كيف تلقي خطاباً لائقاً؟
في نظري، فإن إيصال مشاعرك من خلال كلماتك و التأثير على المستمعين هو الهدف من كل خطاب
هذا ليس سهلاً
لا يولد الشخص بقدرة على إقناع الآخرين
قد يكون هناك شخص بمثل هذه القدرة في الكون الواسع
و لكن حسب معرفتي ليس هناك شخص معروف بمثل هذه المواصفات
يجب على الشخص أن يخوض العديد من التجارب و يجمع خبرة كبيرة في كل مجال لإتقانه بشكل مثالي
و مجال الخطابة ليس استثناءاً
هناك أساسيات لكل شيء
إن اختيار المفردات المؤثرة و طريقة القاءك للكلمات جميعها ستؤثر على نتيجة خطابك
هل امتلك مثل هذه الخبرة التي تمكنني من التأثير على الآخرين بكلماتي؟
للاسف، لا...
عشت أغلب حياتي اتنقل في الظل
لدي بعض المعارف
لكنني لم امتلك جيشاً أو منظمة
لذلك لم أكن مضطراً لإلقاء خطاب أو شيء من هذا القبيل
و ليس لدي اهتمام في إلقاء خطاب أمام جمع من الناس
ماذا سأستفيد من هذا بحق السماء؟
لكن بسبب هذا الاحمق ايريك فإنني مضطر لفعل ذلك
أخبرته بأنني لا أستطيع القيام بهذا
" يجب أن تكسر حاجز الخجل، إذا بقيت هكذا فإنك لن تستطيع كسب الأصدقاء."
منعت نفسي من ضرب جبهتي في اللحظة الأخيرة
لماذا هذا الاحمق يستمر بإساءة فهم كلماتي؟
أخبرته بإختصار بأنني لا أريد أن أشارك في حفل استقبال الطلاب الجدد
لكن ايريك بدأ يتعرق و هو ينظر إلى الأرض
كان تصرفه مريباً
لكن سرعان ما اكتشفت سبب تصرفاته
لقد تم تسجيلي رسمياً بإعتباري أحد الأشخاص الذين سوف يلقون خطاباً في حفل استقبال الطلاب الجدد
إذا انسحبت فجأة من دون مبرر مقنع فإن مجلس الأكاديمية سيشكل مجلس تحقيقي و قد اضطر إلى دفع غرامة تبلغ خمسين الف عملة
"..." بدأت احسب في رأسي كمية هذا المبلغ
حتى بعد أن قمت بسرقة عشرات الأطفال النبلاء فإنني لم اجمع سوى ثمانية آلاف عملة
كم نبيلاً سأضطر إلى سرقته لجمع خمسين ألف عملة؟
و هكذا اضطررت إلى المشاركة في هذا الحدث المزعج
---------------
تم إقامة حفل استقبال الطلاب الجدد في قاعة ضخمة تتسع لآلاف الأشخاص
تم ترتيب عدة مقاعد على منصة عالية في مقدمة القاعة ليجلس المدربين عليها
كان الكسندر يجلس على أحد هذه المقاعد بإعتباره أحد الأشخاص المشاركين في هذا الحدث التاريخي
كان هناك ثلاثة أشخاص سيلقون خطاباً
مدير الأكاديمية
رئيس مجلس الطلاب
الكسندر
كان ايريك يجلس على يمين الكسندر و يبدو متحمساً جداً
كان لدى الكسندر الرغبة في لكم وجه هذا الرجل الذي وضعه في هذا الوضع الصعب
و كانت رئيسة مجلس الطلاب سيلفيا تجلس على يساره
كانت تمتلك وجهاً بارداً بينما تنظر إلى الأمام
كان الإثنان يعرفان بعضهما منذ الطفولة، و كان الكسندر يعتبرها بمثابة أخته الكبرى لكن حدثت بعض التوترات بينهما بمرور الوقت، في النهاية انقطعت علاقتهما كلياً
لذلك، لم يزعج الكسندر نفسه بالقاء التحية عليها حتى
بدأ الكسندر بمراجعة الخطاب الذي أعده الليلة الماضية
هو قضى اليوم كله في تجهيز خطاب جيد لكي لا يحرج نفسه أمام هؤلاء الأطفال
تخيل أن تبدأ بالتلعثم و تنثر الهراء العشوائي أمام مجموعة من طلاب الروضة
هذا سيكون محرجاً بالتأكيد
من المفترض أن يلقي مدير الأكاديمية فريدريك مال خطابه أولاً
بعدها ستقوم سيلفيا بإلقاء خطابها
في النهاية سيحين دور الكسندر
" الآن سيلقي مدير الأكاديمية خطابه." قال أحد مدربي الأكاديمية، و الذي هو المسؤول عن هذا الحدث
صفق الطلاب بقوة بينما نهض فريدريك من مقعده و توجه إلى المقدمة
كان فريدريك يمتلك شعراً اشقر مع بعض الخصلات الفضية و اكثر ما ميزه هو الشارب الكثيف الذي أعطاه لمسه رجولية
ابتسم فريدريك. " يجب أن ابدأ بتقديم التهنئة لكم جميعاً على قدرتكم على اجتياز اختبار الأكاديمية، حضر مدربي الأكاديمية جميعاً هنا ليشهدوا على الجيل الجديد الذي سيرتفع إلى ارتفاعات غير مسبوقة—"
استمر فريدريك في إلقاء خطابه بهدوء و روية
بعد أن انتهى مدير الأكاديمية من خطابه بدأ الطلاب و المدربين بالتصفيق بحرارة تعبيراً عن تأثرهم بكلماته
حتى الكسندر كان عليه أن يعترف أن هذا الرجل يعرف ما يفعل، و يبدو أنه معتاد على فعل ذلك بحكم على منصبه
" تالياً، ستلقي رئيسة مجلس الطلاب خطابها." قال المدرب المسؤول عن هذا الحفل
بدأ الطلاب بالتصفيق مرة أخرى
خاصة الطلاب الذكور الذين انجذبوا إلى مظهرها الرشيق
كانت سيلفيا طويلة نسبياً مع شعر اشقر أملس و عيون زرقاء بلورية
تقدمت سيلفيا بخطوات واثقة و على وجهها نظرة صارمة. " مبارك لكم على قبولكم في الأكاديمية، سيحرص مجلس الطلاب على ضمان حقوق جميع الطلاب من دون تمييز، النبلاء و العامة جميعهم متساوون هنا و يعملون يداً بيد لأجل الحفاظ على أمن و سلامة عالمنا خاصةً في هذه الأوقات الصعبة حيث هناك مخاطر تحيط بنا من جميع الجهات..."
بعد أن انتهت سيلفيا من خطابها دوى صوت التصفيق عبر القاعة
كان واضحاً أن الطلاب قد تأثروا بخطابها أكثر حتى من خطاب فريدريك
خاصةً الطلاب الذي يأتون من عوائل عادية
هم كانوا قلقين من الاختلاط مع النبلاء رفيعي المستوى
لكن بعد كلام سيفليا تبخرت جميع مخاوفهم
هم الآن جزء من الأكاديمية حيث الجميع متساوون
كان الكسندر يصفق مثل الباقين و لكن كان يتعرق بقلق
قال فريدريك و سيلفيا في خطابها كل ما أراد أن يقوله في خطابه
ما الذي من المفترض أن يقوله في هذه الحالة؟
هو بالتأكيد لن يستطيع أن يستخدم الخطاب الذي جهزه ليلة أمس لأن الجميع سوف يلاحظون تشابه خطابه مع خطابهما مما يضعه في موقف محرج
اللعنة, علمت أن هذا لن ينتهي على خير
" سيلقي المتدرب من السنة الثانية الكسندر فورد خطابه." قال المدرب المسؤول عن هذا الحدث
كانت كلماته مثل حكم الاعدام
" حظاً موفقاً." همس ايريك
نظر الكسندر نحوه بنظرة قاتلة و لكنه استسلم في النهاية
مشى الكسندر ببطئ إلى مقدمة المنصة
نظر جميع الطلاب الجدد إلى الكسندر
كان فريدريك يترك انطباعاً لطيفاً كالجد المجاور
بينما سيلفيا اصدرت هالة موثوقة و قوية
لكن الكسندر كان يبدو غير ملحوظ بتاتاً
كان وجهه خالي من العبيرات
لم يكن وسيماً لكنه لم يكن قبيحاً
كان مشيته طبيعية و حركاته اعتيادية
كان هذا غريباً بالنسبة لهؤلاء الطلاب الشبان
كان الكسندر ينتمي لعائلة متفوقة تقف على قمة هرم السلطة
ألا يجب أن يكون أفراد هذه العائلة يمتلكون هالات كريمة تجعلهم مميزين عن الاخرين
كان الكسندر على عكس توقعاتهم يبدو مثل شخص عادي يمكن أن تلتقي به على جانب الطريق
لكن لم يكن الطلاب جميع الجدد بسيطين، هم لن يحكموا على الشخص من مظهره و الجو الذي يصدر منه فقط و سينتظرون خطابه ليصدروا انطباعهم عنه
اخذ الكسندر نفساً عميقاً و استرسل في الكلام. " تستحقون جميعاً التهنئة على قدرتكم على دخول هذه الأكاديمية..." توقف الكسندر للحظة
ثم تابع كلامه. " انا لن اكرر الكلام الذي قاله مدير الأكاديمية و رئيسة مجلس الطلاب..." ثم التفت إلى حيث يجلس فريدريك و سيلفيا
ابتسم فريدريك بإيماءة طفيفة
بينما حافظت سيلفيا على تعبيرها البارد
تابع الكسندر و هو يعيد نظره الى الطلاب. " لكنني لست هنا لأخبركم بالهراء و الكلام الفارغ..."
بدأ صوت الكسندر يصبح أعلى. " انا هنا لأخبركم بالقوانين التي ستجعلكم تنجون في هذا الأكاديمية."
"..." نظر جميع الطلاب إلى الكسندر
النجاة في الأكاديمية؟
نظر المدربين إلى بعضهم البعض بشك
لم يعرفوا عن ماذا يتحدث هذا الشاب
كان الكسندر يفكر بطريقة ما للخروج من مأزقه
حسناً، إذا لم يستطع استخدام هذا الخطاب الجاهز فهو سوف يلجئ إلى الخطة الاحتياطية..... الإرتجال
قرر أن يستخدم الخبرة التي جمعها عبر سنوات من المغامرات في عوالم مختلفة
ما هو الشيء الذي يعرفه الكسندر أكثر من أي شيء آخر؟
هو بالتأكيد موضوع البقاء على قيد الحياة
لذلك، قرر الكسندر أن يكون موضوع خطابه عن البقاء على قيد الحياة
تحدث الكسندر بصوت عالي. " القاعدة الأولى, يجب أن تحرص على اختيار طعامك بحكمة، تقدم كافتريا الأكاديمية فطيرة تفاح كل يوم جمعة، أن قطع الفطيرة محدودة لذلك هناك صراع بين الطلاب على قطع الفطيرة، لن يكون غريباً أن ترى مجموعة من الطلاب رفيعي المستوى يقاتلون فيما بينهم للحصول على هذه الفطيرة
ما زلت أتذكر كيف أن أحد أفراد عائلة بور قد تعرض لجروح خطيرة في جمجمته بعد أن حاول الحصول على أحد قطع الفطيرة
فإنصحكم أن لا تحاولوا التورط في هذا الصراع الوحشي..."
توقف الكسندر بعد سيل المعلومات الذي القاه على الطلاب
كان الطلاب صامتين و يركزون جميعاً على الكسندر
هم لم يعرفوا ماذا يقولون
كانت عائلة بور من العوائل النبيلة المعروفة بتجارة النبيذ
ليس فقط أنهم يقومون بصناعة النبيذ الفاخر الموجود في موائد جميع العوائل النبيلة بل هم يقومون أيضاً بصناعة النبيذ الرخيص الذي يستخدمه اغلب العامة
صدموا من حقيقة بأن أحد الطلاب الذين ينتمون لعائلة نبيلة معروفة قد تهشمت جمجمته بسبب فطيرة التفاح
في هذه الحالة، ماذا سيحدث للطلاب العاديين الذين لا يمتلكون دعماً قوياً
هل سيتم قتلهم و رمي جثتهم على جانب الطريق؟
نظر فريدريك إليه بمرح و هو مستمع بما يحدث امامه
اما المدربين و سيلفيا فكانوا ينظرون إلى الكسندر بأفواه مفتوحه
ما هذا الهراء الذي سمعوه للتو؟
لم يحدث ما قاله الكسندر
كل ما في الأمر أن هناك صراع بين عائلة بور و عائلة أخرى و انتهى الامر بحدوث مشاجرة بينهم مما أدى لإصابة الإبن الأصغر لرئيس عائلة بور
ان قوانين الأكاديمية تنص على ان كل ما يسبب شجاراً داخل الأكاديمية بسبب مشاكل سياسية بين العوائل النبيلة سيتم طرده مباشرة من الأكاديمية و ذلك لتجنب حصول احتكاك بين العوائل المتخاصمة
و لأجل تخفيف العقاب اتفق أطراف الصراع على أن يقولوا بأن الخلاف كان على من يأخذ قطعة الفطيرة الأخيرة
كانت هذه كذبة واضحة
و لكنهم اضطروا لفعل ذلك لأجل تجنب الطرد
لكن في خطاب الكسندر تحولت هذه الكذبة إلى حقيقة صدقها جميع الطلاب الجدد