كان شعار العائلة الملكية الذي رسمه الباحثون عندما كُلّفوا بالمهمة مطابقًا تمامًا للشعار المحفور على مؤخرة العنق، ولون الشعر أشقر أيضًا، مما يجعل احتمال أن تكون فيرونيا مرتفعًا جدًا.
قيل إن عينيها ليستا زرقاوين، لكن لون العينين يمكن تغييره بالسحر بسهولة.
كان الباحثون قد عثروا على امرأة شقراء ذات عينين زرقاوين في سوق لتجارة العبيد.
ورغم أن نظام العبودية أُلغي منذ أكثر من ثلاثين عامًا، لا يزال العبيد يُتاجر بهم في السوق السوداء. كان سيكار يقود جنود عائلة بليك الخاصين للقبض على جميع المتورطين في سوق العبيد فور العثور على فيرونيا.
كانت المسافة تستغرق أكثر من ساعة للوصول إلى هناك. وبسبب طول الطريق، كان دوريون يتثاءب من الملل عندما لاحظ فجأة أن سيكار يعبث بطية ثوبه، وهو سلوك لم يره من قبل.
"سيدي الدوق، لماذا تفعل ذلك؟"
"ماذا تقصد؟"
"طية ثوبك."
أدرك سيكار أنه يلمس طيته دون وعي، فأنزل يده.
"هل سبق أن أمسك أحدهم بطية ثوبك؟"
"نعم، حدث ذلك."
في تلك اللحظة، لمعت عينا سيكار بنظرة حادة ومثابرة.
"متى؟"
"همم... غالبًا عندما يتوسلونني لأنقذ حياتهم، على ما أعتقد."
تلاشت تلك النظرة الحادة من عيني سيكار، وحلّت محلها تعبيرات الخيبة.
"ليس هذا ما أعنيه. أقصد، هل أمسك بك أحدهم وأنت على وشك الخروج؟"
"تقصد أن يمسك أحدهم بشخص يغادر؟ من يفعل ذلك؟ أليس هذا عرقلة للمسار؟"
"يا للإحباط. أعني، على سبيل المثال، أن يمسك بك أحدهم لأنه لا يريدك أن تذهب. شيء من هذا القبيل."
"هل أمسكت السيدة بك، سيدي الدوق؟"
"عندما كنت أصعد إلى العربة، أمسكت بطية ثوبي. كما تعلم، هذه المرة الأولى التي يحدث فيها هذا."
"بالفعل. من يجرؤ على لمس طية ثوب الدوق؟ لم يحدث هذا من قبل."
"لم يجرؤ أحد على لمس شعرة مني خوفًا مني. حتى الملك المخلوع لم يقترب قط من قصر الدوق حيث أقيم أنا، من قبيلة سيتار."
"لقد خضت تجربة نادرة. ربما أمسكت السيدة بك لأنها لا تريدك أن تبتعد عنها."
كان هذا الشعور لا يزال غريبًا ومدهشًا بالنسبة لسيكار. لم يختبره قط من قبل.
"تجربة غريبة بالفعل."
"يبدو كذلك. يجب أن أتزوج أنا أيضًا. من شخص يحبني كما تفعل السيدة."
"ليس من السهل أن تجد شخصًا يحبك رغم معرفته بكل شيء عنك. يورا أحبتني رغم علمها أنني شخص مخيف، لكن مثل هؤلاء نادرون."
"صحيح، معظم الناس يخافون حتى من النظر في عينيك، لكن السيدة تحبك رغم ذلك. إنها حقًا شخصية استثنائية."
"يورا حقًا لا تختلف كثيرًا عن جرو صغير لا يعرف الخوف."
فكر سيكار أن يورا تشبه هابي كثيرًا. كان هابي جروًا صغيرًا التقطته جدته بالصدفة من الشارع.
في ذلك الوقت، كان سيكار في حالة عصبية حادة بعد فقدان والديه. لكن ذلك الجرو الصغير لم يعرف الخوف من سيكار، كان يهز ذيله ويتبعه، وينام بجانبه دون تردد.
في البداية، كان سيكار يكرهه ويطرده، لكنه كلما استيقظ وجده نائمًا بجانبه، شعر أنه مثل جرو صغير لا يعرف الخوف من النمر.
كان أكبر شعور حصل عليه من يورا مشابهًا لذلك عندما تسللت إلى حضنه في العربة قائلة إنها تشعر بالبرد.
حتى الجروة لم تكن بهذه الجرأة، لكنها، وهي إنسانة، لم تكتفِ بالاقتراب دون خوف، بل أمسكت بطية ثوبه الآن.
كلما نظر إليها سيكار، وجدها أكثر إثارة للاهتمام.
***
يقال إن سوق العبيد يقع في مبنى قديم بأزقة الحي القديم في العاصمة.
من الخارج، بدا المكان كمتجر بضائع عادي، لكن بجانبه كان هناك باب قديم متداعٍ. بمجرد الوقوف والمراقبة لبعض الوقت، يمكن رؤية العديد من النبلاء يدخلون منه.
ترك الجنود ينتظرون بالخارج، ودخل سيكار مع دوريون إلى المبنى. أمام الباب القديم، كان هناك رجل نحيف يرتدي قبعة رعاة البقر، يقطع حبلًا بسكين.
من الخارج، بدا وكأنه يقطع الحبل بشكل عادي، لكن إذا فشل الزائر في قول كلمة السر أو أظهر علامات الاشتباه، يمكن أن تتحول تلك السكين إلى سلاح في أي لحظة.
لم يرفع الرجل رأسه، وقال بجفاف وهو يقطع الحبل:
"كم تحتاج؟"
كان دوريون قد نسي كلمة السر، لكن سيكار تذكرها بعد أن دونها مباشرة من الباحثين وقال:
"اليوم أحتاج 20 مترًا، 3 لفات، وبعد غد 30 مترًا، لفتين."
"لا يوجد 30 مترًا."
"إذن، 15 مترًا، 5 لفات، من فضلك."
عندها فقط أفسح حارس الباب الطريق ودفع الباب كأنه يدعوهما للدخول.
داخل المكان، ظهرت سلالم طويلة وضيقة مع مصابيح متباعدة على الجدران.
نزلا السلالم فظهر باب آخر، وعند فتحه، وجدا ممرًا طويلًا يؤدي إلى رجل سمين يجلس وحيدًا على كرسي.
نهض الرجل ببطء عند رؤية سيكار ودوريون.
"هل يمكنني رؤية تذكرة الدخول؟"
أخرج دوريون التذكرة، وأخذها سيكار وناولها للرجل.
عندما مد الرجل يده لأخذ التذكرة، تظاهر سيكار بالتعثر ووضع يده على كتفه.
نظر إليه الرجل بنظرة استنكار، فاستقام سيكار ببرود وقال:
"تعثرت قدمي."
في الحقيقة، كان سيكار يقرأ ذكريات الرجل بسرعة أثناء لمس كتفه.
لم يكن موظفو هذا المزاد قليلين. والأشخاص الذين يُباعون في المزاد لا يخرجون من المدخل الذي دخلوا منه، بل من مدخل آخر.
لكن الرجل السمين أمامه لم يكن من ينقل العبيد إلى ذلك المدخل.
ناول سيكار التذكرة مجددًا، فكتب الرجل السمين شيئًا بالقلم الأحمر عليها ثم أرشدهما إلى غرفة.
كانت الغرفة التي أوصلهما إليها تشبه مقصورة الأوبرا، مظلمة من الداخل، لكنها مفتوحة من الأمام لتطل على منصة المزاد حيث يمكن رؤية تجارة العبيد بوضوح. كانت الجدران الجانبية مغلقة، مما يجعل من المستحيل معرفة من بالجوار.
ما إن دخل سيكار الغرفة حتى استعاد ذكريات الرجل وقال:
"في نهاية الممر المقابل للطريق الذي أتينا منه، هناك باب يفتح على سلم يصعد إلى الطابق العلوي. بعد صعود السلالم، سيظهر باب آخر. عند فتحه، ستجدون مجموعة من الموظفين هناك، بما فيهم رجل ذو لحية كثيفة وقامة ضخمة. اضغطوا على ذلك الملتحي لمعرفة مدخل تجارة العبيد، ثم انشروا الجنود عنده."
"اترك الأمر لي!"
غادر دوريون الغرفة، وانتظر سيكار بدء المزاد. لحسن الحظ، لم يتأخروا عن موعده، فلم يكن أحد قد عُرض للبيع بعد.
بعد حوالي عشرات الدقائق، بدأ المزاد.
كان المزاد يشمل النساء والرجال على حد سواء، يُعرضون واحدًا تلو الآخر، ومن يرغب بشراء عبد يرفع لوحة مكتوب عليها المبلغ.
راقب سيكار المقدم لفترة طويلة حتى عثر على امرأة تحمل شعار العائلة الملكية على مؤخرة عنقها، كما وصف الباحثون.
"هل هي تلك المرأة؟ سأعرف إذا أمسكت يدها"، فكر سيكار.
دخل المزاد على الفور. كان هناك منافسة، لكنه نجح في الفوز بسهولة بعد أن رفع السعر إلى 200 ألف شيلنغ.
بعد انتهاء تجارة العبيد، صعد سيكار إلى الطابق العلوي.
كان المكان الذي اجتاحه دوريون مليئًا بأشخاص نصف أموات لم يقتلوا بعد. لكن الملتحي لم يكن بينهم.
أمسك سيكار برجل وقرأ ذكرياته ليتأكد من طريق الخروج.
بناءً على الذكريات، فتح بابًا في الأرض وخرج إلى غرفة مكتظة بأشخاص ينتظرون بيعهم كعبيد. كانوا رجالًا ونساءً يجلسون متكومين في زوايا الجدران.
بحث سيكار عن المرأة التي ظنها فيرونيا، لكنه عندما أمسك يدها، أدرك فورًا أنها ليست هي.
بينما كان دوريون ينقل تجار العبيد غير الشرعيين إلى حراس العاصمة، استعرض سيكار ذكريات المرأة.
كانت المرأة التي أُسرت كعبدة قد خدمت فيرونيا في سجن تحت الأرض. لكن بسبب تغطية رأسها بغطاء أثناء النقل، لم تعرف الموقع.
أُعجبت المرأة بشعر فيرونيا الأشقر الجميل فصبغت شعرها بالأشقر، واعتقدت أن شعار العائلة الملكية وشم جميل، فنقشته على نفسها.
لم تكن المرأة التي وجدها الباحثون فيرونيا، لكن كان هناك مكسب واحد.
لقد تأكد سيكار من ملامح وجه فيرونيا عبر ذكرياتها.
***
قال سيكار إنه سيتأخر، لكن فكرة أنه قد يعود بفيرونيا جعلتني متوترة جدًا. لدرجة أنني وجدت نفسي أنظر إلى الخارج دون وعي.
نظر إليّ كيان بوجه قلق وسأل:
"أمي... هل تنتظرين الدوق؟ هل تشتاقين إليه؟"
خشيت أن يساء فهمه، فأجبت بتهرب:
"لا، الدوق قال إنه سيشتري لي شيئًا لامعًا، وأنا أنتظر ذلك."
"شيء لامع؟"
"نعم، شيء لامع."
بدأ كيان يفكر بعمق عما قد يكون هذا الشيء اللامع، ثم نظر إليّ وخلق شرارات متلألئة بيديه.
"مثل هذا؟"
"لا، ليس هذا."
رفعت يدي وأريتُه الخاتم على إصبعي وقالت:
"مثل هذا."
"آه... سأهديكِ شيئًا كهذا في المستقبل!"
بالطبع، عندما يكبر كيان ويصبح ملكًا، سيكون بإمكانه إهدائي مثل هذه الأشياء بسهولة. لذا لم أرَ داعيًا لقول "لا بأس".
"شكرًا، كيان. أنت حقًا طفل رائع من كل النواحي."
ابتسم كيان بسعادة واضحة، ثم أصدر سعالًا خفيفًا من الحرج وعاد لقراءة كتابه.
كلما نظرت إليه، أدركت مدى ذكائه.
نظرتُ إلى النافذة مجددًا دون وعي. يبدو أن عينيّ ستبقيان متجهتين للخارج حتى يصل سيكار اليوم.
في تلك اللحظة، رأيت أحد الحراس يركض بسرعة. هل وصل سيكار؟!
خرجت إلى المدخل بوجه مرحب. شعرت ببرودة قارسة من الحارس الذي دخل وهو يلهث.
"هاك، هاك، سيدتي."
"نعم، تكلم. ما الخبر؟"
"رايدوكس، الماركيز، لقد وصل."
رايدوكس؟ فجأة؟
شعرت بقلق غامض من زيارة رايدوكس المفاجئة للقصر بعد تلك الحادثة.
هل أصيب التوأمان بصدمة بسبب فارس الموت؟ إذا كان قد جاء ليواجهني بسبب التوأمين، كيف سأعتذر؟!
"م-ماذا نفعل، سيدتي؟ ه-هل نفتح الباب؟"
كنت قلقة، لكن لم يكن هناك خيار آخر. تنهدت بعمق وأذنت على مضض:
"نعم، أدخل الضيف بسرعة."
"حسنًا، سيدتي."
لن يقول إنه لم يعد بإمكانه الاعتناء بكيان بعد الآن، أليس كذلك؟
بينما كنت أدور في مكاني من القلق، رأيت رايدوكس يتقدم نحوي بخطوات ثابتة.
بدا خط عينيه مرتفعًا بحدة من بعيد.
— ترجمة إسراء