الفصل العاشر
لم يكن هناك ضوء، لم يكن هناك ظلام. فقط الفراغ، متاهة من الوجود المتداخل، حيث تتداخل الأبعاد كما لو أنها ترفض أن تستقر في شكل محدد. لم يكن هناك فرق بين الأعلى والأسفل، بين الداخل والخارج. كان كل شيء نقطة واحدة تمتد بلا نهاية، تتوسع وتنكمش كما لو أنها تتنفس بطريقة لا يمكن إدراكها.
وفي وسط هذا الامتداد اللانهائي، كان هناك شيء جديد. شيء لم يكن هنا قبل لحظات.
المنكر لم يتحرك. لم يكن بحاجة إلى ذلك. لم يكن هناك معنى للحركة في مكان حيث لا يوجد اتجاه. لكنه شعر به، التغيير الطفيف الذي بدأ ينتشر في الوجود نفسه، تموجات خفيفة في بحر من الاحتمالات اللامحدودة. لم يكن وحيدًا هنا.
الشخص الغريب كان لا يزال واقفًا، ينظر إلى الفراغ من حوله كما لو أنه يحاول فهم ما حدث. لكن هذه المرة، لم يكن وجهه يحمل ابتسامته الساخرة المعتادة. بل كان هناك شيء آخر، مزيج من الإدراك والدهشة، وربما القليل من القلق.
لم يكن هناك صوت، ولكن فجأة، بدأ المكان يتغير. الفراغ بدأ يتخذ أشكالًا، لم تكن ثابتة، بل متغيرة، أشبه برؤى متداخلة تتبدل في كل لحظة. لم يكن هذا مجرد فراغ، بل كان شيئًا أقدم، شيئًا خامًا، غير متشكل بعد.
"هذا..."
الصوت خرج من الشخص الغريب، لكنه لم يكن موجّهًا لأحد. كان مجرد همس، كما لو أنه يحاول استيعاب ما يراه. لكن حتى هو، الذي بدا وكأنه يعرف الكثير، لم يستطع تفسير ما كان يحدث.
المنكر لم يتكلم. لم يكن بحاجة إلى ذلك. لكنه كان يشعر بشيء غريب. هذا المكان لم يكن كما كان قبل لحظات. لم يكن مجرد فراغ عدمي، بل أصبح شيئًا آخر، شيئًا يعيد تشكيل نفسه بناءً على وجوده.
كان كما لو أن مجرد وجوده هنا أجبر القوانين على إعادة التفكير في نفسها.
لم يكن هذا المفترض أن يكون ممكنًا.
الشخص الغريب التفت إليه، عيناه مليئتان بشيء لم يكن موجودًا من قبل.
"أتعلم ماذا فعلت؟"
لم يرد المنكر.
لكن الشخص الغريب لم يكن ينتظر إجابة.
"لقد جعلته ممكنًا."
كانت تلك الجملة تحمل ثقلًا لم يكن من السهل تجاهله.
ما حدث لم يكن مجرد فشل محاولة محوه. لم يكن مجرد فشل قانون في إنكاره.
ما حدث هو أن القانون نفسه أُجبر على التغير لاستيعابه.
الفراغ، الذي كان من المفترض أن يكون مطلقًا، لم يعد كذلك. الآن، كان هناك شيء آخر، شيء جديد، شيء لم يكن له اسم بعد.
لكن هذا لم يكن النهاية.
لأن شيئًا آخر كان يتحرك.
شيئًا كان يراقب.
التموجات في الفراغ بدأت تتسارع، كما لو أن شيئًا في أعماق هذا الامتداد اللامتناهي استيقظ. لم يكن شيئًا يمكن رؤيته، لم يكن حتى شيئًا يمكن الإشارة إليه، لكنه كان هناك، شعور خفي بوجود يراقب، ينتظر، يدرس ما حدث.
الشخص الغريب تجمد للحظة، وكأن شيئًا غير مرئي ضغط عليه.
"لا بأس..." تمتم بصوت بالكاد يُسمع.
لكن المنكر لم يكن بحاجة إلى سماعه ليدرك أن هذا لم يكن جيدًا.
لأول مرة، شعر أن هناك شيئًا قد يتجاوزه.
ثم، قبل أن يتمكن أي منهما من الرد، حدث التغيير الثاني.
لم يكن انفجارًا، لم يكن تمزقًا في الوجود، لم يكن حتى تحولًا بصريًا.
كان شيئًا أعمق.
كان كما لو أن العالم نفسه قد غير رأيه.
الفراغ لم يختفِ، لكنه لم يكن كما كان. الآن، كانت هناك بقايا، آثار شيء لم يكن هنا قبل لحظات.
ثم، ظهر الصوت.
لم يكن صوتًا بشريًا، لم يكن حتى مفهومًا يمكن وضعه في كلمات. كان إعلانًا، ليس بصيغة كلمات، بل كحقيقة غير قابلة للجدل.
"لقد لاحظناك."
الشخص الغريب شهق، وكأن الهواء قد انتُزع من رئتيه.
المنكر لم يتغير، لكنه شعر بذلك أيضًا.
هذا الصوت لم يكن مجرد رسالة.
كان حكمًا.
لم يكن شيئًا وُجه إليهما فقط.
كان موجّهًا إلى الوجود كله.
ثم، كل شيء انهار.
لم يكن هناك انفجار، لم يكن هناك دمار، لم يكن هناك حتى إحساس بالسقوط.
فقط، تغير.
وفي اللحظة التالية، كانا في مكان آخر.
أو ربما، كانا في العالم الحقيقي لأول مرة.
السماء كانت مظلمة، لكنها لم تكن مجرد ظلمة عادية. لم يكن هناك نجوم، لم يكن هناك قمر، فقط امتداد شاسع من السواد النقي، كما لو أن الفراغ قد تسرب إلى هذا العالم.
الأرض تحت قدميهما لم تكن صلبة تمامًا، لكنها لم تكن سائلة أيضًا. كان لها قوام غريب، أشبه بظل متجمد، سطح يعكس الضوء دون أن يكون له أي مادة حقيقية.
لم يكن هناك هواء، ومع ذلك، كان هناك إحساس بالحركة.
المنكر لم يتكلم.
لكن الشخص الغريب كان يلهث.
"هذا... ليس ممكنًا."
التفت إليه المنكر، متأملًا حالته. كان يبدو مختلفًا، كما لو أن وجوده نفسه قد أصبح أكثر هشاشة.
"أين نحن؟"
الصوت خرج من المنكر دون أن يدرك أنه تكلم.
الشخص الغريب لم ينظر إليه، بل كان لا يزال يحدق في السماء الفارغة.
"نحن في... بداية كل شيء."
رفع يده، وأشار إلى الأمام.
"هذا هو المكان الذي وُلدت منه القوانين."
المنكر لم يرد.
لكن الشعور الذي غمره كان واضحًا.
هذا المكان... لم يكن مجرد بقايا لعالم قديم.
بل كان المكان الذي صيغت فيه القواعد لأول مرة.
وهذا يعني شيئًا واحدًا فقط.
إذا كان هنا، فهذا يعني أنه...
قبل أن يتمكن من إكمال الفكرة، بدأ المكان يتغير مرة أخرى.
لكن هذه المرة، لم يكن مجرد تبدل في الأشكال أو الطيف.
هذه المرة، كان هناك شيء يتحرك نحوهما.
لم يكن شيئًا يمكن رؤيته. لم يكن شيئًا يمكن إدراكه بالحواس العادية.
لكن وجوده كان ساحقًا.
ولأول مرة منذ أن بدأ هذا كله...
شعر المنكر بالخطر.