمعوا صوت الأجراس، و وفقا للإجراءات المتبعة في حالة إقتحام الحصن، فسيتولى نائب القائد مهمة قيادة الحراس للبحث و القضاء على الدخلاء في حين سيتولى القائد التكفل بالقبو للتأكد من سلامة الكنوز.
آه.....طعام القائد الأعلى المفضل هو الحلويات، رغم ممانعة الطبيب لأنه يعاني من ارتفاع السكر في الدم،بيني و بينك عندما جرح القائد في التدريب، قمت سرا بتذوق دمه و الحقيقة هو أن طعمه مثل أي دم شخص آخر هو مالح و ليس حلوا فلا تسألني ما يقصده الطبيب بذلك.
أما النائب و أتباعه فهم مثل الجراد يهتمون فقط بالكمية لا النوعية، و يأكلون كل ما تقع عليه عيونه، بالنسبة للنساء التي يفضلن فالإشاعات تقول أن ...."
" هذا يكفي يا رجل لقد ثقبت طبلة أذني ، و يقولون عني ثرثار"
مع ضربة قوية على الرأس أرسلت الرجل الذي يفوقه ثرثرة في رحلة إلى عالم الأحلام، ليقفز دو باي من أعلى السور و يتسلل وصولا إلى ساحة التدريب
"إنه هناك"
على ما يبدوا فإن دو باي ليس سيئا في مهارات الإستجواب و حسب بل هو فاشل أيضا في التسلل،فقد لمعت شعلة ضوئية في السماء و كشفت مكانه للجميع، الفتى الذي أعماه الضوء غطى عيونه بذراعه و احتاج لثواني كي يشاهد شيئا غير اللون الأبيض، و ما رآه لم يكن بالمنظر السار.
" هل كل الجيش هنا، من يحرس العاصمة الملكية؟"
على مد ما تراه عيناه عشرات الجنود الغاضبون يركضون في إتجاهه شاهرين أسلحتهم و الحماسة تفيض من وجوههم
"إنه فريستي، المكافأة من نصيبي"
" أيها الصعلوك فلتمت و تتحول إلى نقود "
"أنا من سيحصد رأسك"
وجوه الحراس الشرسة المتعطشة للدماء جعلتهم أقرب لقطاع الطرق منهم إلى جنود نظاميين، و من الواضح أن لهذا الحصن سياسة غريبة، فبدل إمساك المتسللين أحياء و استجوابهم، يتم مكافئة من يقطع رأسه،هذا ما جال في خاطر دو باي،قبل أن تلمح عيناه ضوءا ذهبيا خافتا قادم من القبو القابع تحت الأرض
"إنهم مستميتون لحماية سرهم"
مع إقتراب الجنود أصبح قادرا على رؤية إنعكاس الجشع في عيونهم، و مع كل هذا العدد و قلة خبرته تمكن الخوف منه فراح يلعن حظه
"اللعنة، سأموت صغيرا...... وقبل أسابيع من زفافي.......