بقي إدوارد يحدق في الإتجاه الذي غادرت منه دارسيل لما يقارب الدقيقة، بعد قليل إستعاد بصره و نهض أخذ كتابا من على الطاولة و بدأ يقرأه
لم يستطع التركيز مع الكتاب لأنه كان لا يزال يتذكر لقائه مع دارسيل...
بعد قليل أعاد الكتاب إلى مكانه الأصلي و غادر المكتبة متجها إلى المنزل كانت الشمس تغيب في الأفق وتلون السماء بألوان الغسق الجميلة، وهو يسير في طريقه إلى المنزل، تعترضه أصوات المارة وضجيج المدينة، لكنها تبدو بلا معنى بالنسبة له
"اتسائل ما السر وراء جاذبية هذه الفتاة، لقد كان يبدو و كأن لديها سحرا خاصا لا يقاوم.."
وهو يسير ببطء، يتمتم إدوارد ببعض كلمات مع نفسه،و يبدأ في تفكير عميق فيما حدث اليوم، لا زال يتذكر دارسيل و شكلها و لون عيونها و كل تفاصيلها، ويستعيد في ذهنه كل حرف وكل ابتسامة. تتداخل الأفكار في عقله
بعد فترة غير معروفة من المشي وصل إدوارد أخيرًا إلى منزله، يستلقي على السرير في غرفته. تملأه الهدوء والسكينة في تلك اللحظة، ويبدأ في الغوص في عالم أفكاره، يحاول ترتيب أحداث اليوم
يغلق عينيه و يبدو أنه في تفكير عميق
فجأة فتح عينه و هو يتمتم لنفسه "سيبدأ إختبار قبول الفرسان في الأكاديمية بعد أسبوع،هذه أولى خطواتي لتحقيق أحلامي و طموحاتي ،الفشل في نقطة البداية البسيطة هذه غير مقبول، علي بتجاوزه!"
إدوارد لا يسعه إلا أن يشعر بالتوتر و القلق،لقد كان اختبار قبول الفرسان عبارة عن اختبار لمعرفة من لديه موهبة في امتصاص الطاقة الروحية، حيث سيتم فصل من لا يستطيع صقل القوة الروحية من الأكاديمية و تنتهي أحلامهم،إنها نقطة تحول في حياة كل مراهق في سن السادس عشر
عندما يصل البشر إلى السادس عشر من العمر هناك فرصة أن يستطيع امتصاص القوة الروحية و صقلها في جسده و بهذا يبدأ طريق الفروسية و هذا ما يسمى ب"الإيقاظ"، بالطبع،هناك من يستطيع صقل الطاقة الروحية بكثافة أكثر من أغلب الفرسان و هذا ما يطلق عليه بالساحر، لكن هؤلاء نادرون جدا
يختار أغلب المراهقين قبل الإيقاظ بالقيام بتدريبات جسدية لتقوية اجسادهم قبل الشروع في طريق الفرسان، لكن ادوارد لم يفعل هذا بسبب كسله و إنشغاله بهوايته في قراءة الكتب فهو مجرد شخص يمتلك جسدا عاديا..
يقوم إدوارد بإلقاء كل هذه الأفكار غير المجدية من رأسه و يحاول ضبط ضربات قلبه و التخفيف من توتره
بعد بضعه ثواني يستعيد إدوارد هدوئه و يقوم من على سريره متوجها لمكتبه الصغير في غرفته ، كان هذا المكتب يحتوى على عدة كتب مرتبة بشكل جيد و من شدة نظافتها يمكن معرفة كيف أن صاحبها يهتم بها
كانت هذه هي مجموعه كتب إدوارد المفضلة، كانت أغلبها تتكون من أساطير للسحرة مع بعض الكتب عن التاريخ و الفسلفة، لقد قرأهم إدوارد مرات لا تعد و لا تحصى لدرجة أنه الآن يتذكر شكل و عنوان كل كتاب
"ها؟ متى كان لدي مثل هذا الكتاب المتسخ هنا؟ لا أتذكر كتابا من هذا القبيل.."
أثناء تفحصه للكتب و التأكد من سلامتهم و تنظيفهم عين إدوارد وقعت على كتاب أسود يملأه الغبار، وهو يحاول تذكر إذا كان قد امتلك مثله من قبل،إدوارد يعرف كل كتاب في مكتبته بدقة، لكن هذا الكتاب الأسود يبدو غريبا عليه
جلب منشفة صغيرة و ناصر الغبار و الأوساخ من الكتاب بقدر ما أمكنه و جعله يبدو أفضل حال من ما كان عليه من قبل
"ما هذا بحق الجحيم! لا عنوان و لا إسم مؤلف هذا غريب حقا" صدم إدوارد عندما حاول أن يقرأ عنوان الكتاب لم يجد شيئا و كانت المساحه فارغة، حتى أنه لا يوجد إسم للمؤلف الذي غالبا ما يكون بجانب عنوان الكتاب
فتح إدوارد الكتاب ليقرأ صفحاته فجأة،تجمد في مكان و هو يتمتم
"فارغة..الصفحات فارغة! ليس هناك أي كلمات أو حتى رموز أو نقوش! تبا هل هذه مزحه من أحدهم" ألقى إدوارد الكتاب الأسود الغامض بقوة على مكتبه بإستياء، لقد شعر بالفضول لقراءة كتاب جديد و إكتشاف محتواه، لكنه قوبل بخيبة أمل طفيفة...
أكمل إدوارد تنظيف بقية الكتب و لم يجد كتابا غريبا أخر و تنهد بارتياح،لقد ذاق نصيبه من الحوادث الغريبة التي حصلت معه في هذه الأيام الماضية و بالتأكيد لم يرغب بواحدة أخرى
أما بالنسبة للكتاب الأسود فقد تركه في مكانه بعد تنظيفه فحتى لو كان فارغا إدوارد لا يريد التخلي عنه، فنظرا لكل ذاك الغبار الذي أزاله منه يمكنه تأكيد أن الكتاب الغريب كان في مكتبه منذ زمن طويل و هو لا يريد أن ينقص اي كتاب من مجموعته مهما كان عديم الفائدة
بعد أن أتم عمله استدار ليذهب للأغتسال ليخلد الى النوم
...
بعد الإستحمام و تناول عشائه ذهب إلى سريره و حاول النوم، لقد كان متعباً من كل الاحداث التي وقعت اليوم،كل ما أراده هو أن يغط في نوم عميق
لم يستطع أن ينام مباشرة بسبب تفكيره في ما حدث اليوم و لقائه مع دارسيل في المكتبة، في كل مرة يسترجع تلك الذكريات يخفق قلبه بشكل لا إرادي
كان سيكون يومه مثاليا إذا لم يجد ذاك الكتاب الأسود الغريب في مكتبه،ضل يتسائل طول الليل " من وضع ذاك الكتاب هناك؟ لماذا لم ألحظه مبكرا؟لماذا كان بلا عنوان أو اسم كاتب؟حتى الصفحات فارغه..."
إدوارد انتابه شعور بالاستياء والتساؤل طول الليل
و بعد فترة قصيرة، أغمضت جفونه و نام بهدوء و سكينه...
...
ألم!
ألم فظيع في رأسه !
هذا ما أحس به إدوارد الآن و هو يحاول أن يفتح عينيه لكن الدوار و الألم في رأسه جعل هذا الفعل البسيط صعبا جدا في الوقت الراهن
بعد مدة زمنية غير معروفة، فتح إدوارد عينيه و تفحص محيطه
لقد كان أمامه قصر ضخم و فخم يبدو کأنه بقي ثابتا في مكانه منذ القِدم، كانت بوابة القصر ضخمة بشكل مبالغ فيه..
"هذا...ما هذا المكان، اين انا؟ ألم أكن في غرفتي نائما؟ كيف وصلت إلى هنا" دق قلب إدوارد بسرعه و هو يطرح على نفسه عدة أسئلة بمن دون أي إجابة
بقي إدواد يدور حول محيط القصر ثم بعد فترة جمع شجاعته و قال أنه سيحاول دفع الباب العملاق رغم أنه يظن أن الباب لن يتزحزح حتى
فجأة، عندما فقط فكر في فتح الباب العملاق ، فتح الباب بنفسه و كأنه يرحب به
بقي إدوارد مصدوما في مكانه لبضع ثواني ثم فكر فيما يجب أن يفعله تاليا," هل على الدخول ربما ألتقي بشخص يدلني على طريق العودة إلى المنزل؟لكن مضت مدة منذ أن أفقت و لم أجد أحدا كما يجعلني أشك حتى أن هذا المكان مهجور..." حلل إدواد وضعه الحالي بهدوء و بدون اي تليمح من العصبية، لكن وحده الذي يعرف أن قلبه يدق الان كالطبل
قرر الدخول من الباب الذي لا يوجد شيئ ورائه إلا الظلام
خطوة بعد خطوة حتى وصل أمام الباب العملاق و توقف، اخذ نفسا عميقا و دخل، مباشرة هاجمه ضوء شديد أدى إلى إغلاقه لعينيه بشكل لا إرادي
بقي مغلقا عينيه لبضعه ثواني ثم عندما فتحهم مرة أخرى تقلصت عيناه إلى حجم دبوس من الصدمة!
لقد رأى ساحة كبيرة جدا...واسعه جدا...تعطي شعوراً أنها كانت بلا حدود
لكن ما فاجأه لم يكن مساحه الساحه الضخمة بل ما يوجد فيها
رفوف رخامية مليئة بالكتب!
"هذا جنون! ما كل هذه الكتب؟ أيضا...لماذا هم بهذا الحجم بحق الجحيم؟!" لم يعد إدوارد قادرا على إحتواء صدمته و صرخ بأعلى صوت من المنظر أمامه
صفوف بعد صفوف و طبقات فوق طبقات من الكتب صغيرة الحجم و العملاقة...
"كيف بحق الجحيم يمكن قراءة كتاب بهذا الحجم إنه حتى أكبر مني ببضعة مرات!" إدوارد لا بمكنه أن يصدق أنه الآن داخل قصر في ساحه واسعه يحدق في رفوف و طوابق من الكتب العملاقة....
إن أخبر أحدهم بهذا فسيظن أنه مجنون ثم يضربه لتضييعه لوقته و إلقاء الهراء عليه بدون أي خجل
لكن ما خفق من صدمته هو أن هناك كتب في أحجام عادية أيضا ، و كلها كانت في الطابق الاول من الرفوف الرخامية، الطابق الثاني كانت فيه كتب أكبر من الحجم العادي بضعه مرات ، الطابق الثالث كان هو الذي صدم إدوارد لدرجه أنه لحد الساعه لا يمكنه أن يصدق أن هناك كتاب بهذا الحجم...
"أتسائل هل يمكنني قرائتهم..." اتى إدوارد بهذه الفكرة في عقله لثانية أو اقل،عندها حدث شيئ!
تحرك كتاب صغير من الطبقة الأولى من الرفوف الرخامية و اتجه نحوه!
لقد كان الكتاب يطير في الجو!
لقد كاد نبض إدوارد أن يتوقف من هذا المشهد!
في حيرته أتى بإستنتاج أنه إذا "فكر" بشيئ يتضمن ما يوجد داخل هذا القصر..فذلك الفكر سوف يتحقق!!
"علي أن أتحقق من هذا الاستنتاج...همممم...في ماذا أفكر الان...لحظة!"
بدأ إدوارد في "التفكير" في أن الكتب تطير في الهواء واحدة تلوى الأخرة و هذا ما حدث حيث "نهضت" بعض الكتب في الطابق الاول من الرفوف الرخامية و بدأت تطير، أما الكتب في الطابق الثاني و الثالث لم تتحرك مهما حاول إدوارد "التفكير" في هذا "الأمر"
و بعد كل هذه التجارب توصل إدوارد إلى فهم أولي لهذا القصر الضخم و كيفية عمل مهارة "التفكير" كما سماها..
اولا، يتوجب على الشيئ الذي سيفكر فيه أن يكون موجودا في هذا القصر، إن فكر مثلا في أن كومة من الذهب ستظهر من العدم فجأة فلن يحصل شيئ..
ثانيا، حتى لو تم إستيفاء الشرط الاول،فلا يستطيع تحريك كل الأشياء في هذا القصر، أبسط مثال هو عندما حاول تحريك الكتب العملاقة في الرفوف الرخامية من الطوابق الثانية و الثالثة...
ثالثا،تحريك الأشياء في هذا القصر ولو كانت بسيطة تستهلك طاقته العقلية و تسبب آلاماً في الرأس،فعندما حاول تحريك الكتب العملاقة و لم ينجح أحس بموجه ألم في لا تطاق في رأسه، توجب عليه أن يرتاح لبضعة دقائق على إثرها...
"لقد انغمست في هذا جدا، علي أن أعود إلى المنزل! لكن كيف سأعود، لا توجد أي إشارة لوجود أي كائن حي هنا.." بدأ إدوارد في القلق عندما مر وقت طويل و ليست هناك أي علامات حياة هنا...
أرهق عقله في التفكير في طريقة للخروج من هنا لكن بلا فائدة، كان خارج القصر كله عبارة عن ظلام دامس لا يرى من خلاله شيئ
عاد إلى القصر و "فكر" في كتاب من الطابق الرخامي الاول و ضهر الكتاب يطفو جانبه ثم أمسكه، تفاجأ أن الكتاب بلا عنوان أو اسم للكاتب، جعله هذا يتذكر ذاك الكتاب الأسود الغريب الذي كان في مكتبه، بلغ فضول إدوارد ذروته، ثم فتح الكتاب..
ووووشش!
ووووشش!
ووووشش!
رأى إدوارد شفرات من الرياح قادمة من داخل الكتاب، لم يستوعب ما حصل...
ثم شم رائحه دماء قوية في الهواء و تنتابه شعور سيئ بشأن هذا...
نظر إلى جسده ثم بدأ بالصراخ بأقصى صوت له لدرجه ان صوته سمع في كل أنحاء الساحه الواسعه
وجد نفسه مقطعا إلى قطع صغيرة!!
ألم لا يطاق! لم يختبر إدوارد مثل هذا الألم من قبل! لقد أحس أنكل جزء من جسده يتم طعنه بسيوف حادة!
بدأت رؤيته تتحول الى ظلام فجأة، أدرك أنه سيموت...
"هل سأموت هنا حقا؟ هيهي، يا لها من ميته عديمة الفائدة بحق!" لقد كان إدوارد هادئا بشكل غريب رغم أنه مقطع اليدين و الأرجل و تبقى فقط الجزء العلوي من جسده و بالكاد يحتفظ بخيط من الحياة
لكن الآن بدأ هذا الخيط ب الانفصال و سيموت في الثواني القليلة القادمة
عند إقتراب موته فكر في شخصية أنثوية ذات شعر أصفر و عيون خضراء ، كانت تحب القراءة و تستمع إلى شرحه بصبر و حماس...دارسيل
"هل إنتهت رحلة الساحر العظيم إدوارد أغنيس قبل أن تبدأ؟هاهاها" أدلى بتعليق ساخر على نفسه ثم أحس بعيونه ثقيلة عليه،علم أن الموت قد جاء
أغلق عينيه و لا تزال هناك ابتسامة طفيفة على وجهه، ابتسامة كأنها تسخر من العالم، من كل شيئ...