( يختفي الانسان عندما ينسى الناس اسمه ؟؟ اذا ماذا عن ذاك الذي ولد من دون اسم ؟ )

لم يبقى لمايا سوى تفقد سطح المنزل...لمعرفة ما إن كان كوجا فوقا أم لا...لذلك صعدت سلالم العلية ببطء ...وبينما كانت تفعل ذلك بدأت تلمح جسد شخص ما كان جالسا فوق...فصرخت مايا بصوت عال قائلة :
" أووه أنت هنا ؟؟ الحمد لله أيها اللعين حسبتك هجرت المنزل أو ما شابه...لما لم تجب على ندائي ؟ "

كان كوجا يجلس فوق سطح منزله...فذاك هو المكان الذي يحب بطلنا قضاء معظم وقته فيه بعد انتهاءه من مهامه....لم يجب كوجا على كلام مايا و اكتفى بالصمت بعد أن فقد الرغبة في الحديث...
لم يبدو...أنه كان بخير.....

كان وجهه شاحبا نوعا ما....عينان مكتئبتان تكاد تنغلقان....جسد مرتخية عضلاته...و اليأس يتلاعب بقلبه....بينما كان يحمل بين يديه الظرف الأصفر الذي أتاه به النسر الغريب...هل حدث معه أمر ما يا ترى ؟
اقتربت مايا من كوجا بخطوات مرحة....ثم جلست بالقرب منه محدقة فيه بنظرات غريبة....بعد ذلك قالت :
"هاي....يا صاح هل أنت بخير ؟ يبدو وجهك شاحبا....هل تشعر بالمرض ؟ هل تألمك ساقك ؟ "
استدار كوجا نحو الجهة المعاكسة للموضع الذي كانت تجلس فيه مايا....ثم بهدوء قال :
" هلاّ توقفت عن الكلام ؟ إن صوتك مزعج حقا..."
" هيه أنت ممل حقا..."
فركت مايا رأسها مواصلة الحديث في نفسها....قائلة :
" هممم متأكدة أن كل عملاء المنظمة ذوي دماء ثقيلة يصعب تبادل الحديث معهم...ربما سبب ذلك هو شعورهم الشديد بالوحدة....أو ربما لعدم مخالطتهم الناس كثيرا....فذلك جعلهم غير اجتماعيين...-بنبرة غبية- أنت مزعج حقا...لا أدري كيف تحملت وجودك "
" –بنرفزة- م...ماذا ؟؟ "
نظرت مايا في وجه كوجا و ضحكت ضحكة عفيفة...ثم ابتسمت رافعة رأسها نحو السماء محدقة في النجوم...و بعد فترة صمت وجيزة تحدثت بنبرة مريحة قائلة :
" لأكون صريحة أيها العميل....أنا لا أراك شخصا سيئا مطلقا...أنت لست كذلك...هل أنا محقة ؟ "
استدار كوجا ببطء نحو مايا...ثم قال بهدوء :
" م...ماذا تقصدين ؟ "
فردت مايا بهدوء :
" رغم أنك تنتمي لتلك المنظمة....التي قتلت الكثير من أبناء الشعب في الخفاء و فعلت الكثير من الأمور السيئة...إلى أنك لا تبدو مثلهم مطلقا...عندما هاجمتني في الفندق...لم تكن نيتك في القتل حقيقية....أليس كذلك ؟ لأن ما شعرت به أنذاك هو مجرد نية قتل مصطنعة....و كأنه يتم إجبارك على فعل ذلك...كأنك أردت إنهاء ذلك على الفور من أجل إتمام المهمة فقط... "

ثم استدارت مايا نحو كوجا قائلة بنبرة مرحة :
" وفوق هذا لم تقم بقتلي عندما أكلت سمكك النادر ذاك هيهي "
لم يجد كوجا ما يقوله...فكلام مايا جعله يشعر بالاحتيار لا غير...هل ما أفعله سيء يا ترى ؟ هل حقا تقوم المنظمة بظلم شعب القارة ؟ لا يهم إن كان قتلي للناس أمرا سيئا أم لا...فعقاب القتل هو القتل لا محالة...لكن أليس القتل هو العقاب المناسب لأولئك المعارضين لنظام المنظمة ؟

****

بعد أن خيم الصمت المكان لبضع لحظات...لفت انتباه مايا الظرف الذي كان يحمله كوجا بين يديه فبدأت التحديق فيه بفضول....ثم قالت بينما كانت تفعل ذلك باستغراب :
" همم...ظرف ؟ على ماذا يحتوي يا ترى ؟ هل هو سبب شعورك بالإحباط يا ترى ؟ لما تقوم بحمله في هذا المكان ؟ "
رد كوجا :
" هيه و ما شأنك أنت ؟ لما صرت كثيرة السؤال فجأة ؟ "
" آه حسنا حسنا آسفة على التطفل....لا تغضب فقط...همم على كل حال أيها العميل أليس من الغريب أنني اعتنيت بك طوال الأسبوعين و قد تعرفت بك منذ مدة و لا أعرف اسمك بعد ؟ هل بإمكانك اخباري عن اسمك ؟ "
" إسمي ؟ هيه و كأنني سأخبرك بتلك السهولة..."
" هيا هيا لا تكن فظا لا تنسى أنني قد أخبرتك باسمي عند أول لقاء لنا "
تنهد كوجا ثم قال :
" إنه كوجا...أنا أدعى بكوجا....هل ارتحت الآن أيتها العجوز الثرثار "
" همم ؟ قلت كوجا ؟ هذا ليس اسمك الحقيقي بالطبع....إنه ليس بشريا حتى..."
شعر كوجا بالغضب فجأة...
" م...ماذا قلت أيتها اللعينة....؟ "
" لا لا تسئ فهمي رجاء...ما أعنيه أن جميع أفراد فيلقنا يعلمون أنه ليس اسمك الحقيقي , حسنا فذلك ما تؤمن به رئيسة فيلقنا....لكنه حقا يبدو زائفا تماما...هل جميع عملاء المنظمة لهم اسم مستعار مثلك ؟ "
" آه...هكذا إذا....يا لكم من مترصدين مزعجين...لا أصدق أنكم تعرفون الكثير عنا إلى ذلك الحد....لكن معك حق...فكوجا هي التسمية التي كانوا يطلقونها علي عندما كنت أنا و فرقة الحروف القاتلة ننتمي للجيش لا للمنظمة الخاصة....انه الاسم الذي كانوا يطلقونه علي في المركز العسكري الذي كنت انتمي اليه.....فأنا....لا اسم لدي...ليس ذلك فقط بل....ليس لي ماض أيضا و لا أتذكر شيئا عن طفولتي....كل ما أعرفه هو أن المكان الذي أتيت منه .....صار مدمرا كليا "
توسعت عينا مايا و تغيرت ملامح وجهها فجأة لتصير جادة بعد أن سمعت آخر كلمات قالها كوجا....فردت بهدوء و اضطراب قائلة :
" قلت...مدمرا ؟ هل يعقل أن...."
واصل كوجا حديثه....وهو ينظر في الظرف الذي كان بين يديه بنظرات اكتئاب....قائلا :
" نعم...إن أصولي تعود إلى تلك الجمهورية....الجمهورية الواحدة...شمال القارة المنسية...تلك القارة التي تدمرت منذ زمن طويل لسبب مجهول...بعد أن عرفت حقيقة المكان الذي أتيت منه....بدأت البحث منذ أكثر من أربع سنوات عن سبب حدوث ما حدث...لكن من دون جدوى...كل القضايا كانت مغلقة منذ أكثر من عشرين عاما...لذلك طلبت العون من معارفي من المنظمة و الجيش لغرض الغوص في القضايا القديمة المغلقة....لكن من دون أي جدوى أيضا...لم نجد أي دليل حتى الآن...هذا ما صرت أفعله في السنوات الأخيرة...أقوم بتلبية أوامر المنظمة وعند عودتي إلى بيتي أبدأ البحث فيما يخص قضيتي هذه "
ثم أشار كوجا إلى الظرف قائلا :
" وهذا الظرف قد أتاني من إحدى معارفي من الجيش لكنها لم تجد أي دليل جديد...هذا الأمر مخز حقا...أعتقد أن حياتي ستستمر على هذا النحو....لكن لن أستسلم حتى أعرف سبب وقوع تلك الكارثة...مهما كان الذي فعل ذلك فأنا حتما سأجده يوما ما و سأقتله بيداي هاتين...مهما كان الذي فعل ذلك فلن أسامحه مطلقا لتشريدي في هذه القارة اللعينة التي لا تعنيني "
كادت مايا أن لا تصدق ما قاله كوجا....القارة المنسية التي نسي العالم وجودها منذ أكثر من خمسين سنة....بسبب تدمرها المفاجئ ذاك....كوجا ينتمي إليها ؟ هل أمر كهذا معقول حقا ؟ .
" هذا....مستحيل...غير معقول مطلقا....أليست تلك القارة مدمرة منذ زمن بعيد ؟ كيف تعود اصولك اليها و انت في مثل هذا العمر ؟ "
ببطء شديد و ضع كوجا راحة يده على وجهه مواصلا حديثه قائلا :
" لا أدري بالضبط....لكن ذاك الشعور الغريب الذي ينتابني.....الشعور أنني كنت متواجدا في ذاك المكان من قبل....اريد أن أعرف سببه فحسب....و أيضا تلك الذاكرة التي تأتيني في حلمي كثيرا "

فجأة...
تذكر كوجا تلك الذاكرة التي تأتيها في أحلامه....
و لكن في هذه المرة لقد كانت تحتوي على بعض التفاصيل الجديدة....

" هل استيقظت أخيرا....أيها الوحش؟ "

فجأة....صرخ كوجا الصغير من حلمه , و الذي كان يجلس على ذاك السرير الطبي في منتصف تلك الغرفة.....صانعا ملامح وجه حادة و غريبة للغاية و بصرخة غير عادية أبدا....
لقد كانت الصرخة قوية لدرجة أن كوجا عاد الى رشده بسرعة بعد تذكرها مجددا....
حتى أنه سحب رأسه بسرعة نحو الخلف كما لو أنه قد تعرض لأطلاق ناري على مستوى الرأس أو ما شابه....

*شهيق زفير....شهيق زفير *

استدارت مايا نحو كوجا قائلة بتسائل :
" همم؟ هل أنت بخير ؟ ما الذي جرى معك ؟ "
" آ...آه لا شيء "

بعد أن حدقت مايا في كوجا للحظات.....رفعت رأسها نحو الأعلى محدقة في القمر لوهلة....بعد ذلك رفعت يدها نحوه بينما كانت تغطيها و تكشفه براحة يدها كما لو كانت تلعب معه لعبة البيكابو....
ثم قالت بابتسامة طفولية :
" لا يهم إن لم يكن لك اسم يناديك به الآخرون....فالذي يهم هو أن تنحت اسمك في نفوسهم وقلوبهم...بخدمتهم و حمايتهم ونشر السعادة في قلوبهم.....و لا يهم إن لم يكن لك ماض عشته و دفنته في أعماقك....فما يهم هو أن تعيش حاضرا يكون فيه أصدقاء تشاركهم آلامك و أفراحك...أصدقاء يعطوك سببا من أجل مواصلة العيش...فهذا هو شعاري الذي أعطى لحياتي معنى.....لذلك لا تيأس....فدائما ما يكون هناك حل لكل معضلة نمر بها...كل ما علينا فعله هو...التحلي بالصبر و الإيمان...و فوق هذا فكوجا ليس اسما سيئا..."
نظر كوجا في مايا للحظات....ثم انزل رأسه قائلا في نفسه :
" أصدقاء ؟...هذا غريب...فأنا لم اعش من أجل شخص ما من قبل....المنظمة تعتبر كل شيء بالنسبة لي....فأنا أنفذ تعاليم المنظمة من أجل أن أعوض ما خسرته....و لأنني أعتبرها كالملاذ الذي تعتمد عليه القارة من أجل حماية شعبها في الخفاء....هذا هو الأمر الوحيد الذي يتوجب علي فعله الآن "

****


لقد كان الطرفين جالسين فوق السطح...و كانت محادثاتهما محدودة....يتحدثان تارة و يصمتان تارة أخرى...و كأنهما يستمتعان فقط بالتحديق في السماء....فذلك ما يفعله العميل إبسيلون من أجل إمضاء وقت فراغه....فجأة التفت كوجا إلى مايا ثم حدق فيها بضعة لحظات بنظرات غريبة فسألها قائلا بنبرة غريبة و بعد أن شعر بنوع من الراحة عند محاورته لها :
" إذا...أردت سؤالك بخصوص أمر ما...الفن القتالي الذي استخدمته عندما قتالنا في الفندق....حسب خبرتي في الفنون القتالية....أظن أنه مستوحى من فنون قتالية آسيوية قديمة...عندما كنت تتفادين الرصاص بجسدك كنت تتحركين بخفة كبيرة مثل النينجا أو ما شابه...وعندما تشابكنا جسديا أعتقد أن حركاتك كانت تشبه حركات فن الشاولين نوعا ما....و طريقة حملك لتلك الخشبة السميكة فقد كانت تشبه طريقة حمل الساموراي للسيف...إذا ما هو نوع الفن القتالي الذي استخدمته أنذاك ؟ و أيضا من ملامح وجهك تبدين أسيوية...إذا هل تنتمي أصولك إلى جمهورية الدب القطبي أو ما شابه ؟ "
التفتت مايا نحو كوجا ثم حدقت فيه هي الأخرى بنظرات مستغربة و كأنها تنفي بعضا مما قاله...قائلة :
" -بضحكة- يبدو أنك من صار يسأل كثيرا فجأة....لكن لا بأس , همم ؟ جمهورية الدب القطبي ؟ لا لا أنا لست كذلك...-بابتسامة- في الحقيقة إن أصولي تعود إلى إحدى الجمهوريات المستقلة...فاليابان هو موطني...لقد كان جدّي مهووسا بأمر هذه القارة عند ظهورها فجأة.....كان جدي باحثا في علم الآثار....أراد أن يكتشف هذه القارة و يستطلعها بنفسه لذلك اضطررت أن أنتقل معه إلى الأرض الغامضة بعد أن توفي والداي إثر حادث عمل...لقد اعتني بي جدي و أنا صغيرة إلى أن حانت اللحظة التي مرض فيها بشدة...فلم يستطع مقاومة المرض....فتوفي بسببه...اضطررت حينها للانضمام إلى الجيش لأنني لم أجد أحدا يعتني بي..."
ثم واصلت مايا كلامها مجيبة فيما يخص الفن القتالي الذي تستخدمه...قائلة :
" أما بالنسبة للفن القتالي الذي أتقنه فهو يدعى بالكوا koa ...فن روحاني مستوحى من مجموعة فنون قتالية الأسيوية تماما كما قلت...لقد علمه لي قائدي في الجيش...و هو من ابتكره بنفسه....اراد معلمي السابق أن يوحد قلوب شعوب الأراضي المتضاربة التي تشرق الشمس منها....بعد أن عانت من نيران الحروب و العنصرية فيما بينها.....لهذا قام معلمي بابتكار هذا الفن القتالي من أجل توحيد قلوب المقاتلين الأسيويين....هيه و أنا من الأوائل الذين أتقنوا هذا الفن "
قال كوجا بانذهال :
" إذا...أنت....كنت في الجيش ؟ تماما مثلي...."
إستدار كوجا إلى الجانب الآخر ثم قال :
" آه...آسف لأنني ذكرتك في ماضيك...اذا كان ذلك الأمر يزعجك "
قالت مايا بابتسامة :
" لا لا...لا داعي للأسف....لقد حدث ذلك منذ زمن بعيد لكن...لأكون صريحة رغم أنني لم أزر موطني السابق من قبل إلى أنني أحن إليه كثيرا.....أريد أن ارى بني جنسي بأم عيناي...أريد أن أحضر احتفالات الهانامي التي تحتفل بجمال زهور الساكورا البديعة...لطالما استمتعت بمشاهدة تلك الاحتفالات على شبكة الواقع الافتراضي....آظن أن ذلك ممتع حقا..."
رفع كوجا رأسه نحو السماء قائلا :
" أنت أيضا ترغبين في زيارة بلدك إذا...أريد أن أزور موطني المدمر أيضا...لكن يبدو أن ذلك أمر مستحيل "
في تلك اللحظات....ابتسمت مايا واقفة على ساقيها....ثم بدأت المشي نحو سلالم العلية بخطوات هادئة....و بينما كانت تفعل ذلك خاطبت كوجا قائلة :
"....أعتقد أنني سأنزل الان إلى غرفتي...صار الجو باردا بعض الشيء هنا "
" -بفزع-...غرفتك ؟؟ منذ متى صارت لديك غرفة في منزلي ؟ "
ثم واصلت مايا كلامها متجنبة كلام كوجا
" همم كما أنني سأذهب غدا إلى البلدة المجاورة من أجل التسوق إن ثلاجتك فارغة تماما...لقد كانت ممتلئة في هذا الصباح....لا أدري أين اختفى الطعام فجأة "
" –بغضب- هذا لأنك أكلت كل ما فيها ..يا آكولة "
" آم حسنا...ما رأيك أن تأتي معي غدا ؟ "
أجاب كوجا بتذمر :
" هيه بالطبع سآتي انت لا تعرفين مراكز التسوق التي أقصدها عادة....."
ثم واصل كوجا حديثه في نفسه قائلا بنبرة خبيثة :
" هيه بل الحقيقة هي أنني من المستحيل تركك في المنزل لوحدك أو ابعاد نظري عليك....فحتى الآن لا أدري ما تخططين له...فمهما كان الذي تريدين فعله أنا حتما سأوقفه "
ردت مايا قائلة :
" حسنا حسنا...لقد تقرر الامر إذا...سنذهب غدا صباحا إلى البلدة من أجل التسوق...أرجو أن أجدك مستيقظا تماما عندما آتي إليك....تصبح على خير "

( ذاك الذي ولد من دون اسم...عليه العيش في قلوب الناس...ان أراد الحصول على اسم )

2019/08/25 · 372 مشاهدة · 1989 كلمة
zeedo
نادي الروايات - 2024