1 - البذرة المباركة

البشري، هذا المخلوق الرائع الذي يحكم العالم ولا يحب أن يشاركه أحد فِعل ذلك، وعندما ينجح فإنه يقاتل بني جنسه ليستأثر بالحكم لنفسه، من الأزل وهو على هذه الحال، وليفعل ما يشاء.. فقد قام بتطوير أدواته من الحجارة والخشب، ثم بدأ يستخدم المعادن وكل أنواع الطاقة، وعندما تنقرض بعض الموارد فسيقوم باكتشاف واختراع موارد أخرى غيرها، ولن يهتم أبدا ما إذا كانت هذه الاختراعات والاستكشافات ستضر ببني جنسه الآخرين، المهم هو ألا تضر به هو.

توالت الحِقب على هذا المنوال حتى دخلنا في الحقبة الحالية، لا يهم المكان ولا الزمان بقدر ما تهم الأوضاع العامة للبشر، فهم مخلوقات تعيش اللحظة ولا تفكر كثيرا في الماضي والمستقبل، وبهذا.. تجري أحداث قصتنا في مكان لا يذكر عنه التاريخ سوى القليل، وهذا القليل قد تحول مع الوقت إلى أساطير، مجرد أساطير لا يعلم أحد حقيقتها.

'من أين جئنا؟'

لا أحد يهتم

'لماذا توجد العديد من الأجناس المختلفة؟'

هكذا فقط، لا داعي للسؤال

'لماذا يستطيع البشر وباقي الأجناس الأخرى القيام بأمور خارقة؟'

لماذا تزعج نفسك بهذه التفاهات؟

أليس من الأفضل التركيز على تنمية قوتك لصناعة شهرة لاسمك وحماية عائلتك وعشيرتك؟

أم أنك تريد البقاء في أسفل السلسلة الغذائية؟

'كيف يحصل البشر على القوة بينما لا يحصل عليها العبيد؟'

مهلا، هل رجعت إلى اهتماماتك الغريبة تلك؟

هل تقول لي بأنك متعاطف مع العبيد؟

تنهد، من الأفضل ألا تركز كثيرا على هذا، نعم.. أنت محق، في الحقيقة لا توجد فروقات كبيرة بيننا وبين العبيد، لكن.. نحن نملك بركات المؤسس، وكل عشيرة قوية لديها مؤسس أو داعم يجعلها تحافظ على نفسها، وإلا فقد نتحول نحن أيضا إلى عبيد، هل تريد أن نصير عبيدا؟

أما بالنسبة للقوة فأنت تعلم كيف نحصل عليها، أنت أيضا مبارك، لولا اهتماماتك هذه لكنت من أفضل المباركين في العشيرة، لهذا أطلب منك دائما ألا تثير هذه الأمور الحساسة، على أي حال.. لا يستطيع أحد الإساءة إليك لأنك أمل الجيل الجديد، فعلا.. فأنت من بين ثلاثة من أبناء عمك الذين حصلوا على أفضل بذرة.

قد لا تعرف الكثير عن البذور المباركة، فأنت أصلا لا تذكر الوقت الذي زرعناها في جسدك، كيف ستذكر ما حدث وأنت في الشهر الثالث من عمرك؟

حسب آخر الفحوصات فهي متكاملة مع جسدك بشكل رائع، كيف لا تكون كذلك وقد تركتها لك أمك الرائعة، آه.. كم أشتاق إليها، طبعا أنت لا تذكرها لأنها ماتت أثناء ولادتك، لكن لا تحزن، أبوك سيدعمك حتى النهاية.

تتساءل من أين تأتي البذور؟

حسنا.. الأمر ليس بتلك السهولة، البذرة يتم صقلها على مر السنين داخل أجساد المباركين، ولا أحد يعلم متى ستسقط من جسده أو كم من البذور التي سيُنتجها المبارك خلال حياته، كما أنه لا يوجد فرق بين البذور حسب التحليل العلمي، لكن البعض يعتقدون بأنه كلما كان صانع البذرة أقوى فسيكون الوارث أكثر حظا، كما يعتقدون بأن طول الفترة بين كل بذرة وأخرى له نفس التأثير، وأمك كانت من بين أقوى المباركين في الجزر الشرقية.

أمك؟

ألم أحكِ لك قصتها عدة مرات؟

نعم.. للأسف، تم تسميمها عندما كانت حاملا بِك، لذلك استهلكت قوتها لحمايتك وانت في بطنها، وبعد ولادتك اختلّت القوى في جسدها ثم انهارت، نعم.. نعم، السم الذي أصابها يأتي من وسط القارة، لكننا لا ندري كيف أصابها ولا أسباب إصابتها، في الحقيقة.. قضيتها غامضة لدرجة أني لا أستطيع فعل شيء بشأنها، أنا كبير في السن الآن ولدي زوجة أخرى وثلاثة أبناء أخاف عليهم، لذلك لا أستطيع الانتقام، لكني سأدعمك بما أستطيع إذا أردتَ الانتقام لها في المستقبل، طبعا عليك معرفة من قام بتسميمها أولا.

هاي، ما هذه النظرة؟

هل تعتقد بأني قد فرّطتُ في حق أمك وأني لم أزعج نفسي بالتحقيق في سبب موتها؟

لا تقل هذا مرة أخرى، أنا فقط..، أنا ..، أبوك..، حسنا.. دعنا لا نتحدث حول هذا، يجب عليك الاجتهاد في الدراسة حتى تفهم أكثر حول كيفية صقل البذرة التي في جسدك، فعملية الإيقاظ ستتم بعد ثلاث سنوات، آه.. بذكر هذا.. أنت الآن في الرابعة عشر من عمرك، بقيت ثلاث سنوات فقط وستتحول إلى رجل، حينها ستكون في نفس المقام مثل أبيك، تعوّد على هذا فعشيرتنا تربّي الرجال وليس الأطفال المدللين.

بالمناسبة.. هل لا زلت تتمنى أن تستيقظ قواك من نوع النار؟

أنت تعرف بأن النار ضعيفة جدا في الجزر الشرقية، هنا نهتم أكثر بمهارة التحكم بالماء، لو استطعت التحول إلى مبارك المياه سيكون الأمر رائعا، وقد تتحول إلى أحد المرشحين لزعامة العشيرة، هذه هي فرصتك، لذلك يجب أن تجهز عبارات الإيقاظ المناسبة وتعزز بها ذهنك، حينها فقط سيكون بإمكانك تحويل البذرة التي في جسدك إلى أداة للتحكم في المياه.

تنهد، لو كانت الأساطير حول انتقال القوة عبر البذرة صحيحةً فربما قد توقظ مهارتين مثل أمك، لقد كانت بارعة في عنصري الماء والنور، لذلك كان جسدها يشعّ ليلا وكأنها ياقوتة، آه لو رأيتها في شبابها..، أحم.. أقصد.. أنت تعرف بأن المهارات لا تمنح لك القوة للتأثير على محيط كبير، فحتى لو وصلت إلى المستوى العاشر وصرت حكيما في العنصر الذي بورِكتَ به فلن تكون شخصا لا يُقهر، لأن أقصى ما ستتحكم فيه هو مرونتك في القتال المباشر في مساحة محدودة، ولهذا نحتاج إلى الأسلحة المباركة لمساعدتنا في القتال.

تسأل عن أقوى سلاح مبارك في العشيرة؟

حسنا.. ستعرف عن هذا عاجلا أم آجلا، لدينا الكثير من الأسلحة من المستوى الثامن وهي عبارة عن أسلحة يدوية مثل الرشاشات وقاذفات الطاقة، ولدينا أيضا ناقلات بحرية وجوية من المستوى السادس والسابع وهي مجهزة بأسلحة مباركة في جميع المستويات تحت المستوى السادس، كما أن الشيوخ يمتلكون أسلحتهم الشخصية وقد تكون في المستوى التاسع حتى.

لكن أهم سلاح مبارك في العشيرة -وهو تحت يد رئيس العشيرة مباشرة- عبارة عن درع طاقة من المستوى العاشر، يعطي لابسه حصانة من أغلب الهجمات تحت المستوى العاشر، لهذا لا أحد يجرؤ على معارضة الرئيس ما داموا لم يحصلوا على أسلحة مباركة في المستوى العاشر، وهو أمر شبه مستحيل بسبب سعرها الذي قد يصل إلى مئات من حاويات الطاقة، وإنتاج هذا العدد من حاويات الطاقة سيحتاج إلى آلاف الأسياد في المستوى التاسع والعمل المتواصل لعدة سنوات، هذا هو الفرق بين الأسلحة المباركة من المستوى التاسع والأخرى من المستوى العاشر.

ولأن حاوية طاقة واحدة يمكن تحويلها إلى مائة ألف عملة على الأقل فهذا يعني بأن سعر سلاح مبارك واحد في المستوى العاشر يساوي جبالا من العملات، بينما قد تكفي بضعة آلاف عملة لشراء سلاح من المستوى التاسع، وطبعا فهذه المشكلة يعاني منها سكان المناطق المنسية مثل الجزر الشرقية التي لا يتجاوز سكانها المستوى العاشر في تدريبهم بسبب قلة الموارد المباركة، أما في الأماكن الأخرى مثل وسط القارة فالحصول على أسلحة أقوى من المستوى العاشر أمر ممكن حسب ما تملكه من أموال ونوع العشيرة التي تستند إليها.

على أي حال، لا تهتم بكل هذا، المهم الآن هو أن تعمل جيدا حتى توقظ مهارة الماء، لا أدري كيف وقع اختيارك على مهارة النار رغم وجود خمس خيارات أخرى، فلماذا لا تختار النور مثلا والذي يعتبر عنصرا مزعجا جدا للأعداء؟

أقصد.. أليس النور أقوى من النار؟

نعم.. الماء أفضل عنصر في الجزر الشرقية ويتيح لك السباحة بسرعات خارقة ويمنحك خواص جيدة في القتال القريب.. لكن النور هو الأقوى وسيبقى على رأس جميع العناصر بسبب قدرته على اختراق الدفاعات.

وفي المقابل هناك عنصر الظلام أيضا والذي يجعلك تندمج مع الظلام، طبعا.. حينها سيكون إجباريا أن تنضم إلى فرقة العمليات الخاصة وتقوم بالأعمال القذرة للعشيرة، وأيضا ستكون مسجلا في سجلات الدولة لنفس الغرض حيث لا تستطيع العشيرة رفض طلب الدولة عند استدعائك للعمل، لذلك أفضل أن تختار عنصر البرق أو الرياح على أن تختار عنصر النار، فالبرق مثلا سيعطيك قوة هجومية أفضل بكثير من عنصر النار الذي لا توجد تقنيات كثيرة لاستخدامه، خاصة أن أغلب من اختار عنصر النار يعانون من طفرات جسدية تقلل من أعمارهم ويموتون في النهاية بسبب قدراتهم الخاصة، نعم، البرق ليس أقوى من الهجمات النارية إذا كانت لديك تقنية نارية قوية لكنه على الأقل لا يؤذيك بقدر ما تفعله النار.

الرياح أيضا جيدة وتجعلك تتحرك بسرعات خارقة، مما يعطيك فرصا للنجاة، ومع أن عنصر الرياح يؤذي الجسد أيضا إلا أن هذا عام في جميع العناصر، فكل المباركين يعيشون على حافة السكين، ويجب عليهم دائما الخضوع للاختبارات وأخذ الأدوية المناسبة لتقليل الآثار الجانبية التي تؤرق أجسادهم، هذا هو سعر الحصول على القوة، هل تعتقد بأننا نعيش في عالم خيالي؟

أنت ذكي ولا تحتاج مني لتذكيرك بأننا نقوم بكل هذا للحصول على الحصانة من مرض اللمسة المظلمة وليس فقط للحصول على القوة القتالية، القوة ليست سوى هدف إضافي لنا، ومع أننا لا نستطيع توفير البذور المباركة لجميع سكان العشيرة إلا أن حصولنا على القوة يكفل لنا الأموال اللازمة لشراء الأدوية، وإلا فسيكون حالنا مثل حال العبيد الذين لا يعيش أغلبهم سوى عشرين أو ثلاثين عاما قبل أن ينهاروا، وللأسف فالحكومة تجبر العشائر على توفير نوع منخفض من الأدوية للعبيد المسجلين حتى تستمر أعمالهم الإنتاجية، وهذا عبء إضافي أُرغِمنا عليه.

أن تكون مباركا لا يعطيك الحصانة الشاملة، ولا يمكننا حتى التهرب من التحول إلى مباركين بسبب ضرورة حماية الجنس البشري من الغزو الخارجي، وإذا انخفض عدد مباركي العشيرة فقد تتدخل الحكومة وتجبرنا على اتّباع خطط أقسى كنوع من العقاب، لذلك ليس بوسعنا سوى الاستمتاع بهذه "الحياة الزاخرة" عكس العبيد الذين يعيشون على حسابنا وعندما يحين وقت القتال فلا ينفعون في شيء سوى كونهم دروعاً من اللحم، وحتى إذا ظهر فيهم بعض المباركين من وقت لآخر فـأول ما سيفعلونه هو الانتقام منا، لهذا وضع الجنس البشري قيودا على العبيد حتى لا يحصلوا على البذور المباركة، وتسليمها لهم يعتبر خيانة للجنس البشري، وإذا ظهر أحدهم وتم كشفه فسيتم التحقيق معه ومع عائلته لمعرفة كيفية حصوله على تلك البذرة، وفي النهاية سيتم تجنيده إجباريا ليصبح بشريا من الدرجة الثانية، ولن يرتفع مستواه ويصير مثلنا إلا بعد المساهمة في الحرب لصالح الدولة.

هووف، دخلنا في أمور جانبية كثيرة، لا تهتم بما لا يجب أن تهتم به، أنت بشري ولا داعي للشفقة على جنس العبيد، يكفينا ما نحن فيه من حروب مع باقي الأجناس الأخرى، كل ما يجب أن تهتم به هو الحفاظ على مستواك التعليمي لفهم كيفية التحكم في بذرتك المباركة والاستعداد ليوم الإيقاظ.

آه، لا تهتم كثيرا حول مسألة الإضرار بجسدك بعد الإيقاظ لأنك لا تزال شابا، وإذا اتّبعت إرشادات العشيرة فقد تعيش حتى مائة عام، فليس كل المباركين يموتون باكرا وإنما فقط أولئك الذين يسيؤون استخدام قواهم، ألا ترى أن رئيس العشيرة في السبعين من عمره ولا يزال قويا؟

ماذا؟

العنصر السابع يزيد فترة العمر؟

اللعنة، لماذا تذكر شيئا تافها مثل هذا؟

ما هي فائدة طول العمر إذا كنت ستتحول إلى حيوان أسوأ حتى من العبيد؟

رافي، بُني، يجب عليك اتباع إرشادات العشيرة حول أفضل الطرق لتشكيل عبارات الإيقاظ، ومهما كان العنصر الذي توقظه.. فلا يجب عليك بتاتا إيقاظ العنصر السابع، أبوك لن يستحمل الأمر، وحتى لو استحملتك فلن يكون الأمر في يدي ولن أستطيع مساعدتك، أنت تعرف قوانين هذا العالم، لا أحد ينجوا من القوانين العالمية، العنصر السابع ليس مشكلة عند البشر فقط وإنما عند جميع الأجناس، لذلك.. كُن حذراً!

...

رافي.. ابن السابعة عشر من عمره، أكثر طفل متميز في عشيرته، حلم كل فتاة مراهقة، هدف كل مراهق في نفس عمره، أذكى شاب في الجزر الشرقية، الحائز على عدة جوائز ثقافية ورياضية، المتميز في الخطط الاستراتيجية بشهادة مبعوث الحاكم العام أثناء مسابقة تجنيد سرية، الفتى الذي تميّز بقوة ذاكرته وحسن تخطيطه ومَكرِه في معالجة الأعداء، الآن.. وهو يمر في مرحلة الإيقاظ بينما يتذكر حواره مع أبيه قبل ثلاث سنوات، رفع يده ونظر إليها بتعبير فارغ، لم يهتم إلى كونه يقف عاريا في حوض صغير بعد استنفاذ السائل المخصص لإيقاظ البذرة، فكل ما يهتم به الآن هو العنصر الذي أيقظه، تمتم بدون إدراك.. "العنصر ... السابع"

اغرَورقت عيناه لأن مستقبله قد بدا أمام عينيه، مستقبل مليء بالمعاناة، عض شفته السفلى بينما كانت طبقة من الضباب تغزو جسده، تحولت نظرته إلى ضبابية وبدأ يفقد الرؤية، ومع ذلك.. رفع بصره نحو الأشخاص الواقفين أمامه، وركّز بالخصوص على أبيه الذي كان يحمل تعبيرا غريبا على وجهه، لا يدري رافي ما إذا كان يتألم أم يشمئزّ منه، لم تُتَح له الفرصة أصلا لتحليل نظرة أبيه لأن هذا الأخير قد انقضّ عليه بسرعة ولكمَه بقوة وهو يصيح

"موته أفضل من حياته"

انفجر بعدها سيل من الدماء وسقط رافي أرضا لا أحد يدري أهو حي أم ميت!

2021/01/10 · 601 مشاهدة · 1896 كلمة
zombiking
نادي الروايات - 2024