في فج عميق بين الجبال، تردد صدى خطوات ثقيلة في أعلى القمم المحيطة، صف من الرجال الملثمين يحملون مشاعل في أيديهم و يقودون عربة فاخرة باتجاه بركان هائج يقع أمامهم مباشرة

" هل أنت واثق من ما تفعله، لن أتركك تزعج سلام أبنائي بدون نتيجة مرضية "

على حافة البركان حدق زعيم عشيرة اللهب المقدس بنظرة تهديد في شخص مجهول يرتدي قلنسوة سوداء بجانبه

بدأت ملامح الشخص تتوضح شيئا فشيئا، تجاعيد و ندوب مقززة منحوتة على محياه مضيفة منظرا شريرا إلى وجهه العجوز، ابتسم بروية و ضيق عينيه

" لا تكن ساذجا مردوك، لا وجود لشئ يدعى السلام هناك...آمل أن لا تخلف بوعدك لي " تحدث بصوت مبحوح و خافت ثم رفع رأسه إلى الأعلى

فوق البركان، عاليا بين الغيوم حلق طائر مهيب يشبه الصقر ذو ريش أبيض و منقار أخضر..ضخم البنية بحجم فيلين تقريبا، توقف عن رفرفة جناحيه الهائلين و هبط نحو الفوهة، غطى ستار الدخان شكله و ترك خياله فقط للمبصرين

مع اقترابه تبدد الدخان بشكل ملحوظ كأنه يفر منه، و ظهر الشكل ليستقر قربهم على الحافة

" لقد مضى وقت طويل منذ آخر لقاء..مردوك، تعازي لابنك و حفيدك، فلترقد روحهما بسلام " قفز هيئتان من على ظهر الطائر، رجل متوسط العمر طويل القامة ذو حواجب سميكة و شاب له بعض الشبه معه

" شكرا على تلبية الدعوة..سرجون، و هذا الرجل الصغير بقربك يدعى نيتا أليس كذلك؟..*اسم على مسمى " وضع مردوك ابتسامة صغيرة على وجهه و رحب بهما بحفاوة

(//تعليق الكاتب : نيتا في اللغة العامية تعني الرجل)

" هذا واجبي فقبل كل شئ نحن في تحالف، و لا تنسى أن الفقيد صديق عزيز علي...يبدو أنك بدأت تتقدم في السن حتى أنك نسيت أن تقدم هذا الشخص بجانبك " لمح للعجوز على الجانب

" أدعى زهوك...*كاهن قديم."

نظر الزعيمان لبعضهما البعض بغرابة، و يبدو من أعينهما أنهما يتحدثان بطريقة ما ،بيد أنه لا يمكن سماع شيء

صعد أحد الرجال الملثمين برشاقة إلى قمة البركان

" سيدي ،لقد وصل التابوت.."

" حسنا..ضعه قرب الحافة و أخبر سيرن أن يقوم بالاستعداد لمراسم الجنازة "

ربت كتف سرجون ليريحه و في عينيه نظرة تشير إلى أنه لم يكن لديه خيار ،أومأ الآخر برأسه في تفهم

(//تعليق الكاتب : كاهن قديم..اسم نادرا ما كان يلقب به المشعوذون)

***

" سيد سيرن...انظر إلى السماء ،هل ترى ما أراه؟ "

تحدث أحد الرجال الملثمين بعد إخراج تابوت كبير من العربة ،مباشرة بعد ذلك بحث الآخرون فرأوا سفينة و فراشة عملاقة لا أحد يعلم من أين برزوا فجأة

" نعم..إنها بلا شك *فراشة قوس قزح ،وحش سحري من رتبة وزير و الغني عن التعريف *السفينة العائمة..سلاح سحري عالي الجودة " رد سيرن بنبرة توحي بأنه من ذوي الخبرة

" السفينة ملك لعشيرة حاكم البحار السبعة ،و الفراشة مطية خاصة بعشيرة جنية الغابة "

" هاه..كالعادة سيد سيرن يرقى لسمعته..خبير حقيقي " بدأ أحدهم بتملقه

" سيد سيرن..ماذا عن ذلك الطائر الضخم هناك؟ "

" هو أيضا وحش من رتبة وزير يدعى *بساط الريح و هو في حوزة عشيرة الإعصار السماوي "

" ماذا عن عشيرتنا؟..لم أسمع قط أننا نملك وحشا من رتبة وزير ،أجل لدينا *كلب جهنم ،لكنه من رتبة جنرال فقط "

أحس سيرن بالعار و اعتقد في نفسه " يبدو أن عشيرتنا بدأت تتخلف عن القوى الأخرى ،أخشى ألا..."

قبل أن ينهي كلامه سقط بصره على صبي ملثم تبدو عليه علامات الحزن ثم تنهد

" لكن طالما أن السيد الشاب على ما يرام ستسترجع عشيرتنا وضعها عما قريب "

حين وصل القادمون الجدد استقروا بالضبط قرب بساط الريح ثم خرجت أربع نسوة من السفينة ،امرأتان و فتاتان

" مرحبا بالسيدتين أيا و دارلا..أهلا بالأميرة إينانا و الجنية لارسا أيضا ،يبدو أنه قدر للسحرة الهجناء من إمبراطوريتنا الاجتماع هنا ،عسى هذا أن يكون ذا فأل حسن لعشيرتي " ابتسم مردوك للفتاتين و رحب بالسيدات بلباقة

" جئنا لنقدم التعازي للراحلين و إن احتجت أي مساعدة في التحقيق فلا تتردد في إخبارنا " رن صوت دارلا الهادئ كالموسيقى في آذان الحشد

"لقد قرر بالفعل ،عشيرتي ستتكلف بهذا التحقيق..و سيكون لدينا اجتماع بعد الجنازة للتخطيط للعلاقات المستقبلية " رد سرجون مبتسما

" حسنا ،أين وصلت الاستعدادات يا سيرن؟ "

" حالا يا سيدي "

قاد عشر رجال لحمل التابوت الكبير إلى الحافة ثم زينوه بالبخور و الزهور ،بعد أن اصطف الحاضرون سار مردوك للوقوف أمام القبر و رش بعض المياه المقدسة و تلا بعض الدعوات المباركة

....*همس...

" سأفتقدكم يا أبنائي..لكن لا تقلقوا لن يهنأ لي بال حتى أنتقم لأرواحكم ،أقسم أني سأجده و سأقتصّ لكم "

" آنو..تعال إن أباك ينتظرك " و أشار إلى الصبي الملثم

اقترب الفتى من جده و وضع يديه على التابوت ثم أغمض عينيه..لما فتحهم دفع التابوت إلى جوف البركان

" فليبارك إله النار أرواحهما " ردد سائر أفراد العشيرة بصوت واحد

استدار مردوك و أراد الانضمام للزعماء الآخرين حتى يتكلموا على انفراد ،لكن فجأة حدث ما لم يتوقعه أحد..بدون سابق إنذار قفز آنو داخل فوهة البركان و سقط في الحمم الحارقة..لقد حدث كل شيء بتتابع سريع لدرجة أن ردود فعل الحاضرين جاءت متأخرة للغاية

" يال الهول ،لقد انتحر السيد الشاب "

" يا إلهي..ما هذه المصائب المتتالية على عشيرتنا؟ "

" لا إنه خطؤنا ،لقد خذلنا حرصنا "

" *لاااااااااااااااااااااااااااااا "

صرخ مردوك بصوت أرعب الجميع و همّ بالقفز هو الآخر

" توقف ،لا تتسرع..إنه لا يزال حيا " تحدثت أيا بصوت خافت ،رغم ذلك تمكن مردوك من سماعه و تسمّر في مكانه

" ماذا تعنين بذلك؟ ،و كيف تعرفين أنه لا يزال حيا "

" طاقة حياته لم تنطفئ بعد ،أستطيع أن أشعر بذلك "

" إن كان لا يزال حيا ،فعلى الأرجح أنه يمر بمرحلة الإيقاظ..أنت لا تريد إزعاجه لأنه سيموت حقا إن فعلت ذلك " قاطعتهم دارلا و حدقت في الحمم ،صمت الجميع و انتظروا بترقب

ارتفعت الحمم و انفجرت الفقاعات داخلها ثم انطلق صوت كصراخ الوحوش من أعماق البركان ،ارتعش الطائر و الفراشة و أطلقوا صرخة الرعب حتى أنهم حلقوا مبتعدين عن أسيادهم..ارتفعت درجة حرارة المنطقة إلى مستوى لا يطاق ،و لا حتى أفراد العشيرة الذين اعتادوا على هذه الأجواء الساخنة استطاعوا تحمل ذلك بعد الآن...تشتتوا في جميع الاتجاهات و فروا بحياتهم

لم يتبقى سوى السحرة الهجناء الثلاثة ،و مع ذلك تم حمايتهم من طرف زعماء عشيرتهم ،ربما عن عمد حتى يتسنى لهم مراقبة هذه الظاهرة العجيبة

" تلك الصرخة منذ لحظة..إنها *العنقاء أليس كذلك؟ " سألت الأميرة إينانا دارلا

"نعم ،هذا الصبي يمر الآن بما يسمى معمودية السكينة...هذه المحنة خاصة نوعا ما ،فهي تمنح صاحبها قدرة هائلة على الشفاء تكاد تكون خلودا و تقاربا مذهلا لعنصر النار ،هذا بالطبع إن نجا منها..عمليا سيتم صهر جسده و إعادة تشكيله ،كمية التعذيب لا توصف لكن الأخطر من ذلك هو أنه في نفس الوقت يجب أن يحافظ على روحه من أن تتشتت أثناء هذه العملية و إلا...فسيموت "

لا زال مستوى الصهارة يرتفع بشكل مستمر ،مر الوقت بسرعة إلا أن أوشك البركان على الانسكاب ،فظهرت ذراع حمراء وسط الحمم تبعها عويل مدو..لكن هذه المرة كان مختلطا بنوع من البهجة

" لقد مر بدورة الحياة و الموت بنجاح ،بل يمكن القول أنه ولد من جديد ،لكن ما زال يحتاج لامتصاص جوهر النار لمدة شهر..على العموم تهانينا سيد مردوك يبدو أن عشيرتك قد ولدت من جديد أيضا " قدمت دارلا خالص تهانيها

" أعتقد أن حضوركم آنسة دارلا و آنسة أيا قد جعل الآلهة ترأف بحالنا ،لقد كنت متهورا فلولا ذلك التحذير منكما لمات حفيدي الوحيد...أشكركما جزيل الشكر على إنقاذ حياته و أتمنى أن تقبلا دعوتي للاحتفال بمناسبة هذا الحدث البهيج الشهر المقبل بعد أن يتعافى آنو " اختفى الحزن على وجهه و انحنى بتواضع تعبيرا عن شكره

" أرجوك لا داع لذلك..الامتنان يكفي ،أود أن أسألك..كم عمر آنو؟ "

" سيبلغ الثانية عشر في الشهر المقبل..."

" العنقاء سلالة ملكية نادرة و محنتها صعبة ،حفيدك لديه دم نقي و موهبة رائعة..يحتاج فقط من يوجهه بشكل صحيح " تدخل العجوز زهوك في حديثهم بطريقة غير لائقة

" هل لي أن أعرف من تكون؟ " سألت دارلا بانزعاج

نظر إليه مردوك بريبة و اكتفى بالمشاهدة من الجانب

" أنا زهوك...معلم السيد الشاب "

لمحت أيا لدارلا بنظرة ذات معنى

" تشرفنا بمعرفتك..اعذرونا..سننصرف لدينا بعض الأعمال لقضائها "

" ماذا عن الاجتماع المقرر؟ " حثها سرجون على البقاء

"آسفة..ربما في المرة القادمة..."

تجاهلته أيا ثم استقلت السفينة و رحلوا

" سرجون..يبدو أن خطتك في التحالف عن طريق خطبة نيتا للارسا غير مجدية ،لكن لا تقلق سرعان ما سيصبح تحالفنا أقوى من تحالفهم و سيرضخون أمام سلطتنا "

***

- مراتب الوحوش السحرية : جندي - قائد - جنرال - وزير - ملك - إمبراطور

تذكير : يوجد داخل إمبراطورية السحر العظمى أربع عشائر كبرى

- عشيرة اللهب المقدس و زعيمها *مردوك ( و حفيده آنو )

- عشيرة الإعصار السماوي و زعيمها *سرجون ( و ابنه نيتا )

- عشيرة جنية الغابة و زعيمتها *أيا ( و ابنتها الجنية لارسا )

- عشيرة حاكم البحار السبعة و زعيمتها *دارلا ( و ابنتها الأميرة إينانا )

2020/03/18 · 285 مشاهدة · 1416 كلمة
kelsier
نادي الروايات - 2024