بعد أن إنتهت حصة علوم الفرسان أعطى الأستاذ ريتشارد الإذن للتلاميذ بالخروج من الفصل لأخذ قسط من الراحة إستعدادا لحضور بقية المحاضرات
بعد 15 دقيقة بدأت حصة التاريخ ثم مرت 4 ساعات و انتهت كل الحصص و كان التلاميذ يهمون بالعودة إلى منازلهم
خرج إدوارد من المدرسة فوجد عربة يجرها حصان بني قوي البنية فأوقفها و كلم السائق
"إلى مكتبة بلادفورد لو سمحت" و أخرج ثلاثة عملات نحاسية و أعطاها للسائق
لم يتحدث السائق أكثر فضرب على لجام الحصان و إنطلق نحو الوجهة
...
حاليا يقف إدوارد أمام بناية سكنية ضخمة على طراز العصور الفكتورية، يقف أمام الباب حارسان قويان طويلان يضعون تعبيرا باردا و هم واقفون هناك من يدري كم ساعه بلا حراک
"إذا إنه السيد إدوارد،تفضل تفضل، أتمنى أن تستمتع بوقتك" رأى أحد الحراس إدوارد فتعرف عليه و حياه ، لأن إدوارد يمكن إعتباره أكثر عميل نشاطا في هذه المكتبة...
"انن،شكرا لك سيد فيليب" أعاد إدوارد التحية و دخل المكتبة فوجد رجلا عجوزا يقف أمام مكتبه ذهب إليه فأخرج بضع عملات نحاسية و ذهب ليتفحص كتابه المنشود
بدى أن الرجل العجوز معتاد على كل هذا و كأنه اختبره مئات المرات فلم يتغير تعبيره البارد أخذ العملات وضعها في رف صغير و جلس مرة أخرى..
...
"العالم الذي نعيش فيه يتكون من أربع قارات و هم ميروبيس ، ليكاري ، فورهنود ، و أخيرا مارني، نحن نعيش بقارة ميروبيس في مملكة لورانيا و تحديداً بالعاصمة سيفيريون" كان إدوارد يمسك حاليا كتاب عنوانه "تاريخ العالم" و هو يقلب صفحاته و يمر فقط على المعلومات المهمة التي تحتاج إلى الحفظ أو التذكر، فهذا الكتاب سبق و أن قرأه عشرات المرات
"مملكتنا -لورانيا- كان لديها صراع تاريخي مع المملكة المجاورة لها 'إيفيريا' ، و قبل عشرين عاما وقعت حرب بينهم أدت إلى خسائر ثقيلة بين الجانبين فإيفيريا استولت على مدينتي 'ليكاري' و 'ماسين'، كما أن لورانيا استولت أيضا على العديد من أراضي العدو بحيث يمكن إعتبار الحرب قبل عشرون سنة كانت مدمرة للمملكة إقتصاديا" كان إدوارد يفرز المعلومات المهمة من الكتاب و يسجلها في كتابه المدرسي بسرعه كبيرة،بدى أنه متعود على هذا
مرت عشرة دقائق أنهى فيها إدوارد كتاب التاريخ و حاليا يحمل كتابا عنوانه"أساسيات القوة"
كان هذا الكتاب الذي يقرأه حاليا يتحدث عن السحرة، حسنا كانت مجرد معلومات يمكن اعتبارها أقل من السطحية لأن المملكة لا تسمح بنشر أي معلومات مهمة تتعلق بالسحرة لكن هذا لا يزال يجعل إدوارد يرتجف من الحماسة
إدوارد الذي دائما ما يكون هادئا، إن سمع أي شيئ يتعلق بالسحرة يصبح شخصا اخرا
هدأ إدوارد و فتح الكتاب و بدأ بقرائة محتواه بتمعن و تريث..
"في هذا العالم، هناك ثلاثة أنواع من البشر، أولا، الفانون، و هم من لا يمكلون اي موهبة في الفروسية أو السحر ولا يستطيعون إستشعار أي قوة روحية في الهواء مهما كانت صغيرة، هؤلاء محكوم عليهم الفناء بعد 100 سنة أو أقل، و من هنا جاء مصطلح "الفانون" بدأ إدوارد القراءة و هو يقلب صفحة بصفحة و يدون المعلومات المهمة مثلما فعل سابقا
"ثاني نوع هم الفرسان، و هم البشر الذين لديهم موهبة مهما كانت ضئيلة في إستشعار القوة الروحية،هؤلاء بإمكانهم التدريب على فنون الفرسان و الارتقاء في رتب الفروسية و مع كل رتبة يتم إختراقها يكتسب الفارس عمرا أطول" قرأ إدوارد أكثر و قلب صفحات أكثر فإكتشف أن الكتاب شارف على نهايته..
أكمل إدوارد تقليب الصفحات"ثالثا،السحرة، ليست هناك معلومات كثيرة عن السحرة لسبب مجهول لكن السحرة نادرون بشكل كبير حيث بين مليون شخص يمكن فقط لعشرة او اقل أن يولدو بموهبة تمكنهم من ممارسة السحر ، كل ما نعرفه أن السحرة لديهم مهارة كبيرة في إمتصاص و صقل القوة الروحية الموجودة في الجو حيث يسخرون هذه القوة لإستعامل التعاويذ" توقف إدوارد عن التدوين ثم تنهد و أعاد الكتاب لمكانه
بدأ يتجول بالمكتبة بحثا عن أي كتاب آخر قد يكون مثيرا للإهتمام
كان إدوارد يتجول في المكتبة، يتسلل صمتًا بين الرفوف الممتلئة بالكتب القديمة والحكايات الضائعة، تملأ رائحة الورق المسحورة الأرجاء وتنعكس أضواء الشموع الخافتة على صفحات المعرفة. الهدوء يحيط به، يسمح له بالتأمل والتفكير في أحلامه و مستقبله ، يجلس على كرسي خشبي بوجه بارد، تارة يصبح تعبيره متألما و تارة سعيدا ، تارة حزينا و تارة منتشيا، لقد كان حزينا لانه ظن أنه لن يصبح ساحراً في حياته هذه ابدا ، و سعيدا عندما يتخيل نفسه كساحر عظيم يحرك قوى الطبيعة على هواه...
لقد كان يدخل في هذه الحالة منذ أن كان صغيرا..
بقي على هذه الحالة قليلا فإستعاد رشده، ثم، كما يستعد لقراءة المزيد من الكتب، يرى فتاة جميلة كجنية من عالم آخر جالسة على طاولة و هي تقرأ كتابا بصمت..
تطوقها أشعة الضوء المتسللة من نافذة مجاورة، تتلألأ في خصلات شعرها الأصفر الذهبي. كانت ذات عيون خضراء صافية،وجهها الباهر يحمل ملامحًا من الرقة والعذوبة
إدوارد يعتبر نفسه شخصًا لا يتأثر بسهولة بجمال الفتيات. إلا أنه عندما رأى هذه الفتاة، شعر بشيءٍ مختلف تمامًا. كان جمالها فريدًا ومغريًا بطريقة لم يشعر بها من قبل. فأينما وجه نظره، انتبهت كل خلاياه لتفاصيلها الجميلة.
داخل إدوارد، اندلعت عواصف الأفكار والمشاعر. تصارعت الرغبة والتحفظ، الاستسلام والمقاومة،حاول قلبه أن يخفي الانجذاب الذي يشعر به، ولكن الجاذبية الفريدة لتلك الفتاة اجتاحت كيانه.
بعد أن تنفس بعمق هدأ نفسه و بعد ثواني عاد إلى طبيعته الهادئة،الفتاة الجميلة التي لا تزال تقرأ كتابها رفعت رأسها فجأة و نظرت عيونها الخضراء فجأة إلى إدوارد الذي كان لايزال يحدق بها
لاحظ إدوارد نظرة الفتاة و أحس بكيانه بأكمله يهتز من نظرة تيلك العيون الخضراء الزاهية الجميلة...
تلاقت عيونهم مع بعض ، زوج من العيون الزرقاء الحادة مع زوج آخر من العيون الخضراء الأتثوية التي تشع بسحر طبيعي لا يقاوم
اقترب إدوارد خطوة بخطوة من الفتاة وهو يحاول جمع شجاعته، يتأمل في كلماته ويتمنى أن يجد الطريقة المناسبة للتواصل معها، ينظر إليها أثناء بحثه عن إشارة صغيرة تدل على استعدادها للحديث
"م-مرحبا"إدوارد يشعر بالتوتر ينبض في صدره، حاول أن يبقى نفسه هادئا أثناء الحديث ولكن الكلمات تعثرت في حلقه. ينتابه الشك والقلق بشأن رد فعلها وهل ستقبل التحدث معه
وفي لحظة من الشجاعة، يقترب إدوارد ويقول بصوت منخفض قليلا:"أعتذر على إزعاجك،رأيتك تقرئين هذا الكتاب المثير للإهتمام و صادف أني سبق و أن قرأته عدة مرات و أحفظه عن ظهر قلب، إذا لم تمانعي ربما يمكنني أن أشاركك مضمون هذا الكتاب بطريقة بسيطة و مفيدة..."
لقد قرر إدوارد أن يأتي بحجة مناسبة لبدأ حديث مع هذه الفتاة الجميلة و صادف حقا أن إدوارد كان يعرف الكتاب الذي كانت منغمسة في قرائته
الفتاة الجميلة ترفع حاجبها بدهشة وتنظر إلى إدوارد باندهاش،لكن لا أحد يعلم سبب إندهاشها...
ثم تقول بصوت عذب كأنه تغريد طيور جميلة و نقية:"حقًا؟ هل تعتقد أنك تستطيع تلخيصه لي؟"
إدوارد يلمح نظرة من الثقة في عينيه، ثم يجيب بابتسامة: "بالطبع! لقد أحببت هذا الكتاب واستمتعت بكل صفحة منه،إذا سمحت، أعطيني بضعة دقائق فقط وسألخص لك الأحداث الرئيسية والرسالة الأساسية التي يحملها"
الفتاة تبدو متحمسة قليلا لسماع تلخيص إدوارد، ثم تقول بصوت هادئ و جميل يسر السامعين: "حسنًا، أنا مستعدة للاستماع لك"
وهكذا، يبدأ إدوارد بشغف في تلخيص الكتاب بأسلوبه الخاص، مع إضافة تفاصيل صغيرة وتحليلاته الشخصية
بعد نصف ساعه تقريبا من كلامه مع الفتاة يتوقف و يقول بإبتسامة نادرة على وجهه:"أتمنى أن أكون قد أفدتك و إختصرت وقتك يا سيدة،بالمناسبة،أنا إسمي إدوارد ، هل بإمكاني التشرف بمعرفة إسمك؟"
"إدوارد..إسم جميل، و بالمنسابة لا تكلمني برسمية كبيرة، نحن نعتبر بالفعل أصدقاء كتب هيهي،" بعد أن تحدثت لبعض الوقت مع إدوارد تخلت عن كل حذرها منه فهي تؤمن بقدرتها في الحكم على الناس و تمييز صفاتهم، شعرت أن إدوارد ليس بالضرورة شخصا سيئا ، بل عكس ذلك فهو شخص يحب الكتب و المعرفة و ذو طموح و نظرة فريدة من نوعها للأشياء
"أنا دارسيل" قالت الفتاة بصوتها الحلو
"دارسيل..إسم جميل مثلک تماما"ألقى إدوارد ببعض المديح عرضيا و ابتسم ، لكه كان قد حفظ هذا الإسم في قلبه للأبد
إبتسمت الفتاة ردا على مديح إدوارد لها...و هكذا بقوا في المكتبة حتى مر الوقت بسرعه و هم منغمسون في قراءة الكتب
فجأة نهضت دارسيل من مكانها و قالت لإدوارد بإبتسامة:"حسنا، لقد حان وقت ذهابي يا إدوارد..إن إبتسم لنا الحظ قد نلتقي مرة ثانية"
إدوارد ينظر إلى دارسيل بعيون ممتلئة بالحزن الخفي، يدرك أن هذا اللقاء الرائع يقترب من نهايته. يهمس بصوت خافت، و يقف من كرسيه:"أنا أيضًا ممتن لك، دارسيل، على أنك شاركتِ معي شغفك في القراءة،أتمنى لو أننا يمكن أن نقرأ المزيد من الكتب معًا"
دارسيل تلتفت إلى إدوارد و تقول بصوت هادئ:"ربما سنلتقي مرة أخرى في الأيام القادمة، وإلى ذلك الحين، فلتقرأ المزيد من الكتب من أجلي هـيـهـي"
إستدرات دارسيل و بقيت تتمشى حتى اختفت من نظر إدوارد،مشت بخطوات متناسقة و خفيفة حتى وصلت إلى باب المكتبة و إختفت...
بقيت دارسيل تسير خارج المكتبة بخطوات هادئة و رشيقة. تراقب الناس حولها وهم يتحركون في جميع الاتجاهات، ولكنهم لا يلتفتون إليها وكأنها لم تكن هناك منذ البداية. تبدو هادئة ولا تعبِر عن أي تعجب أو استغراب
أمين المكتبة، الزبائن،الحراس،كلهم لم يتفاعلوا معها،و كأنها لم توجد منذ البداية، بقيت تتمشى بخطوات صامتة حتى إختفت،کأنها لم تكن...