الغرفة التي كانوا فيها كانت مضاءة بضوء خافت، ومع مرور الوقت، بدأ الظلام يعمّ أرجاء المكان، مثلما يعمّ الشعور بالاختناق في صدورهم. الباب الذي كان قد أغلق بقوة بعد اختفاء أسامة، بدأ يئن من جديد. كان هشام وفاطمة في حالة من الترقب، وكأنهما يدركان أن ما سيأتي بعده لا يشبه أي شيء قد مرّ به البشر من قبل. وكان الفزع يتسارع في قلوبهم، لكنهما كانا مجبرين على التوقف والتأمل في هذا العالم الجديد، الغامض والمظلم.

"هل تعتقدين أننا سننجو؟" همس هشام وهو ينظر إلى الباب المغلق.

فاطمة، التي كانت تتأمل القطعة المعدنية التي لا تزال تتوهج، ردت بصوت منخفض، "لا أعرف... لكننا يجب أن نكون حذرين. كل شيء هنا غريب."

بينما كان هشام يفكر في الكلمات التي قالها الجن وراء الباب، بدأ الضباب الكثيف الذي تسرب عبر الفجوات يزداد كثافة، وأصبح الجو خانقًا بشكل غير طبيعي. كانت هناك همسات غير مفهومة في الهواء، كما لو أن أصواتًا بعيدة من عالم آخر كانت تراقبهم، أو تنتظر اللحظة المناسبة لتغمرهم.

ثم، كما لو أن الزمن توقف فجأة، بدأ الباب يفتح ببطء. كان الصوت الذي يصدر عن فتحه غير طبيعي، وكأنما كان الباب يتحرك تحت تأثير قوة غير مرئية. فجأة، اندفعت رياح باردة جدًا، تحمل معها عبقًا ثقيلًا من الغموض. كان بإمكانهم سماع أنفاسهم تنفصل عن بعض، كأنها تتسابق في صراع للبقاء.

وقف هشام وفاطمة في مكانهما، عيونهما لا تبتعد عن الباب، حيث بدأ يظهر ظل غريب. وكأن شخصًا أو كائنًا قد بدأ يخرج منه. كان يبدو وكأن الظل يبتعد عن الضباب، ليصبح أكثر وضوحًا مع كل لحظة تمر. تتابعت الأنفاس الثقيلة، ومرت عدة ثوانٍ، وكأنها دهر كامل.

فجأة، اقترب الكائن منهم. كان طويلًا، وعيناه متوهجتان بألوان غير بشرية. كان يرتدي ثوبًا قديمًا، مغطى ببعض الرموز الغريبة. وعندما اقترب أكثر، ظهرت تفاصيل ملامحه. كان يبدو كالإنسان، لكنه كان مختلفًا بشكلٍ ما. عينيه، رغم بشرته، كانت تحمل وهجًا غريبًا، مثلما لو أنه كان ينتمي إلى عالم آخر.

"من أنت؟" سأل هشام، صوتاه مختنقًا خوفًا.

قال الكائن بصوت عميق، عميق بشكل جعل أصداؤه تتردد في الفضاء: "أنا جني مسلم... لكن لا تقيسونني بالبشر."

"جني مسلم؟" قالت فاطمة بتوتر، تحاول أن تستوعب ما يقوله. "كيف... كيف يمكن لجني أن يكون مسلمًا؟"

"الإيمان لا يقتصر على البشر فقط. نحن في عالمين مختلفين، لكن هناك بيننا من يؤمن بما تؤمنون به، وهناك من لا يؤمن. ولكني... لا أريد أن أكون كأولئك الذين أخافوكم."

كان صوت الجني يبعث على الهدوء، لكن شيئًا في عينيه كان يثير الذعر. كان هناك شيء غير طبيعي فيه، شيء غير واضح. فجأة، وقفت الرياح مجددًا، وكأن الزمن قد عاد إلى سيره الطبيعي. لكن الكائن الذي كان أمامهم لم يختفِ، بل وقف هناك يراقبهم بعيون تفيض بالأسئلة.

"لماذا أتيت؟" سأل هشام، لا يزال يشعر بنوع من التردد في صوته.

أجاب الجني المسلم بصوت جاد، "لقد تجاوزتم حدودكم. فتحتم بابًا لا يمكن غلقه. دخلتم إلى عالم لا يمكن لكم أن تتحكموا فيه. لكنني هنا لأنني قد أكون الوحيد الذي يمكنه مساعدتكم."

فاطمة نظرت إليه بعينين قلقتين، "لكن أسامة... هل يمكننا إعادته؟"

"أسامة ليس هنا." قال الجني بصوت هادئ، وهو يقترب أكثر. "لقد دخل إلى عوالم أعمق. وما من سبيل للرجوع. إن من عبث بموازين العوالم سيدفع الثمن."

ثم تحول وجهه إلى تعبير أكثر جدية. "لكن لا تستسلموا. زعماء الجن لا يرحمون من يتدخل في شؤونهم. وهناك من سيريد استغلال ما فعلتم. عليكم أن تتجنبوا غضبهم، وإلا فأنتم في خطر عظيم."

ومع تلك الكلمات، اهتزت أركان الغرفة، وكأنما كان العالم بأسره يوشك على الانهيار. كان الضباب يتكثف حولهم، وأصبح الهواء ثقيلاً لدرجة أن التنفس أصبح أمرًا شاقًا. "الجن الذين تقاتلونهم ليسوا كغيرهم. هناك زعماء بيننا. وها أنا أخبركم... لتستعدوا لما سيأتي."

انفتح الباب أمامهم فجأة، وكأنما كان يستدعيهم لدخول عوالم مظلمة لا يعرفون عنها شيئًا. كانت أصوات قديمة، مرعبة، تتسرب عبر الفجوات في الهواء. كان الجني المسلم ينظر إليهم بحذر، وكأنما كان يحاول إخبارهم بشيء مهم.

"ماذا تقصد؟" همست فاطمة، عيونها مليئة بالخوف.

"سيتعين عليكم مواجهة أقوى منهم. وهناك من بين الجن من يحكم العوالم ويصنع الموازين. إنهم يراقبونكم الآن، ويريدونكم في لعبتهم. إن لم تتعاملوا معهم بحذر، فسيأخذونكم إلى حيث لا عودة."

كان الظلام يزداد كثافة في الغرفة، والعالم الخارجي أصبح غير واضح، كما لو أن البوابات التي كانوا قد فتحوها قد بدأت تفتح شيئًا أكبر من قدرتهم على تحمله. وكان الصوت الذي جاء من الباب هو أصدق تعبير عن الخطورة التي كانت تلاحقهم الآن.

"إلى أين نذهب؟" سأل هشام بصوت منخفض، شعر وكأن الأرض بدأت تهتز تحت قدميه.

أجاب الجني المسلم، "لا خيار لكم الآن. يجب أن تذهبوا إلى عوالم الجن. وإن لم تفعلوا ذلك، فإن الزعماء سيأتون إليكم."

قبل أن يستطيع هشام أو فاطمة الرد، كان الجني قد اختفى فجأة، تاركًا وراءه ضبابًا كثيفًا في المكان، وكأنما كان جزءًا من حلم مظلم بدأ يتلاشى.

لكن الصمت الذي تلاه لم يكن نهاية للكارثة التي ستواجههم. كان الباب مفتوحًا أمامهم الآن، وكان عليهم أن يقرروا: هل يسيرون نحو المجهول؟ أم يبقون في عالمهم ويواجهون عواقب أفعالهم؟

"ماذا علينا أن نفعل ؟" سألت فاطمة و شعر يديها قد أصبح عمودا مستقيما من شدة الخوف .

" لا أدري . علينا أن نخرج من هذا الباب ، ربما نجد سبيلنا من خلاله "

" حسنا لنفعلها "

خرج هشام و فاطمة من الباب ، و بدآ يتجولان في الأروقة التي كانت تغمرها بحيرات من الدم و على جدرانها كتبات و نقوش غريبة ، وفي نفس تتداوى همسات و أصوات عدها هشام و فاطمة انذارات لوقوع الكارثة . فما هي الكارثة ؟

2024/12/20 · 12 مشاهدة · 863 كلمة
Fosterbad
نادي الروايات - 2025