مبارك عليكم دخول شهر رمضان المبارك
...
...
...
وقف الجالس على العرش، والقلعة بأكملها اهتزت مع حركته. شعرتُ بثقل في الهواء، كأن العالم كله يحاول أن يمنعني من التحرك. لم يكن هناك مجال للهرب، ولا مكان للاختباء.
استلَّ سيفه.
كان السيف أسود اللون، مظلمًا كليلٍ بلا نجوم. بدا كأنه يمتص الضوء من حوله، كأنه قطعة من العدم ذاته. عندما رفعه، شعرت ببرودة قاتلة تتسرب إلى عظامي.
"مستحيل..."
لم أملك الوقت للتفكير. الفارس انقضّ عليّ بسرعة غير بشرية، ولم أستطع إلا رفع سيفي الأسود في محاولة لصد ضربته.
لكن القوة...
القوة كانت ساحقة.
اصطدم سيفه بسيفي، وانفجرت موجة من الطاقة السوداء حولنا. شعرتُ وكأن ذراعي تحطمت تحت وطأة الضربة، وارتطمتُ بالجدار الحجري بقوة، ألهث من الألم.
لكن لم يكن هناك وقت للراحة.
رأيت الفارس يتقدم، ببطء وثقة. خطواته كانت ثقيلة، كأنها دقات طبول الموت. رفعتُ سيفي مرة أخرى، وألقيتُ بنفسي نحو المعركة.
السيوف اصطدمت. الشرارات السوداء تناثرت في كل مكان.
كنت أسرع، لكن كان أقوى.
كنت أتحرك بجنون، لكن كان هادئًا كالموت.
ضرباتي بالكاد كانت تخدشه، لكن ضرباته كانت تكسر عظامي.
في لحظة خاطفة، تفادى إحدى ضرباتي، ووجه سيفه نحو صدري. حاولت التراجع، لكن الألم انفجر في جسدي عندما شعرت بالشفرة السوداء تخترقني.
طعنة أولى.
صرختُ من الألم، الدماء تفجرت من جراحي. سقطت على ركبتي، لكن لم يكن هناك وقت للراحة. الفارس لم يتوقف.
طعنة ثانية.
هذه المرة كانت في كتفي، شعرتُ بحرارة دمي تسيل بغزارة.
"تبًا...!"
حاولتُ الوقوف، لكن سيفه تحرك مرة أخرى، ولم أتمكن من تفاديه.
طعنة ثالثة.
كانت في بطني.
صرختُ، الألم كان يفوق أي شيء شعرتُ به من قبل. نظرتُ إلى الأسفل، ورأيتُ شفرة السيف تخترق جسدي بالكامل. الدماء كانت تخرج بغزارة، وأحشائي كادت أن تسقط.
"لا... لا أريد أن أموت!"
لكن الفارس لم يتوقف.
رفع سيفه عاليًا، وقبل أن أتمكن من الحركة...
قطع يدي اليسرى.
"آآآآآه!!!"
سقطتُ على الأرض، ويدي المقطوعة كانت ترتعش بجانبي، غارقة في الدماء. الألم كان لا يُطاق، لم أستطع حتى الصراخ، فقد كان كل شيء يغرق في موجة من العذاب.
لكن الأمر لم ينتهِ بعد.
بضربة أخرى... قطع يدي اليمنى.
"اللـعـنـــــة!!!!"
الدماء كانت تتدفق مني، وكنت أرتجف كالموتى. لم أعد أملك يديّ، لم أعد أستطيع حمل السيف، لم أعد قادرًا على القتال.
"لماذا...؟"
عيناي امتلأتا بالدموع، ليس من الألم فقط، بل من اليأس.
"لماذا يحدث هذا لي؟ لماذا لا أستطيع حتى القتال؟"
سقطتُ على الأرض، جسدي كان يرتجف، ودموعي كانت تمتزج بدمائي. نظرتُ إلى الفارس الأسود، لكنه لم يتوقف. رفع سيفه عاليًا، مستعدًا لإنهاء الأمر.
"لا... لا أريد أن أموت..."
لكنني كنت عاجزًا.
كل شيء كان يتلاشى...
هل هذه نهايتي؟
هل كنت مجرد دمية في يد القدر؟ هل كان كل شيء بلا معنى؟
في تلك اللحظة، وبينما كان السيف يهبط نحوي لإنهاء حياتي، تمنيتُ لو لم أُولد قط.
رفع الفارس الأسود سيفه عاليًا، والموت كان يزحف نحوي مثل ظلٍ ثقيل. لم أكن قادرًا على الحركة، لم أكن قادرًا على الصراخ، لم أكن قادرًا حتى على التفكير. كان كل ما أشعر به هو الألم... الألم الحارق في بطني، الألم النابض من يديّ المقطوعتين، الألم الذي يتفجر من كل شقٍ في جسدي.
"لا... لا أريد أن أموت..."
لكن الموت لم يستأذن يومًا أحدًا.
تحركت الشفرة بسرعة، وعندما لامست عنقي، شعرت ببرودتها القاتلة. كانت أبطأ مما توقعت، وكأن الزمن قرر أن يُعذبني أكثر. الجلد تمزق أولًا، ثم اللحم، ثم شعرت بالشفرة تصل إلى العظم.
"آه...!"
لم يكن صوتي حتى صراخًا، كان مجرد همسٍ يائس، كما لو أن روحي نفسها لم تعد قادرة على الصراخ.
رأيتُ الحياة تُسحب مني، رأيتُ عالمي ينهار. الدماء تدفقت كنافورة، وشعرتُ بكل خلية في جسدي تموت ببطء.
كان هذا هو الموت.
الظلام غمرني.
لكن فجأة—
عيناي انفتحتا.
أخذتُ نفسًا عميقًا، وكأنني كنت أغرق في أعماق الجحيم، ثم أُعيدت إلى الحياة بالقوة. الألم كان لا يزال موجودًا، لكنه لم يكن من الطعنات أو فقدان الدم.
لقد عدتُ...
لكن أين؟
المكان كان مألوفًا... تلك الجدران الحجرية، ذلك الظلام الذي يلتف حولي كالأفاعي، والرائحة الخانقة التي تشبه رماد الموتى.
اللعنة... لا... لا يمكن أن يكون...
استدرت ببطء، وشعرت بقشعريرة تتسلل إلى عمودي الفقري عندما رأيته.
ذلك الشيطان.
كان يجلس هناك، على عرشه كما كان دائمًا، قرونه السوداء المدببة تبرز للأعلى كرموز للدمار، وأجنحته العملاقة مفرودة خلفه، كأنها ستبتلع الظلام نفسه. عيناه الضيقتان لم تحمل أي مشاعر، لم يكن هناك شفقة، لم يكن هناك اهتمام، كان مجرد وجوده وحده كافٍ ليجعلني أشعر أنني عدت إلى أسوأ كابوس في حياتي.
"أنت مجددًا..."
خرجت الكلمات من فمي بصعوبة، وكأنها تحمل كل الكراهية التي جمعتها طوال حياتي.
لكنه لم يرد.
كان يراقبني بصمت، كما لو أنني لم أكن أكثر من قطعة شطرنج صغيرة في لعبته.
ثم رأيتها.
تلك الفتاة الشيطانية.
كانت تقف بجانبه، هالة من القوة والغموض تحيط بها. عيناها الداكنتان كانتا تلمعان، وبشرتها الفاتحة كانت متألقة في الظلام القاتم. شعرها الرمادي الطويل انساب بانسيابية حول وجهها، مُعززًا هالة الثقة المطلقة التي تملكها. لكن أكثر ما لفت نظري... كانت قرونها السوداء الطويلة، التي بدت وكأنها جزء من تاج شيطاني منحها السلطة المطلقة.
"لماذا؟"
سؤالي لم يكن موجهًا لأحد بعينه، ربما كنت أتحدث إلى نفسي.
لماذا عدت إلى هنا؟ لماذا كان عليّ أن أواجه هذا الكابوس مجددًا؟ لماذا كان كل شيء ينهار من حولي؟
ثم، كما لو أن الشيطان قرأ أفكاري، تحدث بصوته العميق الجاف.
"لقد فشلت مجددًا."
كلماته كانت كالسكاكين، لا—بل كانت أسوأ. كانت مثل رماد ساخن يُسكب في جرح مفتوح.
"مهمتك الأولى... فقدتَ فيها أخاك إيثان."
شعرتُ بقلبي يتوقف للحظة.
إيثان... اسمه وحده كان كافيًا ليمزقني من الداخل. صورته ظهرت أمام عينيّ، ذلك الوجه البريء، تلك الابتسامة التي لم يعد لها وجود.
"مهمتك الثانية..."
شعرتُ بدموعي تبدأ في الانهمار قبل أن يكمل كلماته، لأنني كنت أعرف ما الذي سيقوله.
"فقدتَ فيها أمك."
أغمضتُ عيني، لكن المشهد كان محفورًا في ذهني.
رأسها المنزوع.
ذلك المشهد اللعين الذي لن يمحى أبدًا.
لم يكن هناك جسد، لم يكن هناك شيء، فقط... الرأس.
عيناي كانتا تدمعان بغضب، بحزن، بكره، بكل شيء.
"أتمنى أن أعيش للأبد في تلك القلعة."
تلك الكلمات خرجت مني بصوت مرتعش.
"كنتُ سأفضّل الموت هناك على أن أكون هنا... على أن أرى وجهك مجددًا، أيها اللعين!"
لكن الشيطان لم يبتسم، لم يضحك، لم يُظهر حتى السخرية المعتادة.
بدلًا من ذلك، نظر إليّ كما لو كنتُ نملة، مجرد حشرة تافهة تحاول التمرد على القدر.
الفتاة الشيطانية بجانبه نظرت إليّ بدورها، لكنها لم تقل شيئًا.
لكنني لم أكن بحاجة إلى كلماتها.
لقد كنتُ ميتًا بالفعل.
ليس جسديًا، لا—كان روحي هي التي تمزقت بالكامل.
كم مرة سأعاني؟ كم مرة سأشعر بهذا الألم؟ كم مرة سأفشل؟
سقطتُ على ركبتي، قبضتا يدي كانتا ترتجفان، أو ربما كان جسدي كله يرتجف.
"لماذا... لماذا أنا؟"
لم يكن هناك إجابة.
لكنني كنت أعرف شيئًا واحدًا...
هذا لم يكن النهاية.
كان الشيطان لا يزال ينظر إليّ، كانت الفتاة لا تزال تراقبني، وكان الألم لا يزال يلتهمني.
وهذه القصة لم تنتهِ بعد.