الفصل الثالث والتسعون: الشيخ الغامض

____________________________________________

في أعماق ذلك العالم السري، كان سيد سيف العشب يفر من مطاردة مستنسَخ فانغ يون، بينما الغضب يضطرم في صدره حتى كاد أن ينفجر. هتف شاتمًا بصوت عالٍ اهتزت له الأرجاء: "أيها الأوغاد! أما كفاكم هذا العبث؟ تأتون مرةً كل يوم، ألا تعرف أجسادكم معنى الراحة!"

رد عليه أحد المستنسَخين بضحكة ساخرة وهو يطارده بسرعة البرق: "هاهاها، بكامل قوتي هذه، يمكنني فعل هذا ثلاث مرات في اليوم دون كلل!".

"اللعنة! اللعنة عليكم!" صاح سيد سيف العشب وقد امتزج الهلع بغضبه، فانطلقت هيئته كشعاع من ضوء وبرق، محاولًا الفرار بأقصى سرعة. لقد اختفى ذلك الطغيان الذي كان عليه سابقًا، ولم يبقَ في نفسه سوى صداع قاتل وسورة غضب عارمة، لكن الغضب لم يكن يجدي نفعًا أمام خصم غريب الأطوار كهذا.

كان أولئك الغامضون يظهرون من العدم دون سابق إنذار، وينصبون له الكمائن ويشنون عليه هجمات مباغتة لا تنتهي، فكان من المستحيل صدّها أو التحصن منها. والأدهى من ذلك كله أنهم كانوا لا يخشون الموت، يمكنك أن تقتل منهم ما شئت، لكن في المرة التالية، يظهرون من جديد، مئة شخص لا أكثر ولا أقل، فبلغ به الجنون مبلغه!

تناهت إليه ضحكة غريبة من أحد المستنسَخين، ملؤها السخرية والاستهزاء: "هيهيهي، سلّمني دماءك! وإلا طاردتك حتى أقاصي الأرض! هيهيهي".

"آآآه!!" استشاط سيد سيف العشب غضبًا، فدارت هيئته كالسيف، وانطلقت منه آلاف من خيوط طاقة السيف المرعبة التي اجتاحت المكان، لتقضي على مئات المستنسَخين في لحظة واحدة. ثم صرخ بصوت يملؤه التحدي: "سيقولها سيد السيف هذا للمرة الأخيرة! أنا... لا أملك دماء!"

"هه". لم تُرهِب طاقة السيف بقية المستنسَخين، بل واجهوا الضربة بشراسة قبل أن يستأنفوا مطاردتهم بعناد أشد. تحدث ثلاثة رجال ملثمين بتناغم تام، وكانت نبرتهم تثير حنقه إلى أقصى حد: "لقد رأينا كل شيء، يوجد في جسدك قطعة من خشب وقطرة من دم!".

"وما زلت تدّعي أنه لا دماء لديك؟!". "أنت سيد العشب والخشب، لكنك تكذب، هيهي".

شعر سيد سيف العشب فجأة أن رأسه على وشك الانفجار، فقد كانت هذه معضلة لا حل لها. ذلك الخشب وتلك الدماء كانا أساس وجوده، فإذا سلّمهما لهم، فلن يبقى له وجودٌ يُذكر. صرخ من أعماق كيانه: "آه! موتوا!"، وفي اللحظة التالية، أطلق العنان لقوة مصدره دون تردد.

انبثقت منه على الفور هالة مرعبة زلزلت المكان، وتطايرت طاقة السيف في كل اتجاه، فمزقت أجساد المستنسَخين الذين كانوا يسدون عليه الطريق إربًا. استدار سيد سيف العشب ليقضي على البقية، لكن في تلك اللحظة، لم يجد أمامه أحدًا، فقد اختفوا جميعًا.

"آآآه!" زأر سيد السيف غضبًا، لقد فعلوها مجددًا! كانت حيلة الاختفاء الغريبة هذه تشلّ قدرته على القتال، ففي كل مرة يستخدم فيها قوة مصدره، يتكبد ثمنًا باهظًا دون أن يحقق شيئًا يُذكر.

في تلك الأثناء، على بعد مئات الآلاف من الأميال، وفي مكان سري وسط أطلال لم تُكتشف بعد، كان شيخ هرم نحيل يبدو كأحد الفانين يقطف زهرة غريبة. كان يقف في حديقة أعشاب مهجورة، لكنها كانت لا تزال تزخر بالعديد من الأعشاب الطبية، بعضها نبت حديثًا، والبعض الآخر كان عمره مديدًا بشكل مذهل، بينما ذبلت نباتات أخرى لم تقوَ على تحمل وطأة الزمن الطويل فتحولت إلى فتات.

قطف الشيخ بضع أعشاب أخرى ثم توقف، وألقى نظرة وحيدة على الأنقاض الشاسعة من حوله، وقد ارتسمت على عينيه نظرة تحمل في طياتها حكمة عصور لا نهاية لها. تنهد بعمق قائلًا: "آه..."، بدا وكأنه لا يأخذ سوى ما يحتاجه، متجاهلًا سائر الأعشاب الثمينة، وحتى المعابد نصف المنهارة التي كانت تبدو للوهلة الأولى مبانٍ عظيمة، فلم يكن لدى الشيخ أي نية لدخولها بحثًا عن الكنوز.

فجأة، عقد الشيخ حاجبيه، ثم ارتسمت على وجهه المتغضن ابتسامة أزهرت كزهرة أقحوان برية. نطق بصوت هادئ: "يا صغيري 'مو مو'، ما الذي يزعجك؟". خطا الشيخ خطوة واحدة إلى الأمام، وعندما ظهرت هيئته مجددًا، كان قد وصل فجأة إلى أمام سيد سيف العشب، وقد قطع سؤاله المسافة الشاسعة بين المكانين ليرن في أذنيه مباشرة.

في ذلك الوقت، كان سيد سيف العشب يختبئ في مكان سري في أعماق الأرض، جالسًا على كرسي حجري بشموخ، يشتم ويلعن في سخط. عندما سمع الصوت العجوز فجأة، تجمد جسده كله من الصدمة، وارتعش ارتعاشة عنيفة، ثم التصق بالجدار الصخري خلف كرسيه، وأطلق صوتًا ينم عن رعبه العميق: "أنت! لا تقترب!". كان الهلع والخوف باديين عليه بشكل لم يسبق له مثيل.

"يا صغيري 'مو مو'، لم أرك منذ مئات السنين، أهكذا ترحب بي؟" قال الشيخ بابتسامة وادعة، "لقد نفد الخشب الذي أخذته آخر مرة، جئت لأستعير منك المزيد...". كان حديثه بسيطًا وصادقًا كفلاح عجوز قضى أجيالًا في زراعة الأرض.

"لا! ارحل من هنا!" صاح سيد سيف العشب بغضب شديد.

"همم؟" عبس الشيخ، فارتعد جسد سيد سيف العشب من رأسه إلى أخمص قدميه، ثم قال بصوت ضعيف: "يمكنني أن أعطيك إياه، لكن عليك أن تأخذني معك إلى الخارج!".

"لا". رفض الشيخ طلبه مباشرة، فثارت ثائرة سيد سيف العشب من جديد: "لماذا؟! لماذا تقول هذا دائمًا؟! بقدراتك الخارقة، الأمر لا يعدو كونه مسألة بسيطة!". في تلك اللحظة، بدا أن خوفه من الشيخ قد تلاشى، ولم يبقَ سوى غضب لا حدود له.

انفجرت طاقة السيف في كل مكان، فاخترقت الجدران الحجرية المحيطة به وأحدثت فيها ثقوبًا لا حصر لها. لكن الغريب أن تلك الطاقة الكثيفة كانت تتجنب الشيخ تلقائيًا، وتمر من حوله بسلاسة كما لو أنها لا تراه.

ظلّت ملامح الشيخ هادئة دون تغيير، منتظرًا بصمت حتى يفرغ سيد العشب والخشب من غضبه. وبعد فترة، تحدث ببطء: "لقد شاخ هذا العجوز، ويجب عليه أن يرعى أحدهم، لذا لا يمكنه التورط في تبعات عظيمة كهذه. هذا العجوز يريد أن يعيش بضع سنوات أخرى...".

عندما سمع سيد العشب والخشب كلماته، لمعت عيناه بضوء ساطع! كانت هذه المرة الأولى التي يسمع فيها جملة تشبه التفسير منذ آلاف السنين التي عرف فيها هذا الشيخ. سأل على عجل: "أي تبعات تقصد؟"، فقد شعر أنه قد لامس سرًا يتعلق بوجوده.

"تف، تف!" بصق الشيخ مرتين ونظر حوله بتوتر، وكأن ما قاله يجلب النحس. أفزع هذا المشهد سيد سيف العشب على الفور، فنظر حوله بسرعة هو الآخر، لكنه لم يجد شيئًا!

همس الشيخ لنفسه بحذر وهو يتفحص محيطه: "زلة لسان، زلة لسان... لا ينبغي أن يُعتبر هذا من التبعات...". وعندما رأى أن شيئًا لم يحدث، ابتسم لسيد سيف العشب مجددًا وقال بنبرة ماكرة: "هيا يا صغيري 'مو مو'، دعني آخذ بعض الخشب، قليلًا فقط... بسرعة كبيرة... أنا ماهر، لن يؤلمك أبدًا".

وبينما كان يتحدث، مدّ يده وكأنه يتجاهل المسافة، فاخترقت كفه جسد سيد سيف العشب مباشرة! لقد دخل إلى فضاء منفصل، محاط بالعدم، لا يوجد فيه سوى قطعة من الخشب العتيق تسبح في الفراغ. تجنبت كف الشيخ قطرة الدم بعناية، ثم أمسكت بحافة الخشب من الطرف الآخر، وأطلق من يده ضوء خلود خافتًا، ونقرها برفق!

انفصلت قطعة من الخشب بحجم الإصبع، وفي تلك اللحظة، صرخ سيد سيف العشب، الذي كان مقيدًا لا يستطيع الحراك، صرخة ألم مروعة! لكن في اللحظة التالية، سحب الشيخ كفه بسرعة، فتوقفت صرخة سيد سيف العشب، لكنه كان يتصبب عرقًا، وقد شحب وجهه تمامًا. نظر إلى الشيخ بنظرة مليئة بالأسى والغضب، متمنيًا لو يستطيع تقطيعه إربًا.

"أحم... آسف، يبدو أن مهارتي ليست متقنة بما يكفي، عليّ أن أتدرب أكثر..." قال الشيخ بنبرة محرجة. عندما سمع سيد سيف العشب هذه الكلمات، كادت عيناه أن تنفجرا من شدة الغيظ. 'يتدرب أكثر؟ تتدرب على أمك أيها العجوز اللعين!'.

"أحم، هذا العجوز لم يأخذ أغراضك دون مقابل..." قال الشيخ، "أنصحك ألا تفكر دائمًا في الخروج. هذا المكان جميل جدًا، هادئ وبعيد عن صخب العالم... بالإضافة إلى ذلك، لقد تنبأت بأنك على وشك الوقوع في ورطة كبيرة! وسأساعدك على حلها. فلنسوِّي تبعاتنا بهذا!". ما إن أنهى الشيخ كلماته، حتى اختفت هيئته في لمح البصر.

2025/11/01 · 235 مشاهدة · 1187 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025