اليوم التاسع عشر -
"فراي .. لماذا ترتدي ذلك القناع ؟"
أثناء المعركة الموالية التي جمعتنا بالالتراس ، سألني غوست هذا السؤال
هو قاتل من خلال ظلي ، لذلك كان قريبا جدا مني داخل ساحة المعركة
"إنه يساعدني على قمع مشاعري "
هذه كانت اجابتي
..
لا أعرف متى ، لكن قناع النايملس الذي خشيت إيه لوقت طويل .. أصبح بطريقة ما بمثابة مخدر جعلني قادرا على إبعاد كل تلك الافكار الغير ضرورية التي غزت عقلي مؤخرا
لقد ساعدني كثيرا
إجابتي جعلتني ألمح بعض الالم على وجه غوست
لكنه لم يقل أي شيء
..
بل واصل دعمي من الظلال ببساطة ، بينما قتلنا المزيد و المزيد من الاعداء
..
المعركة جرت بسلاسة
اولئك الثمانية باستثناء سيلين قد تخطوا الفئة +S جميعا ما جعلهم قادرين على النجاة جميعا
بما اني رفقة سانسا تولينا امر الاقوياء دوما ، نجاتهم اصبحت شبه مضمونة ما داموا يعرفون كيف يسيرون المعركة
لكن حتى هم بداوا يتكبدون الاصابات بعدما تكالب عليهم الاعداء باعدادهم
يبدو انهم بلغوا حدودهم اخيرا
...
...
اليوم العشرون -
بين جبال الجثث ، و اسوار الموتى
وقفت رفقة الناجين من فرقتي ، نراقب مد الاعداء الذين زحفوا نحونا
على ما يبدو ، الالتراس ركزوا بشكل كامل علينا أخيرا
"لورد ستارلایت .. أشكرك .. شكرا لانك هيأت ساحة الموت المثالية من أجل هذه العجوز"
واقفة بجانبي ، شكرتني زينيث بينما إبتسمت للموت
أعضاء الفرقة الآخرين بدوا مستعدين ايضا
برؤية تصميمهم الاخير ، أومأت بينما وضعت قناع النايملس
"على الاقل ، اقتلوا أكبر عدد ممكن منهم قبل أن تموتوا"
لربما بدا كلامي وقحا ، لكن افراد فرقتي قد صرخوا جميعا بصوت واحد
"علم و ينفذ!"
كانوا مجموعة حقيقية من المجانين
اوريل سحبت سيلين الخائفة الى جانبها ، بينما توليت المقدمة كالعادة
اليوم .. سنقيم مجزرة جديدة
بدرع منبعج ، و رداء ممزق ، و قناع ملطخ بالدماء
بسيوف سوداء مشؤومة لم تجلب سوى الدم و الدمار
اندفعت مرة أخرى ، جاعلا تلك الأرض الميتة لقارة الالتراس تشرب المزيد و المزيد من الدماء الطازجة لسكانها
المعركة هذه المرة كانت على مقياس آخر تماما
بدا و كأن طليعة الالتراس باكملها قد تجمعت هنا .. و جاء كل السيوف المرشحين لمنصب الامبيريان ايضا
لقد قاتلت بكل ما لدي ، لدرجة اني اطلقت الاشتعال ، رفقة عدة مرات Nameless judgement
سانسا هي الأخرى مدت ظلالها و استنزفت كل قوتها
رأيت اوريل تستعمل قوتها المقدسة لاقصى حد ، مشكلة ملاكا عجيبا تجلى خلف ظهرها .. كل من اقترب منها كان يحترق بضوء عجيب اطلقه ذلك الشيء
افراد فرقتي الاخرون قاتلوا بضراوة ايضا ، و أعطوا عرضا مذهلا .. لكي يكون الوحوش
هذا القتال كان هو الاطول بكل تأكيد .. قتال مؤلم موحش
...
...
...
ساقطا ارضا ، طاعنا سيوفي عميقا داخل الارض
قاومت ذلك الارتعاش الشديد ، بينما لهثت بدون توقف محاولا الحصول و لو على قدر بسيط من الهواء
..
لكن كل ما دخل رئتاي كان ذلك البخار الدموي الذي ملأ المكان ، و كأنه نوع من انواع الضباب
..
لقد انتهت المعركة
هذه المرة ، هي استمرت حتى صباح اليوم الموالي
لقد صمدنا بمكاننا ليوم آخر
و ها قد تقلصت اعدادنا مرة أخرى
عندما استدرت متفقدا ما تواجد خلفي ، كانت جثث الالتراس تحيط بي من كل مكان لدرجة أن ايجاد اعضاء فرقتي قد اخذ وقتا طويلا حقا
الوحيدون الذين كانوا بقربي هم سانسا و غوست ، لذلك عانيت لايجاد الاخرين
من خلف فجوات قناع النايملس ، تفقدتهم الواحد تلو الآخر
..
مثلما ارادت .. لقد ماتت زينيث بساحة المعركة ، مستلقية هناك وسط دمها ، و حفرة مرعبة قد شقت صدرها بالكامل
من اصل 8 اشخاص اختاروا الانضمام لي ، مات 5 ، و نجا 3
وجدت غريم .. يجلس وحيدا يتلوا صلواته
جسده تحمل عددا لا يعد ولا يحصى من الاصابات ، لدرجة أن احدها قد شقت وجهه و دمرت عينه اليمنى
لكن و رغم حاله .. هو جلس بين الموتى يصلي بهدوء
مورقال من جهة أخرى خرج حيا ، لكنه انهار فاقدا لوعيه بعدما خسر الكثير من الدم .. و خسر ذراعا و ساقا
غريم و مورقال كانوا هم الاقوى بين الثمانية .. لذلك نجاتهم لم تكن بالمفاجأة
لكن ما فاجأني .. هو بقاء سيلين على قيد الحياة ، بعدما بقيت بجانب اوريل
هذه الاخيرة تمكنت من صد كل من هاجمها بفضل ذلك الملاك الغريب الذي استدعته من العدم
قوتها تجاوزت توقعاتي بكثير .. لكنني كنت سعيدا حقا بنجاتها
آخذا بنفس عميق .. تحدثت بعدما نال مني التعب
"فالستستعدوا جميعا ، لا أعتقد أن الالتراس سيشنون أي هجمات اضافية .. لذلك سنتحرك مجددا قريبا
بعد شنهم لتلك الحملة الهائلة ، اشك ان الالتراس سيهاجمون مرة أخرى
هذه كانت الفرصة الأمثل للتقدم بعدما علقنا بهذا المكان لوقت طويل
درجة أن جبال الجثث قد هددت بلمس السماء
لكن في تلك اللحظة .. لمست يد غوست كتفي
"لن نستطيع التقدم أكثر من ذلك يا فراي ، فالقوات الرئيسية قد لحقت بنا بالفعل
كلمات غوست هذه جعلت حواسي المخمورة تعمل مجددا ، ما جعلني اكتشف وصولهم
"قوات الإمبراطورية.."
"لقد قتلنا الكثير منهم ، لدرجة أن الالتراس ركزوا كل قوات الطليعة الخاصة بهم علينا .. بالتالي لم يعد هنالك من يوقف قوات الإمبراطورية من التوغل "
بينما قمنا بصدهم هنا لعدة ايام .. استطاعت قوات الإمبراطورية اللحاق بنا دون أن يضطروا لخوض أي معركة
"لقد تحملنا عبئ الحرب بمفردنا ."
قال غوست ، بينما اقتربت قوات الإمبراطورية أكثر و أكثر
..
بتلك الليلة
..
إنتشرت اسطورة جديدة للعالم اجمع
قصة لفرقة واحدة ، استطاعت صد قوات الطليعة الخاصة بالالتراس لعشرين يوم كاملة ..
قوات الإمبراطورية توزعت بشكل منتظم داخل أراضي العدو، متبعين خطط قادتهم.. الخطط التي حاكوها بعناية بعد الكثير من التخطيط والتفكير.
طليعة الإمبراطورية قسمت لعدة فرق، فرق اخترقت مجال العدو بينما زحف الجيش الرئيسي من خلفها ببطء محافظا على قوته الكاملة.
فرق الطليعة كانت كثيرة، و كل واحد منها اتبع قائدا معينا، قائد يملك ما يكفي من القوة لصد أيا كان ما يرميه عليهم العدو.
أحد أولئك القادة كان سنو ليونهارت، البطل المختار للكنيسة.
هذا الأخير اتبع الأوامر، و تقدم ببطء و ثبات فاتحا الطريق للقوات من خلفه.
طيلة الأيام الأولى، هو و رفاقه خاضوا العديد من المعارك الطاحنة ضد قوات الأعداء الذين أستعملوا مخلوقات الكابوس.
لكنهم صمدوا جيدا نظرا لتواجد العديد من الأقوياء بينهم، خصوصا القديسة يوراشا التي بلغت الفئة SS.
كما أن العديد من طلاب النخبة قد وضعوا بفرقة سنو، من بينهم وجوه مألوفة مثل الساحرة سيلينا، و المبارز داون بولارس.
كانت هذه هي حربهم الأولى، لكنهم صمدوا بشكل رائع حقا.
رغم تكبدهم العديد من الضحايا نظرا لافتقار الخبرة، إلا أن الوضع بدا جيدا.
إلا أن كل شيء بدأ يتغير مع مرور الوقت.
بمجرد مضي أسبوع واحد على بداية حملتهم، سنو و فرقته لاحظوا شيئا غير منطقي بالمرة.
فرغم توغلهم أكثر و أكثر، إلا أن العدو لم يهاجمهم قط.
في البداية، هم ظنوا أن هذا مجرد تكتيك من الالتراس، حرب أعصاب يفرضونها عليهم لجعلهم يفقدون اتزانهم.
و هذا ما حدث بالفعل، فجانب الإمبراطورية أصبح يتقدم بأعصاب مشدودة، جاهلين متى قد يهاجمهم العدو.
إستمر هذا الوضع لعدة أيام، لكن ما خشوه لم يحدث مطلقا.
الالتراس لم يتعرضوا لهم، و كأنهم اختفوا تماما من على وجه الخريطة.
كثيرا ما كان جانب الإمبراطورية يجد آثارا فوق الأرض، آثار أثبتت ان جيوش العدو كانت موجودة أمامهم بالفعل، لكن لسبب ما.
العدو تحرك لمكان آخر متجاهلا وجودهم.
الوضع كان محيرا، ما جعل سنو يحاول التواصل مع بقية الفرق لاستبيان الوضع، فإذا به يتفاجأ من أن الجميع قد تعرضوا لنفس الظاهرة العجيبة.
"ما الذي يحدث بحق الجحيم؟"
عم التوتر أجواء معسكرات الجنود، و الحيرة كانت عنوانا.
"أليست هذه حربا؟ الا يفترض أن هذه هي قارة الأعداء؟ إذا أين هو العدو؟"
هذه كانت تساؤلات طرحت بكثرة.
الإمبراطورية بقيت ساكنة لعدة أيام، لكن نظرا للوضع الحالي أصدرت القيادة الأمر لهم ليواصلوا المضي أخيرا، و يتعمقوا أكثر بالقارة.
كان من الخطر التعمق داخل مساحة كبيرة جدا، لأن القوات لن تكون كافية لتغطيها بشكل كامل ما يعزز احتمال التفاف العدو من حولهم.
لكن الإمبراطورية لم تمتلك خيارا سوى الثقة بسحرتها لرصد الخطر بالوقت المناسب، و مواصلة المضي قدما.
و هكذا اجتمعت الفرق معا، و اندفعت للأمام محاولين معرفة خبايا ما يحدث.
ثم بعد مسيرة طويلة و مرهقة، هم بدأوا يلاحظونها أخيرا.. العلامات.
علامات المعارك.. لا، بل المجازر.
أرض صبغت بالأحمر، و أرواح زهقت.. و وحوش قتلت.
أمامهم، تواجدت آثار الحرب المضنية، التي يفترض بهم هم أن يخوضوها.
لكن غيرهم فعل.
"أي معركة هي تلك التي حدثت هنا؟"
سأل أحد الجنود، مندهشا من حجم الدمار الذي عصف بالمكان.
خصوصا آثار السيف الهائلة التي خلفت فوق الأرض، و كأن عملاقا قديما أطلق غضبه و زلزل العالم بسيفه، مخلفا تلك الندوب.
لم يكن من الصعب التعرف على جثث أولئك الموتى، فهي كانت تخص الالتراس، بالإضافة لوحوش الكابوس.
بعد اكتشاف المكان، جاء تقرير من كشافة الإمبراطورية.
"سيدي.. لقد وجدنا قبورا حفرت حديثا بجانب شابة المعركة.. نعتقد أنها تخص جنودنا."
تم تقديم هذا التقرير للعديد من الأشخاص و تم تداوله لاحقا لكافة الجنود.
من بين قوات الإمبراطورية، كانت هناك فرقة واحدة لم تكن متواجدة معهم.
فرقة واحدة، خاضت المعركة التي تركت آثار المجزرة المتمثلة أمامهم.
و هكذا.. واصلت الإمبراطورية التقدم. بينما علقت المشاهد التي رأوها بالأذهان.
هم اعتقدوا أنهم شاهدوا كل شيء بالفعل.
لكن ما هي سوى سويعات قليلة قبل أن يكتشفوا مدى خطأهم.
بمجرد تقدمهم أكثر، هم وجدوا ساحة معركة مختلفة لكن المشهد تكرر مرة أخرى.
مئات الجثث، ممزقة الأوتار، مقطوعة الرقاب... محروقة، مسحوقة، كل أنواع الجثث تواجدت هناك.
"لقد خاضوا معركة أخرى هنا.. فازوا، ثم واصلوا التوغل.."
لم يكن من الصعب أن يحزروا النتيجة، نظرا لعدد الجثث الخاصة بالأعداء مقارنة بشواهد القبور.
طبعا لم يعد الأمر سرا، فهم باتوا يعلمون أن الفرقة المعينة، كانت الخاصة بفراي ستارلايت.
لقد تجاهل الأوامر، قطع الاتصالات بالكامل و اندفع وحيدا مخترقا الأعداء.
لم يستعمل أي خطط ماكرة، ولا تكتيكات مخادعة.
هو قاتل من الأمام، مواجها الأعداء بالحديد و النار، و القوة الغاشمة.
طيلة الأيام الموالية، هم حاولوا اللحاق به. و كلما توغلوا أكثر، اكتشفوا المزيد و المزيد من الآثار.
آثار الحرب الحقيقية.
بأيام معدودة، فراي و من معه خاضوا الجحيم، و قاتلوا منقوصي الأعداد وحيدين، لكنهم فازوا دوما.
دفنوا موتاهم.
ثم واصلوا المضي قدما.
سابقا.. لم يهتم الجنود كثيرا عندما وجدوا ساحة المعركة الأولى.
رغم أنها كانت دموية جدا و مرعبة، إلا أنها لم تكن بالشيء الكبير، فجميعهم خاضوا شيئا مشابها بالأيام الأولى.
لكن الثانية.
و مع توالي تلك المشاهد الدموية.. الأولى، و و الثالثة و الرابعة...
تكرر المشهد كثيرا، فسكت الجنود و أخرست أفواههم و أظلمت وجوههم، و بدأوا يستوعبون الأمر أخيرا.
هم ركضوا بكل قوتهم.. لأيام.
لكنهم لم يلحقوا بفراي و من معه.. بل لم يجدوا سوى الدم و الموت.
بدا و كأن هذا هو ما سيصطدمون به طوال الأيام القادمة، لكن في النهاية.. فراي و من معه كانوا بشرا.
بشر لديهم حدود.
مهما بلغت قوتهم، هم سيجبرون على التوقف بالنهاية، و هذا ما كان بالفعل.
الالتراس جعلوا فرقة فراي ستارلايت تتتوقع بمكانها بينما حوصروا من كل حدب و صوب.
رماح الأعداء وضعت أمام وجوههم، و لم يكن هنالك من مهرب.
كانوا منقوصي الأعداد، منهكين من كل المعارك السابقة.
كثير من جنودهم خسروا الإرادة للمواصلة، دمرت معنوياتهم قبل أجسادهم.
الالتراس حاصروهم مرة، ثم مرتين، ثم مرارا و تكرارا.
هاجموا فراي و من معه كل يوم، لكن و مهما حاول الالتراس.. هم لم يستطيعوا قهرهم.
بتلك النقطة بالذات.. صد فراي و من معه كل عدوان الأعداء، و تحملوا الحرب لوحدهم.
جنود الإمبراطورية وصلوا أخيرا، و بلغوا ما بلغه فراي و من معه.
شمس اليوم الواحد و العشرين طلعت ببطء بالافق، كاشفة بضوءها عن كل شيء.
ففي تلك اللحظة، وصل آلاف الجنود من الإمبراطورية إلى ساحة المعركة.
لكن و رغم عددهم، و شدة بأسهم، إلا أنهم جميعا التزموا الصمت.
واقفين هناك، هم كادوا ينسون كيفية التنفس، ناهيك عن الكلام.
أما أعينهم، فلم تستطع مفارقة ذلك المنظر المشؤوم الذي تمثل أمامهم.
إذا كانت ساحات المعركة السابقة مرعبة لهم، فهذه لم تكن سوى الجحيم بحد ذاته.
في البداية ظنوا أنها جبال من بعيد.
لكن و بمجرد اقترابهم، تمكنوا أخيرا من لمح كل تلك الجثث.
جثث تراكمت فوق بعضها البعض، ما شكل جبالا هددت باختراق السماء.
من حولهم، بنيت أسوار من أطراف مقطوعة، و أوصال ممزقة.. و جماجم مبعثرة.
الدماء كانت كثيفة جدا، لدرجة أنها أصبحت بمثابة بحيرة ابتلعت أقدامهم.
الضباب الدموي كان كثيفا جدا، لدرجة أن الرؤية بحد ذاتها قد أصبحت مهمة شاقة جدا.
أمام جحيم الحرب ذاك، انهار الجنود الواحد تلو الآخر، تقيأ البعض منهم، و البعض ابتعد غير قادر على النظر أكثر من ذلك.
حتى الأشداء من أمثال فينيكس صنلايت و سنو ليونهارت أو قدامى الحرب كبلودمادير.
جميعهم أظلمت وجوههم بوقت واحد.
في تلك اللحظة، اكتشفوا أخيرا السبب وراء اختفاء الالتراس المفاجئ، و لماذا لم يتعرضوا للهجوم قط طيلة الأيام الماضية.
الالتراس تعرضوا لضرر هائل، لدرجة انهم اضطروا لجعل الطليعة بأكملها تهاجم فراي و من معه.
نتيجة لذلك، تلك الحرب لم تعد إمبراطورية ضد الالتراس.
بل فرقة واحدة، ضد قارة كاملة.
الكثير منهم كانوا واثقين بقدراتهم، و قوتهم.
لكنهم لم يستطيعوا سوى محاولة وضع أنفسهم بنفس الموقف الذي عانته فرقة فراي ستارلايت.
أمام عشرات الآلاف من الأعداء، محاصرين لأيام طويلة.. يتعرضون للهجوم ليلا نهارا من الوحوش و البشر على حد سواء.
يا ترى، هل سيتمكنون من الصمود؟
الإجابة كانت واضحة بالفعل.
لدقائق طويلة جدا، وقف جنود الإمبراطورية بعيدا ساكنين عندما لم يجرؤ الكثيرون منهم على الاقتراب من مقبرة الجثث تلك.
فالموت بنفسه كان حاضرا بذلك المكان.
و ما هي إلا ثواني معدودة، ليحدث التغيير الأول عندما خرجت مجموعة صغيرة من الأشخاص من بين جبال الجثث و الموت.
لم يتبقى منهم سوى القليل، لدرجة أنهم يعدون على أصابع اليد.
لكن البارز منهم، كان قائدهم الذي تولى قيادتهم.. من بينهم، بدا بحالة مزرية حقا لوهلة.
مرتديا قناعا أسود عجيبا، و درعا منبعجا محطما، و رداءا باليا ممزقا.
كان الدم يغطيه بغزارة لدرجة أن شعره الأبيض قد تحول للأحمر...
لكن و رغم منظره البائس.. إلا أن الرهبة تملكت كل من حاول النظر إليه.
هالته.. وجوده بحد ذاته جعلهم يرتعشون مكانهم.
هالة مهددة بنية قتل لزجة زحفت فوق جلودهم ببطء.
بطريقة أو بأخرى، فهم الجميع أنه هو من كان مسؤولا عن تلك اللوحة الدموية خلف ظهره.
بمجرد اقترابه، تقدم جميع قادة الفيالق، محيطين به بهدوء، ساحبين اياه بدون قول كلمة.
أما أعضاء فرقته، فقد حصلوا على العلاج و المعاملة المناسبة بعد كل ما خاضوه.
فراي لم يقاوم، بل اتبع الأوامر فحسب بطاعة، و رغم أنه تم اعتقاله، إلا أنه لم يعامل كأسير مطلقا.
فرغم مخالفته الأوامر، و تسببه بموت كل جنود فرقته.. إلا أنه في نفس الوقت كان البطل الذي خاض أهوال الحرب بدلا منهم جميعا.
أمام وجود كهذا، لم يعرف الكثيرون كيف يجب أن يعاملوه بالضبط.
هو لم يبدو كبطل، بل كجلاد جاء لإعدام كل أعدائهم.
الالتراس كانوا و حوشا بشعة عاثت فوق الأرض فسادا، و للتعامل معهم، ظهر داخل الإمبراطورية وحوش أشد رعبا و بأسا منهم.
هذا هو فراي ستارلايت.
و ساحة المعركة أمامهم هي خير دليل.
لاحقا، سمي ذلك المكان بساحة الذبح مجهولة الاسم "The Nameless Slaughterfield".
مكان سفكت فيه الدماء إلى أن تشكلت الأنهار، و كثرت الجثث إلى أن كونت الجبال.
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا لتنتشر الأخبار، و يدرك العالم ما حدث.
بالتالي، بدأت كل الأطراف تتحرك بناءا على ذلك.
بجانب الإمبراطورية، ما حدث كان بمثابة ولادة معجزة.
لكن و لجانب الالتراس، فهي كانت لعنة سلطت عليهم.. لعنة من عيار أبراهام ستارلايت.
فراي دخل الحرب و معه ألف محارب، من بينهم لم يتبقى سوى 7 باحتسابه.
بالمقابل، تمكن أولئك الألف من هزيمة طليعة الالتراس بأكملها، و التي قدر عددها بما يزيد عن 30 ألف محارب. بالإضافة ل 10 آلاف مخلوق كابوس.
باحتساب ما حدث بخليج شيزكلار.
الالتراس خسروا حاليا ما يتجاوز 50 ألف مقاتل، و هذا كان عدد هائل، و خسارة كبرى.
...
"لهذا السبب بالذات، اجتمعت كل تلك الوجوه بمكان واحد.
داخل قاعة مهيبة، بنيت بطريقة تناسب الملوك.
حضرت كل القوة الآمرة لجانب الالتراس، باجتماع استثنائي لم يقم مثيله من قبل.
من بينهم، وقف ميرغو.. لورد القفص المظلم بالمركز جاذبا أنظار الجميع.
منظفا حلقه، هو تحدث بتعابير مسترخية ناسبت عجوزا سكيرا مثله.
"أيها السادة الكرام، أشكر تلبيتكم النداء."
كلام ميرغو كان موجها بشكل خاص لبياتريس، التي وقفت أمامه ضامة لكلتا ذراعيها بأناقة، و دراغوث الوحش الجالس خلفه بهدوء.
"جمعناكم اليوم في ظل ما حدث مؤخرا و الإبادة الكاملة لطليعة قواتنا بجانب شيزكلار."
تنهد ميرغو منزعجا بصدق. لتقاطعه بياتريس التي جاءت على ما يبدو بأحد دماءها.
دمية جميلة بشعر أسود سلس، و بشرة بيضاء و أعين خضراء زاهية. بابتسامة لعبوبة مرسومة فوق وجهها.
بينما أمالت رأسها، هي قالت بهدوء:
"ما المشكلة؟ فما حدث حتى الآن لا يزال ضمن نطاق المتوقع، فالطليعة بأكملها وضعت هناك لتموت."
بمجرد قولها لتلك الكلمات، ازداد الضغط بالهواء بشكل غير طبيعي.. مصدره لم يكن سوى دراغوث.
الذي جلس يحدق بها من بعيد، لكن و على الرغم من أن أعينه قد قتلت بياتريس عدة مرات، إلا أنه لم يهاجم بنفسه.
وافقا بجانبه، غافيد ليندمان حرص على أن لا يتهور، فرغم أن دراغوث أصبح أكثر رزانة الآن، إلا أن معالم الجنون لا تزال بادية عليه.
ما حدث له طيلة سنين احتجازه بالإمبراطورية لا يزال لغزا حتى هو نفسه لا يتذكر إجابته، لكنه ألقى بظلاله عليه بكل تأكيد.
نظرا لطبيعة الصفقة بينهم، غافيد لم يستطع السماح بموت بياتريس.
لذلك السيطرة على دراغوث كانت واجبا.
بالمقابل، سارع ميرغو للحديث مغلقا المجال بالكامل.
"أعلم أن ما حدث ضمن نطاق الموقع، لكنه حدث بشكل أسرع بكثير مما خططنا به، كما أن الإمبراطورية لم تتكبد أي خسائر."
كان من المفترض أن تتسبب الطليعة بضرر أكبر بكثير لجانب الإمبراطورية، و أن تصمد لوقت أطول.
لكن و رغم عددهم الكبير، بالكاد حققوا أي نتائج تذكر.
"لقد ظهر متغير لا يمكن التنبؤ به."
قال ميرغو، لتجيب بياتريس.
"فراي ستارلايت، أليس كذلك؟"
أومأ ميرغو. و أكد ليندمان.
"لا يمكن السماح له بمواصلة النمو أكثر من ذلك، و إلا قد يتحول لعقبة تقف بطريق خطتنا الكبرى."
فراي ستارلايت اظهر بالفعل قوة تناطح من هم بقمة الفئة SS+.
الزيادة المتفجرة و السريعة بمستواه لم تكن طبيعية، بل كانت جنونية.
معظمهم شعر بها.
إذا ترك له المجال، قد يتحول لشيء يفوق استيعابهم بكثير.
"يجب أن يموت بالمعركة القادمة."
أعلن غافيد ليندمان، بينما وقف دراغوث.. "أين أبراهام..."
بينما ضم قبضته، و توهجت أعينه بالأحمر.. تحرك دراغوث أخيرا.
"سأتولى أمره بنفسي."
و هكذا و بدون سابق إنذار، قررت القوة الرئيسية للالتراس أن تدخل ساحة المعركة بالفعل.
بدوا عازمين على رد الدين.. أمام تصميمهم هذا، بياتريس لم تستطع سوى أن تتنهد بينما هزت رأسها بأسف، منبهرة بجهلهم.
"فراي ستارلايت.."
هي قالت بابتسامة بينما تلاعبت بأصابعها.
"لا داعي للقلق بشأنه.. فهو قد سقط بالفعل."
ضحكت الساحرة بخفة، بينما غادرت المكان، تاركة الجميع من خلفها جاهلين بمعنى ما قالته.
تزامنا مع اجتماع الالتراس.. حدث شيء عجيب.. هناك بجانب الإمبراطورية.
داخل غرفة مغلقة، كانت بمثابة الزنزانة له.
جلس فرد واحد فوق سريره، بينما ارتجف جسده دون توقف.
فراي ستارلايت.. الوحش الذي وصف بالمعجزة، بقي وحيدا هناك و عانى من شيء لم يفهمه مطلقا.
من العدم، بدأت الشرارات البنفسجية تنفجر حول جسده، بينما زادت الرعشة التي عانى منها حدة.
فراي.. مغلقا عينيه بشدة، حاول قمع ما كان يحدث له بالقوة.
مستعملا قدرة تأقلم الظلال، ركز على التلاعب بالأورا الخاصة به بشكل مطلق، و اخضاعها لسيطرته.
مؤخرا.. قوته كانت تتزايد دون توقف، خصوصا بعد قتله لكل تلك الأرواح.
هو شعر و كأنه يتحول ببطء لشيء آخر تماما.. وحش من عيار لا يوجد مثيله الكثير.
هو قضى أيامه الأخيرة داخل زنزانته يحاول استيعاب تلك القوة.
لكن مؤخرا، خرجت قوته عن السيطرة بشكل كامل.. و مهما حاول السيطرة عليها، هي كانت تهتاج أكثر و أكثر مهددة بابتلاعه.
حتى عندما استعمل تأقلم الظلال، هي لم تهدأ مطلقا.
شرارات الأورا الأرجوانية واصلت الانفجار بشكل أعنف.. مدمرة كل ما تواجد حوله، بينما زحفت مادة سوداء لزجة من تحت جلده، منتشرة مثل الشرنقة داخل دمه.
فراي لاحظ اياها، و بفضل إدراكه الكامل لكل خبايا جسده.. هو أدرك ان ذلك السواد كان شيئا دخيلا.
شيء لم يكن موجودا من قبل.
لكن أيا كان ذلك الشيء، فهو ما جعل قوته تهتاج بذلك الشكل.. هو لعن بشدة.. جاهلا ما كان يحدث له، ثم بدون سابق إنذار.. توسعت أعين فراي عندما همس شيء ما بجانب أذنه.
"أعده."
صوت غريب، لكن مألوف.
قوته اهتاجت.. مهددة بابتلاع المكان بأكمله.. أما فراي، فزادت حيرته أكثر من أي وقت مضى.
"أعده.. فهو ملك لي."
بتلك اللحظة بالذات.. مستمعا لذلك الصوت هو بدأ يدرك الحقيقة.
بنفس الوقت.. توهجت واجهة النظام.
المهمة النهائية.
وصف المهمة:
إجتاحت ظلال ويسكر العالم، و بدأ الصيد بالفعل، إنه سباق ضد الوقت، لمن سيصيد الآخر أولا!
الكارثة قادمة لا محالة، و سيفك قد يكون المفصل بالصراع القادم.
قبل فوات الأوان، تخلص من ظلال ويسكر!
الظل الأول: الساحرة الأبدية بياتريس.
الظل الثاني: ملك الموت ثاناتوس، المعروف بجيجبيتو.
الظل الثالث: جيش الرجل الواحد، الرتبة العاشرة من الشياطين العليا، زيبيار.
الظل الرابع: فراي ستارلايت.
...
معسكر الإمبراطورية
..
بوقت متأخر من تلك الليلة المقمرة، نام معظم الجنود استعداداً للانطلاق مرة أخرى بالقريب العاجل.
رغم ضخامة المخيم، إلا أنه كان هادئاً جداً، مصدر الضوء الوحيد بذلك المكان كان نيران المخيم التي أشعلت بأماكن متفرقة، المستيقظون الوحيدون كانوا الجنود تعيسي الحظ الذين عينوا من أجل القيام بدوريات، في حال حدوث أي شيء.
عميقاً داخل المخيم، تواجدت زنزانة بسيطة، سجن مؤقت احتضن فرداً معيناً.
..
الشخص الذي أصبح اسمه على كل لسان مؤخراً.. هو كان بطل الحرب، لذلك لم يجرؤ أي شخص على التمادي معه.
منذ أن تم وضعه داخل تلك الزنزانة، هو لم يتحدث سوى مع بعض القادة الذي أتوا من حين لآخر إما لاستجوابه، محاولين فهم دوافعه.
الطريقة التي تصرف بها اللورد ستار لايت كانت غريبة ومبهمة للكثير منهم.
لم يعرف أحد منهم ما إذا يمكن وصفه بالبطل، أو الوحش... الإجابة لم تكن واضحة.
..
لكنه بقي ساكناً حتى الآن، وهذا ما جعل الكثير منهم يشعرون بالراحة.
..
لهذا السبب لم يتواجد سوى جندي واحد كحارس له، وحتى ذلك الحارس قد استغرق بالنوم بتلك الليلة.
كانت ليلة هادئة وساكنة.
..
..
لكن و بداخل تلك الزنزانة.. الوضع اختلف بشدة.
..
..
هناك بذلك المكان.. وسط الظلمات والسواد، توهجت تلك الهالة البنفسجية بشدة، بينما انفجرت شرارات البرق البنفسجي بدون توقف.
..
فراي مغمضاً عينيه، حاول التركيز بشدة من أجل التحكم بهالته، لكن ومع مرور الوقت.. وضعه لم يزد سوءاً.
..
قوته بدأت تهتاج لدرجة أنها دمرت أرض من تحته، وكل ما تواجد من حوله.
عندما اكتشف أنه لا يزال يفقد السيطرة حتى مع كل محاولاته.. فراي صر على أسنانه بغضب.
"مالذي يحدث لهذا الجسد اللعين؟!".
.
مادة سوداء لزجة زحفت تحت جلده، أعينه واصلت التوهج بعنف، وهالته هددت بالانفجار بأي لحظة.
بجانب أذنيه، هو بدأ يسمع أصوات عجيبة، أصوات طالبته بإعادة ما سلبه منهم.
"أعده، إنه ملك لي".
"أعده".
"أعده".
"أعطني إياه".
مجبراً على مواجهة الهيجان المفاجئ لقوته، والصداع الشديد من محاولة كبحها.
..
والآن الاستماع لتلك الأصوات الغريبة التي همست بجانب أذنه.. فراي فقد أعصابه بشكل كامل.
..
العروق تلوت كالديدان بأماكن متفرقة من جسده بينما صرخ بصوت هادر جعل الحارس بالخارج يقفز من مكانه.
..
"أعطيك إياه!؟! الشيء الوحيد الذي ستأخده هو إصبعي الأوسط اللعنة عليك!!".
تزامناً مع صراخه الهستيري ذاك، دخل الحارس على عجل بعدما تنبه أخيراً للفوضى العارمة التي تسبب بها السجين.
"مالذي يحدث هنا؟!".
صرخ الحارس سائلاً، فإذا به يسقط أرضاً مغمى عليه بعدما طرحه فراي بضربة واحدة.
..
قوته خرجت عن السيطرة بشكل كامل، فلم يكن له من خيار سوى التحرك.
..
"إذا انفجرت هالتي هنا.. سيموت الجميع..".
هالة فراي لم تكن بالمزحة، فهي الوحيدة من بين إحصائياته التي بلغت الفئة SSS.
كان من الصعب توقع المدى التدميري لقوة عظيمة كتلك.
..
لهذا السبب، استجمع فراي قوته بأقدامه، ثم قفز مفجراً السقف، ومبتعداً عن المكان قدر الإمكان.
خطواته كانت سريعة جداً، تكاد لا ترى بالعين المجردة.
لكن هالته المتضخمة فضحت وجوده، فهو بدا مثل النيزك البنفسجي الذي شق السماء، وطار مبتعداً مدمراً أياً كان ما تواجد بطريقه.
شرارات البرق البنفسجي تراقصت من حوله وكأنها أفاعي تحاول الهروب من جحرها.
...
فراي أبقاها تحت السيطرة بالكاد، إلا أن توقف وانهار داخل منطقة جبلية بعيدة.
دون وعي منه، هو قطع عشرات الكيلومترات بعيداً عن المخيم.
..
هناك بين الصخور والجبال العاتية، ازدادت هالة فراي هياجاً مدمرة كل ما تواجد من حولها.
أصوات الصراخ ازدادت حدة مع كل ثانية مرت.. أما المادة السوداء التي زحفت من تحت جلده.. فهي آلمته بشدة وكأن أحدهم حقن حمماً بركانية داخل عروقه.
هو لم يملك الثبات ولا القوة العقلية لاستعمال النظام حتى، فجل تركيزه انصب على كبح ذلك الجنون.
"لابد أنك تمزح معي".
فراي ساقطاً أرضاً محاطاً بجنون الفوضى ذاك، هو أصبح بمثابة شمس بنفسجية أضاءت المنطقة الجبلية بأكملها.
"ألا يكفي كل أبناء العاهرة الذين أنا مضطر لمواجهتهم؟ هل أنا مضطر لأقاتل نفسي الآن؟".
واقفاً من جديد، بجسد أضاء دون توقف.
فراي أخذ نفساً عميقاً، مخرجاً قناع النايملس واضعاً إياه فوق وجهه.
"لم أقطع كل هذا الطريق لكي يتم العبث معي بهذه الطريقة".
..
بمجرد وضعه للقناع، وكأن تعويذة سحرية قد ألقيت عليه.
..
أصبح عقل فراي هادئاً، كبحر هائج قمعت أمواجه بالقوة، ليعود لسكونه ورزانته.
فاتحاً كلتا يديه على مصراعيهما، هو احتضن قوته مرة أخرى ساحباً إياها للداخل بالقوة.
"فقط من تظنني أكون؟".
مقاوماً الألم، ومجابهاً أياً كان ما تربص بجسده.
..
اشتعلت قوة فراي بقوة وضراوة أكبر، كان عرضاً مذهلاً للقوة.
القوة التي بناها فراي طيلة تلك السنين.
حتى لو حاولت الهرب منه، هي لن تستطيع معارضته.
"لا تظن ولو للحظة، أنك ستسقطني بهذه السهولة".
شيئاً فشيئاً، هدأ الهياج، وبدأ فراي يستعيد السيطرة أخيراً.
..
هو أظهر نمواً وتطوراً مذهلاً، وتمكن من الحفاظ على ثباته حتى عندما واجه المجهول، حتى عندما هدد جسده بخيانته.. هو لم يذعر، ولم يفقد السيطرة مطلقاً.
الأمر أخذ منه ساعة كاملة، لكن في النهاية.. هو استعاد السيطرة أخيراً منهاراً فوق الأرض محاولاً التقاط أنفاسه.
"أخيراً.. اختفى ذلك الصوت الملعون".
..
ذلك الشيء أزعجه حتى النهاية، لدرجة أن فراي أراد تدمير أذنيه لإيقافه.
لكن الصراخ استمر داخل عقله ما جعل الأمر بدون فائدة.
جالساً القرفصاء فوق الأرض الباردة، تنهد فراي منزعجاً."؟".
..
"أي كارثة هي هذه التي سقطت فوق رأسي هذه المرة".
"لقد جاءت من العدم، بدون مقدمات وبدون سابق إنذار".
كانت هذه هي المرة الأولى التي يرفض فيها جسده الامتثال له.
آخذاً بنظرة على ذلك الجسد الذي دمره مراراً وتكراراً إلا أن جعله بهذا الشكل.
..
جسد صلب مصقول لدرجة الكمال، الجسد الذي جعله بشرياً خارقاً.
هل يحاول خيانته الآن؟.
فراي كان حائراً، ومن أجل إبعاد جهله، وإيجاد تلميح يقوده لحل معضلته الجديدة.. هو لم يكن له سوى النظام الذي رافقه برحلته حتى الآن.
...
كان على وشك فتح الواجهة، لكنه تجمد ويده ممدودة بالهواء عندما قاطعه صوت لم يتوقع سماعه بأي وقت قريب.
...
"يبدو أن تدخلي لم يكن ضرورياً، فأنت توليت الأمر بشكل أفضل مما توقعت".
..
ذلك الصوت البارد، والغامض الذي طارد فراي بكوابيسه.
..
رغم حواسه المصقولة، إلا أن فراي لم يشعر بوجوده مطلقاً.
..
معيداً يده لمكانها، ضاقت أعين فراي بينما استدار ناحية الرجل الذي أطل عليه هنا بفقار الجبال.
..
متكئاً على أحد تلك الصخور العملاقة، مرتدياً رداءه الأسود الممزق، هو لم يتغير مطلقاً.
..
أعينه الزرقاء كانت الشيء الوحيد البارز من بين ملامحه، فهي بدت بمثابة مصابيح أضاءت المكان.
أعين زرقاء انعكس بريقها بنظيرتها البنفسجية الخاصة بفراي.
هذا الأخير نهض من مكانه واقفاً أمامه وجهاً لوجه.
"كعادتك، لا تظهر إلا متى ما شئت".