الفصل الأول: ذكريات مؤلمة
كان الليل يزحف ببطء فوق أسوار المملكة، والسماء مُثقلة بالغيوم كأنها تحمل همّ البلاد بأكملها.
في الممر الطويل داخل القصر، سار الملك وزوجته بخطوات متثاقلة، تتناوب أنفاسهما على حمل صمت مرهق.
قال الملك، وصوته مبحوح:
"الضرائب تحرق الناس… الحرب الاخيرة كسرت خزينة الدوله، والهوفر يطالبون بأجر لا نستطيع تحمله."
أجابت الملكه بنبرة مرتجفة:
"إلى متى؟ الجنود يتساقطون، الشعب يتضور جوعًا… حتى النور الذي وعدناهم به إنطفئ."
أطرق رأسه، ثم قال بحزن:
"لا حل سوى مملكة شينكَن… عقد التنقيب عن اللوردينيوم. مذلة نعم، لكن من دونه سنسقط."
شهقت وهي ترفع عينيها نحوه: "سيأخذون المعدن كله تقريباً… 85% لهم! أهذا ما تبقى لمملكتنا؟"
لم يجب. كان صمته أبلغ من أي اعتراف.
في الحديقة الملكية، دوّى صوت الخشب المتصادم.
آشوراز الصغير يترنح تحت ضربات أخيه لويد، بينما ضحكة الأخير تتطاير في الهواء.
"سقطتَ مجددًا!" صرخ لويد منتشيًا.
نهض آشوراز، عرقه يقطر، وصاح: "كنت أرحب بأبي وأمي! هذا غش!"
ابتسم لويد ببرود:
"الحرب لا تنتظر ابتسامتك… الخصم يغتنم كل فرصه. الآن النتيجه: مئتين انتصار لي… ولا شيء لك."
غلى الدم في عروق آشوراز، لكنه لم يجد سوى الغيظ سلاحًا يواجه به أخاه.
ثم فجأة…
انكسرت الصورة.
الحديقة بدأت تتلاشى كحلم يذوب في ماء أسود.
الأشجار، العشب، حتى ضحكات أخيه… كلها تراجعت في هواءٍ ثقيل.
وبين غشاوة الظلام، انفتح المشهد:
دماء تملأ الأرض.
لويد بين ذراعيه، بارد، خافت الأنفاس. بجواره جثتا والديه، ساكنتان بلا روح.
صرخ آشوراز: "لم يكن خطئي!"
لكن صوتًا آخر انبثق من الظلام، أجوف، كأنه صدى داخلي:
"بل كان انت السبب… غرتَ منه… ضللتَ دربه… والآن الكل رحل بسببك."
ارتجف جسده، وعيناه تجمدتا على الدماء التي تسيل حتى غمرت خطواته.
صحا على صرخة اخترقت صدره:
"لوووويـد!!"
جلس مفزوعًا، عرقه يغرقه، يديه ترتجفان وهو يهمس:
"ما كنت… ما كنت… ماكنت…"
الكلمات تنكسر في حلقه، تتكرر حتى لم يعد يعرف هل يقولها بصوت مسموع أم يسمعها فقط داخله.
المكان التالي…
ساحة تدريب مهجورة فوق جبل غارق بالضباب.
ركع آشوراز، يلهث، قبضته على سيف خشبي متشقق.
أمامه وقف المعلم شين، عيناه مثل حجرين داكنين لا يلمعان.
قال بصوت منخفض لكنه صارم:
"إنهض."
لم تكن كلمة… بل حُكمًا.
وفي كل مرة ينهض ليسقط بعدها، كان يشعر أن الأرض لا تختبر جسده… بل تختبر بقاءه.
لم يفسر شين، لم يرحم.
كان التدريب أشبه بمحاكمة صامته، كأن الجبل نفسه يراقب سقوطه.
وهناك، وسط البرد والرماد، أدرك آشوراز أن رحلته لم تبدأ بعد… بل أن سقوطه هو البدايه.