كل الأحداث الحالية ما هي إلا سرد لماضي القصة ، كل تشابه في الأحداث أو الأسماء ما هو إلا صدفة ...



الحروب الدينية كانت دريعة عائلة دي روز من أجل القيادة و الحكم ، لكن تنافسها مع "آل ميتز" لم يمكنها من ذلك الى أن نجح إليوت دي روز في إقناع أهل الجنوب بضرورة التخلص من الدين الجديد الذي غزا أراضيهم . كهنة المعبد الوثنيين هم من اشارو على إليوت دي روز بإعلان الحرب المقدسة ، ذلك لأن نفوذ ديانتهم و نفوذهم الشخصي قد تناقص و أصبح مهددا ، كانت أول خطوة هي إقناع إليوت دي روز بأنه قد حان الوقت لكي تتوج نبالة عائلة دي روز بأن تصبح أكثر نبلا متفوقة على منافستها عائلة ميتز ، و أن تقود العائلات الجنوبية و تغزو الشمال و توحد الأراضي ، بل و سيصبح إليوت دي روز ملكا و تحصل عائلة دي روز على أطول سلالة ملكية .


بعد فشل عملية التطهير و أسر قائد الفيلق ويلكوت ، أعلنت حالة الطوارئ ، و لينفس الملك عن غضبه قام بتعذيب و إعدام نواب القائد و أمر بالأشغال الشاقة للجنود ، بعد ذلك جمع كل مستشاريه و قادة الجيوش العشرة ، لقد أصبح الأمر جديا أكثر من أي وقت مضى ، و الأولوية استعادة ويلكوت.

في الشمال قرر ديريس أن يتحامل على نفسه أكثر ، رغم أنه تعب من كل هذا ، يداه و أصابعه أصبحت متورمة ، حل البرد و انتشر الوباء و الجوع و جراح الجنود لم تشفى بعد ، الموت القادم من الجنوب سيعود حتما ، سيعود ببطش أكبر متوعدا بالخراب و الدمار ، في الواقع بدا الأمر كما لو أنه قد تم تطهير الشمال من الجنوبيين ، بدأ ديريس في التوغل في الشمال بغية توحيد القبائل الشمالية و تجنيد كل من يستطيع حمل السلاح ، و كل ذلك و هو يقول في نفسه " هذه المرة ستكون النهاية حتما ، أنا آسف لأنني أجمعكم لحتفكم" . وافق أهل الشمال على توحيد صفوفهم تحت قيادة ديريس ، البعض أسماه ملكا و آخرون قائدا ، هم فقط بالأمس كانوا يدعونه بالخائن ، لكنه رفض الألقاب ، إنه فقط واحد منهم يقاتل من اجل الدفاع عن حريته و عن وطنه .

في الجنوب ، و بعد إجتماع الملك بمستشاريه و قادة جيوشه ، خرج باستنتاج مفاده أن ديريس لم يعد مجرد صداع ، و أن استراتيجيته في الحفاظ على أراضي الشمال قد فشلت و أدت إلى خروج معضمها عن سيطرته ، كل فيالق التطهير في الشمال جنودها شماليون أو من أصل شمالي ، الوضع الراهن قد يشجعهم على التمرد و الإنضمام إلى ديريس ، لهذا سيتم إرسالهم إلى مناطق أخرى يكون فيها خطر تمردهم أقل ، أما الشمال فسيتم إرسال حملة مكونة من جيوش جنوبية جنودها أشد ولاءا للملك ، جيوش قادتها لن يرضوا حتى يعود الشمال تحت سيطرة العائلة الحاكمة ، و حتى يتم إبادة كل الشماليين عن بكرة أبيهم .

أصر آل بلاك روز على المشاركة في الحملة القادمة التي أطلق عليها "الحرب المقدسة لإستعادة أراضي الشمال" ، و كان إصرارهم هذا بسبب وقوع إبنهم ويلكوت أسيرا ، لكن الملك عين "راينر ميتز" قائدا للحملة و بعد إصرار من "آرين بلاك روز" الذي يكون والد كل من ويلكوت و ساندرا زوجة الملك ، تم تعيينه نائبا عن آرين في هذه الحملة و استعد للمهمة قائلا ؛ "سنطاردهم و نصطادهم كالحيوانات" .

بعد توغله في الشمال اضطر ديريس إلى التخلي عن الأراضي التي كانت بحوزته ، و أهمها مسقط رأسه قرية "بيرك" ،و الذي ساهم وقوعها بين المرتفعات في انتصاره الأخير ، قرر الإتجاه نحو أقصى الشمال ، و معه كل السكان الشمال المتبقين ، شيوخ و أطفال و نساء ، أراضي أقصى الشمال أراض سهلية مفتوحة ، لا وجود فيها لأماكن للإختباء ، سيكون قتالا مفتوحا كما هو متوقع ، العدو أمامهم و البحر و راءهم ، و لم يعد هناك مفر من هذا بعد الآن .

و هكذا بدأت المطاردة ، و كلما مر الوقت زاد ترقب ديريس ، كانت الأخبار تصله من جواسيسه الذين قام بنشرهم أن جيشا عظيما يزحف إليهم ، إنه مشابه تماما لأول جيش غزا الشمال منذ أكثر من 150 سنة ، أمر ديريس بإحضار ويلكوت إليه و ارتسمت على وجهه نظرة ممزوجة بابتسامة خفيفة مربكة ، أغمض عينيه و بدأ يتخيل كيف ستكون النهاية ، ظن الجميع أنه سيلجأ إلى التفاوض ، لكن ديريس يعلم أن الجيش القادم إليهم ليس قادما للتفاوض ، و إنما لمحوهم عن الوجود ، أما ويلكوت فقد كان مرتعبا لأقصى درجة و هو الذي لم يأكل شيئا منذ أيام ، أخذ يتوسل ديريس أن يتركه و شأنه "أشعر بأن هناك ثقبا في معدتي من شدة الجوع ، أرجوك أتركني أرحل و في المقابل لن يمسك جنود والدي بأذى أنت و من معك " ، أجاب ديريس بصوت غليظ متعال " لست بموقف يسمح لك أن تتفوه بمثل هذا الكلام ، إذا كنت جائعا لما لم تقل ذلك من قبل ، اعتقدت انك تمارس شعيرة الصيام ، إذا أردت ان تنجوا فلتتضرع للآلهة التي أتيت أنت و جيش والدك لتقتل الأبرياء في سبيلها ، أنت و جنود والدك و جنود الملك اللعنة عليكم جميعا ، اللعنة على الحجارة التي تعبدونها ، أنتم لم ترحموا أيا منا ، و من لا يرحم لا يرحم " و ما إن أنهى ديريس كلامه حتى استل سيفه و قطع ذراع ويلكوت راميا إياها أمامه و قال وسط صراخ شديد من ويلكوت و دهشة من الحاضرين " فلتأكل هذه ، إنها طعام يليق بنبيل مثلك" ، هنا علم الجميع أن ديريس لن يفاوض و إنما قد اختار القتال ، أو بمعنى آخر الموت .

أخذ الجيش الذي يقوده راينر ميتز بمساعدة آرين بلاك روز بالتقدم أكثر و أكثر في أراضي الشمال ، و حتى الآن لا أثر لديريس و أتباعه ، لابد و أنهم يتجهون نحو الجرف ، و الجرف هو الفاصل بين اليابسة و البحر فلا يوجد شاطئ إنه مكان جيد للتخلص من الجثث . في الجانب الآخر بدأ صراخ الأطفال و بكاء و عويل النساء بعد أن علموا أن ديريس إختار القتال ما يعني الموت المحتم ، أمر ديريس بالتقدم أكثر نحو أقصى الشمال أي الجرف ، لكن الفوضى أعاقت تقدمهم لهذا خطب ديريس في الناس قائلا :" أيها الناس يا أهل الشمال ، قد أتاكم أهل الجنوب يريدون تطهير المكان منكم فإن أدركوكم فلا تنتظرو رحمتهم ، حتى لو تفاوضنا معهم في النهاية سيعودون ، من أراد فلينجو الآن ، و أنا و من يستطيع القتال سنحميكم لهذا تقدمو قبل أن تندمو " ، منهيا كلامه حمل ديريس ويلكوت على كتفه و ترك ذراعه على الأرض و كتب بدماء ويلكوت أمامها عبارة " إشتقت إليك يا والدي أرجوك أسرع.. ويلكوت" ، و انطلق يلملم صفوف من معه الذين كان أغلبهم من الشيوخ و النساء و الأطفال .

مع مرور الوقت ، تواصلت المطاردة و تواصل زحف الجيش القادم من الجنوب لكن لا أثر لأهل الشمال ، ترجل آرين بلاك روز من حصانه و أخذ يتفحص المكان راميا بصره ، لاحظ على بعد منه شيئا يبدو كقطعة لحم أو عضو إنسان ، إتجه صوبه لعله دليل على خطى ديريس و من معه لتكون المفاجئة إنها ذراع إبنه ويلكوت التي تركها ديريس هدية له ، و ما إن قرأ العبارة المكتوبة بدم إبنه حتى استشاط غضبا " سأقتلك يا ابن العا..رة ، سأقطع جثتك و اترك الكلاب تنهشها ، فلتلعنك الآلهة " . إستمر الوضع هكذا كلما تقدم جيش روز عثروا على هدية من ديريس لآرين بلاك روز كانت قطعة أخرى من ويلكوت ، كان عملا وحشيا من ديريس و لكنه تعلم الوحشية من أهل الجنوب هؤلاء ، و مع كل قطعة يتركها من ويلكوت يترك عبارة بدم ويلكوت " أنقدني يا أبي !! ، أسرعوا أيها الأوغاد ، من هنا مع رسم سهم يدل على الإتجاه ، اللعنة عليكم ، لم يعد هناك دم للكتابة .... إلخ" . أخذ الجيش في الإسراع بعد كل قطعة يجدها ، كما أخذ آرين والد ويلكوت في جمع أطراف إبنه و وضعها في كيس و دموعه تكاد تغلبه بعدما علم أنه لن يستطيع أن ينقذ فلذة كبده ،قائلا "في نفسه لابد و أن الجميع علموا بأن هذا سيحدث حتى الملك كان يعلم أن ديريس لن يفاوض و سيقدم على التنكيل بابنه انتقاما لأهل الشمال" ، لم يسمح آرين بأن تهتز نفسه أراد أن يبقى مركزا ، سيحصل إبنه على دفن لائق ، حتى لو اظطر إلى جمعه قطعة قطعة ، و الأكثر من ذلك لابد ان يتلذذ بتعذيب ديريس 'اللعنة عليه' قبل أن يرسله هو و من معه إلى الجحيم .

وصل ديريس و من معه إلى النهاية ، انتهت اليابسة بالفعل ، البعض قفز من أعلى مرتفع الجرف إلى الماء ، كان الجرف عاليا بحيث لا يستطيع الجميع القفز و النجاة ، بدأ البعض بالنحيب ، و البعض بالصلاة ، و آخرون استعدو لموتهم في صمت ، ديريس يدعو الجميع إلى الثبات ، النساء ترمين أولادهن الرضع إلى البحر ، عم الصراخ المكان و في نفس الوقت كل شخص لا يسمع إلا أنفاسه و دقات قلبه ، الحرارة تخرج من وجهه و يشعر بعروقه تنتفخ و تنبض ، لفظ ويلكوت آخر أنفاسه ، كان مقطوع اليدين و القدمين و محطم الجمجمة ، و امعاؤه تتدلى ، حمله ديريس و ربطه إلى درعه التي يحملها بيده بواسطة أمعائه وسط تقزز الجنود الذين معه ، لم يروا ديريس بهذا الجنون من قبل ، هكذا صار جسد ويلكوت درعا لديريس ، أعطى الأمر للجنود الذين معه بالتقدم إلى الصفوف الأمامية ، لم يكن عددهم أكثر من مئة و أخذ الجميع يتلو صلاته " يا إلهنا أنت واحد ، و أنت المنتصر و أنت الحي، و نحن من أجلك ميتون " .

يتبع

2018/02/13 · 371 مشاهدة · 1532 كلمة
Leo
نادي الروايات - 2024