"هاه!هاه!هاه!"يفتح إدوارد عينيه و هو يلهث بشدة من أجل الهواء، أحس أنه سيموت من الاختناق،فجأة، وجد نفسه في سريره متعرقًا ومرتجفًا
"هل كنت أحلم؟لا! ذاك الألم الفظيع و الخوف الذي شعرت به و أنا في"الحلم" كان واقعيا لدرجة لا تصدق!
كان إدوارد ينبض قلبه بسرعة ويتنفس بصعوبة، مشاعر الرعب والهلع تسيطر عليه، يحاول تهدئة نفسه و تحليل ما حصل له و لماذا مرّ بهذه التجربة المرعبة
كان لا يزال الوقت متأخرا و الظلام في الخراج لم ينقشع بعد، القمر في السماء لا يزال معلقا و يتسلل ضوئه الباهت من نافذة الغرفة صغيرة، ينير الغرفة ببطء. يتدفق الضوء الفضي على الكتب القديمة و جدران الغرفة، مما يضفي على المكان جوًا مرعبا
إدوارد يستند على ذراعيه ويحاول تهدئة نفسه بعمق. ينظر حوله، يلاحظ تفاصيل الغرفة التي تبدو وكأنها عالم مختلف في ضوء القمر. يرى الظلال الطويلة التي ترقص على الأرض والأثاث، مما يزيد من شعوره بالغرابة والاضطراب و الهلع
يحاول إدوارد إقناع نفسه أن كل ما حدث كان مجرد حلم، ولكن الألم الذي شعر به خلال الحلم لا يمكن نسيانه بسهولة. تنبض الذكريات المخيفة في عقله، مما يزيد من شعوره بالارتباك والقلق
يرتفع إدوارد من سريره بحذر ويتوجه نحو النافذة المضاءة بضوء القمر. يشعر ببرودة الزجاج تحت يديه وينظر خارجًا، حيث يرى القمر اللامع في سماء الليل، يرشد الضوء الفضي إلى الأرض ويضفي بعض الهدوء على قلبه المضطرب
كان إدوارد يستنشق الهواء البارد والنقي، يحاول تهدئة ضجيج الأفكار المرعبة في رأسه، يدرك أنه قد استيقظ من كابوس..
كابوس مرعب جدا!
مرت بضع دقائق حاول فيها إدوارد النوم مرة ثانية لكن دون جدوى، لم يستطع أن يتخطى تجربة الموت هذه التي كانت حقيقية بشكل مثير للسخرية، كان يظن أنه إذا اغلق عينيه مرة أخرى فسيجد نفسه مستيقظا في قصر عتيق تتوسطه ساحه عملاقة "مفروشة"برفوف رخامية من الكتب من مختلف الأحجام...
کان هذا الافتراض المرعب هو الذي جعله يبقى مستيقظا لما تبقى من الليل
بعد.هدوئه قليلا كان يحاول أن يخمن ما مر به الآن و هو يتذكر كل تفاصيل هذا الحلم الغريب
"من الغريب أني استطيع تذكر كل شيئ في هذا الحلم عكس ما أعرفه، في العادة لا يمكن تذكر كل تفاصيل الاحلام أبدا، هل هو حلم مميز؟أم مجرد هلوسة؟"إدوارد بدأ في الشك في تقديره الأولي الذي كان مفاده أنه مجرد كابوس مر عليه فكل شيئ في هذه الحادثة غريب
بداية كيف يستطيع تذكر كل تفاصيل الحلم ؟ لقد مر بكوابيس أيضاً عندما كان صغيرا لكنه لم يتذكرها كلها بل كان يتذكر فقط الأجزاء المرعبة منها، لكن الأمر قد اختلف هنا
ثانياً يمكن أن يخمن إدوارد أنه هنالك علاقة بين هذا الحلم الواقعي و الكتاب الأسود الغريب...
نظر إدوارد إلى مكتبه الذي كان ضوء القمر يتسلل إليه و يضيئ الكتب الموجودة هناك، فجأة وقع بصره على الكتاب الأسود الغريب الذي أصبح أكثر كوابيسه رعبا
لم يجرأ إدوارد على إمساكه مرة ثانية أو فتحه خشية أن تخرج منه تلك الشفرات الريحية مرة أخرى و تقطعه إربا، لأن هذه المرة سيتم تقطيعه في العالم الحقيقي و ليس بالحلم
"بالتفكير بتلك الشفرات التي هاجمتني أنها تشبه تلك التقنيات السحرية المذكورة في كتب أساطير السحر التي قرأتها،هل حقا كان ذلك سحرا؟!"
إدوارد لا يمكنه أن يساعد الى في الحماس قليلا! لقد رأى سحرا! لقد أبقى دائما احتمال أن هذا لم يكن مجرد حلم لانه كان واقعياً جدا سواء عن طريق الألم الذي أحس به أو تذكره لكل تفاصيل حمله مع العديد من الأدلة الأخرى..
إختفى رعب و خوف إدوارد تدريجياً في كل مرة يفكر في ذاك السحر الذي خرج من الكتاب لا يسع فضوله إلى أن يتغلب على خوفه بقي على هذه حتى مرت أكثر من نصف ساعه و غط في نوم عميق
هذه المرة لم يحلم بذاك الكابوس مرة ثانية...
...
إدوارد حاليا يتناول فطوره مع عائلته كالعادة، كانت أمه روز تدردش مع أخيه الصغير دونكان حول شؤون مختلفة كأحواله في المدرسه وما إن كان ينقصه شيئ ما
لقد كان أمه و أبوه يهتمون بأخيه دونكان أكثر منه لأنه كان مطيعا و يفعل ما يطلبون منه عكس إدوارد الذي لم يستغني عن الكتب و قراءتها رغم محاولات أمه و أبيه العديدة
لقد استسلموا بشأن إدوارد في النهاية و أصبحوا يأملون فقط في أن يكون قادرا أن يصبح فارسا مبتدأ
لكن الأمور كانت مختلفة بالنسبة لدونكان، فرغم صغر سنه إلى أنه درب جسده بشكل جيد و لديه بنية أقوى من معظم الأطفال في سنه، لقد كانو يأملون عندما يصل إلى سن السادس عشر، أي بعد أربعه سنوات سوف يوقظ موهبته في الفروسية و يتجاوز أبوه الذي كان فارسا متوسطا
حسنا هذا لا يزال بعيدا في الوقت الحالي، أربع سنوات هي فترة طويلة يمكن أن تحدث فيها العديد من الأشياء
بالنسبة لإدوارد فلم يهتم بأي من هذا فقد كان لا يزال يفكر في ما حصل هذه الليلة أثناء نومه منذ إستيقاظه
مشهد ذلك القصر الفخم و الكتب العملاقة لا يفارق رأسه,أنهى وجبته بسرعه و نهض ذاهبا إلى المدرسة من أجل يوم ممل أخر
بالطبع كان سوف يذهب إلى المكتبة مرة ثانية بعد الدروس الرسمية،لقد تمنى أن يلتقي دارسيل مرة أخرى رغم أن إحتمال حدوث هذا منعدم تقريباً...
"و لا تزال هناك مسألة اختبارات الفرسان..."
"تنهد,سوف يكون يوما متعبا اخر " تنهد إدوارد و خرج مو المنزل بعد إرتداء زيه المدرسي و بعد نصف ساعه من المشي وصل إلى المدرسة
...
إنتهت الدروس الروتينية و إستقل إدوارد عربة كالعادة ليصل إلى المكتبة
حالياً كان أدوارد ممسكا بكتاب و هو يقرأه و يلقب في صفحاته الواحدة تلوى الأخرى
كما توقع، لم يلتقي بدارسيل...
أعاد الكتاب إلى مكانه و جلس على الكرسي و أسند يده على الطاولة و ذراعه تمسك ذقنه و هو يتثائب بكسل
رغم كل ما حدث معه بسبب حادثة "الكتاب القاتل" ذاك في حمله فلم يأثر هذا على حبه للكتب و القراءة فقد كانت قوة إرادته الصلبة لا يمكن أن تتدمر بهذا الحادث"البسيط"
"بقي ستة أيام و سيبدأ إختبار الفرسان لا استطيع أن أفعل أي شيئا بشأنه لأن النجاح أو الرسوب فيه يعتمد على الموهبة الفطرية في امتصاص الطاقة الروحية اغغغ، هذا مزعج حقا"حك إدواد رأسه و هو يفكر بعمق في ما سيحدث بعد أسبوع تقريباً
كان قد بدأ ينسى حادثة ذاك الحلم الان و ركز على الاختبار الوشيك الذي سيحدد مستقبله لكنه لا يستطيع أن يفعل أي شيئ بشأنه حقا فقد كان يعتمد كليا على الموهبة الفطرية الشخص
بعد بضعه دقائق عاد إدوارد الى منزله و يدخل إلى غرفته بعد يوم طويل ومرهق. يتوقف للحظة عند الباب ويأخذ نفسا عميقاً، لقد كان وقت الغروب الآن
تتوهج غرفة إدوارد بأشعة الشمس الدافئة المتسللة من نافذة الغرفة، الغروب يزين السماء بألوانه البرتقالية الجميلة ويصنع لوحة فنية مذهلة،تتلألأ أشعة الشمس على الأثاث والجدران وتعكس جمالها في كل زاوية من الغرفة
إدوارد يسير ببطء في الغرفة، وهو يراقب كيف تتلألأ الأشياء تحت ضوء الشمس، يصل إلى مكتبه الصغير ويراقب الظلال التي يلقيها الضوء على سطح الكتب
ينظر إلى كتاب ذو غلاف أسود بشكل خاص، كان بلا عنوان أو مؤلف، يتنهد إدوارد و يشيح بنظره عن الكتاب و يلتفت إلى كرسيه المريح الموجود بجوار النافذة ويسترخي من كل المشاعر السلبية التي تلمئ رأسه
لقد كان حاليا يشعر بالسكينة والسلام ينبعثان من جوهره، الضوء الدافئ ألوان غروب الشمس الجميلة تملأ قلبه و تريح فؤاده بهدوء، يسترخي إدوارد ويحس أن جسده يتلاشى مع أشعة الشمس التي تضربه في كل أنحاء جسده
...
لا يزال إدوارد جالسا على كرسيه الذي كان بجوار النافذة لكن الآن غربت الشمس کأنها تعلن وصول ليل جديد وظهرت الظلمة تلوح في الأفق البعيد،بينما تلاشى ضوء النهار، تسلل الهدوء والسكون إلى غرفة إدوارد. ألقى النور الخافت من القمر بظلاله على جدران الغرفة الكئيبة التي كان يجلس فيها مراهق وحيد وجهه لا يزال يتسم بصفات الشباب و انعدام النضج، لكن عينه كانت مختلفة كليا عن عيون أي مراهق مدلل أخر...
إدوارد يتنفس بعمق، يتأمل في المشهد خارج النافذة، يراقب القمر المعلق في السماء و هو يلقي بنوره في كل جزء من أجزاء الأرض،
منذ أن كان صغيرا كان هناك شيئ أجب فعله عدى قراءة الكتب، مشاهدة القمر، لسبب ما كان يحب أن يبقى لوقت متأخر يتأمل في قمر الليل الساحر
أغلق عينيه و هو يتذكر مشهدا من طفولته...
كان إدوارد يجلس بين مجموعة من الأطفال في مثل سنه، يلتفت إليهم بابتسامة مشرقة وعيون مليئة بالحماسة، كان يحمل في يديه قطعة من الحجر اللامع المدور التي تشبه القمر
"أنا سأصبح ساحرا،و سأكتشف أسرار القمر!" يعلن إدوارد بصوته الطفولي المليئ بالامل و الحماس
الأطفال ينظرون إلى إدوارد بدهشة،ثم، ينفجرون في ضحك هستيري. يرمي أحدهم قطعة الحجر من يد إدوارد و ينظر إليه
بابتسامة ساخرة
"هاهاها، إدوارد الساحر! هل تعتقد أنك حقاً تستطيع الطيران والتحكم في القمر؟"
"أوه، انظروا إلى إدوارد الساحر! هل ستعطينا دروسًا سحرية اليوم؟ يا أستاذ؟"
"تخيلوا، إدوارد سوف يكشف لنا سر القمر! هل يمكنك أن ترينا كيف تفعل ذلك، يا ساحرنا؟"
كان الأطفال يمسكون بطونهم من شدة الضحك و نظر إليه أحدهم بتسلية و هو يقول
"رجاء ايها الساحر إدوارد،لا تفعل ذلك! لا تقتلنا من الضحك!هاهاهاهاها"
"أقترح عليك أن تلقب نفسك بساحر النكت العظيم عندما تصبح ساحرا، مع أن هذا لن يحصل هاهاهاهاها"
"أنظر كم انت ضعيف، لا أضنك سوف تصبح فارسا حتى، ساحر؟ هل تريد أن يضحك عليك الناس؟فلتستسلم فحسب "
لم يتوقف الأطفال عن السخرية و إلقاء التعليقات الساخرة و النكت على كلام إدوارد حتى مرت بضعة دقائق
كان إدوارد يشعر بالإحباط والحزن لتلك السخرية،لم يقل كلمة واحدة أخرى أخفض رأسه و مشى عائدا إلى منزله بحسرة و حزن، يمكن رؤية أن عينيه رطبتين بالفعل و أراد البكاء لكنه أمسك نفسه
منذ ذاك اليوم لم يخرج من المنزل مرة ثانية إلا إذا كان متجها للمكتبة أو الدراسة، حتى أنه لم يكون أي صداقات مع أحد مرة أخرى
كان أحد الأسباب هو شخصيته المنعزلة لكن السبب الاخر هو أنه كان يخشى أن يسخروا منه مرة أخرى إذا أخبرهم بطموحاته
نظرا لأنه كان يعيش في بيئة كان وجود السحرة فيه أمرا نادرا لدرجة يمكن اعتبارهم أساطيراً، فسماع هذه الكلمات من طفل صغير لن تجلب إلى السخرية
...
بالعودة إلى الحاضر، فتح إدوارد عينيه، نهض من الكرسي و اتجه إلى السرير للنوم
لم تعد السخرية و الاستهزاء يؤثرون عليه بأي شكل من الأشكال، لم يهتم أيضا بتكوين صداقات مع أي احد شخص مرة أخرى، إدوارد يعتبرهم مجرد مجموعه من المنافقين سوف ينتهزون أول فرصة متاحة للسخرية منه
وضع إدوارد رأسه على الوسادة و نام بهدوء...
فتح عينيه و وجد نفسه في بيئة مألوفة و تخطى قلبه نبضة!
القصر الضخم ذو الهواء القديمخو الساحة الواسعة المليئة بالكتب التي رُتبت بشكل جيد على الرفوف الرخامية العملاقة...
كل شيئ كان مألوفا!
"لم يكن حلما إذا...في النهاية لقد عدت إلى هنا!" قال إدوارد بملامح ثقيلة و تعبير مضطرب...