-


-

وفي صباح اليوم التالي استيقظ قاسم على صراخ ميار، في البداية لم يستوعب الأمر ولم يكن يعلم الوقت بالتحديد، ثم صرخ بقوله


:-ماذا تفعلين في غرفتي أيتها الحمقاء؟"


انفجرت ميار من الضحك، وبعدها وقفت باعتدال ثم نفخت صدرها وقالت بنبرة غرور


:-انظر جيداً أيها الأحمق، سريري ليس متسخاً على الأقل"


استوعب قاسم ثم بدت على وجهه علامات الحزن وبعدها ابتسم بتثاقل وقام من السرير الخشبي، الذي صنع من بعض القطن ومغطى بجلد دب قد تحول لوحش سابقاً، فروه نمى كثيراً ولذلك اتخذته فراشاً لها. ولم تكن غرفتها كبيرة في حد ذاتها بل كانت صغيرة وتتسع لسرير صغير ودولاب للملابس، بيد أنها كانت تهتم بها كثير.
شعرت ميار بشيء من الحزن بسبب كلماتها عن غرفته لأنها تذكرت بأنه في الأساس لا يملك منزلاً، غير كوخ بسيط بالكاد يقيه في الشتاء ووقت هطول الأمطار الغزيرة ولم تدم نظرة الحزن كثير حتى ابتسمت ثم ركضت باتجاهه وقفزت على ظهره مما أدى لسقوطهما معاً، سقط قاسم على وجهه ولكنه لم يتأذى ابداً ثم صرخ:-أيتها الغبية سوف أحطمك"


وقف على قدميه وضم أصابع يديه وفرقعهما ثم اعتلته نظرة خبث وبصوت خافت قال


:-حان وقت التأديب"


ضحك بسخرية ثم مد يده ليشد شعرها ولكنها صرخت قائلةً:- توقف أرجوك عندي لك مفاجئة ولن أخبرك عنها إن آذيتني"
وفي هذه اللحظة توقف قاسم ولم يفكر بمقاومة الإغراء أو التظاهر بذلك بل أصبح كالخادم المطيع بسبب فضوله الذي يعتبر نقطة من نقاط ضعفه والتي ستقوده لاحقاً لمشاكل كثيرة.


مد يده ثم بلطف:-دعيني أساعدكِ على النهوض سيدتي"


:-عليك أن تقبّل يدي ايضاً يا خادمي المطيع"


ولكن سرعان ما نسي قاسم أمر المفاجأة وصرخ في وجهها


:-سيحطمكِ هذا الخادم الآن أيتها المغرورة"


ولحسن الحظ ظهر الحداد منير ونادى عليهما لأكل الفطور الذي أعدته السيدة بشائر.
ذهبا معاً وهمس قاسم في أذن ميار


:-تم انقاذك هذه المرة"


بعدها سارعت ميار بخطواتها حتى جلسوا جميعهم على تلك الطاولة الخشبية مستطيلة الشكل.
وكالعادة انهى طعامه بسرعة ثم توجه للسيف وبعدها قصد الباب وتوقف بعدما سمع ميار تقول "المفاجأة"
عاد مسرعاً ومتلهفاً لتلك المفاجأة التي اعدتها له صديقة طفولته.
ثم قالت له بعدما وقف أمامها مباشرة، مد يديك وأغمض عينيك... وضع السيف فوق المنضدة ثم فعل ما أمرته، شعر بوخزات خفيفة جداً ثم اختفت، فتح عينيه ليعرف سبب شعوره بالوخز، ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه، أحس بالفرحة تجتاحه، فهذه أول هدية يحصل عليها في حياته، تحسس القفازين ثم صاح بقوله


:-هدية رائعة، شكراً لكِ يا صديقتي العزيزة ميار"


تحمحمت ميار


:-ستشكرني أكثر بعدما أخبرك بسر هذين القفازين"


لم يتحدث قاسم ولكنّ الدهشة لم تفارق عيناه، ثم أكملت كلامها


:-السر الأول، إن هذه القطعة الصغيرة التي على ظهر يدك، تعتبر من أشد المعادن صلابة وأخفها وفوق هذا كله، أبي من صممها خصيصاً لك و تستطيع صد بعض الضربات بها، كأنها درع قوي. والسر الثاني، لن يعيقك القفاز ابداً ولن تشعر بأنك ترتديه وأيضاً سيزيد من حدة السيف الذي يتصل به وسيكون أقوى ولكن عليك أن تمر طاقته إليه وتدمجها بالسيف، وبالطبع هذا من فعل أمي والتي تعتبر من أقوى الساحرات في قارتنا كلها"


قاسم أصبح كأنه قط مدلل، قبل يد السيدة بشائر ليشكرها ثم حضن العم منير معبراً عن امتنانه، وفي داخله يردد:-سأطور نفسي وأدفعها لأقصى حدود تحملها لكي أحميكم من كل شيء"


ابتسم الحداد ثم قاطع اللحظة بقوله


:-لا تحضنّي هكذا كأنك فتاة، تعال معي للمهمة التي وكلت لي والتي ستستمر خمسة أشهر، أريد أن أعلمك بعض الأشياء في فن السيف، لا أريد منك الخروج من المنافسة من أول نزال لك"


:-لن أخسر لا تقلق عليّ، ولا تنسى بأني كنت أتدرب على المهارات التي تركها لي ابي، كنت اتدرب منذ أن كان عمري تسع سنوات تقريباً، من المحال ان أخسر هكذا"


:-تدربت على المهارات وصقلتها ولكنك لم تدخل في نزال حقيقي حتى الآن ولم تواجه أي وحش، الخبرة من المواجهات الحقيقية تختلف عن التمارين الفردية، والآن لنذهب ولا أظن بأن لك أمتعة تأخذها من كوخك يا ولدي، سنشتري كل ما نحتاجه في الطريق"


:-حسنا يا عمّي انا طوع أمرك وسأكون عند حسن ظنك ولن أخذلك"


بعدها أخذا بعض الحاجيات البسيطة، منها الطعام المجفف، وضع قاسم الحقيبة الصغيرة على كتفه ثم لحق بالحداد منير، وعلى عتبة الباب توقف قليلاً، ابتسم ورفع يده اليمنى بعدما قالت له ميار


:-سأكون قد بلغت الخامسة عشر عندما ترجعا، وسوف أدخل المنافسة بجانبك وأظنك تعرف مدربتي مسبقاّ"


همس بصوتٍ خفيف:-متشوق لرؤية تطورك. ثم أكمل طريقه"


ذهبوا للقاء بقية الأفراد الذين تم اختيارهم لهذه المهمة الصعبة والطويلة، وفي أثناء سيرهم تذكر منير مناداة قاسم لأبيه عندما أمسك بالسيف وبدأ بتوزيع طاقته فيه، بالرغم من أنه لم يشأ تذكيره ولكن كان مجبر على هذا من باب الإحتياط، وضع يده على كتف الفتى ثم سأله


:-هل تذكر يا قاسم عندما طلبت منك توزيع طاقتك بداخل السيف؟"


ابتسم قاسم لأنه تذكر تلك الكلمات التي سمعها أثناء توزيعه لطاقته :-نعم أتذكر"


:-شكلك يوحي بأنك تذكرت شيء يسعدك، أخبرني لماذا ناديت والدك في تلك اللحظة؟"


:-في الحقيقة ياعمي سمعت صوت والدي وهو يبارك لي ويشجعني، سأخبرك ما سمعته( مبارك على بلوغك الخامسة عشر من عمرك يا صغيري وعلى تفعيلك لطاقتك السحرية ويبدوا بأنها متطابقة تماماً لنوع طاقتي ولذلك استطعت تفعيل السيف، سأختصر الحديث يا ولدي، عليك بتعلم الفنون التي تركتها لك وكلما تتقن مهارة ستظهر لك التالية مع شرح بسيط، على الأقل هذه هديتي... ويبدوا بأني سأكون ميتاً في هذه اللحظة، أعتذر لأني تركتكم تقاسون من دوني، أحبك يا ولدي) هذا كل ما قاله في تلك اللحظة ولا أدري لماذا قال تركتكم ولم يقل تركتك، هل كان يقصد التعزيز من شأني ام ماذا لا أدري، وعلى كل حال سأتقن أسرار هذا السيف ولن اشتكي أبداً"


لم يقل منير شيء ولكنه ربّت على ظهر قاسم وأكملا طريقهما حتى وصلا لنقطة التجمع، بعضهم لم يبعد عينيه عن قاسم وعلامات الاشمئزاز واضحة في وجوههم مستنكرين وجود طفل بينهم، وفي النهاية نطق أحدهم لم يتحمل الوضع وقال:-يبدوا بأننا أصبحنا حضانة للأطفال"


وعلّق شخص آخر أيضاً:-يبدو بأنهم يريدون التخلص منه في أسرع وقت"


غضب قاسم وأطبق على يده وقبل أن ينطق بشيء، تحدث منير


:-إذاً ما رأيك أن تكون الأم الحنون لهذه الحضانة يا صاحب تسريحة ذيل الحصان؟"


ضحك الجميع من كلامه ساخرين من صاحب تسريحة ذيل الحصان ولكنه لم يغضب كثيراً سوى أنه قول


:-أنت من أحضره هنا وعليك أن تهتم به، كل ما في الأمر هو أننا لا نريده أن يعيق مهمتنا ولا ننشغل بحمايته"


تحدث رجل تصدر منه هالة قوية مشابهة لهالة الحداد


:-لا عليكم أيها الشجعان، أعلم يقيناً مقدار قوة القائد منير، لندع الفتى له"


وفور سماع الذين سخروا بأن منير قائدهم، اعتذروا منه مباشرة؛ لأنهم كانو متشوقين لرؤيته فقد سمعوا عن بطولاته وانتصاراته كثيراً ولو أنه لم يرفض طلب الملك منذ عدة سنوات لكان قائد الفرسان، غير أنه رفض العرض لأسباب الخاصة ولم يجبره الملك بل تقبل رفضه برحابة صدر.
نطق مرة أخر صاحب تسريحة ذيل الحصان، تقدم وانحنى باحترام أمام القائد ثم قال بنبرة جد تحمل فيها بعض المزاح


:-إن اسمي عزان وأنا أعتذر عما بدر مني ولأكفر عنه، سأكون الأم الحنون له أيه القائد"


لم يستطع منير تمالك نفسه ثم انفجر ضاحكاً وكذلك قاسم، ثم تحدث بجدية وكانت تصدر منه تلك الهالة التي تجبر الجميع على الإنصات له وعدم المقاطعة


:-لا عليك يا عزان، من حقك أن تستنكر وجود طفل بيننا، ولكني اتخذته تلميذ لي وصادف أنه تم استدعائي لهذه المهمة، لذلك قررت أخذه معنا، وبما أنك قد تبرعت لتكون درعه، لك هذا وعليك أن تنتبه عليه في حال هاجمتنا وحوش كثيرة"


:-أمرك أيها القائد"


وهنا تقدم الرجال صاحب الهالة المشابهة للقائد منير


:- هذه الملامح الجادة والشعر الأسود، ، وذلك السيف خلف ظهره، كل هذا يذكرني بشخص عرفته سابقاً... أيعقل...أيعقل يا منير بأنه ابن ذلك الرجل الذي قادنا في حرب القمة؟"


-
-
-
-
-
-


2020/12/28 · 208 مشاهدة · 1215 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024