-
-
-
دخل قاسم للغابة وشعر برجفة شديدة في جسده كله، هالة مخيفة أحاطت به، أحس باختناق شديد وبعدها سقط على ركبته من قوة الهالة، كانت هذه المرة الأولى التي يشعر بهالة كهذه، و ما إن اختفت حتى سمع ضحكات رجل كبير في السن ثم أردف قائلًا


:- مجرد طفل و تحاول دخول هذه الغابة؟"


:-أعتذر منك أيها العم المحترم ولكني أتيت إلى هنا للتدريب"


:-أرى بأنك قد دربت جسدك جيداً، ربما تصمد ثوان قليلة بمستواك الحالي، فأي أحمق يبدأ بالتدريب في الغابة فور ظهور تسرب من طاقته السحرية؟"


:-أستطيع الصمود أكثر فأنا محارب شجاع ولا أخشى شيء"


وفي الحقيقة لم يفهم قاسم معنى كلام الرجل المسن بقول ظهور تسرب من الطاقة، ولكنه سايره في الكلام.


:-الثقة بالنفس جيدة ولكنك دخلت للمنطقة الخطأ أيها الطفل، ألا تعلم بأن هنلك مستويات لكل قسم في الغابة؟"


فكر قاسم في نفسه بأن الرجل الواقف أمامه قوي جداً وذو خبرة كبيرة، و أراد أن يتعلم منه القليل، فلم يستطع أن يتحمل تكاليف التعلم، أنحنى ثم بنبرة احترام


:- شكراً لأنك أخبرتني بهذا، لم أكن أعلم شيء، فأنا من طبقة الفقراء كما ترى"


:-أن تكون فقيراً لا يعني أنك جاهل!، فالفقر لا دخل له بالعلم والقوة، ففي هذه الحياة لن يمهد لك الطريق أحد سواك، حصّن نفسك و شق طريقك بنفسك حتى تصل لمبتغاك"


وضع قاسم يده على شعره ثم أغلق عينيه :-كيف أشتري الكتب ولا أملك شيء؟"


:-شق طريقك خطوة بخطوة، وسأعطيك شيء ربما يفيدك مستقبلا ولكن عليك إخفاءه جيداً حتى من أقرب الناس إليك، وبعدما تنموا قوتك أكثر ستعلم السبب"


اندهش من كلام الرجل الكبير و بعدها قال بحماس
:-حسناً وأعدك لن يراه أحد حتى أعلم السبب!"


بعدها ظهر كتاب فيه أوراق كثيرة لدرجة أنها حجبت ضوء الشمس في تلك المنطقة و ما أن لمسه قاسم بيده حتى أصبح ورقة واحدة فقط، سوداء اللون لا شيء فيها


:- ماذا أفعل بها وكيف ستفيدني؟"


:-ضعها على صدرك و ستخفي نفسها"


نفذ قاسم ما أخبره ذو الرداء الأسود، ثم اختفت الورقة في جسده وبدأ يحكه وحاول خدش صدره، ظناً منه بأنها لفيفة التحكم، ثمتوقف عن الحركة بعدما قيل له


:-لا تقلق أيها الصغير وعليك أن تحترس في الأيام القادمة. أنهى كلامه ثم اختفى"


عاد قاسم حائراً ولم يكمل طريقه خلال الغابة مخافة أن يموت، وذلك لأن مستواه كان بعيد عن مجابهة تلك الوحوش الشرسة ثم ذهب إلى السوق الذي اعتاد أن يبيع فيه الخشب ولكن هذه المرة جلس و أثنى قدميه ويستعد للتأمل؛ لكي يستشعر الطاقة السحرية، ويستغل وقته على الأقل. ثم فقد وضع لافتة صغيرة فيها ملاحظة(حزمة الخشب بعملة نحاسية واحدة، اترك المال في السلة الخضراء) وضعها لكي لا يزعجه احد و يقاطع تأمله، انقضى الوقت حتى غربت الشمس وبعدها استيقظ على صوت الحداد بعدما صرخ في وجهه قائلاً


:-أي أحمق يتأمل هنا، ومنذ متى أنت هكذا؟.


فتح قاسم عينيه و كأنه قد غفى في تأمله، تلعثم ثم استوعب أنه قضى عدة ساعات يتأمل


:-أعتذر لقد غفوت و أنا أتأمل، ومتى غربت الشمس، فقد كانت في كبد السماء عندما بدأت التأمل"


استغرب الحداد منير من كلامه، ففي العادة لا يستطيع أحد التأمل كل هذه المدة إلا إذا كان قد وصل لمرحة الشرنقة الحمراء على الأقل


:-اتبعني للمنزل أيها الصغير"


ذهبا إلى منزل منير وبعدها جلسا على تلك الطاولة الخشبية المستطيلة الشكل، نظر قاسم للأسفل بعدما أتت زوجة منير وابنتهما البالغة من العمر أربعة عشر عاماً، ذات الشعر الأشقر الحريري الطويل، ركضت باتجاه قاسم واحتضنته ثم قالت


:-لماذا لا تزورنا كثير يا قاسم؟"


احمر وجهه خجلاً. منير وزوجته ضحكا بشدة ثم قال الفتى بتلعثم


:-أنتِ كبيرة الان أيتها الغبية لا تقفزي عليّ هكذا، ستكسري ظهري"


عقدت حاجبيها وضربته على رأسه


:-لا يهم العمر، ففي النهاية قد اتفقنا ووعدنا بعضنا البعض على أن نصبح الأقوى في هذه القارة"


ابتسم ثم لمعتا عينيه ونظر في عينيها:-محال عليّ نسيانه"


تكلمت السيدة بشائر بقولها :-أيها الأطفال، اجلسا بسرعة فهذا وقت العشاء وليس وقت تذكر الوعود والمغازلة"


جلسا وبعدها باشرو بتناول الطعام اللذيذ وبعدما انتهو، قام السيد منير وطلب من قاسم أن يتبعه، ذهبا إلى غرفة الحدادة ثم أحضر السيف الذي قال سينهيه بعد خمسة أيام، تعجب الفتى من فعل الحداد ثم بادر بالسؤال


:-أعطيك السيف في الصباح فقط، هل انتهى حقاً؟"


:-كل ما في الأمر يا صغيري، هو أنني لم أستطع استخدام المطرقة السحرية لشحذه ولا أستطيع الشعور بأي شيء فيه، بحسب خبرتي هذا السيف لا يشحذ هكذا وإنما عن طريق طاقتك أنت فقط فهذا إرثك!"


:-ولكنّي لا أعلم كيف، هل أمرر الطاقة له فقط؟"


:-نعم هكذا فقط، وليكن في علمك بأني لم أحضرك إلى هنا لإخبارك عن السيف فقط، ولكن لأسئلك كيف استطعت التأمل لمدة طويلة؟ و أرني لون طاقتك السحرية"


لم يفهم قاسم السؤال بالتحديد لأنه اول مرة في حياته يمارس التأمل، وذلك لأن الشخص الذي لم تظهر عليه علامات السحر لن يستطيع و إن حاول سيشعر بأن جسده يتمزق وربما يفقد حياته ولكنه ركز طاقته في يده ثم ظهرت كرة شفافة بداخلها ثلاث طباقت و كل طبقة بلون مختلف، الأصفر ثم الأزرق و الطبقة الأخير باللون الأسود، انذهل منير مما رأته عيناه، أول مرة في حياته يرى طاقة كهذه، شعر بأن لدى قاسم طاقة كامنة ورثها من والديه، ثم استوعب الأمر وقام من مكانه ليحضر السيف، و بعدها سلمه لقاسم ثم أمره بالتركيز في السيف وإرسال الطاقة بداخله، كأن السيف جزء منه، وفي هذه المرة أغمض عينيه و استمر الأمر لمدة خمس دقائق تقريباً ثم دمعت عيناه وقال بصوت خافت


:-أبي"


بعدها سقط مغشياً عليه ثم التقطه منير وعلى وجهه علامات التعجب، حمله ثم وضعه على السرير والحيرة كادت تقتله، لم يعلم لماذا نادى قاسم والده ولماذا سقط مغشياً عليه، لم يفهم الحداد شيء ثم ذهب للنوم أيضاً.


-
-
-
-
-


2020/12/28 · 283 مشاهدة · 898 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024