أخيرًا، لقد تحقق الأمر... نحن الآن في غرفة مظلمة لا تعرف النور إلا بضع أصدقاء، وباب الغرفة الذي هو من أقسى أبواب الدنيا، حديده وصدأه يكاد ينكسر... أصوات الضرب ومحاولات كسره تكاد تقضي عليه، لكنه يريد أن يقطع الوعد الذي يقول إنه لن ينكسر هذا الباب أبدًا. لكن هل هذا الأمر سيتحقق فعلاً؟ أم أن الوعد الذي قطعه هو مجرد أوهام أوهم بها الناس الذين ظنوا أن الجلوس هنا آمن؟ إننا على حافة الرحيل أو الموت... فمن يدري؟ ربما من يريد كسر الباب والدخول سفاح من السفاحين الإنسانيين، أو ربما كائن لا ينتمي إلى هذا العالم، بل ينتمي إلى عالم آخر لا نعرف عنه مثقال ذرة منه ومن أبناء جنسه.
فإليك نصيحتي، لمن غمره الفضول عن هذا الباب... إني أحذرك من أن تتبع هواك وفضولك لتقرر الدخول إلى هنا واكتشاف ما يوجد، فصدقني... كل ما دخل هنا لم يجد في هذا المكان إلا الأمور التي أحيانًا تذهب العقل، أو تقضي على الجسد بأكمله. بل امضِ في دربك أو أي درب آخر غير هذا الدرب.
"ما الذي فعلناه؟" تساءل هشام وهو ينظر إلى الأرض. كانت يده اليمنى مغطاة بالعرق، وعيناه متسعتان وكأنهما تحملان أعباء كل ما حدث. "لقد تجاوزنا الحدود، وتلاعبنا بما لا يجب التلاعب به." "اهدأ، لا فائدة من الذعر الآن!" قالت فاطمة وهي تجلس على الأرض، تحاول السيطرة على أنفاسها المتسارعة. "ما زال لدينا وقت، أليس كذلك؟" "وقت؟" ضحك هشام بسخرية، "هل تعتقدين أن الجن يمنحون وقتًا؟ إنهم ليسوا مثلنا. لديهم قوانينهم الخاصة. عندما يتدخل البشر في عالمهم، الرد دائمًا سريع وقاسٍ." أسامة، الذي كان يجلس في زاوية الغرفة، كان يحدق بالقطعة المعدنية الملقاة على الأرض. قال بصوت منخفض، "هذه القطعة ليست عادية. النقوش التي عليها... رأيتها في كتاب قديم. قيل إنها تُستخدم كبوابة بين العالمين." "بين عالمنا وعالم الجن؟" سألت فاطمة، صوتها بالكاد يسمع. "نعم، لكنها ليست مجرد بوابة. إنها أيضًا ختم. والختم، بمجرد كسره، لا يمكن إعادته كما كان."
بدأ الباب بإصدار أصوات غريبة، كأنما شيء خلفه يحاول الاختبار. الجميع تجمد في أماكنهم، أنظارهم معلقة بالباب. الصوت لم يكن طبيعيًا، بل كان أشبه بأنفاس ثقيلة تتردد على مسامعهم. "هل سمعتم ذلك؟" همست فاطمة. "نعم، لكن لا تتحركي. لا تفعلي أي شيء." قال هشام، محاولًا السيطرة على الخوف الذي بدأ يظهر في صوته. "أتعلمون ما هو أسوأ من أن نكون هنا؟" قال أسامة، وهو يشير إلى القطعة المعدنية التي بدأت تتوهج بلون أحمر خافت. "أسوأ ما في الأمر أننا لسنا وحدنا."
في هذه اللحظة، تذكر هشام ما قرأه منذ سنوات في كتاب قديم عن الجن: الجن ليسوا مخلوقات متشابهة. لديهم قبائل وأعراق، وقوتهم تختلف باختلاف مراتبهم. هناك الضعفاء الذين يعيشون في أطراف العالم، وهناك الأقوياء الذين يحكمون عوالم كاملة. لكن الأهم من كل ذلك كان التحذير الذي قرأه: لا تتجاوز الحاجز بين العوالم، لأن ما وراءه لا يخضع لقوانين البشر، ولن يرحم من يدخل إليه.
"ماذا لو كان خلف الباب أحد هؤلاء الأقوياء؟" قال هشام بصوت مبحوح. "لا تقل ذلك!" صاحت فاطمة وهي تنظر إليه بعينين ممتلئتين بالدموع. "لا أريد أن أصدق أننا استدعينا شيئًا كهذا." "سواء صدقتِ أم لا، الحقيقة أننا تجاوزنا حدودنا. الآن علينا التعامل مع النتائج." رد هشام بجمود.
الباب انفتح ببطء، لكن ليس بفعل شيء مرئي. الرياح الباردة اندفعت إلى الداخل، تحمل معها همسات غير مفهومة. الجميع تجمدوا في أماكنهم، أنظارهم معلقة بما كان يظهر أمامهم. ما وراء الباب لم يكن مظلمًا كما توقعوا، بل كان مشهدًا غريبًا. عالم غريب مليء بالضباب، وأشجار ملتوية، وظلال تتحرك بسرعة، لكنها لم تكن تشبه البشر. "هل هذا عالمهم؟" تساءلت فاطمة بصوت مبحوح. "لا تنظروا!" صرخ هشام فجأة، لكنه كان متأخرًا. أسامة كان قد خطى خطوة نحو الباب. "لا أستطيع... أريد أن أعرف ما يوجد هناك." قال أسامة، وكأنه مسلوب الإرادة.
في لحظة، امتدت يد غير مرئية من داخل الضباب، وأمسكت بأسامة. صرخ وهو يُسحب ببطء نحو العالم الآخر. "ساعدوني!" صرخ، لكن شيئًا ما كان يمنع هشام وفاطمة من الحركة. "لا يمكننا فعل شيء!" قال هشام، وهو يحاول التحرر من القبضة الخفية التي تمنعه من التحرك. فاطمة، التي كانت ترتجف من الخوف، أغمضت عينيها وبدأت تتمتم دعاءً بصوت منخفض. لكن الصوت الآخر الذي خرج من العالم خلف الباب كان أقوى. "لقد استدعيتُمونا، ولن يعود شيء كما كان." كانت الكلمات عميقة ومخيفة، وكأنها تُقال من قبل مئات الأصوات في وقت واحد.
في تلك اللحظة، أغلق الباب فجأة، وأعيد الصمت إلى الغرفة. لكن هشام وفاطمة كانا يعلمان أن الأمر لم ينتهِ. القطعة المعدنية كانت لا تزال متوهجة، والباب كان يحمل وعودًا بالفتح مجددًا. "هذا ليس النهاية." قال هشام وهو ينظر إلى فاطمة. "بل هو البداية فقط."
ثم، كما لو أن كل شيء توقف فجأة، أغلق الباب بسرعة، ليتناثر الصمت مرة أخرى في أرجاء الغرفة. لم يكن هنالك أي صوت أو حركة. كل شيء كان ساكنًا بشكل غير طبيعي، والقطعة المعدنية التي كانت على الأرض ما زالت تتوهج بلون أحمر غريب، كأنها مفتاح سرٍ عميق.
"لقد ذهب... ذهب حقًا." قالت فاطمة، وهي تجلس على الأرض، يدها على قلبها كما لو كانت تحاول أن تستعيد أنفاسها المفقودة.
هشام كان ينظر إلى المكان الذي اختفى فيه أسامة، عيناه ضيقتان مليئتان بالحيرة والغضب. "لا، هذا ليس صحيحًا. لا يمكن أن يكون ذهب بهذه السهولة. نحن في مكان لم نكن ينبغي أن نكون فيه، وكان هذا متوقعًا."
فاطمة نظرت إليه بقلق، لكن هشام كان يتأمل في القطعة المعدنية التي كانت تومض بشكل غير طبيعي. "هذا الختم ليس مجرد فتح للباب. إنه شيء أكبر من ذلك. نحن لم نستدعي الجن، بل ربما استدعينا شيئًا آخر."
كان قلب هشام ينبض بسرعة بينما نظر إلى الباب، وفي ذهنه تتداخل الأفكار بشكل محموم. لقد تم كسر الختم، وأيًا كان ما حدث من وراء الباب، فكل شيء كان يشير إلى بداية شيء مظلم. "علينا أن نعرف كيف نعيده... إن كان هناك أي طريقة للعودة. لا يمكننا البقاء هنا."
لكن قبل أن تكمل فاطمة كلامها، بدأ الباب يفتح مجددًا بشكل مفاجئ. الرياح العاتية اندفعت نحوهم، تحمل معها همسات، وكأن تلك الأصوات كانت تقترب منهم خطوة بخطوة. هشام وقف فجأة، عينيه تسكنهما نظرة تحدٍ، ولكن قلبه كان مليئًا بالخوف.
"ماذا عن أسامة؟" قالت فاطمة، عيناها مليئتان بالدموع.
هشام كانت عيونه ملتصقة بالباب، وعقله يتسابق وراء إجابة. "لا نعرف أين هو، ولا ماذا سيفعلون به. لكننا يجب أن نكون مستعدين. عالمهم مختلف عن عالمنا، ونحن هنا فقط لأننا فتحنا الباب."
كانت أصوات خلف الباب تزداد تعقيدًا، وكأنها تهمس لهم مباشرة، لكنها مليئة بالكراهية والتهديد. "لقد تجاوزتم الحدود." قالت الأصوات، كأنها تخرج من عالم آخر، من مكان لا يستطيع الإنسان فهمه.
هشام انتفض في مكانه، مشدودًا بكل قواه نحو الباب. كانت يده على رأسه، وهو يحاول إيجاد مخرج من هذا الكابوس. كان يدرك جيدًا أنه لم يعد هناك مجال للهرب، وأنه يجب أن يواجه كل ما وراء هذا الباب الملعون.
"هذا ليس النهاية... بل هو بداية شيء لا يمكن التراجع عنه." همس هشام لنفسه، قبل أن يبدأ بالتحرك نحو الباب، متحديًا الظلام الذي كان يوشك على ابتلاعه.