الفصل الثامن: الاختبار الأول

المنكر لم يتحرك. لم يكن بحاجة إلى ذلك. كل شيء حوله كان في حالة تغير مستمر، كما لو أن هذا "العالم" نفسه لم يكن ثابتًا. لم يكن مجرد مكان، بل كان فكرة، مفهومًا متجسدًا، وكل ما يوجد فيه يعكس هذا المبدأ.

الشخص الذي يقف أمامه لم يكن مجرد كائن آخر، بل كان جزءًا من هذا النظام، كأنه ينبض مع تدفق الطيف حوله. كان كل شيء فيه يبدو طبيعيًا، ومع ذلك، لم يكن كذلك.

"هل تفهم الآن؟" قال بصوت هادئ. "العالم الأول ليس مكانًا، بل هو المرحلة التي يبدأ منها كل شيء. إنه بداية الوعي بالطيف، بداية إدراك أن الوجود يمكن أن يُعاد تشكيله."

لم يرد المنكر، لكنه كان يفهم. كان هذا "العالم" هو البداية فقط، لكنه لم يكن ما يبحث عنه. إنه يرى الطيف، لكنه لا يشعر بأنه مقيد به، لا يشعر بأنه جزء منه كما يفترض أن يكون.

الشخص الغريب ضيّق عينيه، وكأنه لاحظ ذلك. "أنت... مختلف."

المنكر لم ينكر ذلك.

"لكن المختلف لا يُقبل بسهولة."

لم يكن هناك تحذير، لم يكن هناك أي تغيير مرئي. فجأة، وكأن الواقع نفسه قرر أن يهاجمه، تحرك الطيف.

---

المرحلة الأولى: الانعكاس والرفض

لم يكن هجومًا عادياً. لم تكن هناك قوة تُطلق نحوه، لم يكن هناك أي شيء واضح يمكنه التصدي له. بل كان العالم نفسه يرفضه.

الطيف، ذلك التيار الذي يشكل كل شيء هنا، بدأ يضطرب حوله. لم يعد يتدفق بسلاسة، بل أصبح معوجًا، مموجًا، كأنه يحاول التخلص منه.

كانت هذه هي المرحلة الأولى من الاختبار.

"كل من يدخل هذا العالم يجب أن يثبت أنه ينتمي إليه." جاء صوت الشخص الغريب. "إذا لم يكن كذلك، فسيرفضه الطيف، سيمزقه حتى لا يبقى منه شيء."

كان هذا قانونًا. ليس قانونًا وضعه أحد، بل قانونًا متأصلًا في طبيعة هذا المكان. كل شيء في هذا العالم يعتمد على الطيف، وإذا لم يتقبل الطيف وجودك، فإنك ببساطة... لن تبقى.

لكن المنكر لم يكن مثل الآخرين.

لم يكن يبحث عن القبول.

الطيف التف حوله، حاول أن يمحوه، أن يعيده إلى العدم. كان مثل بحر من القوى المتداخلة، موجات غير مرئية تتلاعب بكيانه.

لكن بدلاً من أن يقاوم، بدلاً من أن يحاول النجاة، وقف بثبات.

لم يحاول الاندماج، لم يحاول فرض نفسه. بل ببساطة... رفض.

---

المرحلة الثانية: التناقض المطلق

للحظة، كل شيء توقف.

لم يكن هذا من المفترض أن يحدث. الطيف لا يتوقف، لا يتردد. إنه الأساس الذي يحكم هذا العالم. ومع ذلك، الآن، كان في حالة ارتباك.

كان المنكر وجودًا لا يجب أن يكون هنا، ومع ذلك، لم يكن يختفي.

الشخص الغريب رفع حاجبه. لم يكن يتوقع ذلك.

"أنت لا تحاول إجبار الطيف على قبولك..." همس، وكأنه بدأ يفهم. "أنت ببساطة لا تعترف بسلطته."

لم تكن هذه مقاومة، لم تكن قوة مضادة للطيف.

بل كانت إنكارًا لوجوده نفسه.

---

المرحلة الثالثة: التدخل الأول

لم يكن الطيف شيئًا يمكنه التفكير، لكنه كان جزءًا من معادلة أكبر. والآن، كانت تلك المعادلة تحاول تصحيح نفسها.

ولأول مرة، ظهر شيء جديد.

الهواء اهتز، وكأن العالم نفسه يتنفس، ومن الفراغ، بدأ كيان آخر في التكوّن. لم يكن له شكل محدد، كان مجرد ظل، لكنه لم يكن مجرد طيف.

"ها قد بدأ التوازن بالتصرف..." تمتم الشخص الغريب. "هذا... غير متوقع."

الكيان الجديد لم يتحرك، لكنه كان يراقب. لم يكن مثل الآخرين، لم يكن مجرد انعكاس للطيف، بل كان شيئًا أقدم، شيئًا كان دائمًا هنا، لكنه لم يكن بحاجة للظهور إلا الآن.

"يبدو أنك قد جذبت اهتمامًا لم يكن من المفترض أن يجذب."

المنكر لم يهتم.

لكن للمرة الأولى منذ أن وُجد، شعر بشيء يشبه التحدي.

نهاية الفصل الثامن

2025/03/21 · 1 مشاهدة · 561 كلمة
Hibari
نادي الروايات - 2025