الفصل الخامس والعشرين: مبارزة~

دانيال ألستر… العبقري الأسمى، الوحش بين الوحوش.

منذ طفولتي، كان والدي يقارنني به. مهما بلغتُ من تدريب، مهما حققت من إنجازات، كان ذلك دائمًا غير كافٍ.

"لا تزالين بعيدة عن مستوى ابن ألستر."

هذه الجملة كانت تتردد في أذني طوال حياتي. تكررت بلا انقطاع على لسان والدي، منذ نعومة أظافري، حتى عندما كنت أغسل جسدي بعرق التدريب أو بدماء المعارك.

نظرة الخيبة في عينيه، ونبرته الرتيبة، كانتا كفيلتين بإشعال غضب عميق في داخلي كلما ذُكرت.

كنت أعتبر نفسي عبقرية جيلي، لكن كلما سمعته يقول ذلك، كان يثقلني أكثر. كان يسحبني إلى أسفل مع كل كلمة، وكأن كل ما فعلته لا يعني شيئًا أمام تلك المقارنة.

كنت على خطأ. يجب أن أبني علاقة تكافلية، صداقة من نوع ما، مع شخص مثل دانيال…بعيدًا عن مشاعري الخاصة.

لكن الآن، كل شيء أصبح واضحًا: لن يحدث ذلك إلا عندما أُثبت خطأ والدي. عندما أثبت له، ولنفسي، من هو العبقري الحقيقي.

*

في ساحة الكولوسيوم الدائرية، ارتفعت المقاعد تدريجيًا كما لو كانت تصل إلى السماء، بينما في الأسفل، وقف اثنان متقابلين.

دانيال كان واقفًا بشموخ، وسيفه الطائر يرقص حوله في الهواء. أما أنا، فقد رفعت أكمامي بتصميم، وفي يدها خنجر فضي لامع، موجه نحو دانيال بكل سرور.

شعرها رفرف عكس الرياح، وابتسامة صغيرة - غير ملحوظة - انزلقت من على شفتيها.

أمسك دانيال بسيفه ببرود، بينما كان هناك ظل من الضيق يلوح في عينيه.

من بعيد، ظهر بروفيسور فيليب، بشعره الأسود الممشط للخلف، وعدسات دائرية تعكس الضوء الساطع من الساحة.

"أنا سأكون الحكم في هذه المبارزة."تحدث بصوت ثابت، مملوء بالسلطة.

نظر إلى الحضور بعينيه الحادتين قبل أن يقول:

"عادةً، لا تُسمح المبارزات العلنية حتى منتصف الفصل الدراسي. لكن في هذه الحالة، هناك استثناء لظروف خاصة."

ثبت بصره على دانيال لثوانٍ ثم تابع:

"هل كلا الطرفين موافقان على المبارزة؟"

سؤال شكلي، لا حاجة للإجابة عليه لكن كان لا بد منه.

جاء الرد من دانيال، بلهجة عابرة، "فقط لننهي الأمر سريعًا."

"موافقة." وقالت أزيلاس نفس الشيء دون تردد.

بروفيسور فيليب أومأ برأسه ثم رفع أصبعه:

"أولًا، يُمنع منعًا باتًا توجيه إصابات قاتلة."

ثم رفع أصبعيه معًا: "ثانيًا، يُعتبر فقدان الوعي أو العجز عن الحركة سببًا لإنهاء المبارزة."

وأخيرًا، رفع إصبعه الأوسط، وقال بصوت عميق، جاف: "ثالثًا، كسر أي من القوانين سيؤدي إلى فرض عقوبات فورية، واعتبار المخالف خاسرًا."

أغلق قبضته وقال بشكل قاطع: "اذكروا الإشهاد."

خطت أزيلاس خطوة للأمام، وقالت بصوت هادئ:

"أنا أزيلاس ستارلينغ، أشهد أمام الجميع أنني أقاتل لنفسي، ولا علاقة لأي طرف آخر بما سيحدث."

الإشهاد في عالم المبارزات لا يعني فقط العزم والنية، بل هو شهادة على أن المعركة لا شأن لها بالعائلات أو النفوذ.

لو تعرض أحدهم للأذى، لن تُطالَب الأكاديمية بالتحمل أو المسؤولية.

هذا النوع من الحرية يشمل خطورة كبيرة، سلاح ذو حدين، إذ يُسقط عن المبارزين أي حماية قانونية.

دانيال تقدم خطوة، ثم قال بثقة: "أنا دانيال ألستر، أقسم بشرفي أنني أقاتل لذاتي، ولا علاقة لآل ألستر بما سيحدث."

توقف للحظة، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة، اكمل بنبرة خالية من الجدية: "وإن عنى ذلك موتي."

[أوه، هل سمعتم؟!]

[لا أظن أنه يقصد ذلك حقًا…]

[إنه متحمس! هاهاها!]

[هذا مثير!]

تعالت أصوات الحضور، ضحكاتهم وهمساتهم تداخلت في أجواء الكولوسيوم، وكأنها موجة اهتزازية غمرت المكان.

أما أزيلاس، فقد بدت متماسكة رغم التوتر الذي ظهر في الساحة، أعلن وريد صغير في جبهتها عن غضب مكتوم.

ورغم ذلك، ابتسمت ابتسامة باردة، لا تترك أي أثر للانزعاج.

طوال حياتها، كانت تُعتبر "أميرة" عرقها، محاطة بالسياسات معقدة لا تعرف سوى الهجمات غير المباشرة، وطعنات تُسدد تحت الطاولة ببراعة.

ولكن السخرية منها علنًا، بهذا الشكل؟ كان شيئًا جديدًا لم تواجهه من قبل.

لاحظ البروفيسور فيليب التوتر في الأجواء، ولم ينتظر طويلًا قبل أن يفرقع أصابعه.

"وشش-!"

في لحظة، انتشر درع شفاف عبر أرجاء الكولوسيوم، حاجز غير مرئي يفصل الساحة عن الحضور، يحميهم من أي شظايا قد تخرج عن السيطرة.

ثم رفع يده عاليًا، بحركة تفيض بالسلطة، قبل أن يقطعها لأسفل، إشارة حاسمة.

"المبارزة تبدأ!" قالها بصوت حازم، ثم اختفى فجأة من الساحة.

***

***

"وشش-!"

في طرفة عين، اختفت أزيلاس من مكانها.

توسعت عينا دانيال—إنها سريعة!

لكن بدلًا من الاعتماد على بصره، أغمض عينيه للحظة، مستشعرًا الاضطراب الطفيف في الهواء خلفه.

قبضته تشددت على السيف، ومن دون تردد، دار بجسده بسرعة، قاطعًا بضربة دائرية خاطفة.

شفرة متوحشة اندفعت مباشرة نحو أزيلاس.

كانت خلفه تمامًا حين رأت الحد الفولاذي يقترب من وجهها بسرعة قاتلة.

غريزتها استجابت قبل تفكيرها—أمالت ظهرها بحركة سلسة، تاركة الشفرة تمر فوقها بفارق ضئيل.

ثم، في حركة سريعة، دفعت بقدميها، قافزة خطوة إلى الوراء، لتبتعد عن خطر الضربة.

الاقتراب خطير! فكرت، مستشعرة تغير الرياح من حولها. كان دفاعه محكمًا جدًا.

رفعت رأسها سريعًا لتواجه دانيال… لتجد نفسها على بعد لحظات من شفرة السيف التي سبق لها أن تهربت منها.

"كلاك-!"

دون سابق إنذار، وقع التماس مفاجئ—خنجرها يضرب بمهارة فائقة، مشقًا الهواء ليقطع حافة سيف دانيال، مما دفعه بعيدًا عنها في لحظة خاطفة.

"أنتِ أكثر مهارة مما اعتقدت." قال، بصوت يحمل نبرة سخرية واضحة، تخللها تحدي.

لكن أزيلاس لم تُظهر أي تأثير، نظرتها ثابتة، ولم تهتز.

كانت محاولته في استفزازها محض فشل.

"تسك!" نقر لسانه بضيق، عينيه تتابعان حركتها بحذر، حذرًا من أي حركة مفاجئة قد تنقلب الأمور ضده.

لوحت أزيلاس بخنجرها بسرعة خاطفة، استهدفت عينيه دون تردد.

في اللحظة الأخيرة، أمال دانيال رأسه، فانزلقت الشفرة بالقرب من وجنته، تاركة أثرًا خفيفًا في الهواء.

ضربة قاتلة… ولم يتحرك الأستاذ قيد أنملة.

تصلب فكه، وارتسمت العروق على يده وهو يمدها باندفاع، طبق قبضته على معصمها كقيد فولاذي، مانعًا إياها من التراجع ولو خطوة واحدة.

"كمغتالة، السماح لخصمك بالاقتراب إلى هذا الحد تصرف غبي

بلا تحذير، غرس سيفه في الأرض وأحكم قبضته عليه. في لحظة، انقض عليها بلكمة خاطفة، مستهدفًا وجهها الجميل.

استوعبت أزيلاس الهجوم في اللحظة الأخيرة، فرفعت يدها الأخرى لتضعها في وضعية دفاعية.

"بوم—!!"

مع ارتطام اللكمة، أفلت يدها من قبضته، لتندفع مترنحة إلى الخلف عدة خطوات. ارتعشت ذراعها اليسرى، وقد بدأت كدمة أرجوانية بالظهور على ساعدها حيث تلقى كامل الضربة.

قطرة عرق انسابت على جبينها، بينما كان قلبها ينبض بسرعة، وتحاول استعادة توازنها.

قوته الجسدية مرعبة… اهذه قوة مجرد طالب؟

تأهبت بسرعة، رافعةً خنجرها بحذر، تستعد للمزيد.

لكن في اللحظة التالية—

"ها؟!"

شهقة دهشة ممزوجة بصاعقة من الصدمة في عقلها.

في مجال رؤيتها الضبابي، ظهر دانيال أمامها مباشرة، وقبضته تتوهج بشرارات زرقاء مشتعلة.

قبل أن تدرك ما يحدث، هوت قبضته على معدتها—

"بوووم—!!"

نطلقت في الهواء كدمية ممزقة، لتُقذف أمتارًا عدة قبل أن تصطدم بالحاجز الذي أقامه البروفيسور فيليب.

"كهيوغغ-!"سعلت بعنف، وأندفعت الدماء الممزوجة باللعاب اللزج من بين شفتيها.

"هاف هف… هوف هوف!" انقبض صدرها، صعد وهبط بسرعة، أنفاسها تسارعت بشكل غير طبيعي، تكافح لالتقاط الهواء.

شدت أسنانها بقوة، بينما حرارة هائلة اعتصرت قلبها.

[لا تزالين بعيدة عن مستوى ابن ألستر..]

لا تمزح معي…!

لم أعد أستطيع تحمل هذا الهراء بعد الآن.

بتلك اللحظة تداخلت تعابير وجه والدها في رؤيتها، كأنما كان يراقبها، في تلك اللحظة

لا أريد أن أكون جزءًا من غِيرتك المفرطة!. فكرت بإنزعاج شديد، ومشاعر الغضب تنفجر داخلها.

**

من بعيد، كان البروفيسور فيليب جالسًا على أحد كراسي الحضور، يراقب الوضع بعناية.

ذقنه كانت تحت يديه، وأصابعه تتحرك بشكل غير واعٍ بينما كان يفكر في عمق.

هل يجب أن أنهي المعركة؟ تساءل في نفسه، بينما كانت عينيه تتنقل بين كل حركة وكل تعبير.

الوضع أصبح حساسًا جدًا في هذه اللحظة.

أعرف تمامًا أن هناك حدودًا لما يمكن تحمله في مثل هذه المبارزات.

كان من الواضح أن الوضع قد يخرج عن السيطرة في أي لحظة، لكنني كنت أدرك أن بعض الدروس لا يمكن اكتسابها إلا من خلال التجربة المباشرة، مهما كانت قاسية.

لكن… أزيلاس، إنها على حافة الانهيار. كانت تنفجر بغضب، وعينها مليئة بالعداء، أشعر بشيء أكثر من مجرد الغضب..غيرة؟..اثبات استحقاقيه، ام محاولة إنكار.

ماضيها، بالنسبة لي غير معروف، لكن لا شك أن شيئًا قد ترك أثرًا عميقًا فيها.

كان ذلك واضحًا في تصرفاتها، خصوصًا تجاه دانيال. عدائيتها كانت غير مبررة، تحمل شيئًا أكبر من مجرد رد فعل عابرة.

هل تستحق هذه المعركة كل هذا؟ كان هذا السؤال يتردد في ذهني، لكن الإجابة لم تكن واضحة. لا أستطيع أن أقول إنها تستحق أو لا، فالأمر يتجاوز ما أراه أمامي.

لا، الوقت لم يحن بعد للتدخل.

كانت هذه اللحظة مهمة لها، لحظة يجب أن تخوضها وحدها لتكتشف شيئًا عن نفسها قد لا تراه إلا في تلك اللحظة.

إنها لحظتها الخاصة، ولن أكون أنا من أقطعها.

لن أتدخل الآن، مهما كانت العواقب.

إما أن تتحكم في مشاعرها، أو ستظل أسيرة لها، عاجزة عن مواجهتها كل مرة.

سأنتظر…

**

"بومم-!!" اهتزت الساحة بالكامل تحت ضغط مفاجئ لا يمكن تفسيره.

"هذا!" انحنى دانيال قليلًا، مستشعرًا التغيرات التي اجتاحت المكان، الضغط الجوي والجاذبية التي بدأت تتلاعب به.

اتسعت ابتسامته، وعينيه تشعان بتحدي، "إذًا، أخيرًا قررتِ أن تصبحِ جادة."

على عكس البشر، الذين يولدون مع سمات أو مواهب معينة كما يفهمها الناس في هذا العالم، ينتمي الأوزوريس إلى فئة خاصة.

لا يملكون تلك القدرة العالية على تلاعب المانا كما هو الحال مع الزيراثوس، الذين يعتبرون سادة السحر، أو مع الجان ذوي القوى الروحية.

الأوزوريس، عوضًا عن ذلك، ولدوا بقدرات فطرية تُسمى "الأسبر"، وهي قدرة فريدة تُنمى بمرور الوقت.

من هذه القدرات الأساسية تنبثق قدرات أخرى مشتقة، كل واحدة أكثر تخصصًا من سابقتها.

بالنسبة لهم، المانا أشبه بالوقود، بينما الأسبر هو المحرك الذي لا يعمل إلا عند توفر الوقود.

ليس لديهم تلك المفاهيم المعقدة لفيسيولوجية المانا ومدى تأثيرها.

لديهم الأسبر كميزة، ولكنهم يُضحون بالموهبة السحرية في المقابل.

هذا ما يسمى بعدالة الكون، أو "الضرائب الوجودية".

يتم تصنيف قدرات الأسبر وفقًا لما يسمى "الإمكانية"، وهي المدى الذي يمكن أن تصل إليه تلك القدرات بمرور الزمن:

- الدرجة الثالثة (الأضعف) : القدرات الأساسية التي لا تتجاوز المألوف، مثل السمات العادية.

- الدرجة الثانية : قدرة أعلى من العادية، مشابهة للسمات الجيدة.

- الدرجة الأولى : قدرات توازي السمات عالية المستوى.

- الدرجة صفر (الكارثة) : وهي أعلى إمكانية مسجلة في التاريخ، مماثلة للسمات الأسطورية.

"وشش-!!"

تطاير شعر أزيلاس إلى الأعلى، وبدأ جسدها يرتفع ببطء، كما لو أن الجاذبية نفسها قد فقدت قوتها في حضورها.

تدفقت قوة مجهولة من أعماقها، فاندفعت عبر الأرض أسفلها، مما جعلها تتشقق إلى قطع صغيرة.

اهتزت المساحة حولها، وانقلبت القوانين نفسها، بينما بدأت الصخور تطفو ببطء في السماء.

كان دانيال يراقبها بتركيز، وعيناه تتسعان تدريجيًا، محملتين بالترقب والذهول.

"واحدة من القوى الرئيسية في الكون، والقدرة من الدرجة صفر…" همس بصوتٍ مختنق بالإعجاب، ثم أضاف بنبرة حادة، "سيادة الجاذبية…!"

***

أعتقد أن هذا الغلاف أفضل من سابقه.

أزيلاس، رغم ذكائها، إلا أن دوافعها طفولية، ففي النهاية هم لا يزالون مراهقين، مهما تعالت مكانتهم.

2025/03/27 · 112 مشاهدة · 1657 كلمة
Drbo3
نادي الروايات - 2025