مع زقزقة طيور البلشون وأصوات بجع النسيم، فتح وانغ تشين عينيه في صباح اليوم التالي ، مستقبلاً يومًا جديدًا في هذا العالم.

قفز من سريره بسرعة ، خطا بضع خطوات ، ثم أماط الستار عن نافذته وتنفّس بعمق .

امتلأ صدره بعبق الهواء المنعش، المصقول برائحة زهر اللوتس وأوراق النباتات المائية المتناثرة فوق سطح البحيرة المحيطة بالقصر .

كان المنظر أمامه ينضح بجمال هادئ وسكون بديع ، بينما أشعة الشمس الخافتة تُكسي كل شيء لمعانًا زهيًا .

في قلبه لطالما كانت هذه هي الحياة التي تمناها بشده ، أن يعيش في بيئة كهذه ، مستمعتاً بروعة المناظر الجميلة والمنعشة ، دون الحاجة لتحمل مشاقِ الحياة او الإنخراط في صراعات البشر التي لا تنتهي

بالحديث عن البشر فماذا كانوا في نظر وانغ تشين ؟!

ببساطة لقد كان يمقتهم لدرجة الإستحقار ، كل كائن يولد في هذه الحياة وله دور يؤديه بدقة ، في سلسلة رائعة من التناغم البيئي الذي يكمل بعضه بعضاً ، حتى النملة و الذبابة وسائر أنواع الحشرات ، حتى أصغر كائن يؤدي دوره دونما ظلمٍ أو تمعض ، باستثناء البشر فقد كانوا عبئاً على الطبيعة ، ودُخلاء معتدين عليها ، ما إن تواجدوا فيها حتى افسدوها وأظهروا فيها الخراب من كل جانب .

البشر في نظر وانغ تشين كانوا اقل من النمل ، وغالباً ما يفضل تجنبهم وعدم الإحتكاك بهم إلا في حالات الضرورة ، ولو صادف فرصة التخلص من الملايين منهم فهو بالتأكيد لن يتردد في فعل ذلك

أخذ وانغ تشين نفسًا عميقًا ثم حدث نفسه ساخرًا :

" لقد أحببت هذا المكان حقًا. لولا تلك المهمة التي كلفني بها ذاك الموقر المشؤوم ، لفضلت البقاء هنا وقتًا أطول بكثير. هيييه... يا لها من خسارة مؤسفة !"

فجأة ، قطع تفكيره صوت طرقات خفيفة على باب غرفته ، تبعها صوت فتاة تحادثه بنبرة خجولة وهادئة من خلف الباب :

"أخي الأكبر، هل أنت مستيقظ؟ "

توجه وانغ تشين نحو الباب، وفتحه، ثم جلس القرفصاء ، ابتسم برفق وقال ملاطفًا وهو يداعب خصلات شعرها السوداء والحريرية:

"أجل يا صغيرتي الحلوة، لقد استيقظتُ للتو."

كانت هذه „ أليشا „ أخت وانغ تشين الصغرى ذات السبع سنوات ، وأول صوت سمعته أذناه بعد أن وَجد نفسه في هذا العالم . كانت فتاة بريئة وجميلة كفتيات الأنمي اللطيفات، لذا فضّل أن يمنحها بعض التقدير ولم يتعامل معها ببرود.

"هل أنت بخير الآن ، وانغ تشين؟" تساءلت الفتاة بوجه قلق .

قال وانغ تشين مازحًا:

"نعم يا حلوتي، أنا الآن بصحة جيدة."

ثم ضرب بقبضة يده نحو صدره قائلًا :

" ياااا ! هل اعتقدتِ أن أخاكِ الأكبر قد يموت من مجرد مبارزة سخيفة كهذه؟ ههههه! يا فتاة ، اعلمي أنني لن أموت قبل أن ارى وجوه أحفادكِ البغيضين أولًا!"

بدت ملامح الحيرة على وجهها، ثم تحدثت بصوت خافت :

"امممم... لا أدري حقًا. يقول الجميع إنك أحمق ولا تُحسن المبارزة، وإنك قد تُهزم من قِبل دجاجة، لذا فقد خفتُ عليك يا أخي وانغ."

قال وانغ تشين مبتسمًا وهو يداعب يدها الصغيرة والناعمة: "يا فتاة، لا تصدقي هذه الإشاعات الكاذبة، إنها فقط بهدف التقليل من شأن أخيكِ."

اغرورقت عيناها، ثم أكملت :

"رجاءً يا أخي وانغ، كن حريصًا ولا تعرّض هذه الأخت للقلق عليك مرة أخرى، وإلا سأبكي بشدة ! هل فهمت؟"

أجابها وانغ تشين بحنان : "أجل يا حبيبتي، سأكون حريصًا في المرة القادمة. والآن أخبريني، ماذا يفعل الجد؟ هل هو مستيقظ؟"

أجابت أليشا : "نعم ، إنه مستيقظ وينتظرك الآن في فناء القصر الخارجي مع بعض الشيوخ الآخرين."

فرك وانغ تشين ذقنه وقال: "إذًا ليس من الجيد جعلهم ينتظرون. هيا بنا نذهب."

إاعتدل في وقفته، وأصلح ملابسه، ثم شرع في الذهاب نحو الباحة الأمامية، وبجانبه الفتاة الصغيرة .

كانت الباحة عبارة عن فناء كبير مستطيل بمساحة تبلغ الثلاثة أفدنه ، كان فسيحاً و ذو تربة رمليه خاصة لحماية المبارزين .

في جانبه الأيمن وضعت مظله كبيرة إستولت على ربع المساحة تقريباً وتم إعددها كموضع لجلوس الشيوخ والسادة من كبار العشيرة وكذا الأشخاص المسؤولين عن تدريب المقاتلين ومتابعتهم والإشراف على المبارزات ونحو ذلك .

تم تجهيز المظلة بالعديد من المقاعد والوسائد المطرزة بشتى الأشكال والألوان ووسائل الراحة

في المقعد الرئيسي جلس الشيخ المبجل "فو ياو " وعن يمينه ويساره كان يجلس ستة شيوخ أخرين من سادة عشيرة وانغ

تحدث الشيخ الكبير فو ياو بنبرة مهيبة: "أيها الشيوخ المحترمون، تفضلوا بتناول الشاي من فضلكم. هذا هو شاي النجوم الزرقاء، من أثمن أنواع الشاي لدينا، ولا ينمو إلا فوق النجوم السحابية. لقد أُعدَّ خصيصًا للاحتفال بتقرير حفيدي لمساره الخاص."

سريعًا، رفع الجميع أكوابهم وتناول كل منهم رشفة، مبدين استمتاعهم الواضح بالمذاق.

علّق أحدهم : "شايٌ جيد حقًا! إنه لمن دواعي سروري أن أتناول بعضًا منه في حضرة الكبير فو ياو."

أجاب فو ياو: "أشكرك على هذا الإطراء الجميل يا سيد „فينغ باي„ كما أنني ممتنٌ من القلب لقبولك طلب تعليم حفيدي الصغير عن مسار الروح. إنه لشرف كبير أن يتخذ حفيدي معلمًا مثلك." ثم قبض يده مظهرًا الامتنان والشكر.

أجاب السيد فينغ باي بتواضع مصطنع: "سيدي فو ياو، لا حاجة للامتنان أرجوك. أنا فقط أؤدي واجبي نحو كبير العشيرة المُبجّل وحفيده المحترم، ولن أدخر جهدًا في سبيل تعليم السيد الشاب. هاهاها، الشباب حقًا هم مستقبل عشيرتنا

كان هذا هو السيد " فينغ باي "ذو المرتبة الرابعة ، أحد شيوخ العشيرة الخارجيين وأهم مقاتليها. يُعد الأفضل في مسار الروح بين جميع المختصين، وقد بلغ مؤخرًا درجة السيد، وهو إنجاز عظيم ونادر، لا يبلغه سوى قلة من أمثاله في سائر السهول الشمالية.

على الرغم من مكانته العالية لدى شيوخ العشيرة وقادتها الكبار، اضطر فينغ باي لإظهار هذه المجاملة رغمًا عنه. لم يسعه رفض المهمة، وقبلها مكرهًا. لقد كره كونه مكلفًا بتعليم ذاك الأحمق الذي لم ينجح في أي شيء من قبل . ولولا الدعم الهائل الذي وفرته له العشيرة، لما استطاع بلوغ المرحلة الأولى من الرتبة الثانية أبدًا، مهما حاول.

ازداد كرهه لنظرات السخرية والاستهزاء التي رآها في عيون من حوله بمجرد علمهم بأنه سيكون المسؤول الأول عن تعليم ذلك الفتى الأحمق والمتعجرف، وانغ تشين. لقد كانت حقًا وصمة عار في تاريخه المشرّف، لا يمكن محوها إلا بالدم.

شخر ببؤس، وتحدث في نفسه بضغينة :

"أيها الوغد الحقير فو ياو! اليوم جعلتني أبدو كأضحوكة، وجلبتني إلى هنا متعمدًا إهانتي بهذا الشكل. وتطلب مني بكل وقاحة أن أكون معلمًا لحفيدك القذر والمغرور؟! لا بد أنك تُغازل الموت! احتفل كما تريد الآن، لأني سأنتهي من أمر فتاك المدلل بسرعة، ثم سأغادر هذه العشيرة إلى الأبد. لكن أولًا، أنا بحاجة لمعرفة حجم القوة الروحية لدى هذا الحثالة، ثم أقرر بعدها بأي طريقة سأجعله يموت!"

فجأة ، بدأت أصوات أقدام تقترب نحو المظلة. وسريعًا، ظهر أمامهم شاب وسيم ذو عيون حادة. وما إن وصل، حتى ركع على ركبة واحدة، مُجمعًا قبضة يده، ثم ردّد بحزم: "هذا الصغير يحيي سيد العشيرة المُبجّل والشيوخ الكرام الحاضرين. أرجو مسامحتي على جعلكم تنتظرون."

ضحك الشيخ فو ياو بصوت عالٍ: "هاهاها! حفيدي المهذب، لا بأس، لا بأس. تعال فلتجلس هنا بقربي." أشار إلى مقعد فارغ بجانبه أُعدّ خصيصًا لوانغ تشين، ثم قال: "أحم... دعني أعرّفك بالسيد فينغ باي، أحد شيوخ عشيرتنا المُبجّلين. من اليوم فصاعدًا، سيكون معلمك الخاص بمسار الروح. هيا، قدّم التحية لمعلمك."

قبض وانغ تشين يده باتجاه فينغ باي ثم قال: "تحياتي للمعلم الكبير فينغ، اسمح لي بأن أكون في رعايتك."

ابتسم فينغ باي ابتسامة عابرة ثم قال :

"لا بأس، لا بأس. لكن يجب أن تعلم أن مسار الروح صعب وخطير للغاية، ويحتاج لمعايير ومتطلبات خاصة حتى لا تلحق الضرر بنفسك."

أجابه وانغ تشين بحزم: "أيها المعلم، سأحرص على تلبية كل المعايير والمتطلبات اللازمة لذلك، ولن أسبب لك المتاعب، أعدك بهذا."

تابع فينغ باي: "جيد إذًا. قبل البدء، اسمح لي أولًا بقياس حجم قوتك الروحية لنعرف أي أسلوب تعليمي سوف نتخذه كبداية."

أومأ وانغ تشين مبتسمًا: "بالتأكيد يا معلمي، سأكون في رعايتك."

سريعًا، قام فينغ باي بتفعيل بعض ديدان الغو داخل فتحته البدائية، ثم قال: "اقترب." وضع يده على صدر وانغ تشين وبدأ عملية القياس. وبعد مرور دقيقة، صرخ فجأة بذهول :

"ماذااااا ؟! ... إن هذا يبدو في الواقع مستحيل ، اللعنة ! أنا... أنا لا يمكنني تصديق ما أراه!"

لقد ظهرت على وجهه صدمة شديدة، مما أدهش جميع الحاضرين في المجلس، وجعلهم يتساءلون عن السبب وراء ما حدث .

لكن هذا الفينغ باي قد تجمد لسانه ولم يستطع الحديث لبرهة من الوقت

2025/07/10 · 55 مشاهدة · 1303 كلمة
EL7zrd
نادي الروايات - 2025