الفصل التاسع: نقطة اللاعودة

لم يتحرك المنكر. لم يكن بحاجة إلى ذلك. الكيان الذي ظهر أمامه لم يكن كائنًا ماديًا، لم يكن حتى شيئًا يمكن تحديده بسهولة. كان ظلًا بلا مصدر، فراغًا في شكل حضور، مفهومًا مجسدًا.

ومع ذلك، رغم غموضه، شعر المنكر بشيء مختلف هذه المرة. هذا ليس مجرد طيف آخر، ليس مجرد امتداد للنظام، بل شيء أقدم، شيئًا لم يكن من المفترض أن يظهر...

لكن ها هو الآن، يقف هنا، يراقبه.

الهواء اهتز حولهما. ليس كأنفاس ريح، بل كنبض واقع يحاول التكيف مع خطأ لم يكن من المفترض أن يوجد.

ثم تحدث الكيان الجديد.

"أنت..."

لم يكن صوته مثل صوت الشخص الغريب، لم يكن حتى صوتًا بالمعنى التقليدي. كان وجودًا يُنقل مباشرة إلى وعي المنكر، شعورًا أكثر منه كلمات.

"... كسرٌ في التوازن. انحرافٌ لا يُفترض أن يكون."

الشخص الغريب ظل صامتًا، يراقب المشهد بعينين ضيقتين. لم يكن هذا شيئًا توقعه.

المنكر لم يرد، لكنه شعر أن هذه اللحظة مختلفة.

"ماذا يعني ذلك؟" سأل الشخص الغريب أخيرًا.

الكيان لم يتحرك، لكنه بدا وكأنه انتقل عبر الفضاء دون أن يتحرك فعليًا. فجأة، أصبح أقرب، وكأنه كان هناك طوال الوقت

"إنه ليس منا."

كان ذلك كافياً.

لم يكن مجرد بيان، لم يكن مجرد وصف. بل كان حكمًا.

في اللحظة التي نطق فيها الكيان بهذه الكلمات، اهتزت القوانين نفسها.

العالم، الذي كان حتى الآن مجرد مجال من الطيف المتدفق، بدأ يتغير. لم يكن يتكيف مع وجود المنكر بعد الآن، بل بدأ يرفضه بشكل فعلي.

الأرض، أو ما يشبه الأرض، بدأت تتشقق، ليس كمادة تتحطم، بل كقانون يتفكك.

الهواء أصبح أكثر كثافة، كما لو كان يحاول طرده بالقوة.

والمفارقة؟ المنكر لم يشعر بأي فرق.

لأنه لم يكن جزءًا من هذا العالم أصلاً.

"هذا سخيف..." تمتم الشخص الغريب، وهو ينظر إلى الكيان الجديد. "لا يمكنك أن تحكم عليه بشيء لم يكن خاضعًا له منذ البداية."

الكيان لم يرد، لكنه رفع ما يشبه يده.

وفجأة، كل شيء توقف.

الطيف، الذي كان حتى الآن في حالة حركة مستمرة، أصبح جامدًا تمامًا. لم يكن هذا مجرد سكون، بل كان انقطاعًا تامًا للوجود نفسه.

ثم، دون تحذير، هجم.

لم يكن هناك شعاع طاقة، لم يكن هناك انفجار، لم يكن هناك حتى حركة مرئية.

كان مجرد قرار.

ومع ذلك، شعر المنكر به كما لو كان أعنف هجوم واجهه على الإطلاق.

لم يكن شيئًا يمكنه مراوغته، لم يكن شيئًا يمكنه إيقافه.

لأن الهجوم لم يكن موجهًا نحو جسده، لم يكن موجهًا حتى نحو وعيه.

بل كان موجهًا نحو مفهومه.

الكيان كان يحاول إنكاره.

وهذه المرة، كان مختلفًا عن الطيف.

كان شيئًا أقدم.

المنكر لم يتراجع. لم يكن هذا شيئًا يمكن تفاديه، لم يكن هناك مفر.

لكن، ولأول مرة، كان هناك رد فعل منه.

رفض.

لم يكن مقاومة، لم يكن دفاعًا، بل كان ببساطة عدم الاعتراف بالقانون الذي يحاول إزالته.

وبهذه البساطة، بدأ الهجوم يفشل.

"مستحيل..."

الكلمة خرجت من الشخص الغريب، رغم أنه لم يكن الشخص المستهدف.

ما حدث لم يكن مجرد مقاومة، لم يكن مجرد إفلات من الهجوم.

بل كان كسرًا للقانون نفسه.

ما حاول الكيان فعله كان أمرًا مطلقًا، شيئًا لا يمكن إيقافه، لكن المنكر لم يوقفه... بل جعله عديم المعنى.

الكيان لم يتحرك، لكنه لم يكن كما كان من قبل. للحظة، بدا وكأنه فقد وجوده، كما لو أن محاولته لإنكار المنكر عادت عليه.

ثم، دون سابق إنذار، اختفى.

كل شيء أصبح صامتًا.

الطيف بدأ يتحرك مرة أخرى، لكن بطريقة مختلفة. لم يكن يعود إلى طبيعته، بل كان... يُعاد تشكيله.

المنكر لم يقل شيئًا.

الشخص الغريب، الذي كان حتى الآن مجرد مراقب، أخيرًا فتح فمه ليتحدث.

"... أنت لست مجرد كسر في النظام."

المنكر لم يرد.

الشخص الغريب ابتسم، لكنها لم تكن ابتسامة سعيدة.

"أنت شيء لم يكن من المفترض أن يكون موجودًا على الإطلاق."

ثم، وكأن العالم نفسه استجاب لكلماته، بدأ الطيف بالتحول إلى شيء آخر.

شيء لم يكن من قبل.

شيء لم يكن يجب أن يوجد، لكنه الآن... موجود.

---

نهاية الفصل التاسع

2025/03/21 · 0 مشاهدة · 617 كلمة
Hibari
نادي الروايات - 2025