خرج من منزله الرث، وبخطوات ثقيلة تُسمع من بعيد، بالرغم من صغر سنه، متجهاً للسوق الشعبي، قاصداً الحداد، ليشحذ سيفه التالد، صرخ بقوله فور وصوله


:-عمّي الحداد، هل أنت هنا؟"


ثم استنشق بعض الهواء الممتزج برائحة الدخان ثم أخرج سيفه :-ستصقل بعد قليل، لا تحزن"


كان يعامل السيف كأنه جزء منه، لم يفارقه أبداً منذ وفاة والده.


صوت من بعيد يصرخ


:-أهذا أنت يا قاسم؟"


:-نعم يا عمّي"


:-أيها الشقي، لا تقل بأنك تريد سيف جديد، لقد صنعت لك حتى الآن آلاف السيوف"


:-لا يا عمي، أحضرت شيء جديد، فقد حان الموعد!" قالها بتنهيدة طويلة


ركض الحداد بسرعة، كأن كنزا ينتظره


:-دعني أرى"


أخذ السيف ثم بدأ يتفحصه بعدها صرخ قائلًا :-هل بلغت الخامسة عشر أخيراً لتستخدم إرث والدك؟"


حكّ أنفه قليلاً وارستمت الابتسامة عليه


:-نعم، أستطيع استخدامه الان، كما ذكر والدي العزيز في وصيته، لن أطلب منك المزيد من السيوف القديمة"


:-تلك لا تقارن بهذا السيف، أعدك بأنه سيكون كالجديد تماماً، بل أفضل"


:-وأنا أعدك يا عمّي، سأنتصر في النزال وأقابل الملك ثم أصل لغايتي وأبدد ظلم بعض النبلاء بسيفي!"


تنهد الحداد ثم دنى من قاسم وداعب خصلات شعره الفضي


:-لا تفكر بهذه الطريقة يا بني، عندما تقابل الملك ستتضح لك أمور كنت تجهلها.. والآن سأرجع لأكمل عملي"
بعدها أدار ظهره وذهب ليشحذ السيف بعدما أخبره بأن المدة ستكون خمسة أيام


خرج الفتى من المكان وبدأ يفكر في كلام الحداد، ويتساءل ماذا سيتغير إن قابل الملك، وما الذي سيفهمه منه؟ أكمل طريقه حتى قابل عدة رجال دارت بينهم مناقشة عن ظلم الوزاء لهم، وقف يتأمل في حديثهم، لعلّه يلتقط شيء يفيده، ولكن لا فائدة، مضى في طريقه ليتوقف رغماً عنه، بعدما طُرح على الأرض من قبل رجل ضخم البنية، خلفه فتًى يافع :-ابتعد عن الطريق يا قاسم.


هكذا قالها بصوت عالٍ.
حدق قاسم فيه وبعدها بصق على الأرض وقام بعدما قال :-تباً، نسيت مكانتك عندما خدمته"


:-ابتعد عن الطريق، فأنا في مهمة رسمية ولن أتهاون حتى وإن كنا من نفس القرية، لن أرحمك لأن واجبي حماية سيدي وتمهيد الطريق له في هذه اللحظة"


:-اهدأ أيها الخادم، إنه مجرد جرذ، تجاهله وأكمل طريقك!"
قالها ذلك الفتى الجالس على الكرسي الكبير المحمول على أكتاف بعض العبيد


:-حسناً سيدي"


ضحك قاسم بسخرية :- قل له سيدتي، شكله لا يوحي بأنه فتى،شعر أحمر، عينان خضراوتان، ناصع البياض، صوت رقيق، لا شيء يوحي بأنه رجل"


تسمر في مكانه بعدما أنهى كلامه مجرد ثوان فقط قفز الفتى الغني من الكرسي ليقف أمام وجه قاسم...


:-ما خطبك تجمدت في مكانك؟ أنا لم أخلق نفسي، وعلى الأقل أملك الشجاعة الّتي تؤهلني، فقد بنيتها بنفسي، وماذا عنك متسمّر في مكانك؟"


تراجع قاسم إلى الخلف:-سأهزمك في البطولة التي تقام في المدرسة الملكية، وخدمك حولك الآن لن أتهور!"


:-إن استطعت الوصول! ، ستجدني بانتظارك، واسمي يزن، لا تنسه يا صاحب الشعر الكثيف"
بعدها أكمل طريقه


نفض قاسم الغبار عن ملابسه وابتسم لأنه تذكر والده عندما كان يناديه أحياناً -بقاسم صاحب الشعر الكثيف- ثم توجه إلى المنزل الذي لم يتبقى له أحد فيه، أمه قد توفت أثناء ولادته أو هذا ما أخبره والده، ووالده مات أمام عينيه بعدما قتله قطاع الطرق ثم سقط من الجرف السحيق، بقي وحيداً يعاني، يعيش تحت سقف هرِم، لم يتبقى له شيء سوى ذلك السيف والمخطوطات الّتي نقش فيها تقنيات والده ومخطوطات لا يعرفها تنتمي لمن، دخل المنزل ولم يلبث حتى باشر بالتدريب، وقف على يديه، ثم أصابعه وبدأ العد حتى وصل المئة ثم كرر الحركة عشر مرات، بعدها أغمض عينيه ثم بدأ يركز في الطاقة التي بدأت تنتشر في جسده بعدما بلغ الخامسة عشر، شعر بوخزات خفيفة تتدفق من صدره ثم تتوزع على جسده كله، ركز تلك الوخزات في يده و بعدها فتح عينيه ليصرخ قائلاً بعدما رأى تلك الكرة البيضاء


:-أخيرًا استطعت استعمال السحر، انتظروني أيها النبلاء حتى أصل إليكم"


بعدها ذهب إلى جبل الوحوش ليتدرب على السحر الذي بدأ ينمو فيه، وتجاهل التحذيرات التي وضعت، فقد منع على من هم أقل من مستوى الشرنقة!، ففي القارة قد قسمو القوة إلى عدة أقسام وألوان، تبدأ من يرقة ثم شرنقة و تنتهي بالفراشة، ولكل مستوى سبعة الوان، الأول يسمى الأبيض ثم الأخضر، الأحمر، الأزرق وتنتهي بالأسود، قيل بأن من اختار هذه الأسماء كان أقوى شخص عرفته البشرية كلها، واختارها بسبب حبه للفراشات، ولم يستطع أحد المعارضة فبكل بساطة، الأقوى ثم الأقوى.
دخل قاسم للغابة وشعر برجفة شديدة في جسده كله، هالة مخيفة أحاطت به، أحس باختناق شديد وبعدها سقط على ركبته من قوة الهالة، كانت هذه المرة الأولى التي يشعر بهالة كهذه، و ما إن اختفت حتى سمع ضحكات رجل كبير في السن ثم أردف قائلًا


:- مجرد طفل و تحاول دخول هذه الغابة؟"



2020/12/28 · 332 مشاهدة · 729 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024