بسم الله الرحمن الرحيم


"ماذا قلت؟!".

قالها الملك ذو الشعر الأبيض والأسود بلحيته الكبيرة وتعابير وجهه المتفاجئة للغاية وهو جالسُ على عرشه الذهبي للفارس المُصاب أمامه والذي يلهث بصعوبة من التعب قبل أن يقول خافضاً رأسه للأسفل : "أنا أعتذر حقاً يا سموك! لقد قتلت الغيلان السوداء العملاقة سمو الأمير عندما هاجموا مخيمنا في منتصف الليل!".

نزل الخبر كالصاعقة على جميع من في المكان خصوصا الملك الذي إزدادت سرعة نبضات قلبه وأنفاسه لموت إبنه المفضل قبل أن يصرخ بصوتٍ عالٍ في غضبٍ شديد : "لقد أرسلت نخبة فرساني لحماية إبني من كل المخاطر المحتملة وتفشلون في ذلك بسبب بضعة غيلان؟! هل أنتم فعلاً نخبة فرسان المملكة؟!".

أخفض الفارس المصاب رأسه أكثر وهو يعتذر بحزنٍ شديد قبل أن يصرخ الملك بأعلى ما لديه قائلاً :"إعدام! عقوبتك أيها الفاشل الجبان هي الإعدام! كان يجب أن تموت أنت وجميع الفرسان دفاعاً عن إبني!".

إنصدم الفارس المصاب للغاية مما قاله الملك ورفع رأسه مبرراً ما حصل قائلاً : "ولكن يا سمو الملك لقد كانت غيلان سوداء عملاقة! ناهيك عن أنها هاجمت خيمة سمو الأمير أولاً في منتصف الليل عندما كنا نائمين!".

حاول مستشار الملك العجوز بلحيته البيضاء الطويلة تهدئة الملك قائلاً : "فالتهدئ من فضلك يا سموك, إن الغيلان السوداء العملاقة من الوحوش القوية للغاية! حتى قائد الجيش إعترف بقوتها!".

"ولكن نخبة فرسان المملكة تم تدريبهم على هزيمة أقوى أنواع الوحوش غير أنهم فشلوا في حماية إبني من بضعة وحوش قوية! هذا الفشل يهدد مستقبل المملكة الأن!".

قالها الملك بغضب قبل أن يبرر الفارس المصاب فشلهم قائلاً : "أعتذر على المقاطعة يا سموك ولكنهم كانوا أكثر من عشرة وليس مجرد بضعة غيلان سوداء عملاقة!".

تفاجئ المستشار أكثر ممّا قاله الفارس المصاب وإلتفت برأسه ناحية الملك ليقول : "يا سموك, إنه من النادر تحرك الغيلان السوداء العملاقة في مجموعاتٍ كهذه! قد تكون هذه إشارة على إقتراب حدوث ثورة غيلان أخرى! علينا تجهيز الجيش والإستعداد من الأن!"

إلتزم الملك الصمت للحظة بسبب ما أخبره مستشاره قبل أن يهدأ قليلاً ويقول : "حسناً ..*ينظر إلى أحد جنوده*.. أنت! فالتخبر قائد الجيش بأخر المستجدات وبتجهيز الجيش في أسرع وقتٍ ممكن! ..*ينظر إلى الفارس المصاب*.. وأنت سوف تقاتل في مقدمة الجيش!".

"شكرا لعفوك يا سموك! أعدك بأنني لن أخذلك من جديد!".

قالها الفارس المصاب في إمتنانٍ شديد لعفو الملك عن حياته ثم نهض وخرج من المكان بينما بقي الملك في حالة صمت لبضعة دقائق قبل أن ينهض من مكانه وهو يأمر جميع جنوده : "فالتحضروا جميع مرسولي الرسائل الذين في المدينة, حان الوقت لنكتب صفحةً جديدة في التاريخ!".

في ذلك اليوم أرسل ملك مملكة أوروفوليان الرابع رسائل دعوة لإجتماعٍ ملكي هام لجميع ملوك ممالك قارة أوروفاس, كتب الملك في هذه الرسالة بأن هذا الإجتماع الملكي الهام والفريد من نوعه سيصنع مستقبلاً مشرقاً أكثر لجميع سكان القارة!


- بعد أسبوع / قاعة الإجتماعات في القصر الملكي لمملكة أوروفوليان

أثارت رسائل ملك أوروفوليان الرابع إهتمام جميع ملوك ممالك قارة أوروفاس فقرروا حضور هذا الإجتماع, غير أن بعضهم كان على حذرٍ من أي مكائد محتملة فحذروا ملك أوروفوليان الرابع من أن هذا.

إجتمع جميع ملوك ممالك قارة أوروفاس في اليوم المحدد للإجتماع الملكي داخل قاعة الإجتماعات بعد أن تم ترحيبهم بشكلٍ لائق, كانت قاعة الإجتماعات ضخمةً وفي وسطها طاولةٌ ضخمة مستديرة وهناك العديد من الكراسي الفاخرة للغاية موزعةٌ في أنحاءها.

بفضولٍ شديد سأل أحد الملوك عن مغزى رسالة ملك أوروفوليان الرابع وما هذا المستقبل المشرق لجميع سكان القارة الذي تحدث عنه؟ أجاب ملك أوروفوليان الرابع على هذا السؤال قائلاً : "قبل أن أجيب عن سبب إجتماعنا أريد أن أشكركم جميعكم على حضوركم إلى هنا اليوم, والأن أخبروني, من منكم عانى من الوحوش؟ ..*قال بسرعة قبل أن يتمكنوا من الإجابة*.. لا أحد! تلك المخلوقات تهدد سلام ممالكنا, تهاجم قوافلنا التجارية! تدمر حقول مزارعنا الشاسعة وتقتل سكان شعوبنا وجنودنا بوحشيتها! حتى مع وجود أعداد المغامرين الكبيرة نحن لم نتخلص من شر هذه الوحوش! كما أنه بسببها قد خسرت إبني! هو ليس صاحب الدم الملكي الأول الذي يموت على يد الوحوش ولكنه سيكون الأخير إن أردتم ضمان حياتكم أو حياة أبنائكم أو حتى ذريتكم من الوحوش! لقد حان الوقت لنضع حداً لهذا الأمر! لقد حان الوقت لنوحد جيوشنا في حملةٍ عظيمة ولنقضي على جميع الوحوش تماماً! لنجعلهم جزءاً من الماضي!".

أعجب بعض الملوك بفكرة ملك أوروفوليان الرابع غير أن البعض الأخر قد إنتابه الشك ثم إعترض أحدهم وقال : "سنعاني الخسائر! ماذا يضمن إستمرار السلام في كافة أنحاء القارة بعد إنتهاء هذه الحملة التي تقترحها؟ ماذا يضمن أنك لن تهاجمنا من الخلف بعد أن نعاني من الخسائر في الجيش؟".

أجاب ملك أوروفوليان الرابع على هذا الشك قائلاً : "جيشي سيضمن! جيشي بل جيوشنا جميعاً ستقاتل جنباً إلى جنب كجيشٍ واحد ضد الوحوش! كما أن جميعنا سنعاني من الخسائر التي لا مفر منها وليس أنت أو هو فقط".

بهذا إتفق جميع الملوك على فكرة توحيد جيوشهم و بعد الدخول في بضعة تفاصيل ونقاشات صغيرة تم الإتفاق على إجتناب قتل الوحوش المُفيدة كوحش الغريفون الذي يستعمل للطيران, وكوحش ثعبان البحر العملاق الذي يستعمل لزيادة سرعة السفن وغيرها من الوحوش المفيدة المفيدة في المجال العملي والكيميائي.

كان هذا القرار بعد تحديد هدف الحملة الرئيسي وهو القضاء على الوحوش القوية كالغيلان بأنواعها والتنانين وأيضاً على الوحوش الخطيرة كالعفاريت التي تهاجم القرى والكوبولد الذي يعيق أعمال عمال المناجم وغيرها من هذه الوحوش.

إنتهى إجتماع الملوك بتأسيس مجلس الملوك والذي سيضع القرارات أثناء الحملة بناءاً على التصويت بين الملوك بالإضافة إلى إطلاق إسمٍ للحملة ليخلده التاريخ وسيكون هذا الإسم ( التطهير العظيم! )

قبل أن ينهض الملوك من مقاعدهم للذهاب ونشر الخبر في ممالكهم ظهر شقٌ أزرق غريب من السحر فوق منتصف الطاولة فإنذهل الملوك ونهضوا جميعاً من أماكنهم وإستعد الفرسان المرافقين لكل ملك للقتال دفاعاً عنه.

من داخل هذا الشق الأزرق السحري خرج ساحرٌ جسده شفاف وفي الوقت ذاته مصنوعٌ من طاقة السحر الزرقاء وهو يحمل عصا خشبية متقنة الصنع في أعلاها جوهرةٌ سحرية تبعث بطاقة السحر من داخلها, يرتدي هذا الساحر ملابس جلدية للقتالات والمعارك وهي تغطيه من قدمه إلى رقبته مع قفازات وقميصٍ ذو أكمام طويلة ولكن الغريب في هذا الساحر هو أنه أصلع الرأس ووجهه بلا أدنى ملامح أبداً!

فوراً ما إن خرج هذا الساحر الغامض من الشق السحري حتى قال بصوتٍ عالٍ : "توقفوا! أنتم ترتكبون حماقةً كبيرة ستؤدي بالعالم إلى الهلاك! لا يجب أبداً أن تدمروا التوازن!".

"ما هذه الشعوذة ؟!".

قالها أحد الملوك في حين قال ملك أوروفوليان الرابع : "كيف تجرؤ وتقاطع إجتماعنا أيها الساحر بهذه التفاهات التي تقولها؟!".

"هذه ليست تفاهات! أنا أحاول إنقاذ العالم من الخطأ الذي ستفعلونه!".

قالها الساحر الغامض دفاعاً عن نفسه فقال ملكٌ أخر : "العالم سيتم إنقاذه عندما نقضي على الوحوش الخطيرة وليس عندما نتركها على قيد الحياة, أعتقد بأن هذا واضحٌ للغاية, حتى للأطفال".

"القضاء على الوحوش سيحطم توازن العالم! عندما يتحطم التوازن ستطلقون الهلاك على عالمكم!".

قالها الساحر الغامض في محاولةٍ لتوضيح ما ستسبب به هذه الحملة فغضب ملك أوروفوليان الرابع وأمر فرسانه قائلاً : "أخرجوا هذا المجنون من هنا!".

حرك الفارس ذو الدروع البيضاء اللامعة المجاور للملك يده اليمنى ملوحاً إياها بطريقةٍ تبدو كما لو أنه يقوم بتعويذةٍ ما وأثناء ذلك قال الساحر الغامض على عجلةٍ شديدة : "أنت تقترف خطأً عظيماً يا سمو...!".

أختفى الساحر الغامض ومعه الشق السحري من المكان بعد أن أنتهى الفارس من القيام بالتعويذة خلال بضعة ثوان, رداً على ما حصل قال أحد الملوك : "عبدة الوحوش, لقد واجه فرساني هؤلاء المجانين أثناء قيامهم بمهمةٍ سرية قبل بضعة سنوات, هؤلاء المجانين يقدسون الوحوش وعلينا ألا ندعهم يقفون في طريقنا أن أردنا نجاح التطهير العظيم".

"بإتحاد جيوش جميع ممالكنا, أنا لا أستطيع تخيل وجود شئٍ يمكن أن يقف في عائقنا!".

قالها ملكٌ أخر والذي كان من المؤيدين لهذه الحملة من البداية.


منذ تلك اللحظة بدأت حملة التطهير العظيم وإنطلقت جيوش جميع الممالك بعد تجهيزها إلى البراري والغابات وجميع بقاع القارة للقضاء على الوحوش, تولى نخبة الفرسان أمر الوحوش القوية كالغيلان السوداء العملاقة والغولم بينما تم القضاء على التنانين بعد حشد عددٍ كبير من النخبة لتقليل الخسائر, الجنود الضعفاء والذين تم تجنيدهم حديثاً تولوا أمر الوحوش الضعيفة كالعفاريت والكوبولد أما باقي الجيش فقد تولوا أمر الوحوش متوسطة القوة كالعناكب الكبيرة والغيلان العادية والقناطير.

لسوء الحظ كان على المغامرين الذين يكسبون قوت يومهم من التعامل مع الوحوش الخطيرة أن ينضموا للحملة أو أن يصبحوا صائدي جوائز, سفكت دماء عشرات الألاف من الوحوش بل مئات الألاف أو ربما حتى الملايين بسبب التطهير العظيم وقد ظهر الساحر الغامض مجدداً في كل مرةٍ يجتمع بها الملوك لتحذيرهم من عواقب حملة التطهير العظيم غير أنهم لم يستمعوا.

مضت بضعة أشهر قبل أن توشك الحملة على النجاح حيث تقاتلت جيوش الممالك مع أخر مجموعات الوحوش المتبقية وما إن قضوا على أخر وحش حتى أعلنوا إنتصارهم ونجاح التطهير العظيم غير أن تحذيرات الساحر الغامض قد تحققت!

التوزان تم تدميره وأثناء أحتفال الجنود بنجاح الحملة ظهرت بعض الغيوم السوداء ثم تجمعت حتى بدأت عاصفةُ شديدة جداً أنتشرت إلى أرجاء القارة بلا توقف بينما ضربت صاعقةُ سوداء قوية أحد حواف القارة لتفتح مكانها بوابةٌ كبيرة من السحر الأسود, الجنود الذين كانوا هناك لم يصدقوا ما حصل فقد خرج منها الأموات الأحياء من الوحوش التي قتلوها بل وحتى خرجت بعض الوحوش المنقرضة من العصور القديمة!

حاول بعض الجنود القضاء على هذه الوحوش ولكنها كانت قويةً بشكلٍ غير متوقع مما جعل ما تبقى منهم ينسحبون لطلب التعزيزات ولإرسال التقارير حيال هذا ولكنهم تفاجئوا عندما عرفوا بأن هؤلاء الأموات الأحياء يجتاحون القارة من البوابات التي فتحت في أنحاءها بسبب البرق الأسود!

تحذيرات الساحر الغامض لم تكن مجرد كذبات وخرافات مجنون! الأن على الجميع تحمل عواقب حملة التطهير العظيم!


نهاية العالم... قد بدأت!


2018/08/27 · 468 مشاهدة · 1509 كلمة
Kranel_san
نادي الروايات - 2024